الاجتهاد: إنّ من ضروريّات علم الفقه في العصر الحاضر، دراسة المناهج الاجتهاديّة والاستنباطية للفقهاء والمحقّقين في هذا المضمار، ومن اللازم في دائرة الفقه الاجتهادي الشيعي الاهتمام بكيفيّة استنباط المجتهدين،
فرغم أنّ منابع الاجتهاد محدودة بالكتاب والسنّة والإجماع والعقل، وجميع الفقهاء يعتمدون في دراساتهم الفقهيّة على هذه الامور الأربعة بعناوينها منابع الاجتهاد ومصادر الأحكام، إلّا أنّه من الواضح لدى أهل العلم وأرباب المعرفة أنّ لكلّ واحد من الفقهاء منهج اجتهاديّ خاصّ في سلوكه الفقهي والعلمي، بحيث أدّى هذا الأمر أحياناً إلى أن تقع مسألة فقهيّة ضروريّة محلّ خلاف بينهم.
فهناك بعض الموارد التي ذهب إليها الشهيد قدس سره في فتواه، ويراها صاحب الجواهر أنّها على خلاف الضرورة الفقهيّة، وليس هذا إلّا أنّ الأصل المهمّ والأساس- أي الضرورة الفقهيّة، وتفسيرها وتبيينها- مختلف فيه في نظر الفقهاء وأرباب النظر.
وعليه: فمن اللازم التحقيق حول منهج الاستنباط.
ونحن في هذه المقالة المختصرة التي كتبناها بمناسبة إقامة مؤتمر الفاضلَين النراقيّين، بصدد بيان هذا الأمر بصورة إجماليّة، وبديهيّ أنّ التحقيق المفصّل حول هذا الموضوع بحاجة إلى وقت أوسع وتتبّع أكثر. وسوف نقوم بدراسة موسّعة لهذا الموضوع بنحو كامل في وقت مناسب إن شاء اللَّه.
بقلم الاستاذ الشيخ محمد جواد الفاضل اللنكراني.
لاشكّ في أنّ كلّ فقيه إنّما يروم العثور على الحكم الإلهي، واستنباط ما يراه نظر الشارع المقدّس، ومنذ قديم الزمان وعلم أُصول الفقه- وهو بمثابة منطق علم الفقه- كان يمثِّل أداة ووسيلة في يد المجتهد يعينه في عمليّة الاجتهاد، وله تأثير بالغ فيها، ولكن من الواضح أنّه مضافاً إلى علم الاصول وعلم الفقه، هناك شيء آخر نعبّر عنه بمنهج الاستنباط، ورغم أنّ هذا العنوان له مفهوم عامّ قد يستوعب في دائرته علم أُصول الفقه أيضاً، والاختلاف في المباني الاصوليّة يوجب قطعاً الاختلاف في كيفيّة منهج الاستنباط.
ولكن لابدّ أن نعلم أنّ هناك اموراً مهمّة أُخرى في منهج الاستنباط لها دور أساسيّ أيضاً، ولكنّها لم ترد ضمن مسائل اصول الفقه، ومع الأسف فهذا الموضوع لم يُبحث بصورة مستقلّة ومدوّنة لحدّ الآن.
ونحن في هذه المقالة المختصرة سنشير بشكل إجماليّ إلى بعض العناوين الدخيلة في هذا البحث. وطبيعيّ أنّه مع تحقيق وتدبّر أكثر في هذه المسألة سنعثر على عناوين اخر أيضاً دخيلة في هذا الأمر.
1- الاستفادة من المسائل، والقواعد الاصوليّة في الفقه
إنّ أحد الأسئلة التي تدور في أذهان الفضلاء والمجتهدين، هو: ما مقدار تأثير علم الاصول في الفقه؟ وأساساً هل يمكن أن تتحقّق عمليّة الاستنباط في الفقه من دون الاستفادة من علم الاصول، أم لا؟
وفي مقام الجواب يمكن القول بأنّ تأثير علم الاصول في الفقه غير قابل للإنكار، وبدون علم الاصول يعجز الفقيه من الاستنباط والاجتهاد في الكثير من الموارد، مثلًا لو لم نتمكّن من إثبات حجّية الظواهر في علم الاصول، فكيف يمكننا التوصّل إلى نتيجة مقبولة من كلّ هذه الآيات والروايات؟
وعليه: فأصل تأثير علم الاصول في علم الفقه غير قابل للإنكار، ولكنّ البحث في أنّه هل جميع القواعد المذكورة الآن في علم الاصول ضروريّة ونافعة في علم الفقه، أو يمكن القول بأنّ الفقيه يمكنه الاستنباط في الفقه من دون الاستعانة ببعض القواعد الاصوليّة؟
وما يجدر ذكره هنا أنّه مع أنّ بعض الفقهاء من له اليد الطولى في الاصول، إلّاأنّه رغم ذلك يتجنّب حدّ الإمكان من الاستعانة بها في الفقه، ومن هؤلاء المرحوم المحقّق الحائري، والمرحوم المحقّق البروجردي، والمقصود هنا ليس أصل تأثير علم الاصول، بل إعماله واستخدام القواعد الاصوليّة في عمليّة الاستنباط، مثلًا في الموارد التي يفتي بها الفقهاء طبقاً لقاعدة «مقدّمة الواجب واجبة» بالوجوب الشرعي والمولوي للمقدّمة، فهل يمكن إثبات وجوبها ولوازمها من طريق آخر، بدون الاستعانة بتلك القاعدة؟
هل هناك إمكانيّة للتوصّل إلى نتائج صحيحة وواقعيّة من دون الاستعانة بمسألة اجتماع الأمر والنهي؟
هل هناك إمكانيّة على الاستنباط الصحيح من دون الاستعانة بقواعد باب العامّ والخاصّ، أو الإطلاق والتقييد؟
هل يمكننا التوصّل إلى نتائج فقهيّة صحيحة بدون الاستفادة الدقيقة لقواعد باب التعارض والتزاحم؟
من الواضح: أنّنا لا يمكننا أن نحصل على جواب واحد وكامل لهذه الأسئلة، بل لابدّ من التحقيق والتتبّع بدقّة، وفي كلّ مورد على حدة كيما نحصل على نتيجة واضحة ومعتبرة، إلّا أنّ ما يمكننا إظهاره بشكل عامّ هو أنّه بالرغم من أنّ الضرورات الفقهيّة والمشكلات الموجودة في حقل الاجتهاد تعين الفقيه في الكشف عن الكثير من القواعد الاصوليّة، ولكن هذا لا يعني أنّه لا يوجد أيّ طريق آخر للاستنباط بدون تلك القواعد.
