عقوبة-الارتداد

عقوبة الارتداد.. محاولة لإثبات البُعد الولائي / د. الشيخ محمد إبراهيم شمس ناتري

الاجتهاد: نتبيّن من خلال دراسة السيرة العمليّة للرسول والأئمّة المعصومين(عليهم السلام)، وكذلك كلام الفقهاء، أنّهم تعاملوا مع مسألة الارتداد على أساس المصالح والمفاسد المتعلِّقة بالأوضاع السياسيّة والاجتماعيّة والثقافيّة. وإنّ مسيرة الأحكام الحكوميّة في كلام الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) والأئمّة (عليهم السلام) تؤيِّد هذا الرأي؛ فإنّ أمر الرسول «مَنْ بدّل دينه فاقتلوه» يدلّ على حكم حكوميّ، وأنّ تنفيذه يكون بيد الحاكم على أساس المصالح ومقتضيات الزمان؛ لغرض ضمان حفظ الأصول الإسلاميّة، والحيلولة دون تمرير المؤامرات التي تحاك ضدّ الإسلام.

مقدمة

تتبادر إلى الأذهان أحياناً الشبهة القائلة بأنّ الإسلام يمنع من حرّيّة العقيدة؛ نتيجة لوجود بعض الآيات التي تتعلَّق بهذه المسألة. وكما قال الفقهاء فإنّ التعزيرات تابعةٌ للمصالح والمفاسد، كتأديب الصغير والمجنون وتعزيرهما، وإنّ ذلك يجوز مع المصلحة، إلاّ أنّ الحدود ليست تابعة للمصالح والمفاسد، كشرب الشخص لقطرة من الخمر. ومن الطبيعيّ أنّ المصلحة هنا في مقام تنفيذ الحكم، وإلاّ فإنّ جميع الأحكام الإسلاميّة ناشئة من المصالح والمفاسد النفس الأمريّة.

ونتبيّن من خلال دراسة السيرة العمليّة للرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) والأئمّة المعصومين(عليهم السلام)، وكذلك كلام الفقهاء، أنّهم تعاملوا مع مسألة الارتداد على أساس المصالح والمفاسد المتعلِّقة بالأوضاع السياسيّة والاجتماعيّة والثقافيّة.

وإنّ مسيرة الأحكام الحكوميّة في كلام الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) والأئمّة (عليهم السلام) تؤيِّد هذا الرأي؛ فإنّ أمر الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) «مَنْ بدّل دينه فاقتلوه» يدلّ على حكم حكوميّ، وأنّ تنفيذه يكون بيد الحاكم على أساس المصالح ومقتضيات الزمان؛ لغرض ضمان حفظ الأصول الإسلاميّة، والحيلولة دون تمرير المؤامرات التي تحاك ضدّ الإسلام.

إنّ الارتداد مأخوذ من الجذر «ردّ»؛ بمعنى الرجوع. قال الجوهري في (صحاح اللغة): «الارتداد هو الرجوع، والرِدّة بكسر الراء اسم المصدر منه»([1]).

إنّ البحث في أحكام المرتدّ يعتبر من جملة بحوث الحقوق الجزائيّة في الإسلام، وهو من البحوث المشهورة في باب الحدود عند فقهاء الشيعة والسنّة. وإنّ ترك الشخص للدين الإسلاميّ واعتناقه الكفر هو المقدار المسلّم في تعريف المرتدّ. وبتعبير أوضح: هو الكفر بعد الإسلام. علماً أنّ الإيمان هو الأمر المهمّ الذي أشار إليه القرآن الكريم، كما في قوله تعالى: ﴿قَالَتِ الأَعْرَابُ آمَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ﴾ (الحجرات: 49)، ولكنْ؛ بما أنّ الإيمان أمرٌ باطنيٌّ وقلبيٌّ، لا يمكن الحكم بالارتداد على أساسه، بل من الأفضل الأخذ بنظر الاعتبار معيار الأعمال والسلوك الظاهريّ للبشر.

قال العلاّمة في كتابه (القواعد): «هو يحصل: إمّا بالفعل، كالسجود للصنم، وعبادة الشمس، وإلقاء المصحف في القاذورات، وكلّ فعل يدلّ على الاستهزاء صريحاً؛ وإمّا بالقول، كاللفظ الدالّ بصريحه على جحد ما عُلم ثبوته من دين الإسلام ضرورة، أو على اعتقاد ما يحرم اعتقاده بالضرورة من دين محمّد(صلى الله عليه وآله وسلم)، سواء كان القول عناداً أو اعتقاداً أو استهزاءً»([2]).

إنّ موضوع الارتداد من المسائل التي تُعدّ جريمةً في الأديان المختلفة. وقد ذهب بعض الحقوقيين إلى أنّ الارتداد يُعَدّ جرماً من وجهة نظر جميع الأديان([3]).

ولقد أقرّ أصحاب الدين المزدكيّ في العصر الساسانيّ دراسة جريمة الارتداد في قوانينهم الجزائيّة أيضاً. وقد أشار الشاعر الإيرانيّ الفردوسيّ في بعض أشعاره إلى ذلك، فقال ما معناه: إنّ زردشت قال في كتابه: مَنْ عصى الله، وخرج على مالك رقّه وسلطانه، فعظوه سنةً، فإنْ استمرّ على عصيانه ففرِّقوا بين رأسه وجثمانه.

وذكرت التوراة أيضاً في سفر الخروج مسألة ارتداد اليهود، من خلال التطرُّق إلى قصّة النبيّ موسى عندما رجع من جبل الطور، ورأى بني إسرائيل يعبدون العجل الذي صنعه لهم السامريّ، وقد عبدوه من دون الله، وأمر أبناء لاوي أن يقتلوا جميع من سجد لغير الله، فقُتِل في ذلك اليوم ثلاثة آلاف من بني إسرائيل([4]).

إنّ عمدة الاستدلال على عقوبة المرتدّ يعتمد على قول رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) والأئمّة المعصومين(عليهم السلام) وسيرتهم العمليّة. ونحن في هذه المقالة سوف نهتمّ فقط بالاستدلال بحديث الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم)، الذي يقول فيه: «مَنْ بدَّل دينه فاقتلوه»؛ لأنّ بقيّة أحاديث المعصومين(عليهم السلام) ارتكزت على هذا الحديث، فإذا تمكَّنا بيان دلالة هذا الحديث يكون تفسير بقيّة الأحاديث على أساس ذلك أيضاً.

ولكن كما هو واضح فإنّ هذا الحديث الذي ورد عن النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) جاء مطلقاً، بينما سائر الروايات الصادرة عن الأئمّة(عليهم السلام) هي روايات مقيّدة، وقد فرّقت بين المرتدّ الفطريّ والمرتدّ الملّيّ، فضلاً عن التفريق بين عقوبة كلٍّ منهما.

وهذا الأمر يؤيِّد تشريع حكم الارتداد أيضاً، كما جاء في هذه الرواية: محمد بن يحيى، عن العمركي بن عليّ، عن عليّ بن جعفر، عن أخيه أبي الحسن، قال: «سألتُه عن مسلم تنصَّر؟ قال: يُقتَل، ولا يستتاب، قلتُ: فنصرانيّ أسلم ثمّ ارتدّ؟ قال: يُستتاب، فإنْ رجع، وإلاّ قُتل».

إنّ النظرة الأولى على الأحكام المدوّنة حول المرتدّ تُوهِم بأنّ هناك عدم انسجام بين هذه الأحكام وحرّيّة العقيدة. وهذا يجعلنا نواجه مشكلة، ولا سيّما ونحن ندّعي بأنّ الإسلام يؤمّن للإنسان حرّيّته في اختيار العقيدة من خلال الاستناد إلى الأصول الإسلاميّة المسلَّمة، مثل: ﴿لا إِكْرَاهَ في الدِّين﴾.

إنّ الأمر يكون طبيعيّاً إذا بقيت أحكام المرتدّ على خلفيّتها التاريخيّة. هذا على فرض أنّ موضوعها مجرَّد تغيير العقيدة، دون تدخُّل عناوين أخرى، مثل: العناد، والتآمر على الإسلام والمسلمين.

لكنّنا نجدها اليوم ليست كذلك في ثقافة الرأي العامّ العالميّ وأفكاره، ولا سيّما بين طلاّب وخرّيجي الجامعات، بل إنّ هناك تناقضات حول هذه المسألة حتّى في أذهان المسلمين والباحثين، بحيث يتبادر إلى أذهانهم السؤال التالي: كيف يمكن للإسلام أن يكون من المساندين لمسألة فرض العقيدة والإجبار عليها؟!

