الاجتهاد: صيام رمضان مع الخوف من كورونا : إذا كان يعرف من نفسه الضَّرر البالغ وعدم التَّحمَّل وأرشده الطَّبيب إلى الصِّيام فيجب عليه الإفطار والقضاء بعد البرء والشِّفاء بعد العيد، على أساس وجوب مراعاة حرمة هذا الشَّهر الفضيل في عدم جواز التَّجاهر بالإفطار.
بسم الله الرَّحمن الرَّحيم
إلى مكتب سماحة المرجع الدِّيني آية الله الفقيه السيِّد علاء الدِّين الموسوي الغريفي “دام ظلُّه الشَّريف”
في ظل الأوضاع الرَّاهنة المحيطة بالبشريَّة وانتشار وباء وجائحة (كورونا)، ما هو التَّكليف الشَّرعي في صيام شهر رمضان المبارك مع الخوف من حصول هذا العارض والمرض مع الصِّيام باعتبار أنَّ من لوازم التَّخلُّص والتَّشافي من هذا الوباء “نستجير بالله تعالى منه” هو شرب الماء الكثير، أفتونا مأجورين.
بسمه تعالى شأنه وله الحمد أحد خدامكم
لا شكَّ أنَّ التَّكليف الإلهي وتشريعه للصِّيام لكافَّة الأديان السَّماويَّة كما في آية الصَّوم سببه أنَّ له غايات ساميَّة وفوائد غزيرة معنويَّة وماديَّة معروفة لدى الجميع حتَّى لمن ليس له التزام بالدِّين أو العقيدة إن تأمَّل في أمره، لما تفرضه عليه العلوم الطِّبيَّة الحديثة والمصالح المادِّية والدُّنيويَّة كذلك ولو بعد حين.
وكما هو معروف أيضاً أنَّ عارض المرض عموماً هو أحد موجبات سقوط وجوب الصِّيام عن المكلَّفين كما في الآية الشَّريفة [فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ]، وبما أنَّ عوارض المرض العام يختلف شدَّة وضعفاً، تمَّ الحرص على تخصيص الآية بالسنَّة الشَّريفة بالمرض الشَّديد أو الضَّعف المضر ضرراً بالغاً عقلائيَّاً يسبِّبه أصل الصَّوم، وقد أقرَّ بذلك العقل من باب تقديم الأهم على المهم وهو حفظ النَّفس.
وقد بيَّنَّا جملة من الفوائد والآثار المعنويَّة والماديَّة الَّتي تتعلَّق بالصَّوم في كتابنا (مختصر أحكام الصَّوم) وغيره، ومنها أحكام المرض والمريض، وبينَّا الشَّواهد على تلك من كتب الشَّرائع السَّماويَّة ومن السنَّة المحمَّديَّة والعترة الشَّريفة ومن علماء الطِّب البدني والجسماني، الَّتي نحن حاليَّاً في غنى عن استعراضها لضيق المجال، ومن أراد الاطلاِّع فليراجعها.
كما قد بينَّا في بياننا وتوجيهاتنا حول طرؤ هذا العارض الوبائي (كورونا) “وقانا الله وجميع المؤمنين شرَّه” في غرَّة شعبان المعظَّم أنَّ من جملة التَّقارير الطَّبيَّة الحديثة أشارت إلى أنَّ الوقاية والتَّحرُّز من (مرض كورونا) هو تقويَّة المناعة الجسمانيَّة والخلايا الحيَّة عن طريق عِدَّة أمور منها الصَّوم والابتعاد عن الشَّهوات من كل ما يتعلَّق بالأطعمة والأشربة والجماع، وقد سبقهم نبيِّنا (صوموا تصحُّوا).
ففي حالة الابتلاء والوقوع في هذا المرض “نستجير بالله منه” يكون المكلَّف أعرف من غيره بحالته وقدرته على تحمُّل الصَّوم حتَّى لو أرشده الطَّبيب إلى الإفطار فيجب عليه الصِّيام حتَّى لو كان بواسطة أمور تساعده على تجاوز أزمته الصحيَّة كتقليل الجهد في النَّهار والنَّوم وتعزيز مناعته بالأطعمة والأشربة من السَّوائل المائيَّة والعصائر المفيدة في اللَّيل.
والعكس صحيح أيضاً بأنَّه إذا كان يعرف من نفسه الضَّرر البالغ وعدم التَّحمَّل وأرشده الطَّبيب إلى الصِّيام فيجب عليه الإفطار والقضاء بعد البرء والشِّفاء بعد العيد، على أساس وجوب مراعاة حرمة هذا الشَّهر الفضيل في عدم جواز التَّجاهر بالإفطار.
كما يحرم أيضاً التَّساهل في أداء هذه الوظيفة الربَّانية العظيمة وحرمان النَّفس من روحانيَّتها الكبيرة، ووجوب انتهاز هذه الفرصة السَّنويَّة الثَّمينة بالتَّقوى والقرب من المولى جلَّ جلاله بتمام الطَّاعة.
أعاذنا الله وإيَّاكم ورفع سخطه وبلاءه عن جميع المؤمنين ببركة محمَّد وآهل بيته الطَّاهرين.
النَّجف الأشرف في 27 شعبان المعظَّم/ 1441هـ