نحن نرى أنّ القدماء والمتقدِّمين في الفقه يلجؤون غالباً إلى العمل بظواهر الآيات والروايات المعتبرة، وفي بعض الموارد يتمسّكون بالإجماع، وقلّما نجد في كتبهم الاستفادة من القواعد المهمّة في الاصول؛ من قبيل اجتماع الأمر والنهي، أو مسألة الترتّب، أو مباحث المفاهيم، والحال أنّ الفقيه المعاصر يستخدم في مسائله وفروعاته قواعد أُصوليّة مهمّة جدّاً، وحتّى ما نراه من التمسّك في الكثير من الإطلاقات بصورة شائعة في الكتب الفقهيّة في هذا الزمان، لم يكن موجوداً في كتب قدماء الفقهاء وإن كان هذا الأمر معلولًا لعدم وجود الموضوع في الأزمنة الماضية، ولكن إلى أيّ مقدار كان الفقهاء الأقدمون منّا ملتزمين بهذه القواعد؟
يمكن تقسيم الفقهاء إلى ثلاث طوائف:
الطائفة الاولى: من كان لا يستعين في الفقه بالقواعد الاصوليّة إلّانادراً، ومن هذه الطائفة «الشيخ المفيد قدس سره»، والفقهاء الذين سبقوا الشيخ المفيد.
الطائفة الثانية: من كان يستعين في الفقه بالقواعد الاصوليّة بالمقدار المتعارف والطبيعي.
الطائفة الثالثة: ومنهم الكثير من المتأخِّرين؛ هم الذين استخدموا القواعد الاصوليّة في عمليّة الاستنباط الفقهي أكثر من مورد الحاجة.
ويمكن أن نعدّ الملّا أحمد النراقي قدس سره من الطائفة الثانية، فهو- مع الأخذ بنظر الاعتبار بتبحّره ومهارته الكاملة في علم الاصول- سعى حدّ الإمكان إلى تجنّب الاستعانة بالقواعد الاصوليّة.
فمع مراجعة إجماليّة لكتاب المستند، يحصل التصديق بهذه الحقيقة، ففي المثال المعروف فيما لو كان للشخص مالٌ، فإمّا يجب عليه صرفه في قضاء الدَّين وإبراء ذمّته، أو في حجّة الإسلام، وليس له مال يفي بكلا الأمرين،
فقد اختلف الفقهاء هنا على أقوال:
1- جماعة منهم: كالمحقّق، والعلّامة، والشهيد قدس سرهم [1] يرون أنّ الدَّين بصورة عامّة مانع من وجوب الحجّ؛ سواء كان الدَّين حالّاً، أو مؤجّلًا، وسواء كان الدَّين الحالّ يطالب به صاحبه، أم لا، وسواء كان المؤجّل موثوق الأداء، أم لا، فهذه الفئة من الفقهاء استدلّوا بظاهر بعض الروايات الواردة في الحجّ [2]؛ التي تُوجب الحجّ على الموسر. وذهبوا إلى أنّ المدين لا ينطبق عليه عنوان الموسر.
2- ذهب جماعة اخرى كالسيّد قدس سره في المدارك [3] إلى أنّ الدَّين الحالّ الذي يطالب به صاحبه هو المانع من وجوب الحجّ فقط. وأمّا غير الحالّ، أو غير المطالب به فلا يمنع من تحقّق الاستطاعة.
3- فريق ثالث: كالفاضل الهندي في كشف اللثام [4] يرون أنّ الدَّين مانع إلّافي صورة أن يكون الدَّين موسّعاً، بحيث يكون وقته أوسع من الحجّ.
4- المرحوم النراقي في المستند [5] يقول بالتخيير في بعض الصور، وذلك في المورد الذي يكون الدَّين فيه حالّاً، أو له مدّة، ولكنّه غير موسّع، ففي هذه الصورة لا فرق بين المطالبة وعدم المطالبة.
ودليله على هذا الفرق ما ذكره في المستند من أنّ المديون الذي له مال يسع أحد الأمرين من الحجّ والدَّين، داخل في الخطابين: خطاب الحجّ، وخطاب أداء الدَّين، وإذ لا مرجّح في البين، فيكون مخيّراً بين الأمرين [6].
وأمّا في صورة أن يكون له مدّة، ويكون موسّعاً، فيذهب النراقي قدس سره إلى تقديم الحجّ، ودليله على ذلك صدق الاستطاعة، والروايات [7] التي تدلّ بالصراحة على أنّ الحجّ واجب على الإنسان، حتّى في صورة أن يكون عليه دَين في الذمّة، ثمّ يورد دليل من يرى في هذا الفرض عدم وجوب الحجّ، واستندوا في ذلك بعدم صدق الاستطاعة، أو ببعض الروايات، ويناقشها جميعاً.
النتيجة: إنّ هذه الطوائف الأربعة من الفقهاء لم يخرجوا في منهجهم الاستدلالي عن هذا الأمر؛ أي صدق الاستطاعة وعدمه، وكذلك دلالة الروايات أو عدمها، في حين أنّ بعض الأعاظم مثل السيّد الخوئي قدس سره في المعتمد [8] أدرج هذه المسألة بشكل عامّ في باب التزاحم وقواعدها، وطرح مسألة متعيّن الأهمّية أو محتمل الأهمّية، ثمّ ذهب إلى أنّ الدَّين حقّ الناس، ومن الثابت أنّه أهمّ من حقّ اللَّه، فلذا يقدَّم الدَّين.
بل نسب إلى النراقي أنّه يقول بالتزاحم في بعض الصور، في حين أنّه أوّلًا: لاتوجد أيّة عبارة في كلمات النراقي قدس سره بعنوان التزاحم، وثانياً: أنّ مبنى النراقي قدس سره [9] القول بالتخيير في صورة التعارض، وعدم الترجيح، ويحتمل أن يكون كذلك في هذا المورد، فلا يكون ملتفتاً أصلًا إلى مرجّحات باب التزاحم، وهي المستقلّة عن مرجّحات باب التعارض.
نعم، طبقاً لنظريّة المتأخِّرين يمكن حمل كلماته على باب التزاحم، ولكن لايوجد هناك شاهد واحد على أنّه أراد هذا المطلب، بل إذا كان يقصد ذلك، فينبغي أن يشير إلى مرجّحات باب التزاحم.