إنّ البحث الذي بين أيديكم هو محاولة للإجابة عن السؤالين التاليين: ما هي حقيقة الارتداد؟ وما هو حكمه؟

إنّ ما نطرحه كفرضيّة؛ من أجل تأمين الهدف من هذا البحث، هو: يتبادر إلى الذهن أنّ الارتداد، الذي يعني الكفر بعد الإسلام، يستتبع مجموعةً من الأحكام السياسيّة غايتها منع توجيه ضربة إلى الدين. وفي الحقيقة يكون حكماً حكوميّاً على أساس ذلك، ولا يمكن أن يكون شاملاً للحدود. كما يجب أن تكون عقوبته تابعةً لمصالح ومقتضيات الزمان والمكان، ويتمّ تنفيذها من قبل الحاكم الإسلاميّ.

وهنا أجد من اللازم في بداية الأمر أنْ أقوم بمناقشة آيات القرآن؛ لكي نعلم هل ذُكِر حكم المرتدّ في القرآن الكريم أم لا؟ وإذا كان الجواب بالإيجاب فسيكون من المسلَّم ثبات هذا الحكم ودوامه.

الارتداد في القرآن الكريم

يمكن عرض الآيات القرآنيّة المتعلِّقة بالارتداد في سبع مجموعات،وهي:

الآيات التي أنذرت المرتدّ بالعذاب والخسران الأخرويّ: قال تعالى: ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَن سَبِيلِ اللّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِندَ اللّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ وَلاَ يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىَ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا وَمَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾ (البقرة: 217).

نزلت هذه الآية بسبب قتل أحد الكفّار، وهو (عمرو بن الحضرميّ)، في الأشهر الحرم؛ حيث اشتبهت سريّة بقيادة عبد الله بن جحش في تحديد غرّة الشهر، وعلى أثر ذلك سأل المؤمنون النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) عن حرمة الأشهر الحرم في الإسلام، فنزلت هذه الآية. وقد أشارت ضمن بيانها لحرمة الأشهر الحرم إلى سلوك المنافقين، وأنّ فتنتهم أشدّ من القتل([5]).

والحبط هو بطلان العمل وسقوط تأثيره، ولم يُنسب في القرآن إلاّ إلى العمل([6]). ولا يمكن تفسير معنى إحباط الأعمال في الدنيا بإجراء الأحكام وعقوبة المرتدّ، كما فعل ذلك بعض المفسِّرين([7]).

بناء على ذلك لا يمكن استنباط أيّ حكم فقهيّ من هذه الآية المباركة يفيد بمجازاة المرتدّ. وإنّ الملاحظة التي تنطوي عليها الآية هي بيان هدف الكفّار من الحرب مع المسلمين؛ لكونهم لا يرغبون ببقاء الدين، ويودّون القضاء عليه لو كانت لهم القدرة على ذلك، وجعل المسلمين يرتدّون عن عقائدهم.

الآيات التي تبيِّن أنّ مَنْ يبتغِ غير الإسلام ديناً لن يُتقبَّل منه، كما في قوله تعالى: ﴿وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِيناً فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾ (آل عمران: 85).

لقد عدّ الشيخ الطوسيّ هذه الآية في كتابه (المبسوط) من جملة أدلّة إنزال عقوبة القتل بالمرتدّ([8])، لكنّه لم يقدِّم تفسيراً لكيفيّة دلالة هذه الآية على العقوبة المذكورة. والتفسير الوحيد الذي يمكن أن يُستنتج من رأيه هو رفض المجتمع الإسلاميّ من وجهة نظر حقوقيّة للشخص الذي لن يُقبل منه غير الإسلام، وهذا معناه استحقاقه لعقوبة القتل.

لكن لا يمكن قبول مثل هذا التفسير للآية الشريفة؛ لأنّها لا يمكن أن تؤدّي بنفسها هذا المعنى، ولا يمكن استنتاج ذلك من خلال الآية التي قبلها وبعدها. كما أنّ الشيخ الطوسيّ نفسه في تفسيره (التبيان) لم يُشِرْ إلى هذا المعنى عند تعرُّضه لتفسير الآية مورد البحث([9]).

الآيات التي يمكن الاستفادة منها إمكانيّة قبول توبة المرتدّ، علماً أنّ البحث حول توبة المرتدّ يحتاج إلى مجالٍ آخر، كقوله تعالى: ﴿كَيْفَ يَهْدِي اللّهُ قَوْماً كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَشَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ * أُوْلَئِكَ جَزَاؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللّهِ وَالْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ * خَالِدِينَ فِيهَا لاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلاَ هُمْ يُنظَرُونَ * إِلاَّ الَّذِينَ تَابُوا مِن بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ الله غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾ (آل عمران: 86 ـ 89).

الآيات التي تشير إلى أنّ الكفر إذا كان بعد الإيمان، وتبعته زيادة في الكفر، فهي تدلّ على أنّ المرتدّ لا يمكن أن تُقبَل توبته بعد ذلك. قال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْراً لَّن تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الضَّالُّونَ﴾ (آل عمران: 90).

وقال عزّ وجلّ: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْراً لَّمْ يَكُنِ اللّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلاَ لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلاً﴾ (النساء: 137).

قال بعض المفسِّرين، وهو يتعرَّض لتفسير الآية 90 من سورة آل عمران: إنّ عدم قبول التوبة في هذه الآية؛ لأنّها لم تقع على وجه الإخلاص، ويدلّ عليه قوله: ﴿وَأُوْلَئِكَ هُمُ الضَّالُّونَ﴾([10]).

وعلى غرار هذه الآيات قوله تعالى: ﴿كَيْفَ يَهْدِي اللّهُ قَوْماً كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَشَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾ (آل عمران: 86).

الاستفهام يفيد الاستبعاد والإنكار، والمراد به استحالة الهداية. وقد ختم الآية بقوله: ﴿وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾. وقد مرّ في نظير هذه الجملة أنّ الوصف مشعِرٌ بالعلّيّة، أي لا يهديهم مع وجود هذا الوصف فيهم، وذلك لا ينافي هدايته لهم على تقدير رجوعهم وتوبتهم منه… وكيف كان الأمر فانضمام قوله: ﴿وَشَهِدُوا﴾ إلى أوّل الكلام يفيد أنّ المراد بالكفر هو الكفر بعد ظهور الحقّ وتمام الحجّة، فيكون كفراً عن عنادٍ مع الحقّ، ولجاج مع أهله، وهو البغي بغير الحقّ، والظلم الذي لا يهتدي صاحبه إلى النجاة والفلاح([11]).

الآيات التي تشير إلى عدم المنع من إمكانيّة جريان الكفر على اللسان مع الإكراه والقلب مُطْمَئِنّ بالإيمان، كما في قوله تعالى: ﴿مَنْ كَفَرَ بِاللّهِ مِن بَعْدِ إيمَانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ وَلَكِن مَّن شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِّنَ اللّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾ (النحل: 106).

وقد نزلت هذه الآية الشريفة في حقّ ياسر، وعمّار، وصهيب، وخبّاب، وسالم، الذين كانوا يُعذَّبون على أيدي المشركين في مكّة المكرَّمة، حيث استشهد ياسر وسميّة، وبقي الآخرون يعانون من التعذيب الشديد، وعندما فقد عمّار طاقته على التحمُّل، وامتثل لرغبات المشركين بسبّ النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) ومدح آلهتهم، أخبر النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) بأنّ عمّار قد كفر، فقال النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم): حاشاه، إنّه مفعمٌ بالإيمان من رأسه إلى أخمص قدمه، وقد اختلط الإيمان بدمه ولحمه.

وعندما تحرَّر عمار من قيود المشركين وجاء إلى النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم)، وقصّ عليه ما حدث، سأله النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم): كيف تجد قلبك وأنتَ تباريهم في بعض ما أرادوا؟ فقال: كنتُ مطمئناً بالإيمان، فقال النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم): فإنْ عادوا فعُدْ([12]). فإنّ الملاحظ هو أنّ هذه الآية لم تبيِّن أيّ حكم فقهيّ بخصوص المرتدّ.

الآيات التي تعرّضت للعلل التكوينيّة للارتداد: ﴿إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَى لَهُمْ﴾ (محمّد: 25).

لقد تعرّضت هذه الآية المباركة لبيان الدوافع الشيطانيّة للمرتدّين؛ حيث إنّ المصالح والرغبات والأماني الشيطانيّة هي السبب في ارتدادهم عن الدين، لا أنّهم ارتدّوا على أساس الاستدلال والمنطق، بالرغم من أنّهم قد عرفوا أحقّيّة الإسلام، ولم تتطرَّق هذه الآية إلى أيّ حكمٍ صادر بحقّهم.

وكذلك قوله تعالى: ﴿يَحْلِفُونَ بِاللّهِ مَا قَالُوا وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلاَمِهِمْ وَهَمُّوا بِمَا لَمْ يَنَالُوا وَمَا نَقَمُوا إِلاَّ أَنْ أَغْنَاهُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ مِن فَضْلِهِ فَإِن يَتُوبُوا يَكُ خَيْراً لَّهُمْ﴾ (التوبة: 74).

