عندما ضاع عيد المسلمين.. الإمام الصدر يؤكد على الطريقة العلميّة لتعيين يوم العيد

الاجتهاد: الاختلافات بين الشيعة والسنة في تحديد شهر رمضان المبارك كانت كبيرة لدرجة أن المسيحيين قد ضربوا بعيد المسلمين الأمثال، لكن الإمام موسى الصدر وجد طريقة علمية لحل هذه المشكلة.

لطالما كانت رؤية هلال الشهر موضع اهتمام علماء الدين، وتسببت هذه المشكلة في بعض الأحيان في الاختلافات في الإعلان عن بداية ونهاية شهر رمضان، بمعنى آخر، على الرغم من أن شهر رمضان هو شهر الانعتاق من جميع الاختلافات، وعلى هذا الأساس فإن بعض الأفكار المسبقة والعصبيات جعلت الثقافة الحقيقية لهذا الشهر جزءًا من النسيان.

وكان الإمام موسى الصدر واحدًا من أبرز الشخصيات التي حاولت إنهاء هذه الاختلافات وتأكيد الثقافة الأصلية لهذا الشهر، وخلال هذا العقد؛ أصبح العديد من الإيرانيين مُطّلعين على الإمام موسى الصدر وبعض جوانب تفكيره وأصبحوا على دراية بأنشطته من خلال معهد الإمام موسى الصدر والعلماء، الذي نشر سلسلة مكوّنة من 12 مجلدًا قيّمًا تحت عنوان “خطوة بخطوة مع الإمام”.

الإمام الصدر ومنذ بداية حضوره في لبنان، عمل على التقريب بين المذاهب الإسلامية وتقليل مجالات الانقسام بين المسلمين، حيث كان قادرًا على تعزيز ثقافة “الحوار” بين أتباع الديانات المختلفة في لبنان.

شهر رمضان المبارك كان أحد أبرز الجهود التي بذلها في هذا المجال، حيث سعى الإمام للتأكيد على الوحدة الإسلامية خلال هذا الشهر، وإذا احتفل كل من الشيعة والسنة بعيد الفطر في يومٍ واحد، فستزداد قواسمهم المشتركة وتصبح مسألة الوحدة أكثر واقعية وأكثر عملية.

وفيما يلي مقابلة مجموعة التاريخ الشفهي بمعهد الإمام موسى الصدر للبحوث الثقافية مع خبيرين تعاونا مع الإمام موسى الصدر بمناسبة وحدة يوم العيد.

العميد المتقاعد حافظ الحجّار وهو لبنان من أهل السنة يقول عن الإمام موسى الصدر: “التقيت عن طريق أحد صديقي بالإمام موسى الصدر، كما التقيت بالإمام في جلسات مختلفة وعديدة، حاول الإمام كلّ جهده للتقريب بين الطوائف الدينية والفرق المذهبية من بعضها البعض، ونحن كنّا ندعم هذا النوع من الفكر والحركة، وكنا نود أن نتخلص من الخلافات بين الشيعة والسنة”.

الإخوة المسيحيون، عندما يريدون أن يُبِّخوا أطفالهم يقولون: “أضاعك الله كما أضاع المسلمين يوم عيدهم” وتابع في إشارته إلى رؤية هلال شوال: “أتذكر مرة أنّ الإمام اتصل بي وأخبرني أنّه يُريد لقائي، ذهبت للقائه في المجلس الشيعي الأعلى، قال: “لا يصح أن يأتي شهر رمضان وينتهي ويقول أحدهم إن الغد هو العيد، ويقول آخر العيد ليس الغد، نحن يجمع أن نفعل شيئًا حتى يكون العيد في نفس اليوم عند الجميع”.

وأضاف الإمام كما يروي الحجار: “اليوم، ومع وجود الدراسات الفلكية؛ أصبح من الواضح أنه في اليوم الفلاني سيهل قمر الشهر الجديد، يجب أن ننتهز الفرصة لحل هذه المشكلة”، ثم وجّه الإمام حديثه إلي: “أنت تخرجت من الجامعة اليسوعية وأنت تعرف مهندسين في هذا الموضوع، طلبي هو مساعدتهم في إيجاد طريقة للإعلان عن قدوم العيد، أجبته بالقبول ودعوت بعض زملاء الدراسة وعقدنا اجتماعًا لهذا الغرض.