والغرض من نقل هذا المثال هو: أنّ الفقهاء الماضين منهم المرحوم النراقي لم يهتمّوا إطلاقاً في هذه المسألة بإعمال قواعد التزاحم، بل تحرّكوا في حلّ المسألة من طريق آخر لا يرتبط بهذه المسألة الاصوليّة، والحال أنّ بعض الأعاظم من المتأخّرين عالجوا المسألة من الزاوية الاصوليّة، وبإعمال القواعد الاصوليّة.
أجل، بعض الأعاظم والمحقّقين في الفقه، كالوالد المعظّم قدس سره بعد إثبات عدم تماميّة جميع الأدلّة، ذكر المسألة في باب التزاحم، فقال:
وقد انقدح من جميع ما ذكرنا في الروايات الظاهرة في تقدّم الحجّ على الدَّين، أنّها بين ما يكون معرضاً عنها، وما يكون مشتملًا على ضعف في السند، ومايكون غير ظاهرة في التقدّم مع المزاحمة… فلم يثبت إلى هنا تقدّم الدَّين على الحجّ ولا تقدّم الحجّ على الدَّين، واللازم بعد ذلك ملاحظة المسألة من باب التزاحم [10].
ونرى من اللازم هنا، وبمناسبة هذا البحث أن نشير إلى بعض القواعد الاصوليّة الواردة في مستند الشيعة:
أ- يرى النراقي: أنّ مقدّمة الواجب واجبة، وقد استدلّ بها في كثير من المسائل؛ مثلًا في مسألة وجوب تحصيل مقدّمات الحجّ قبل حلول موسم الحجّ، استعان بمقدّمة الواجب في الاستدلال [11]، وحتّى أنّه يرى في بعض الموارد إبقاء المقدّمة واجباً، فقال في كتاب الحجّ- تحت عنوان أنّه هل يجوز صرف المال الذي صار الشخص على أساسه مستطيعاً في النكاح؟-:
ثمّ إنّ ما ذكروه من عدم جواز صرف المال في النكاح مبنيّ على ما نقول به من وجوب إبقاء مقدّمة الواجب كما يجب تحصيلها، ولذا نقول بعدم جواز إهراق الماء المحتاج إليه للطهارة، والأكثر لم يذكروه [12].
وهكذا في مسألة التفقّه في المعاملات، ومعرفة المعاملة الصحيحة من الفاسدة، يرى النراقي قدس سره وجوب ذلك من باب المقدّمة، ويرى استحباب التفقّه في كيفيّة التكسّب قبل الدخول في المعاملة [13].
ب- ومن النظريّات الاصوليّة للنراقي، المخالفة لكثير من المتأخِّرين من الاصوليّين [14]، أنّ الجملة الخبريّة لا تدلّ على الوجوب، وقد كان لهذه النظريّة تأثير كبير في مجمل فتاواه، ومن ذلك في لزوم، أو عدم لزوم الترتيب في الأعمال الثلاثة في منى.
فأكثر الروايات التي تدلّ على التقديم، لها صيغة الجملة الخبريّة؛ من قبيل ماورد في رواية جميل: «تبدأ بمنى بالذبح قبل الحلق» [15]، ثمّ أضاف: بما أنّ في نظرنا أنّ الجملة الخبريّة لا تدلّ على الوجوب، فلا يمكننا استخراج الوجوب من هذه الروايات [16].
ج- لا يوافق النراقي قدس سره على القواعد التي أوردها القدماء في باب تعارض الأحوال، مثل ما ورد في ترجيح المجاز في مسألة دوران الأمر بين التخصيص والمجاز، أو في مسألة الدوران بين المجاز والاشتراك، وترجيح المجاز فيها، فالنراقي قدس سره في مثل هذه الموارد لا يرى جريان أيٍّ من القواعد المذكورة، ولعلّ الآخوند الخراساني قدس سره في الكفاية [17] يرى هذا الرأي أيضاً، وتبع في ذلك النراقي قدس سره، فقد قال: والحكم بأولويّة التخصيص عن التجوّز في الأمر مشكل [18].
وبالطبع فقد صرّح في بعض مواضع كتابه المستند أنّ المجاز مرجوح بالنسبة إلى التخصيص [19].
د- ومن النظريّات الاخرى للنراقي؛ عدم إمكان التجزّئ في الاجتهاد، حيث يرى أنّه لو قلنا: إنّ الاجتهاد عبارة عن المَلَكة والقدرة النفسانيّة، فلا يمكن قبول التجزّئ في الاجتهاد حينئذٍ [20].
ه- ومن الامور التي يصرّ عليها الآخوند الخراساني قدس سره في الكفاية [21] هو: أنّ وظيفة العرف تتحدّد في تشخيص المعاني والمفاهيم. وأمّا تطبيقها فمرتبط بالعقل ولايرتبط بالعرف.
والإمام الراحل قدس سره [22] خالف الآخوند قدس سره في هذا المطلب. ويستفاد من كلمات النراقي قدس سره في المستند أنّه كما يستفاد من العرف في مجال تشخيص المعاني والمفاهيم، كذلك يستفاد منه في تطبيق وبيان المصاديق أيضاً، حيث قال: والألفاظ تحمل على المصداقات العرفيّة [23].
و- يستفاد من مجموع كلمات النراقي قدس سره أنّه يرى حجّية مفهوم الشرط والغاية من بين المفاهيم. وأمّا مفهوم العدد أو الوصف فلا يراه حجّة، ويقول: دلّت بمفهوم الشرط على حرمة النظر إذا لم يرد تزوّجها [24]. ويقول في مكان آخر: والرابع بأنّ المفهوم إمّا عدديّ، أو وصفيّ، وشيء منهما ليس بحجّة [25].
2- الاستفادة من آيات الأحكام في الفقه
من الامور الأساسيّة والمهمّة جدّاً هو أن يكون الفقيه مسلّطاً ومحيطاً بمفاهيم القرآن الكريم وآياته الشريفة قبل مراجعة أيّ مرجع ومصدر للأحكام الشرعيّة، حيث إنّ فهم آيات الأحكام تعين الفقيه كثيراً في التوصّل إلى الواقع، والتعرّف على الأوامر الإلهيّة، ويلاحظ في بعض الكتب الفقهيّة؛ أنّها قبل الورود في دائرة الأدلّة وذكر الأقوال تقوم بالتحقيق في مدلول الآيات المربوطة بذلك الباب، ومن الواضح أنّه كلّما كان الفقيه متبحِّراً ومتعمِّقاً في آيات الأحكام؛ فإنّ طريق الاستنباط سيضحى سهلًا وميسوراً عليه.
ومن جهة أُخرى: فإنّه كلّما لم يهتمّ الفقيه بهذا المنبع الفقهي والاجتهادي، تباعد عنه التوصّل إلى الحكم الشرعي، وكان مسيره في عمليّة الاستنباط أبطأ.