يمكن لنا أن نستنتج من هذه الآية عدّة مسائل، من جملتها: أنّها تشير إلى الارتداد، وتصرِّح بأنّ هذه الأعمال وهذا السلوك لا يؤثِّر على المجتمع، بل يزيد من روحيّة المسلمين. كما تشير إلى أنّ طريق عودة هؤلاء إلى المجتمع الإسلاميّ مفتوح، وإذا تابوا فإنّ الله يتوب عليهم.

لقد أوضح العلاّمة الطباطبائي& أنّ هذه الآية تتعلَّق بالكفر بعد الإسلام (الارتداد)([13]).

الآيات التي تذمّ الارتداد، وتبيِّن أنّ الارتداد لا يُلحق أيّ ضرر بالله تعالى، وهو يتمكَّن بقدرته أن يبدِّل هؤلاء الجاحدين بقوم يحبُّهم ويحبّونه من المؤمنين المخلصين الطاهرين، كما في قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاء وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾ (المائدة: 54).

إنّ هذه الآية المباركة هي مواساة للمؤمنين، وتقوية لمعنويّاتهم؛ لئلا يحبط عزائمهم ارتداد مجموعة من المسلمين وانحرافهم. كما أنّها تعرّضت إلى ذمّ المرتدّين، وبيّنت أنّ ارتدادهم لا يلحق أيّ ضرر بدين الله.

وهذا المعنى هو المستفاد من الآيات 144 و177 من سورة آل عمران أيضاً.

يستشفّ من مجموع هذه الآيات عدم وجود أيّ حكم فقهيّ في خصوص معاقبة المرتدّين عقاباً دنيويّاً، بل إنّ هذه الآيات اهتمّت بالعذاب الأخرويّ فقط. وكذلك نستنتج ذلك من خلال الآية 66 من سورة التوبة التي سنتعرَّض لها خلال البحث.

وحتى لو افترضنا أنّ هناك عقوبةً قد تعيَّنت للمرتدّ فإنّه؛ لكون هذه العقوبة لا يتمّ تنفيذها بالتساوي، بل توجد استثناءات في هذه المسألة، يمكن لنا أن نعتبر الاحتمال الأقوى منصبّاً على أنّ حكم الارتداد هو حكمٌ حكوميّ تابعٌ لمقتضيات الزمان والمكان والمصالح والمفاسد.

الحكم الحكوميّ، الحقيقة والتعريف

في البداية لابدّ من تعريف الحكم الحكوميّ، ثمّ نذكر نماذج من الأحكام الحكوميّة الصادرة من المعصومين(عليهم السلام).

تعرَّض العلاّمة الطباطبائيّ لبيان الحكم الحكوميّ فقال: «يمكن لوليّ الأمر أن يتَّخذ سلسلةً من القرارات والأحكام الثابتة، ويعتمد على هذه الأحكام الثابتة في استيعاب المصالح المتجدِّدة في المجتمع وامتصاص المتغيِّرات الطارئة.

وهذه القرارات واجبة التنفيذ عندما تصدر من مركز الولاية، لكنّها لا تكون جزءاً من الشريعة السماويّة الثابتة، بل هي قابلةٌ للتغيير، وهي تابعةٌ في ثباتها وبقائها للمصلحة، وهي تغطّي حاجة المجتمع الإنسانيّ، وتسير نحو التغيير والتطوُّر؛ لأنّها مرتبطة بحياة هذا المجتمع،

ومن الطبيعيّ أنّ هذه القرارات ستتبدّل بالتدريج إلى الأفضل، أمّا النوع الثاني المنوط بدائرة الولاية والمنبثق عن صلاحيّاتها فهو الأحكام المتغيِّرة التي تتبع المصالح المتبدِّلة في المجتمع بحسب الزمان والمكان، باعتبارها آثاراً للولاية العامّة المنوطة برأي النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) وخلفائه والمنصوبين من قبله، التي يتمّ تحديدها ويتمّ تنفيذها على ضوء القرارات الدينيّة الثابتة، وبحسب ما يقتضيه الزمان والمكان. ولا تعتبر هذه القرارات بحسب الاصطلاح الدينيّ أحكاماً وشرائع سماويّة، ولا يُطلَق عليها أنّها دينٌ»([14]).

تنقسم الأحكام الصادرة عن النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى ثلاثة أقسام، وهي:

الأحكام التي يكون فيها النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) مأموراً بتبليغ الأمور الصادرة من الله تعالى، مثل: وجوب الصلاة.

2ـ الأحكام التي تصدر من النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم)بعنوانه قاضياً، وبعنوان حكم قضائيّ متعلِّق بقضيّةٍ خاصّة، مثل: الحكم بمالكيّة شخصٍ لشيء في قضيّةٍ متخاصَم عليها.

الأحكام التي يصدرها رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) بعنوانه قائداً، وهي ناشئة عن صلاحيّاته في الولاية وقيادته للمجتمع، مثل: صدور أمرٍ في كيفيّة جمع الضرائب([15]).

ومن نماذج الأحكام الحكوميّة التي يمكن الاستشهاد بها هنا هو نهي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بعد فتح خيبر عن أكل لحوم الحُمُر الأهليّة. وقد بيَّن الإمام الباقر(عليه السلام) سبب ذلك بقوله: «وإنّما نهى عن أكلها في ذلك الوقت؛ لأنّها كانت حمولة الناس ـ وفي رواية أخرى: إبقاءً على الدواب ـ»([16])، أي للمحافظة على نسل تلك الحيوانات من الانقراض.

وقد قال الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) في موضعٍ آخر: «مَنْ قتل قتيلاً فله سلبه»([17]). ويرى الشيخ الطوسيّ([18]) والعلاّمة الحلّي([19]) في هذا الحديث حكماً حكوميّاً، ويرجِّح الشهيد الأوّل هذا الرأي بقوله: «إنّ هذا الأمر صادرٌ في بعض الحروب، فهي مختصّة بها؛ ولأنّ الأصل في الغنيمة أن تكون للغانمين؛ لقوله تعالى: ﴿وَاعْلَمُواْ أَنَّ مَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ…﴾ (الأنفال: 41). فخروج السلب منه ينافي ظاهرها؛ ولأنّه كان يؤدّي إلى حرصهم على قتل ذي السلب دون غيره، فيختلّ نظام المجاهدة، ولأنّه ربما أفسد الإخلاص المقصود من الجهاد»([20]).

كما أنّ الإمام عليّ(عليه السلام) جعل الزكاة على الخيل في مرحلة من مراحل حكومته؛ من أجل تأمين ما ينقص من بيت المال. وقد روي عن الإمامَيْن الباقر والصادق’ (عليهما السلام)في هذا الصدد قولهما: «وضع أمير المؤمنين(عليه السلام) على الخيل العتاق الراعية في كلّ فرس في كلّ عام دينارين، وجعل على البراذين ديناراً»([21]). واحتمل بعض الفقهاء أنّ أساس موارد ومقادير الزكاة تابعةٌ لرأي وليّ الأمر، ومرتبطةٌ بتحوُّل أوضاع الزمان والمكان([22]).

وقال رسول الله| في موضع آخر: «مَنْ أحيا أرضاً ميتة فهي له»([23]). ويذهب الشيخ الطوسيّ([24]) والمحقِّق الحلّي([25]) والعلاّمة الحلّي([26]) وجملة من الفقهاء الآخرين([27]) إلى أنّ هذه الرواية تدلّ على الحكم الحكوميّ، وأنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) أجاز ذلك من منطلق كونه قائداً للمجتمع.

خصائص الحكم الحكوميّ

من أجل تحديد الحدود الزمانيّة لحكمٍ ما على أساس مصالح الزمان ومقتضياته، أو عموميّة ذلك الحكم، علينا الالتفات إلى النقاط التالية([28]):

1ـ مقدار انطباق ذلك الحكم على العموميّات والأصول الأوّليّة الموجودة في الكتاب والسنّة.

2ـ موارد ذلك الحكم والشروط الخاصّة المتعلِّقة بأجواء صدور الحكم.

3ـ المصالح والمفاسد المترتِّبة على الحكم.

يمكن لنا دراسة هذه النقاط الثلاث من خلال عرضها على حديث الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم): «مَنْ قتل قتيلاً فله سلبُه»؛ لأنّ هذا الحديث يتعارض مع ظاهر الآية القرآنيّة، وكما جاء في كلام الشهيد الأوّل إذا سلّمنا بأنّ هذا الحكم هو حكم ثابت ينجم عن ذلك مفاسد، من جملتها: اختلال نظام المجاهدة، وإفساد الاخلاص المقصود من الجهاد. لذا يكون الحكم حكوميّاً على أساس هذا المصداق.

