الاجتهاد: علامات البلوغ في المذهب الإمامي: المعروف المشهور بين فقهاء الإمامية أن بلوغ المرأة يكون بأحد أمور: إما بالإنزال وإما بالحيض أو بالنبات وإما بإكمال تسع سنين، وإليك آراء القدماء منهم التي احتجّ بها بعض المتأخرين:
1ـ الشيخ الصدوق (381هـ): قال في كتابه المقنع: وروي عن أبي عبد الله “عليه السلام” أنه قال: على الصبي إذا احتلم الصيام وعلى المرأة إذا حاضت الصيام والخمار، إلا أن تكون مملوكة فإنه ليس عليها خمار، إلا أن تحب أن تختمر، وعليها الصيام<([5]).
وقال ـ بعد أن أورد الروايات في الحدّ الذي يؤخذ فيه الصبيان بالصوم، منها الرواية المتقدمة ـ قال: وهذه الأخبار كلها متفقة المعاني، يؤخذ الصبي بالصيام إذا بلغ تسع سنين إلى أربع عشرة سنة أو خمس عشرة سنة وإلى الاحتلام، وكذلك المرأة إلى الحيض ووجوب عليهما بعد الاحتلام والحيض، وما قبل ذلك تأديب([6]).
وظاهره في كلا الكتابين ـ المعبّرَين عن فتواه ـ عدم العبرة في وجوب الصوم والحجاب إلا بالحيض دون العلامات الأخرى، لكن هذا لا يعني أنه ـ الصدوق ـ لا يرى بلوغ الجارية تسع سنين بلوغاً مطلقاً، وإنما ذلك خاص بالصوم أو بمطلق العبادات، وأما في غيرها فإنّه يبتنى روايات التسع في انقطاع يتم الجارية وجواز الدخول بها وإقامة الحد عليها أو لها ([7])، فظاهره التفصيل بين آثار البلوغ الشرعية، ولذلك أورد في كتاب الحج من الفقيه([8]) رواية إسحاق بن عمار في أن الحج يجب على الجارية إذا طمثت، وروى في باب أدب المرأة في الصلاة رواية يونس بن يعقوب عن أبي عبد الله (ع) في الرجل يصلي في ثوب واحد؟ قال: نعم، قلت: فالمرأة؟ قال: لا، ولا يصلح للحرة إذا حاضت إلا الخمار إلا أن لا تحدّه([9])،
وخلاصة الكلام أن ظاهر الصدوق أنه أبقى كل رواية في موردها ولم يعمّمها إلى غيره، خلافاً لما هو المعروف من وحدة معنى البلوغ وآثاره ولوازمه الشرعية.
2 ـ الشيخ المفيد (413هـ)، ولم أجد له ـ حسب تتبعي ـ رأياً متكاملاً في مسألة البلوغ، إلا أنه يظهر منه إناطته وجوب الصوم على المرأة بالحيض، حيث حكم في باب حكم من بلغ في شهر رمضان بأن الجارية إذا بلغت في شهر رمضان المحيض أثناء الشهر استقبلته ولم تقض ما فاتها من الصوم([10])، ولو كان يرى وجوب الصوم بالسنّ لبيّنه لا محالة، لأنه ـ وهو تسع سنوات ـ متقدّم على الحيض كما سيأتي توضيحه،
كما أنه يرى سنّ الحيض([11]) وجواز الدخول بالجارية([12]) تسع سنوات، فيظهر من الشيخ المفيد كشيخه الصدوق التفريق بين آثار البلوغ، فلا تغفل عن ذلك.
3 ـ السيد المرتضى (436هـ)، ذكر ما ذكره أستاذه المفيد في مسألة الصوم في رسالته، فالكلام عين الكلام([13]).