ومع ملاحظة هذا الأمر؛ وهو: أنّ الأخباريّين لايرون حجّية ظواهر الآيات القرآنيّة، ويرون كفاية الروايات في عمليّة الاستنباط؛ فإنّهم يعجزون أبداً عن إيجاد الحلول، والإجابة على المشكلات الفقهيّة، وبذلك يكون لديهم فقه جامد ومتحجِّر، ولكن من خصوصيّات النراقي قدس سره في كتاب «المستند» توجّهه الخاصّ والعميق لآيات الأحكام، والاستدلال بها في أبعاد متنوّعة.
وهنا لابدّ من الإشارة إلى مطلبين:
المطلب الأوّل: أنّ من الخصوصيّات المشاهدة في منهج استنباط النراقي قدس سره- ومن الضروري للفقهاء المحترمين الالتفات إليها، ولها نتائج وآثار مهمّة في الفقه- هي: أنّ هناك عناوين كلّية مذكورة في الآيات الشريفة، فلو ورد في رواية أو روايات مصاديق لتلك المفاهيم، فهذا الأمر لا يستوجب أن يفقد ذلك المفهوم الكلّي كلّيّته، وينحصر مفاده بالمصداق المذكور في الرواية.
وبعبارة اخرى: إنّ ذكر مصداق لمفهوم كلّي لا يستوجب أن يفقد ذلك المفهوم الكلّي معناه اللغويّ والعرفيّ في مقام الاستنباط، وبالتالي يتحدّد بالمعنى اللغوي للمصداق، مثلًا ما ورد في الآية الشريفة: وَ مِنَ النَّاسِ مَن يَشْتَرِى لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَ يَتَّخِذَهَا هُزُوًا [26].
فحسب ما ورد في بعض الروايات [27] الموجودة أنّ «لهو الحديث» قد فُسِّر بالغناء، ولكنّ النراقي يقول في هذا المجال:
إنّ تفسير «لهو الحديث» بالغناء لا يوجب الاكتفاء بمعنى «الغناء» لغةً وعرفاً من دون توجّه إلى معنى «لهو الحديث» كذلك، بل اللازم تفسير الغناء المحرّم مع ملاحظة مفهوم «لهو الحديث» أيضاً لغةً وعرفاً؛ أي نفتي بحرمة الغناء من حيث إنّه باطل ولهو عرفاً [28].
في حين أنّ بعض الفقهاء [29] أفتى بحرمة مطلق الغناء في هذا المورد، وهذا إنّما هو من جهة أنّه لم يأخذ بنظر الاعتبار هذه الخصوصيّة في معنى الغناء، والمفهوم اللغوي والعرفي من «لهو الحديث».
الملاحظة الاخرى في هذا المجال أنّ النراقي قد أخذها بعين الاعتبار، وهي: أنّ حرمة الغناء المأخوذة من هذه الآية- مضافاً إلى صدق عنوان «لهو الحديث» عليه- يجب أن يصدق عنوان «لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَ يَتَّخِذَهَا هُزُوًا» أيضاً، ولا تدلّ الآية على حرمة غير ذلك،
يقول النراقي قدس سره: ولا تدلّ على حرمة غير ذلك ممّا يتّخذ الرقيق القلب لذكر الجنّة، ويهيج الشوق إلى العالم الأعلى، وتأثير القرآن والدُّعاء في القلوب [30].
وعلى هذا الأساس يستفاد من منهج النراقي في عمليّة الاستدلال؛ بأنّه إذا كان هناك مفهوم في الآية الشريفة قد فسّر بمفهوم آخر، فنستنتج أنّ المفهوم الثاني ليس مفهوماً مستقلّاً.
أي أنّ «لهو الحديث» إذا تمّ تفسيره بالغناء، نفهم بأنّ الغناء ليس حراماً مستقلّاً، بل في ظلّ مفهوم آخر هو «لهو الحديث»، ولابدّ من التحقيق في معناه ومفهومه.
ونظير هذا المطلب ما ورد في الآية الكريمة: فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنْ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ [31].
فقد فُسّرت كلمة «قول الزور» في بعض الروايات [32] بالغناء.
ويرى النراقي قدس سره أنّ هذا الأمر يجب أن يتمّ مع حفظ المعنى اللغوي والعرفي من قول الزور، وهو الباطل والكذب والتهمة، وبما أنّ عنوان الباطل والكذب لايصدق على قراءة القرآن، والأدعية، والمواعظ، والمراثي، فلذلك لا يمكن اعتبارها من موارد الغناء.
المطلب الثاني: يستند النراقي قدس سره في بعض المسائل الفقهيّة على القرآن الكريم، باعتباره الدليل الوحيد، أو العمدة في فتواه، مثلًا في مسألة هل يجب الترتيب في أعمال منى الثلاثة، أم لا؟ يرى النراقي قدس سره عدم الوجوب، وبعد مناقشة دلالة الروايات الموجودة يقول: بأنّ العمدة في الدليل هو قوله- تعالى-: وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ [33].
فرغم أنّ الآية المذكورة وإن دلّت على وجوب تأخير الحلق عن بلوغ الهدي محلّه، إلّاأنّ كون بلوغ الهدي محلّه هو الذبح غير معلوم [34].
المطلب الثالث: رغم أنّ القرآن الكريم يمكن حمله على معانٍ كثيرة بخلاف بقيّة المتون الاخرى، إلّاأنّ هذا لا يعني أنّه يمكن الاستدلال بجميع تلك المعاني. ويذكر النراقي قدس سره هذا المعنى في مستنده في مقابل صاحب الحدائق [35]، حيث قال: وإمكان تفسير الآية بالأمرين- كما قيل- لكون القرآن دلولًا ذا وجوه فلاتعارض، كلام خالٍ عن التحصيل؛ لأنّ المراد أنّه يمكن حمله على معانٍ كثيرة لا أن يستدلّ بالجميع [36].
3- فقه الحديث، ومسألة الجمع بين الروايات
من الامور المهمّة في منهج الاستنباط لدى الفقهاء، هي الدقّة في مدلول الروايات، وفهم المراد والمقصود الواقعي منها، ولاشكّ أنّ الكثير من الروايات الموجودة في المصادر الفقهيّة، هي من نوع النقل بالمضمون، ولا توجد الألفاظ التي تكلّم بها الإمام عليه السلام بعينها، وهذا الأمر هو أحد الأسباب في التعارض الظاهري بين الروايات، إلّاأنّ بعض الفقهاء ذهبوا إلى أنّ العبارات الواردة في الروايات بمثابة النقل بالمعنى والمضمون، فلا ينبغي التدقيق كثيراً فيها.