مقدار انطباق حكم الارتداد مع آيات القرآن الكريم

لم تُذكَر عقوبة الارتداد في القرآن، بخلاف سائر الحدود؛ إذ إنّ تصريح القرآن بالحكم وتحديده للعقوبة يلزم أن يكون ثبات تلك العقوبة أو الحكم ودوامهما من المسلَّمات. وبالنظر إلى عدم وجود حكم المرتدّ في القرآن ينبغي لنا أن ننظر ما إذا كان هذا الحكم قد صدر من قبل النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم)؟

روى أهل السنّة عن النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) حديثاً لم يُذكَر في الكتب الروائيّة المعتبَرة للشيعة، وإنْ ذُكِر كونه مرسلاً في بعض الكتب الشيعيّة الفقهيّة، مثل: سلسلة الينابيع الفقهيّة([29])، واستند إليه فقهاء الشيعة في كتبهم، وهو: «مَنْ بدَّل دينه فاقتلوه»([30]).

وهنا علينا دراسة هذا الحديث؛ لنرى هل أنّ هذا الحكم قد صدر عن النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) بوصفه حكماً حكوميّاً أم أنّه من الحدود الإلهيّة التي قام النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) بإبلاغها وتنفيذها فقط؟ إذاً لقد تبيَّن في المرحلة الأولى أنّ حكم قتل المرتدّ لا يتطابق مع آيات القرآن الكريم.

أجواء صدور حكم قتل المرتد

وهنا يجب القول بأنّ الارتداد في صدر الإسلام كان يتحقَّق من خلال الرجوع عن الدين، فيصبح الشخص المسلم ـ بعد أن يعتنق الإسلام ـ مشرِكاً أو مسيحيّاً أو يهوديّاً، ولم يكن الارتداد الفكريّ مطروحاً في ذلك الزمان، بل إنّ حالات الارتداد كانت غالباً ما تقترن ببواعث سياسيّة أو اقتصاديّة أو قوميّة، كأنْ يرتدّ رئيس القبيلة عن الإسلام، فيتبعه بقيّة أفراد القبيلة بالخروج من الإسلام، أو يكون للرجوع عن الدين جنبة سياسيّة بحتة؛ إذ لم يكن ارتداد الشخص عن دينه يحصل في ظروف عاديّة، وعلى أثر بروز شكّ أو شبهة أو على أثر التدبُّر الشخصيّ.

وفي ذات الوقت كان القرآن الكريم يُحذِّر المسلمين من أنّ الكفار يواصلون القتال بهدف ردّهم عن دينهم، يقول تعالى: ﴿وَلاَ يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىَ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنْ اسْتَطَاعُوا…﴾ (البقرة: 217)، فقد كان الكفّار يدفعون بمجموعةٍ للتظاهر باعتناق الإسلام، ثمّ يطلبون منهم إعلان الكفر؛ من أجل أن يزلزلوا إيمان المسلمين، ويجعلوهم يرتدّون عن دينهم، قال تعالى: ﴿وَقَالَت طَّائِفَةٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمِنُوا بِالَّذِيَ أُنزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُوا آخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾ (آل عمران: 72).

وبالنظر إلى أنّ الحكومة الإسلاميّة في زمان النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) كانت في طور التأسيس فإنّ الارتداد كان يُعَدّ آنذاك انفصالاً عن الحكومة الإسلاميّة، وتعاهداً مع الكفّار. وقد صوّر القرآن الكريم المنافقين، كما يُعبِّر العلاّمة الطباطبائيّ&، بأنّهم جعلوا أمر الله ملعبة يلعبون بها([31]).

ومن كان يتواطأ على الإسلام بهذه الصورة لم يكن يثبت على إيمانٍ حقيقيّ ليُقبَل منه، قال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْراً لَّمْ يَكُنِ اللّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلاَ لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلاً﴾ (النساء: 137).

بالإضافة إلى أنّ المرتدّين في صدر الإسلام كانوا من الذين شهدوا بأحقّيّة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)، وفهموا قول الحقّ، لكنّهم ارتدّوا عن الإسلام بسبب مصالحهم الشخصيّة، قال تعالى: ﴿كَيْفَ يَهْدِي اللّهُ قَوْماً كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَشَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ…﴾ (آل عمران: 86). إذاً في ضوء هذه الشواهد في القرآن الكريم يتَّضح أنّ حالات الارتداد بدون المحدَّدات المذكورة كانت قليلة وغير معتنى به، ممّا جعل القرآن الكريم لا يتعرَّض لذكرها.

المصالح والمفاسد المترتِّبة على الحكم

إنّ الأحكام الإسلاميّة أحكامٌ تابعةٌ للمصالح والمفاسد الخاصّة بمتعلَّق الحكم، بحيث يتغيَّر الحكم مع فقدان مصلحته أو إحراز تغييرها. ويمكن لنا أن نلاحظ في سيرة المعصومين(عليهم السلام) أنّ حاكم الشرع يستطيع أن يتجاوز عن عقوبة شخصٍ على أساس المصلحة.

وبما أنّ ثبات الحكم يتوقَّف على ثبات موضوعه فمن الممكن أن يتغيَّر حكم موضوعٍ عندما يتغيَّر موضوعه على أساس الأوضاع المختلفة.

والارتداد من جملة هذه المواضيع؛ فهو ينقسم إلى عدّة أقسام، بحسب الأوضاع الثقافيّة والاجتماعيّة والسياسيّة المختلفة:

1ـ يكون للارتداد أحياناً بُعدٌ شخصيّ؛ وأحياناً أخرى يتحقَّق بشكلٍ جماعيّ، حيث ترتّد مجموعة تبعاً لأحد الأشخاص المرتدّين.

2ـ يكون للارتداد أحياناً جذورٌ فكريّة، نتيجةً لطروء شكّ أو شبهة، أو تدبّر في الأمر؛ وأخرى ينشأ نتيجةً للتيّارات السياسيّة، ويتبلور على شكل مؤامرة.

3ـ قد يحدث الارتداد في عهد تأسيس الحكومة الإسلاميّة؛ وقد يحدث في زمان تثبيتها.

4ـ قد ينتفض الشخص المرتدّ من خلال ارتداده على الحكومة الإسلاميّة؛ وقد يبقى ثابتاً على ميثاقه معها.

5ـ قد يكون للارتداد جذورٌ ممتدّة لفتنة أعداء الإسلام، ويكون توجيهه من قبل الأعداء والمعاندين في الخارج؛ وأحياناً يكون منشؤه المؤامرات الداخليّة البحتة.

مع وجود هذه الاختلافات، وعلى ضوء الأصول العقليّة، يجب القول: إنّ هناك تناسباً بين الجريمة والعقاب. وهذا الأصل يستوجب وجود نوعٍ من المرونة بين العقوبات الخاصّة بالأنواع المختلفة للارتداد، وعدم إمكانيّة انطباق حديث النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) على جميع هذه الأنواع.

وإذا كان لتأمين مصالح المجتمع الإسلاميّ طرقٌ مختلفة بحسب الأوضاع الفكريّة والاجتماعيّة والسياسيّة المختلفة فمن اللازم أن يتعامل معها الحاكم الإسلاميّ بحسب صلاحيّاته، بحيث يحدِّد عقوبة المرتدّ على أساس الأوضاع المختلفة.

قال المحقِّق الحلّي: «المصلحة هي ما يوافق الإنسان في مقاصده لدنياه أو لآخرته أو لهما، وحاصله تحصيل منفعة أو دفع ضرر»([32]). وفي صدد هذه المصلحة قالوا: «إنّ حكم الإسلام كان مترتِّباً على المنافقين ـ وإن لم يكونوا مؤمنين ـ؛ استدراجاً لهم ومصلحة للمؤمنين؛ لكي لا يتضرَّر المجتمع منهم، ويزداد عدد المسلمين، لا لكونهم مسلمين حقّاً»([33]).

يمكن لنا ملاحظة النموذج البارز للمصلحة من خلال سلوك الإمام عليّ(عليه السلام) مع «البغاة»؛ باعتبارهم خرجوا على الإمام العادل، وأصبحوا نموذجاً بارزاً للمرتدّ، لكنّ الإمام أمير المؤمنين(عليه السلام) فتح لهم أبواب التوبة، وقبل توبتهم، دون أن يسأل عن كونهم مسلمين أو كفّاراً.

وفي هذا الصدد قال العلاّمة المجلسيّ: «الظاهر قبول توبته عند الله تبارك وتعالى، وصحّة عباداته بعدها، كما تقدّم من قبول توبة الخوارج، مع كونهم من أشدّ الكفّار وأنجسهم، وعدم استفصاله ـ أي الإمام عليّ(عليه السلام) ـ عن أحوالهم من الفطرة والملة ـ. وربما يُقال: إنّ أمر بدو الإسلام كان مغايراً لما بعده؛ لكونهم حديثي عهد بالإسلام، ولو كان يعمل معهم هذا العمل لما كان بقي من أهل الدنيا أحدٌ»([34]).