4 ـ الشيخ الطوسي (460هـ)، وقد تعددت آراؤه في مسألة بلوغ النساء، ففي الخلاف([14]) ادعى الإجماع ودلالة الأخبار على بلوغها بتسع سنين، وفي كتاب حجر المبسوط ([15]) أفتى بتحقق البلوغ في النساء بخروج المني والحيض والحمل والإنبات والسنّ وهو (تسع) سنين، وروي ـ حسب قوله ـ عشر سنين،
لكننا نراه يخالف هذا الرأي في صوم المبسوط ([16]) فيقول: وأما البلوغ فهو شرط في وجوب العبادات الشرعية، وحدّه هو الاحتلام في الرجال والحيض في النساء أو الإنبات أو الإشعار أو يكمل له خمس عشرة سنة والمرأة تبلغ (عشر) سنين، ولكنه يخالف ذلك كلّه ويتفرد برأي آخر لم يذهب إليه غير أهل السنّة وهو بلوغ المرأة بخمس عشرة سنة،
فهذا كلامه في حدود المبسوط ([17]): متى بلغ الغلام أو الجارية (خمس عشرة) سنة فقد بلغ سواء أنزل أو لم ينزل.. وأما الإنبات فهو أن ينبت الغلام أو الجارية الشعر الخشن حول الفرج…
ثم قال: هذا ما يشترك فيه الجارية والغلام، وأما ما يختصّ به الجارية فالحيض فمتى حاضت فقد بلغت، وإن حملت لم يكن الحمل بلوغاً لكنه دلالة على البلوغ؛ فإن الحمل لا يكون إلا عن إنزال الماء الدافق وهو بلوغ.
فهذه هي فتاوى الطوسي في مسألة بلوغ المرأة؛ فتارة يراه في تسع سنين كما في الخلاف وموضع من المبسوط والنهاية ([18])، وأخرى في عشر سنين، وثالثة في خمس عشرة سنة.
5 ـ ابن حمزة الطوسي (560هـ)، قال في كتاب خمس الوسيلة([19]): >وبلوغ الرجل يحصل بأحد ثلاثة أشياء: الاحتلام والإنبات وتمام خمس عشرة سنة، وبلوغ المرأة بأحد شيئين: الحيض، وتمام (عشر) سنين، والحبل علامة البلوغ<. نعم تراجع عنه وقال بالتسع في كتاب النكاح.
6 ـ القاضي ابن البراج (481هـ)([20]) قال: >وحدّ بلوغ المرأة تسع سنين<.
7 ـ ابن زهرة الحلبي (585)([21]) قال: >البلوغ يكون بأحد خمسة أشياء: السنّ وظهور المني والحيض والحمل والإنبات، الدليل إجماع الطائفة وحدّ السن في الغلام خمس عشرة سنة، وفي الجارية تسع سنين بدليل الإجماع المشار إليه<.
8 ـ ابن إدريس الحلي (596هـ)([22]) قال: >وامرأة تعرف بلوغها من خمس طرائق: إما الاحتلام، أو الإنبات أو بلوغ تسع سنين، وذكر شيخنا أبو جعفر في مبسوطه في كتاب الصوم: عشر سنين، وفي نهايته تسع سنين، وهو الصحيح الظاهر في المذهب؛ لأنه لا خلاف بينهم أن حدّ بلوغ المرأة تسع سنين.. والحيض والحمل<.
9ـ المحقق الحلي (677هـ)([23])، وذكر ما يقرب من كلام ابن إدريس.
10 ـ يحيى بن سعيد الحلي (689) قال([24]): >وبلوغ المرأة والرجل بالاحتلام وإنبات العانة، وتختصّ المرأة بالحيض وبلوغ (عشر) سنين، والرجل بخمس عشرة سنة<.
11 ـ العلامة الحلي (726) قال في القواعد([25]): >ويلزمان (الصبي والصبية) به قهراً عند البلوغ، وهو يحصل بالاحتلام أو الإنبات أو بلوغ الصبي خمس عشرة سنة والأنثى تسعاً<.
كانت هذه آراء وأقوال علمائنا السابقين الذين يعتنى بأقوالهم وفتاواهم، ولا داعي لذكر أقوال من بعدهم ونقل عباراتهم، خصوصاً بعد أن اشتهرت الفتوى بين المتأخرين بتحقق بلوغ الأنثى بالإنزال أو الحيض أو الإنبات أو تسع سنين، فلنبحث عن أدلة هذه العلامات.
المصدر: قسم من دراسة بعنوان: بلوغ الأنثى – دراسة استدلالية جديدة في علامات البلوغ / الشيخ حسن حسين البشيري / موقع نصوص معاصرة