في مقابل ذلك، نرى أنّ بعض الفقهاء يتحرّكون في عمليّة الاستنباط، والمنهج الفقاهتي حول هذا المحور، وهو: أنّه يجب التدقيق والتدبّر في تعبيرات وألفاظ هذه الروايات بعنوان أنّها حجّة على الفقيه، ففي بعض الموارد يؤدّي التدقيق في المدلول إلى أن يزول التعارض الظاهري بين روايتين، والكثير من أشكال الجمع العرفي مبتنٍ على هذا الأساس.
وعليه: فالإتقان في عمليّة الاجتهاد والاستنباط يدور مدار الفهم الدقيق للروايات، والتوجّه الصحيح لمدلولها، ولأجل توضيح هذا الأمر أكثر، نشير إلى عدّة خصائص مهمّة في هذا المجال:
الأوّل: يجب على الفقيه في الموارد التي تكون فيها الرواية واضحة الدلالة اجتناب التأويلات الباردة، والحمل على المعنى النادر، والمخالف للظاهر، وقد التفت إلى هذا الأمر النراقي في منهجه الاستنباطي بصورة جيّدة، ففي مسألة هل يجوزللمرأة أن تحتلّ منصب القضاء، أم لا؟ روايات لها ظهور واضح في عدم جواز ذلك، قد استند عليها في فتواه، وأفتى بأنّ المرأة لا يمكنها أن تكون قاضية [37].
الثاني: يجب على الفقيه استعمال الدقّة في تعامله مع الروايات، وهل أنّ هذه الرواية في مقام إنشاء الحكم، أو الإخبار به؟ فلو كانت في موقع الإخبار، لا يمكن بأيّ وجه الاستناد عليها في مقام الاستدلال.
الثالث: يجب على الفقيه التدقيق والتدبّر في أنّه هل ورد الحديث الحكمي بعنوان القضيّة الحقيقيّة، أو بعنوان القضيّة الخارجيّة؟
وفي هذه المسألة- وهي: أنّه هل يجب الذبح في منى أم لا؟- نرى أنّ النراقي قدس سره بعد أن يذكر الإجماع، والروايات الكثيرة، يشير إلى رواية تدلّ على أنّ هدي الإمام عليه السلام قد كان في غير منى، وقال: إنّ هذه الرواية لا يمكن أن تكون معارضة للرواياتالاخر؛ لأنّهاتحملعنوان القضيّة الخاصّة و «القضيّة في واقعة»، وأضاف:
القضايا في الوقائع لا تفيد عموماً ولا إطلاقاً [38]؛ أي أنّ القضيّة الخاصّة لا يكون لها عموم ولا إطلاق حتّى يمكن استنباط حكم كلّي منها.
وأحد التوجيهات المذكورة للرواية الواردة عن أمير المؤمنين عليه السلام في شأن النساء- حيث قال: النساء نواقص العقول [39]- هو هذا المعنى، يعني لعلّها كانت من قبيل القضيّة الخارجيّة، فمن الطبيعي أن تكون محدودة بنساء في زمن خاصّ، فلاتشمل جميع النساء إلى يوم القيامة على أساس من القضيّة ا لحقيقيّة، رغم أنّ التعبير الوارد في ذيل هذه الرواية مبعّد لهذا المعنى.
الرابع: أنّ الفقيه في الوقت الذي يكون ملزماً بالتمسّك بالدليل، لايتمكّن في بعض الموارد من الجمود على ظاهر الروايات، وهذه الخصوصيّة مشاهدة في منهج النراقي قدس سره في عدّة موارد:
ففي مسألة: إذا أراد شخص أن يبيع في عقد واحد شيئاً بثمن نقداً، وبثمن آخر نسيئة، فالمشهور قائل بالبطلان، كالشيخ الطوسي قدس سره في المبسوط [40]، والحلبي [41] والحلّي [42] وابن زهرة [43] والفاضلين [44] والشهيدين قدس سرهم [45]، والدليل على ذلك الجهالة الواقعيّة للثمن، وفي هذا المورد ثلاث روايات [46]، وقد جاء التعبير في اثنين منها النهي عن بيعين في بيع، أو شرطين في بيع، مثلًا جاء في رواية سليمان: أنّه نهى رسول اللَّه صلى الله عليه و آله عن سلف وبيع، وعن بيعين في بيع [47].
وقد فسّر بعض الفقهاء [48] هذا الكلام بهذا التفسير، وهو: أنّ البائع عيّن في عقد واحد ثمن بضاعته للمشتري بثمن نقداً، وثمن آخر نسيئة.
النراقي قدس سره يناقش كلتا هاتين الروايتين، ويجيب عنهما بأنّ هاتين الروايتين لم يرد فيهما عنواناً مطلقاً، أو كلّياً، وبالتالي يلزم منه ارتكاب التجوّز في استعمال النهي أو في المنهيّ عنه. ويستنتج من ذلك أنّ الرواية مجملة، ولا يصحّ الاستدلال بها [49].
الخامس: من الامور التي ينفرد بها النراقي قدس سره، وعلى الأقلّ أنّه الوحيد الذي صرّح بها، هي أنّه لا يصحّ الاكتفاء في فهم الرواية بمواد الألفاظ، والتراكيب اللفظيّة المستعملة فيها، بل يستفاد من بعض الامور الخارجة من الرواية كونها قرينة على المدلول.
مثلًا في مسألة كون أحد محرّمات الإحرام «لبس المخيط» ذهب إلى أنّ هذا العنوان ليس له دليل من الإجماع على أنّه بنحو كلّي ومطلق، والروايات قاصرة من حيث الدلالة، إلّاأن يستفاد من الإجماع ليكون قرينة على المراد، فقال:
ولكنّ الكلّ قاصرة عن إفادة الحرمة؛ لمكان الجملة الخبريّة، أو المحتملة لها، أو ما يحتمل أن يكون المفهوم فيه انتفاء الإباحة بالمعنى الأخصّ، فالمناط فيها الإجماع، إلّاأن يجعل الإجماع قرينة على إرادة الحرمة، وهو كذلك، فتكون تلك الأخبار أيضاً مثبتة للحرمة [50].
فكما صرّح، جعل الإجماع قرينة على مدلول الرواية، في حين أنّ الفقهاء الآخرين يرون أنّ الإجماع دليل مستقلّ على الحكم.