وذهب صاحب الجواهر إلى أنّ البغاة كفّار مرتدّون عن فطرة، وقبل القول بقبول توبتهم خاصّة، كما وقع من أمير المؤمنين(عليه السلام) معهم؛ ولعلّه لكون الشبهة عذراً في حقّهم([35]).

لا يمكن لنا إبداء الرأي في مورد شمول قاعدة الدرء للتعزيرات، كما صُرِّح في مورد درء الحدود بالشبهات. أمّا عبدالقادر عودة فقد قال في هذا الصدد: «الأصل في قاعدة درء الحدود بالشبهات أنّها وُضعت لجرائم الحدود، لكن ليس ثمّة ما يمنع من تطبيقها على جرائم التعزير؛ لأنّ القاعدة وضعت لتحقيق العدالة، ولضمان صالح المتَّهمين، وكلُّ متَّهم في حاجة لتوفير هذين الاعتبارين، سواء كان متَّهماً في جريمة من جرائم الحدود أو جرائم التعزير. وإنّ المبادئ العامّة المقرَّرة في الشريعة أنّ الخطأ في العفو خير من الخطأ في العقوبة.

وأصل هذا المبدأ قول الرسول عليه الصلاة والسلام: «إنّ الإمام أن يخطئ في العفو خيرٌ من أن يخطئ في العقوبة»([36]).

ومعنى هذا المبدأ أنّه لا يصحّ الحكم بالعقوبة إلاّ بعد التثبُّت من أنّ الجاني ارتكب الجريمة، وأنّ النصّ المحرِّم منطبقٌ على الجريمة، فإذا كان ثمّة شكّ في أنّ الجاني ارتكب الجريمة، أو في انطباق النصّ المحرِّم على الفعل المنسوب للجاني، وجب العفو عن الجاني، أي الحكم ببراءته؛ لأنّ براءة المجرم في حال الشكّ خيرٌ للجماعة، وأدعى إلى تحقيق العدالة، من عقاب البريء مع الشكّ»([37]).

كما قال الشهيد الثاني في ما يتعلَّق بالبغاة: «وأمّا البغاة فإنّهم عندنا كفّار مرتدّون، فإنْ بدؤوا فالواجب محاربتهم، وإنْ كفّوا وجب بحسب المكنة، وأقلّه في كلّ عام مرّة. وإذا اقتضت المصلحة مهادنتهم جاز، لكنْ لا يتولى ذلك إلاّ الإمام، أو مَنْ يأذن له الإمام، يطلب نقلهم إلى الإسلام مع الإمكان.

فإنْ قيل: إذا كانوا مرتدّين فارتدادهم فطريّ، فكيف يطلب إسلامهم، مع أنّه لا يقبل توبة هذا القسم من المرتدّين عندنا؟ قلنا: قد قبل عليّ(عليه السلام) توبة مَنْ تاب من الخوارج، وهو أكثرهم. وهذا يدلّ على أنّ لهذا النوع من المرتدّين حكماً خاصّاً. وجاز أن يكون السبب ـ مع النصّ ـ تمكُّن الشبهة من قلوبهم»([38]).

وكذلك أعلن النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) عند فتح مكّة العفو العامّ، واعتبر ستّة أشخاص ممَّنْ يستحقّ القتل، من بينهم: عكرمة، الذي أسلم فعفي عنه، إلاّ عبدالله بن سعد، الذي أنكر الكتاب والوحي، وارتدّ عن الإسلام، والتحق بالمشركين، فقد حكم عليه الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) بالقتل، لكنْ بما أنّ عثمان ـ الذي كان أخاه بالرضاعة ـ أتى به رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، بعد أن اطمأنّ الناس وأهل مكّة، واستأمَنَ له، عفا عنه الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) بالرغم ممّا يُبطِن من كفرٍ؛ وذلك للمصلحة([39]).

الأصول القرآنيّة المتعلِّقة ببحث الارتداد

يوجد في الميدان المتعلِّق ببحث الارتداد في القرآن مجموعة من الأصول، لابدّ من الالتفات إليها عند دراسة حكم المرتدّ، وهي:

1ـ نفي الإكراه في الدين: صرّح القرآن الكريم في آيات متعدِّدة بعدم جواز الإكراه في مجال العقيدة والإيمان. ويمكن جعل هذا الأصل من الأصول الأساسيّة في القرآن. قال تعالى: ﴿لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ﴾ (البقرة: 256). كما جاء في آية أخرى: ﴿وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لآمَنَ مَنْ فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ﴾ (يونس: 99).

وقد جاء في شأن نزول الآية 256 من سورة البقرة: «نزلت في رجلٍ من الأنصار يُكنّى أبا الحصين، وكان له ولدان، فقدم تجّار الشام إلى المدينة يحملون الزيت، فلما أرادوا الرجوع من المدينة أتاهم ابنا أبي الحصين، فدعوهما إلى النصرانيّة، فتنصَّرا، وخرجا إلى الشام، فأخبر أبو الحصين رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)فقال: اطلبهما، فأنزل الله عزّ وجّل: ﴿لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ﴾، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): أَبْعَدَهما الله، هما أوّل مَنْ كَفَر»([40]).

وقال العلاّمة الطباطبائيّ&: «بعدما بيّنّا أنّ أمر المشيّة إلى الله، وهو لم يشأ إيمان جميع الناس، فلا يؤمنون باختيارهم البتّة، لم يبقَ لك إلاّ أن تُكره الناس وتجبرهم على الإيمان، وأنا أنكر ذلك عليك، فلا أنت تقدر على ذلك، ولا أنا أقبل الإيمان الذي هذا نعته»([41]).

وقال الفخر الرازي في تفسيره: «إنّه تعالى ما بنى أمر الإيمان على الإجبار والقسر، وإنّما بناه على التمكُّن والاختيار؛ إذ في القهر والإكراه على الدين بطلان معنى الابتلاء والامتحان»([42]).

كما أنّ الإمام الخمينيّ& تطرّق إلى مسألة الحرّيّة فقال: «…الديمقراطيّة في الإسلام، والناس فيه أحرار في إظهار عقائدهم أيضاً، طالما لم يتآمروا على النظام، ولم يبرزوا القضايا التي تضلِّل الشباب الإيرانيّ»([43]).

يمكن أن نستنتج من كلام الإمام الخمينيّ& هذا إمكانيّة إصدار حكم الارتداد في حالة تشخيص المؤامرة. وكذلك بالإمكان أن نحصل على هذه النتيجة من خلال السيرة العمليّة له. وهذا ما سنشير له في البحوث القادمة.

على ضوء هاتين الآيتين نعلم أنّه لا يوجد أيّ إكراه في قبول الدين، وإنّ آية: ﴿لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ﴾ من الآيات المحكَمات في القرآن الكريم، لم تُنسَخْ، ولم تُخصَّص([44]).

2ـ احترام النفس الإنسانيّة: يوجد أصلٌ آخر في القرآن الكريم، وهو التأكيد على احترام النفس الإنسانيّة، بحيث اعتبر القرآن الكريم قتل إنسان واحد في غير مورد القصاص، أو لأجل الفساد، يضاهي قتل الناس جميعاً، قال تعالى: ﴿مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً﴾ (المائدة: 32).

وبعبارة أخرى: إنّ القرآن الكريم يقرّ القتل إذا كان من أجل القصاص من القاتل أو الإفساد في الأرض فكيف يمكن القول بوجوب قتل الشخص لمجرَّد أنّه غيَّر عقيدته دون أن يورد أيّ خلل في المجتمع، أو يُحدِث أيّ نوع من أنواع الفساد؟! على هذا الأساس يمكن الاستدلال من خلال هذه الآية على أنّ القول بوجوب الحكم بالقتل على المرتدّ في الحالة العاديّة، دون أن يثير فساداً في الأرض، يكون مخالفاً للآيات القرآنيّة.

ولا شكّ أنّ إنزال العقوبة بالمرتدّ يكون جائزاً في حال أفسد في الأرض أو شنّ على المسلمين الحرب، لكنْ لا يمكن اعتبار الشخص الذي لا يقوم إلاّ بتغيير عقيدته مصداقاً للمفسد، ومعاقبته على ذلك.

3ـ الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ليس وكيلاً على إيمان الناس: الأصل الآخر الموجود في القرآن الكريم هو أنّ الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ليس وكيلاً على إيمان الناس، ولا مهيمناً على عقائدهم. وبالرغم من أنّ دلالة الآيات التي تتطرَّق إلى ذلك لا تتنافى مع قيادة النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم)، إلاّ أنّ إيمان الناس وعقائدهم هي أمورٌ خارج ميدان صلاحيّاته.