وأشار الحجّار أيضاً إلى معرفة الإمام موسى الصدر بالحوارات التي كانت تجري حول الأبحاث الفلكية: “في كل مرة نذهب فيها للقاء الإمام كنّا نتعجب من قدرته على الإحاطة بالموضوع بشكل رهيب، وإذا كان الحديث يدور عن الفيزياء؛ فإنه يتحدث عن الفيزياء، وإذا كُنّا نُناقش الحوسبة الرياضية، فإنه يناقش بالرياضيات، الإمام بالطبع، الإمام لم يتوقف عند هذا الحد، فعلى سبيل المثال طلب في إحدى المرّات كتبًا من دار نشر فولشام في المملكة المتحدة حول تلك الموضوعات، وبعبارة أخرى؛ كان باحثًا في هذا الموضوع، حتى إنّه أخبرني في إحدى المرات أن أطلب أي كتاب غير موجود هنا ليأتوا به من الخارج”.

بدوره محمد علوش، الرئيس السابق للإدارة العامة للشؤون الجغرافية في الجيش اللبناني، تحدث حول كيفية معرفته بالإمام موسى الصدر، حيث يقول: “كنتُ ضابطًا بالجيش وتخرجت في هندسة الجغرافيا، كان أحد تخصصاتي دراسة الكواكب وعلم الفلك وعلاقتهما بشؤون الأرض، أخبرني زميلي حافظ الحجّار أن السيد موسى الصدر يريد الاستفادة من علم الفلك لإثبات شهر رمضان، بحيث يكون العيد الإسلامي واحداً، سُررت بهذا الموضوع وأعربت عن اهتمامي البالغ، في الاجتماع الأول، تمت دعوة العديد من الشخصيات الدينية ورجال الدين، بالإضافة لوجود بعض الزملاء العسكريين وغيرهم من الحضور.

انتقد الإمام في خطبته طريقة الإعلان عن شهر رمضان المبارك، لا أعلم من قال إن إخواننا المسيحيين عندما يريدون أن يُبّخوا أطفالهم يقولون: “أضاعك الله كما أضاع المسلمين يوم عيدهم”، قال الإمام في ذلك الوقت: “هذا الوضع غير مقبول، نحن في القرن العشرين، لقد ذهب الأمريكيون إلى القمر، وهناك حساب دقيق، وما زلنا غير قادرين على إيجاد طريقة علمية لمعرفة وقت ولادة القمر ومتى سيُرى،! وأضاف الإمام: “صوموا لرؤيته وافطروا لرؤيته”.

ومع التأكيد على هذا الحديث، أكد الإمام الصدر أن البصر ليس بالضرورة في العين، المشاهدة بالعينين والبصيرة بالعقل، مستشهدًا بهذه الآية من القرآن، والتي يقول النبي يوسف: “إني رأيت أحد عشر كوكبًا”، كيف رأى النجوم وهو نائم؟ لذلك الملاحظة الذهنية أكثر دقة، وهذا أكثر أمانًا من المشاهدة بالعينين.

في هذه الأثناء، أيّد عدد من الحضور كلام الإمام الصدر، وأكّدوا على وجود أخطاء عديدة للملاحظة بالعين، وبشكل عام، كان الإمام على دراية بقضايا الفلك، فعلى سبيل المثال مع الحسابات في شروق الشمس وغروبها، كان مُطلعًا وواثقًا بشكل كامل.

أخيرًا، جرت التجربة الأولى في العام 1974، وحدد السيد موسى الصدر، بعد حسابنا، وفي رسالة مُستندة إلى الحسابات الفلكيّة، تمّ تحديد يوم العيد وإرساله إلى السيد عبد الأمير قبلان، المفتي الجعفري الممتاز في ذلك الوقت، ليقوم السيد قبلان بإعلان يوم العيد، وكتبوا في الصحف بأنّه تم تحديد يوم العيد من خلال الحساب الفلكي، وكانت هذه هي المرة الأولى التي يُحسب فيها شهر رمضان المبارك بالطريقة العلمية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Slider by webdesign

Clicky