السادس: من الامور التي تبيّن أنّ الفقيه متبحِّر في الفقه، هي مسألة الجمع بين الروايات المختلفة في دلالتها، وهذا المعنى يصدق بالنسبة للشيخ النراقي قدس سره، مثلًا في مسألة الفصل بين العمرتين ومقداره، هناك أربع طوائف من الروايات يبحثها النراقي قدس سره، وأخيراً يصل إلى هذه النتيجة، وهي: أنّه بالإمكان الإتيان بعمرة واحدة كلّ عشرة أيّام، وقد ناقش النراقي قدس سره في بعض روايات الباب، بالرغم من صحّة سندها، ولم يقبلها لكونها شاذّة، وردّ البعض الآخر لكونها موافقة للعامّة، وأعمل نظره في دلالة الطائفة الثالثة [51].
وهكذا بالنسبة إلى محرّمات الإحرام، فلا يرى مطلق لبس المخيط من المحرّمات، بل اكتفى بما ورد في الروايات من عناوين ومصاديق، من قبيل القميص، والسروال والقباء والثوب المزرّر [52].
في حين أنّه في باب صلاة المسافر، وفي شرائط القصر، يتجاوز العناوين العشرة المذكورة في الروايات [53] لمن يتمّ صلاته، كالمكاري، والكريّ، والراعي، والاشتقاق، والملّاح، والبريد، والأعراب، والجابي، والأمير، والتاجر؛ لأنّ الوارد في التعبير هو عبارة: «لأنّه عملهم»، وهذا بمثابة العلّة المنصوصة، رغم وجود اختلاف في مرجع الضمير فيها [54].
السابع: ينبغي للفقيه التدقيق والتدبّر في المضامين والتعابير الموجودة في الروايات، ففي باب الغناء حول تقبيح وذمّ هذا العمل وردت عبارات كثيرة في الروايات، بحيث إنّ كثيراً من الفقهاء استنتج حرمة هذا العمل من عبارة واحدة، أو من مجموعها.
مثلًا العبارة التي تقول بأنّ بيت الغناء لا تؤمن فيه الفجيعة، ولا تُجاب فيه الدعوة، ولا يدخله الملك [55]، أو أنّه يورث النفاق [56]، أو يُحشر صاحب الغناء يوم القيامة أعمى وأخرس وأبكم [57]، أو أنّ اللَّه يعرض عنه [58]، أو أنّه يورث الفقر [59]. أمّا النراقي، فيرى أنّ هذه التعابير لا تدلّ على الحرمة، بدليل أنّ مثل هذه العبارات وردت في المكروهات أيضاً [60].
4- الاهتمام والعناية بالقواعد الفقهيّة
من الامور التي لها تأثير كبير في الفقه بدون شكّ؛ هي القواعد الفقهيّة، وهي مستقلّة عن علم الاصول تماماً، ولا مناقشة في أنّ جميع الفقهاء استعانوا في بحوثهم الفقهيّة ببعض القواعد، ولكنّ المهمّ هنا هو المفهوم الذي يحمله الفقيه عنالقاعدة الفقهيّة، وتحليله عنها، حيث إنّ هذا التحليل له تأثير هامّ على كيفيّة الاستنباط لدى الفقيه.
إنّ النراقي قدس سره على خلاف مشهور الفقهاء [61]- الذين يستفيدون من قاعدة «على اليد» الحكم الوضعيّ في باب الضمان- يرى أنّها لا تدلّ على الحكم الوضعي بأيّ وجه، بل تدلّ على الحكم التكليفي فقط، وهو عبارة عن «وجوب الردّ»؛ بمعنى: أنّ هذه القاعدة تدلّ أنّه لو كان لدى الإنسان مال لغيره حصل عليه من طريق غير مشروع، وجب عليه إرجاعه إلى صاحبه [62].
ومن الواضح: أنّ هذه القاعدة تستخدم في كثير من الموارد في الفقه لإثبات الضمان، ومع هذا التحليل والتفسير لا يبقى لها صلاحيّة للاستدلال بها على وجوب الضمان.
النكتة الاخرى في هذا الموضوع هي: أنّ بعض الفقهاء لهم رؤية محدودة بالنسبة لبعض القواعد الفقهيّة، فيجرونها في بعض الموارد، في حين أنّ نفس تلك القاعدة في نظر فقهاء آخرين تتّسع في دائرة شموليّتها واستيعابها، مثلًا يلاحظ هذا المعنى في قاعدة «لا ضرر»، و «لا حرج».
فبالنسبة إلى لزوم الاستطاعة السربيّة، يستعين النراقي قدس سره بقاعدة: «نفي العسر والحرج»، وقاعدة «لا ضرر»، مضافاً إلى الإجماع المحصّل والمنقول، والكثير من الأخبار. ويقول: إذا لم يكن الحجّ ميسوراً على المكلّف، وكان يحتمل أن يبتلي في الطريق بالسارق أو العدوّ، فهو غير مستطيع، طبقاً لقاعدة «لا حرج»، و «لاضرر» [63].
وهكذا في مسألة الاستطاعة ولزوم اعتبار الزاد في العودة إلى الوطن يقول النراقي قدس سره: بالرغم من أنّ ظاهر الكتاب والسنّة يقتضي عدم الاعتبار، ولكن يمكن الحصول على هذه النتيجة؛ وهي: أنّ هذا الأمر معتبر في الاستطاعة من خلال قاعدة «لا ضرر» و «لا حرج». وينقل الاستدلال الذي أورده العلّامة في «التذكرة»، ويرى لزومه، حيث يقول: «لأنّ النفوس تطلب الأوطان» [64].
ويقول النراقي في ردّ هذا الاستدلال: إنّ الطلب إن كان بحدّ يشقّ معه الترك، فكذلك، وإلّا فلايوجب الاشتراط، معأنّ منالأشخاص من تساوى عنده البلاد [65].
فيلاحظ أنّ هذا الفقيه المرموق كيف يوسّع من دائرة تطبيق قاعدة «لا حرج»، بحيث إنّه لو سُئل هذا الأمر من فقهاء هذا الزمان، فلا أحد يرى تأثير حبّ الوطن وطلبه في المسائل الشرعيّة، وحتّى في الفقه المعاصر نرى أنّه من الشائع هو: أنّ قاعدة «لا ضرر»، وقاعدة «لا حرج» لا يمكنهما إثبات حكم من الأحكام، وإنّما يمكنهما رفع الحكم الموجود، ولكنّنا من خلال ما ذهب إليه النراقي قدس سره في موارد مختلفة من الاستعانة بهذه القاعدة، نرى أنّه لا يقول بالتفكيك بين هذين الأمرين.