قال تعالى: ﴿وَمَا أَنتَ عَلَيْهِم بِجَبَّارٍ﴾ (ق: 45)، وقال تعالى: ﴿وَمَا جَعَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا وَمَا أَنتَ عَلَيْهِم بِوَكِيلٍ﴾ (الأنعام: 107)، وقال تعالى: ﴿لَسْتَ عَلَيْهِم بِمُسَيْطِرٍ﴾ (الغاشية: 22). وفي صدد هذه الآية المباركة قال العلاّمة الطباطبائي&: «بيان أنّ وظيفته ـ وهو رسول ـ التذكرة رجاء أن يستجيبوا ويؤمنوا من غير إكراه وإلجاء»([45]).

كما جاء في الآية 18 من سورة الزمر أيضاً: ﴿الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ﴾. وإنّ تشخيص واختيار القول الأحسن يصدق عندما تكون هناك آراء مختلفة، وإلاّ لما كان لاتّباع القول الأحسن مفهوم. وعلى هذا الأساس فإنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) مأمور بالتذكير، ولا ينبغي له إكراه الناس وإجبارهم على قبول الدين.

4ـ الحوار والمناظرة على أساس المنطق والاستدلال: قال تعالى: ﴿ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ﴾ (النحل: 125). وتشير هذه الآية المباركة إلى كيفيّة التعامل مع الكفّار، وكيفيّة دعوتهم إلى الإسلام في أجواء سليمة، وإنّ سيرة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) والأئمّة المعصومين(عليهم السلام) في التعامل مع الكفّار ومخالفيهم تدلّ على أنّهم يؤمنون بحرّيّة الرأي.

فقد كان بعض الأشخاص، مثل: ابن أبي العوجاء، والديصاني، يظهرون عقائدهم المشوبة بالكفر حتّى في بيت الله، وفي مسجد النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم)، ومع ذلك كان المسلمون مكلَّفون بأنْ يجادلوهم بالتي هي أحسن.

5ـ الاهتمام باليقين والتحقيق، لا التقليد: قال تعالى: ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا أَوَلَوْ كَانَ الشَّيْطَانُ يَدْعُوهُمْ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ﴾ (لقمان: 21). إذاً من هذه الآية، التي جاءت من أجل ذمّ التقليد الأعمى للسلف، يُعلم أنّ اتّباع دين الله يصدق مع التمسُّك بالعروة الوثقى، قال تعالى: ﴿وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى وَإِلَى اللَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ﴾ (لقمان: 22).

إنّ مقدار الأهمّيّة التي أولاها الإسلام للبحث والتحقيق جعلتنا لا نتمكَّن من قبول الأصول على أساس التقليد، بل يجب أنْ نتحرّى أقصى الدقّة في قبول أصول الدين، ولا يجوز التقليد فيها.

لكن إذا اختار الشخص أصلاً بعد البحث والتحقيق والحرّيّة التامّة يجب أن يلتزم بلوازمه. إذاً فهذه الآية نزلت حول الأشخاص الذين يجادلون ويظهرون العداء بلا علمٍ بالله وتوحيده، وإنّ سبب مذمّتهم هو الأعمال التي يقومون بها على ضوء التقليد الأعمى([46]).

على أساس ذلك يجب القول: إنّ الارتداد إذا كان مجرَّد تغيير عقيدة، ولم يكن مصداقاً للإفساد في الأرض، فسوف يكون على ضوء هذه الأصول خارجاً عن شمول حكم القتل وصلاحيّة وليّ أمر المسلمين.

وإنّ حفظ هذه الأصول يقتضي أن يكون أمر «مَنْ بدَّل دينه فاقتلوه» حكماً حكوميّاً. ومن أجل عدم منع الطعن في هذه الأصول يجب القول: إنّ تنفيذ أمر الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) يكون من باب صلاحيّاته القياديّة.

عقوبة المرتدّ، حكم حكوميّ
الروايات ورأي الفقهاء

تُطرَح أحكام المرتدّ بحسب العادة في الفقه الشيعيّ المعاصر تحت عنوان حدّ المرتدّ. وإنّ الفقهاء المعاصرين يرَوْن أنّ الارتداد يستوجب حدّاً، ولكنْ في النصوص الفقهيّة القديمة لم يكن هذا التعبير رائجاً، وقد كان فقهاء السلف القريبين من عصر الأئمّة(عليهم السلام) مقيَّدين بالنصوص الروائيّة.

فمثلاً: لا يذكر الشيخ الطوسيّ في (المقنع)([47])، والشيخ المفيد في (المقنعة)([48])، حدّاً للمرتدّ، على الرغم من أنّهم يطرحون حدّ السرقة، والزنا، وشرب الخمر، والقذف، في باب الحدود. كما أنّ الحلبيّ في (الكافي) لا يذكر أحكام المرتدّ ضمن الحدود([49]). وكذلك الشيخ الطوسيّ في (النهاية) لا يستخدم تعبير الحدّ في مورد المرتدّ([50]).

والمحقِّق الحلّي في (شرائع الإسلام) هو أكثر الفقهاء تصريحاً بأنّ عقوبة المرتدّ التعزير، واعتبرها خارج دائرة الحدود، فقد قال: «كلّ ما له عقوبة مقدَّرة يسمّى حدّاً؛ وما ليس كذلك يسمّى تعزيراً. وأسباب الأوّل ستّة: الزنا، وما يتبعه؛ والقذف؛ وشرب الخمر؛ والسرقة؛ وقطع الطريق. والثاني أربعة: البغي؛ والردّة؛ وإتيان البهيمة؛ وارتكاب ما سوى ذلك من المحارم»([51]).

كما ذهب الميرزا التبريزيّ إلى ذلك أيضاً في كتابه (أسس الحدود والتعزيرات)، وخصَّص الباب الأوّل من التعزيرات للارتداد([52]).

واعتبر أحد الفقهاء المعاصرين حكم الارتداد حكماً ولائيّاً، وأصرّ على إثبات ذلك، واعتبر أوضاع الزمان والمكان دخيلة في إجرائه، حيث قال: «قد يكون حكم قتل المرتدّ حكماً ولائيّاً وحكوميّاً، لابدّ من رعاية أوضاع الزمان والمكان في إجرائه»([53])، وقال في موضع آخر: «إنّ إثبات الارتداد مشكلٌ؛ لأنّ يقين الشخص بأحقّيّة ما نُسب للمرتدّ قد أخذ بعين الاعتبار في ماهيّة الارتداد.

واليقين والتبيُّن من الأمور النفسانيّة غير المشهودة، ولا يمكن إحراز المراد الجدّيّ للمتكلِّم أو العامل لمجرَّد قوله كلمة أو قيامه بعملٍ في مجال إنكار الحقّ»([54]).

البعض الآخر لا يرى أنّ الارتداد الجماعيّ، الذي يؤدّي إلى تلويث الأجواء الفكريّة للمجتمع، مشمولاً بالأحكام الفقهيّة، ويقول: «وتقبل توبة المرتدّ الفطريّ إذا كان ارتداده عن شبهةٍ حصلت له، واعترضت سبيل اعتقاده. بيد أنّ الارتداد الجماهيريّ لا يكون سبباً لتطبيق حكم الارتداد، وهو لا يكون غالباً عن تغيير طبيعيّ وجذريّ في الاعتقاد؛ إذ يكون عادةً بسبب الجوّ الفكريّ أو الدعاية الكبرى التي ينحرف بسببها الكثيرون، ولا يؤمَن معها على انحراف عقيدة وتبديل دين»([55]).

كما يمكننا أن نقارن بين تعامل الإمام الخمينيّ& مع الجبهة الوطنيّة وتعامله مع سلمان رشدي. فالجبهة الوطنية اعتبرت حكم القصاص الذي هو نصٌّ صريح في القرآن الكريم حكماً لا إنسانيّاً، وكانوا يخالفون اللائحة التي تنصّ على القصاص، فأعلن الإمام& ارتدادهم، حيث قال:

«الجبهة الوطنيّة من اليوم محكومة بالارتداد. نعم، من الممكن أن تقول الجبهة الوطنيّة: نحن لم نصدر هذا الإعلان، لو جاؤوا إلى الإذاعة اليوم بعد الظهر، وأعلنوا في الإذاعة أنّ الإعلان الذي اعتبر الحكم الضروريّ بين المسلمين، كلّ المسلمين، غير إنسانيّ ليس صادراً عنّا، لو أعلنوا أنّه ليس من عندنا فسنقبل منهم.

باب رحمة الإسلام مفتوحٌ بوجه جميع الناس»([56]). وفي مقابل هذا التعامل تعامل الإمام الخمينيّ& مع الحكم على سلمان رشدي بالارتداد، حيث ردّ على وسائل الإعلام الأجنبيّة ـ بعد أنّ قالوا بأنّ سلمان رشدي إذا تاب فسيُلغى الحكم عليه بالإعدام ـ بقوله: «يُكذّب هذا الموضوع جملة وتفصيلاً أنّ سلمان رشدي حتّى لو تاب وأضحى زاهد عصره فإنّه يجب على كلّ مسلم أن يجنِّد روحه وماله وكلّ همّه لإرساله إلى الدرك الأسفل»([57]).

لو لم يَنَلْ كتاب سلمان رشدي الترحيب غير العاديّ في الأوساط الأدبيّة والفنّية في الغرب، ولم يُترجم إلى عدّة لغات حيّة في العالم خلال فترة وجيزة، لما أثار مثل هذه الحساسيّة في المجتمعات الإسلاميّة، إلاّ أنّ الإقبال غير المتعارف على كتابٍ من هذا النوع، يقرؤه الخاصّة من الناس، جعل الإمام الخمينيّ& يتعامل بحساسيّة مع فحواه، ويبدي ردود فعله تجاه الإهانات العجيبة التي وجَّهها هذا الكتاب إلى المقدَّسات الإسلاميّة.

ويجب الالتفات إلى أنّ الروايات التي تعرَّضت إلى مسألة المرتدّ لم تستخدم لفظة الحدّ، بخلاف الروايات التي تعرَّضت لعقوبة الجرائم الأخرى، مثل: السرقة والزنا واللواط والقذف، فإنّ الشائع فيها استخدام تعبير الحدّ. كما أنّ الروايات التي جُمعت في (وسائل الشيعة) حول المرتدّ لم يُعبَّر فيها بالحدّ في أيّ مورد من الموارد. وهذا الترديد يجعلنا نعتبر الارتداد خارجاً عن الحدود، وحقيقته هو التعزير.

مرونة عقوبة المرتدّ في القرآن الكريم

يمكن أن نشهد المرونة التي يبديها القرآن الكريم في باب عقوبة المرتدّ، بحيث إنّه أشار إلى إمكانيّة العفو عن مجازاة بعض المرتدّين. فقد قال تعالى: ﴿لاَ تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِن نَّعْفُ عَن طَائِفَةٍ مِّنكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ﴾ (التوبة: 66).

وقد كانت هذه الفتنة قويّة إلى درجة أنّ القرآن الكريم يعبِّر عنها بأنّها باعثة على الكفر بعد الإيمان (الارتداد). كما تحدّث القرآن عن ارتداد هؤلاء في قوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ قَالُواْ كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلاَمِهِمْ﴾ (التوبة: 74). وتطرّق العلاّمة الطباطبائيّ في تفسيره إلى هذه الآية قائلاً: «إنّ المراد بالعفو هو ترك العذاب لمصلحة من مصالح الدين، دون العفو بمعنى المغفرة المستندة إلى التوبة؛ إذ لا وجه ظاهراً لمثل قولنا: إنْ غفرنا لطائفة منكم لتوبتهم نعذِّب طائفة لجرمهم، مع أنّهم لو تابوا جميعاً لم يعذَّبوا قطعاً.

وقد ندب الله إليهم جميعاً أن يتوبوا، حيث قال في آخر الآيات: ﴿فَإِنْ يَتُوبُوا يَكُ خَيْراً لَهُمْ﴾»([58]). كما جاء في شأن نزول هذه الآية أنّ المنافقين ذهبوا إلى غزوة تبوك برفقة النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم)، وكانوا يسبّون النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) وصحبه في خلوتهم، ويتجرّؤون على الدين بأفواههم، فأحسّ بهم حذيفة بن اليمان، فأخبر النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) بخبرهم، فقال النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم): أيّها المنافقون، ما هذا الخبر الذي سمعتُه عنكم؟ فأقسموا بالله أنّهم لم يقولوا شيئاً، فنزلت هذه الآية في تكذيبهم([59]).

إنّ سياق الآية يُشعِر بأنّهم أَتَوْا بعملٍ سيّئ، وشفعوه بقولٍ تفوَّهوا به عند ذلك، وأنّ النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) عاتبهم على قولهم، مؤاخذاً لهم، فحلفوا بالله ما قالوا. والله سبحانه يكذِّبهم في الأمرَيْن جميعاً: أمّا في إنكارهم القول فبقوله: ﴿وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ﴾، وفسّره ثانياً بقوله: ﴿وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلاَمِهِمْ﴾؛ للدلالة على جدّ القول، فيتفرع عليه الكفر بعد الإسلام (الارتداد)، الذي يُحكم عليه بالقتل([60]).

يمكن أن نستنتج من هذه الآيات أنّ الارتداد لا يترتَّب عليه عقوبة دنيويّة قطعيّة، وإنْ كان له منشأٌ عمليّ، وإنّ تنفيذ عقوبته يتعلَّق بصلاحيّة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)، وطبيعة الأوضاع الاجتماعيّة والسياسيّة.

مرونة عقوبة المرتدّ في الروايات

يجب أن لا يكون المسؤولون في السلطة القضائيّة في صدد تنفيذ الأحكام الجزائيّة على أساس افتراض أنّ هذه السلطة مستقلّة عن السلطتين التنفيذيّة والسياسيّة، بل عليهم أن يعلموا أنّ هاتين القوّتين مستقلّتان من جهة، ومرتبطتان مع بعضهما من جهة أخرى. وإنّ التعامل مع الجرائم وتحديد العقوبة وتنفيذها يتمّ بعدّة أساليب.

فليس من الصعب أحياناً جعل الجرائم التي تؤدّي إلى الإخلال بالمجتمع، وتُعرِّض الأمن الاجتماعيّ للخطر، تحت عنوان المحارِب والمفسِد، ويكون التصدّي لها عادةً مشفوعاً برغبة أبناء المجتمع كافّة، بحيث تتمكَّن السلطة القضائيّة من تنفيذها بسهولة، دون أن تشعر بالقلق من نتائجها.

لكنْ يكون التعامل وتنفيذ العقوبة صعباً مع بعض الجرائم الأخرى، مثل: الارتداد، الذي لا يؤدّي إلى الإخلال في حياة الناس العاديّة، ولا يمكن لمس آثاره السيّئة على الناس.

وهذا يحتاج إلى معرفة المجتمع المعرفة الصحيحة لآثار ونتائج تنفيذ الحكم. ففي مثل هذا النوع من الجرائم لا تتمكَّن الحكومة الإسلاميّة أن تتحمَّل مسؤوليّة تنفيذ الحكم، بحيث تُقدم على تنفيذه بدون الأخذ بنظر الاعتبار العوارض الاحتماليّة التي تنجم عن تنفيذه.

فقد روي عن النبيّ| قوله: «لولا أنّي أكره أن يقال: إنّ محمداً استعان بقومٍ حتّى إذا ظفر بعدوّه قتلهم لضربت أعناق قومٍ كثير»([61]).

إنّ حديث النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) هذا يدلّ على أنّ عدم المجازاة ناشئة عن مصلحة الإسلام. لكنّ تعامل النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) يختلف في مواجهة الجرائم التي تستدعي الحدّ، بحيث نُقل في التاريخ أنّ امرأةً من أحد القبائل ارتكبت جريمة الزنا، فجاء رئيس تلك القبيلة مع مجموعة إلى النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم)، وطلبوا منه أن يغضّ الطرف عن تنفيذ الحدّ على هذه المرأة؛ من أجل حفظ ماء وجه القبيلة، وكلّما أصرّوا على النبيّ لم يقبل، ثمّ جاؤوا له عن طريق الإغراء والترغيب، فامتنع أيضاً، وفي نهاية الأمر هدَّدوا بالارتداد عن الدين بأجمعهم إذا تمّ تنفيذ الحدّ، فلم يقبل النبيّ بتعطيل الحدّ الإلهيّ أيضاً، فأجرى الحدّ على هذه المرأة، وارتدَّتْ القبيلة.

إنّ هذا الاختلاف في تعامل النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) يدلّ على أنّ مجازاة المرتدّين تتعلَّق بمصالح المجتمع ومقتضيات الزمان والمكان، وأنّ هذه الجريمة لا يمكن جعلها ضمن الحدود.

النموذج الآخر الذي يمكن الإشارة إليه هنا هو رواية عن الإمام الباقر(عليه السلام)، حيث قال: «قضى أمير المؤمنين (عليه السلام) في وليدةٍ كانت نصرانيّة، فأسلمت، وولدت لسيِّدها، ثم إنّ سيّدها مات، وأوصى بها عتاقة السرية على عهد عمر، فنكحت نصرانيّاً ديرانيّاً، فتنصَّرت، فولدت منه ولدين، وحبلت بالثالث، قال: قضى أن يعرض عليها الإسلام، فعرض عليها، فأَبَتْ، فقال: ما ولدت من ولد نصرانيّ فهم عبيد لأخيهم الذي ولدت لسيّدها الأوّل، وأنا أحبسها حتّى تضع ولدها الذي في بطنها، فإذا ولدت قتلتها»([62]).