5- الشهرة، والإجماع، وتأثيرهما في طريقة الاستنباط
إنّ النظريّة المتناغمة مع المشهور أو الإجماع لها أهمّية خاصّة في نظر المتقدِّمين، إلى درجة أنّ الشيخ الطوسي قدس سره في «الخلاف» جعل دليله في الكثير من المسائل الإجماع، ورغم وجود الاختلاف في مباني الإجماع أنّنا نأخذ بنظر الاعتبار هذه الحقيقة في هذا البحث، وهي: أنّه لو كان منهج فقيه معيّن يقوم على عدم الاعتناء والاهتمام بالمشهور، أو موارد الإجماع، فمن الطبيعي أن تكون لفتاواه صبغة اخرى.
والنراقي قدس سره كان شديد الاهتمام برأي المشهور، أو المطابق للإجماع، ومن المحتمل أنّ الشيخ الأنصاري قدس سره الذي كان يدافع دائماً عن الرأي المشهور في نظريّاته وآرائه الفقهيّة، قد استلهم ذلك من النراقي، ورغم أنّ النراقي قدس سره أفتى في بعض الموارد على خلاف رأي المشهور والإجماع، إلّاأنّه سعى في تأييد ودعم المشهور في الكثير من الموارد، مثلًا في مسألة عدم صحّة النيابة عن الكافر، نراه يناقش جميع الأدلّة، رغم أنّها جيّدة حسب الظاهر، ثمّ يتمسّك في هذه المسألة بالإجماع [66].
وهكذا نجده لا يقبل بالرأي المخالف للمشهور، لاسيّما إذا كانت الشهرة عظيمة. ويقول: … الذي إن سلمت دلالته، وخلوّه عن المعارض، يكون مردوداً بالشذوذ ومخالفة الشهرة العظيمة [67].
ويقول في موضع آخر: هذا، مع أنّ الكلّ على فرض الدلالة مخالفة للشهرة القديمة والجديدة، بل الإجماع، فعن حيّز الحجّية خارجة [68].
بينما نجد في منهج الفقهاء المعاصرين أنّ الكثير من موارد الإجماع قد وضعت في قفص المناقشة على أساس كونها إجماعاً مدركيّاً، أو محتملة المدركيّة، وتدريجاً بدأ الإجماع ينسحب من دائرة الدليليّة والحجّية ويخرج منها، في حين أنّ النراقي قدس سره لا يقبل بهذا المنهج في الفقه [69]، فالإجماع يحظى بأهمّية ومكان رفيع في نظره.
ولا يخفى أنّ النراقي قدس سره في بعض الموارد عندما ينقل الإجماع عن عدّة من الفقهاء، لا يلتزم بذلك الإجماع إذا قام الدليل على خلافه، وكذلك هناك بعض الموارد تكون فيها الرواية قاصرة الدلالة على المطلوب، فيكون الإجماع بمثابة القرينة على ذلك، وقد سبق بيانه.
6- لزوم التحرّك الاجتهادي في إطار الضوابط الفقهيّة
من الامور الضروريّة للفقيه لكي يضعها نصب العين هو أن لا يخرج الفقيه في حركته الاجتهاديّة ومنهجه الاستنباطي عن دائرة الضوابط الفقهيّة، وأن لا يُولي أهمّية للمسائل التي لاترتبط بالفقه، وفي هذا الصدد لابدّ من التوجّه إلى امور:
الأوّل: ينبغي على الفقيه أن يبتعد تماماً عن علل الأحكام، ولا ينخدع بعناوين مغرية باسم فلسفة الأحكام، أو علل التشريع، فأوّل وظيفة للفقيه هي: أن يرى في نفسه التبعيّة للدليل، ويفتي في كلّ مسألة بمقتضى ما يقوم عليه الدليل. نعم، إذا كان هناك تصريح بالعلّة في الدليل، فيجب على الفقيه العمل بها بمقتضى قاعدة «العلّة تعمّم وتخصّص» على فرض صحّتها، وهذا يدخل أيضاً في دائرة العمل بمقتضى الدليل.
أمّا ما هو جدير بالنظر في هذا القسم من البحث هو: أنّ الفقيه إذا تحرّك من البداية لتحصيل فلسفة الأحكام، وأراد من خلال ذلك التصرّف بالدليل على مستوى التوسعة والتضييق، أو التصرّف في الشرائط والحدود لذلك الدليل؛ فإنّه قد حظيَ طريق غير صحيح في عمليّة الاستنباط قطعاً، حيث ينبغي للفقيه في استنباط الأحكام أن يضع نفسه قبل كلّ شيء في معرض الأدلّة، ويطابق نظره مع مقتضيات الأدلّة.
هذه الامور مشهودة تماماً في منهج النراقي للاستنباط، فلم يلاحظ عليه أنّه في مورد من الموارد توصّل إلى حكم من الأحكام عن طريق فلسفة حكم آخر، ومع الأسف فإنّه في زماننا هذا لا نشاهد هذا المنهج في الاستنباط، فالبعض يتوجّه قبل مراجعة الأدلّة إلى حكمة وغرض من أغراض التشريع في أمر من الامور، ثمّ يبحث في الأدلّة بما يتناسب مع ذلك الغرض، وهذا الأمر سيفضي في النهاية إلى زوال وتلاشي الفقه، فروح الفقه في الأساس هي روح التعبّد بالأدلّة.
الثاني: رغم أنّ الكثير من العلوم لها تأثير تامّ في ترشيد وتقوية علم الفقه، وعلى الفقيه أن يكون محيطاً بها، ومسلّماً بمسائلها، إلّاأنّه يجب اجتناب العلوم التي لا دور لها في عمليّة الاستنباط، أو التي من شأنها أن تحرف الاستنباط عن مساره الصحيح.
مثلًا: لا ينبغي للفقيه أبداً أن يدخل المسائل الأخلاقيّة، وعلم الأخلاق، والروايات الواردة في مقولة الأخلاق في الفقه، ففي الفقه يجب ملاحظة ورعاية المعايير الفقهيّة للأحكام، والتي قد تتطابق مع المعايير والضوابط الأخلاقيّة في كثير من الأحيان،
مثلًا إذا أجّر شخص حانوته لآخر في مدّة معيّنة، فبمقتضى الفقه يجب على المستأجر تخلية ذلك المكان مع انتهاء مدّة الإجارة، فبقاؤه فيه يكون بعنوان الغصب، والتصرّف غير المشروع حينئذٍ، في حين من الممكن في دائرة الأخلاق أنّ إخراج مثل هذا الشخص الذي ليس له مكان آخر، غير صحيح من قبل المالك، وهكذا في الكثير من أحكام المعاملات نرى انطباق المعايير الفقهيّة الخاصّة، دون أن يكون للمسائل الأخلاقيّة أيّ تدخّل فيها.