قال الشيخ الطوسيّ في شأن هذا العمل، الذي جاء على خلاف حكم المرأة المرتدّة: «هذا الحكم مقصورٌ على القضيّة التي فصّلها أمير المؤمنين(عليه السلام) ، ولا يتعدّى إلى غيرها؛ لأنّه لا يمتنع أن يكون هو(عليه السلام) رأى قتلها صلاحاً؛ لارتدادها، وتزويجها»([63]).

خلاصة البحث

لم تحدِّد الآيات القرآنيّة المتعلِّقة بالمرتدّين أيّ نوع من العقوبات الدنيويّة لهم، بل توجد آياتٌ تدلّ على إمكانيّة العفو عن المرتدّ. وقد روي حديث عن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) جاء فيه أنّه «مَنْ بدَّل دينه فاقتلوه». ومن خلال دراسة هذا الحديث على ضوء سيرة النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) وتعامله مع المرتدّين في زمانه، وكذلك من خلال تعامل الأئمّة المعصومين(عليهم السلام) مع المرتدّين في زمانهم، علمنا أنّهم كانوا يراعون دائماً مصلحة الإسلام ومصلحة المجتمع في تنفيذ هذا الحكم.

ومن خلال دراسة خصائص الحكم الحكومي وانطباقه مع هذا الحديث يكون الاحتمال الأقوى هو أنّ عقوبة المرتدّ حكم حكوميّ.

وفي ضوء الآيات المتعلِّقة ببحث حرّيّة الرأي، وتلك الآيات المتعلِّقة باحترام النفس الإنسانيّة، وعدم جواز قتل الأشخاص في غير مورد القصاص والإفساد، وكذلك الآيات التي تدلّ على أنّ إيمان الناس خارج صلاحيّات سلطة النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم)، والآيات التي تبيِّن كيفيّة الدعوة للإسلام، وتأمر النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) أن يدعو الناس على أساس الاستدلال والمنطق، أقول: في ضوء جميع هذه الآيات نتبيَّن أنّ مجرَّد تغيير العقيدة لا يمكن أن يكون سبباً للحكم على الشخص بعقوبة القتل؛ لأنّ هذا العمل يمكن أن يعكس صورة إرهابيّة وعنيفة في أذهان المسلمين وشعوب العالم.

كما أنّ سيرة النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) والأئمّة المعصومين(عليهم السلام) تدلّ على وجوب تعامل المسلمين على أساس الاستدلال والمنطق والجدال بالتي هي أحسن مع بعض الأفراد، كما حصل هذا مع ابن أبي العوجاء والديصانيّ، اللذين كانا يجهران بعقيدة الكفر في بيت الله الحرام.

وبالنظر إلى وجود الأوضاع المختلفة للارتداد، كتغيير العقيدة من قبل بعض الأشخاص فقط، أو قيام بعضهم بالتآمر على الحكومة الإسلاميّة وإثارة الفوضى والشغب بالإضافة إلى تغيير عقيدتهم، بات من اللازم أن يكون هناك تناسبٌ بين الجريمة والعقوبة، وعدم وجود إمكانيّة لجعل جميع أنواع الارتداد مشمولةً بحكم واحد، وضرورة تحديد العقوبة من قبل الحاكم الإسلاميّ على أساس أوضاع المجتمع ومصالحه.

على ضوء هذه الأدلّة يكون احتمال كون حكم الارتداد حكماً حكوميّاً هو الأقوى، ويتم تنفيذه من قبل الحاكم الإسلاميّ وفقاً لمصالح ومقتضيات الزمان والمكان، على أساس الأوضاع الاجتماعيّة والثقافيّة والسياسيّة.

 

الهوامش:

([1]) الجواهري، صحاح اللغة 2: 479.

([2]) العلاّمة الحلي، قواعد الأحكام في معرفة الحلال والحرام 3: 573.

([3]) جعفري لنگرودي، المبسوط في معجم مصطلحات الحقوق 1: 256.

([4]) انظر: الكتاب المقدَّس، سفر الخروج، الباب 32: 88.

([5]) علي رضا ذكاوتي قراگزلو، أسباب النـزول: 138.

([6]) الطباطبائيّ، الميزان في تفسير القرآن 2: 168.

([7]) الآلوسي، روح المعاني 1: 335.

([8]) الطوسيّ، المبسوط في فقه الإماميّة 8: 71.

([9]) الطوسيّ، التبيان في تفسير القرآن 2: 521.

([10]) الطبرسيّ، مجمع البيان في تفسير القرآن 2: 791.

([11]) الميزان في تفسير القرآن 3: 340.

([12]) ذكاوتي قراگزلو، أسباب النـزول: 150.

([13]) الميزان في تفسير القرآن 9: 340.

([14]) الطباطبائي، بحث حول المرجعيّة وعلماء الدين: 83؛ مقتطفات من الإسلام: 71، 80.

([15]) الشهيد الأول، القواعد والفوائد 1: 217؛ الشهيد الثاني، تمهيد القواعد: 241.

([16]) الحرّ العامليّ، وسائل الشيعة 16: 322.

([17]) ابن أبي جمهور الأحسائي، عوالي اللآلي العزيزية 1: 403.

([18]) التبيان في تفسير القرآن 2: 66.

([19]) العلاّمة الحلّي، تذكرة الفقهاء 1: 431.

([20]) القواعد والفوائد: 217.

([21]) وسائل الشيعة 6: 51.

([22]) حسين علي منتظري، كتاب الزكاة 1: 149؛ محمّد رضا مدرّسي، الزكاة والخمس في الإسلام: 34 ـ 72.

([23]) وسائل الشيعة 17: 227.

([24]) الطوسيّ، المبسوط في فقه الإماميّة 3: 270.

([25]) المحقِّق الحلّي، شرائع الإسلام 3: 271.

([26]) العلاّمة الحلي، تحرير الأحكام 2: 130؛ تذكرة الفقهاء 2: 400.

([27]) ابن إدريس، السرائر: 245.

([28]) عيسى ولايي، الارتداد في الإسلام: 144.

([29]) انظر: الطوسيّ، المبسوط في فقه الإماميّة 7: 281.

([30]) سنن أبي داوود 4: 126؛ علي أصغر مرواريد، سلسلة الينابيع الفقهيّة 31: 168.

([31]) الميزان في تفسير القرآن 5: 113.

([32]) المحقِّق الحلّي، معارج الأصول: 221.

([33]) ضياء الدين العراقيّ، شرح تبصرة المتعلِّمين 1: 328.

([34]) محمّد تقي المجلسي، روضة المتَّقين 6: 328.

([35]) النجفيّ، جواهر الكلام 21: 47.

([36]) سنن الترمذيّ 4: 33، كتاب الحدود، ح1424.

([37]) عبدالقادر عودة، التشريع الجنائي الإسلاميّ 1: 216.

([38]) الشهيد الثاني، مسالك الأفهام 3: 21.

([39]) سيرة ابن هشام 4: 52.

([40]) ذكاوتي قراگزلو، أسباب النـزول: 46.

([41]) الميزان في تفسير القرآن 10: 126.

([42]) الفخر الرازي، التفسير الكبير 7: 15.

([43]) الخمينيّ، صحيفة الإمام 5: 468.

([44]) الميزان في تفسير القرآن 2: 342.

([45]) الميزان في تفسير القرآن 20: 275.

([46]) مجمع البيان في تفسير القرآن 8: 502.

([47]) الشيخ الصدوق، المقنع.

([48]) الشيخ المفيد، المقنعة.

([49]) أبو الصلاح الحلبيّ، الكافي في الفقه.

([50]) الطوسيّ، النهاية.

([51]) المحقِّق الحلّي، شرائع الإسلام 4: 136.

([52]) جواد بن عليّ التبريزيّ، أسس الحدود والتعزيرات: 407.

([53]) حسين علي منتظري، دراسات في ولاية الفقيه وفقه الدولة الإسلاميّة 3: 387.

([54]) حسين علي منتظري، الحكومة الدينيّة وحقوق الإنسان: 131.

([55]) جعفر السبحاني، مفاهيم القرآن 2: 451.

([56]) الخمينيّ، صحيفة الإمام 14: 461.

([57]) المصدر السابق 21: 268.

([58]) الميزان في تفسير القرآن 9: 335.

([59]) ذكاوتي قراگزلو، أسباب النـزول 1: 133.

([60]) الميزان في تفسير القرآن 9: 340.

([61]) وسائل الشيعة 18: 551.

([62]) الطوسيّ، تهذيب الأحكام 1: 143.

([63]) المصدر نفسه.

 

د. محمد إبراهيم شمس ناتري(*) / أ. إبراهيم زارع(**)

(*) أستاذ مساعد، وعضو لجنة الحقوق الجزائيّة وعلم الجريمة، في جامعة طهران، پرديس قم.

(**) طالب في مرحلة الماجستير، فرع الحقوق الجزائيّة وعلم الجريمة، في جامعة طهران، پرديس قم.

 

المصدر: نصوص معاصرة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Slider by webdesign

Clicky