وبالطبع، فنحن لا نرى أنّ الشارع المقدّس لم يأخذ بنظر الاعتبار المسائل الأخلاقيّة في عمليّة تشريع الأحكام كلّا، وإنّما نقول: بأنّ للفقه معايير خاصّة ينبغي ملاحظتها في كلّ مسألة من المسائل الفقهيّة.
هذا المطلب له تأثير كبير على البحوث المتعلّقة بحقوق الزوجين، والروابط العائليّة، والمرحوم النراقي قدس سره رغم تبحّره الواسع في علم الأخلاق، لم يخلط أبداً المسائل والقواعد الفقهيّة مع الضوابط الأخلاقيّة.
الثالث: من الامور التي ينبغي للفقيه الاهتمام بها هو: أنّ الفقيه الجامع للشرائط والذي له مشروعيّة الإفتاء، بحيث تمرّ فتواه هذه من خلال الاعتقاد بولاية الأئمّة المعصومين عليهم السلام وإمضائهم، هذا الفقيه إلى أيّ حدٍّ يمكنه إدخال عنصر الولاية والإمامة في المسائل الفقهيّة؟
وأساساً، هل أنّ هذا الأمر يعتبر أحد المعايير والضوابط المتّخذة في منهج الاستنباط؟
من الواضح أنّه لا يمكن لأحد إنكار تأثير هذا العنصر في عمليّة الاستنباط لدى أغلب فقهاء الإماميّة، وينبغي القول أنّ الاعتقاد بالولاية يعتبر في مستوى أحد الضوابط، والمعايير الفقهيّة المؤثِّرة في الاستنباط الفقهي، إلّاأن يكون هناك دليل خاصّ على عدم التأثير.
وهذا المطلب يتجلّى بوضوح في المنهج الاستنباطي للنراقي قدس سره، مثلًا في مسألة هل أنّ الشهادة الثالثة لها عنوان الجزئية في الأذان، أو لا؟ فبعد أن يذكر هذا الفقيه الكبير الأقوال على التحريم والكراهة، يورد العمومات التي ترغّب وتحثّ على هذه الشهادة مطلقاً، ويستند عليها، وكذلك يورد الروايات التي تؤكّد على لزوم الشهادة الثالثة بعد الإتيان بالشهادتين على التوحيد والنبوّة، ويضيف:
وعلى هذا فلا بُعد في القول باستحبابها فيه؛ للتسامح في أدلّته، وشذوذ أخبارها لا يمنع عن إثبات السنن بها، كيف؟! وتراهم كثيراً يجيبون عن الأخبار بالشذوذ، فيحملونها على الاستحباب [70].
ومن هذا الكلام يتبيّن أنّه يكتفي للقول بالجزئيّة على نحو الاستحباب ببعض الأخبار الشاذّة.
وهكذا في مسألة دفع الزكاة للمخالفين والعوامّ من الشيعة، يورد كلام صاحب الحدائق [71]، الذي يستشكل في دفع الزكاة إلى عوامّ الشيعة الذين لايعرفون اللَّه سبحانه إلّابهذا اللفظ، ثمّ أجاب عنه أنّه:
وهو كذلك؛ إذ موضع الزكاة من يعرف صاحب هذا الأمر، ومن كان من أهل الولاية، ومن لم يعرف الأئمّة عليهم السلام، أو واحداً منهم، أو النبيّ صلى الله عليه و آله، لا يصدق عليه أنّه يعرف صاحب هذا الأمر، ولا يعلم أنّه من أهل الولاية، وأنّه العارف… وكذا من لا يعرف الترتيب في خلافتهم [72].
وكنموذج آخر في هذا المجال ما ذكره في باب مكروهات القبر، ووضعه موضع المناقشة، وهو البناء على القبر، فقد ذهب الشهيد في الدروس [73]، وجماعة مثل صاحب الرياض [74]، إلى استثناء الأنبياء والأئمّة عليهم السلام من هذا الحكم، وذكروا له ثلاث أدلّة:
الأوّل: إجماع الإماميّة، وهذا يصلح لتخصيص عمومات الكراهة.
الثاني: أنّهيوجد بناء على قبر النبيّ صلى الله عليه و آله، ولم ينكر الأئمّة عليهم السلام على ذلك أبداً.
الثالث: الأخبار التي توصي باحترام قبور الأئمّة عليهم السلام.
ولكنّ النراقي قدس سره يناقش هذه الأدلّة بأجمعها، ثمّ يؤيّد ذلك الحكم من طريق آخر، وذلك من خلال الروايات التي تذكر فضيلة تعمير قبور الأئمّة عليهم السلام؛ من قبيل ما ورد عن النبيّ صلى الله عليه و آله و سلم: يا عليّ من عمّر قبوركم وتعاهدها فكأنّما أعان سليمان بن داود على بناء بيت المقدس [75].
وكذلك الروايات التي ورد التصريح فيها بالوقوف في مقابل الروضة [76]، أو القبّة [77]، أو تقبيل العتبة [78]، [79].
7- الفقيه، والاستقلال في عمليّة الاستنباط
الفقيه الجامع لا ينبغي له إطلاقاً أن يقع تحت تأثير استدلال الآخرين، بل يجب أن يكون مستقلّاً في الاستدلال، ونشير هنا إلى عدّة أُمور:
الأوّل: ينبغي للفقيه أن يستعرض أدلّة الآخرين، ويبحثها بدقّة وتدبّر كامل، ثمّيرى رأيهمستقلّاًعن كلماتهم، وحتّى لو كان هناك إجماعات منقولة تصلح لتكون مؤيّدة على المطلب، إلّاأنّه لاينبغي له التسليم لها من دون التحقيق في دليل الطرف المقابل.
وقد نقل النراقي قدس سره في بعض المسائل الفقهيّة عدّة إجماعات منقولة عن الفقهاء الكبار، ولكن رغم ذلك لم يهتمّ بها؛ لوجود الدليل على الخلاف، مثلًا في مسألة إذا تحقّقت منه الاستطاعة الماليّة، ولكنّه لم يتمكّن من الذهاب إلى الحجّ للشيخوخة، أو المرض، أو وجود العدوّ، ففي صورة اليأس واستقرار الحجّ قبل العذر، ذهب جماعة منهم: كصاحب المسالك [80]، والروضة [81]، والمفاتيح [82] إلى لزوم الاستنابة، وادّعوا على ذلك الإجماع أيضاً، مضافاً إلى الاستدلال بالروايات.
ولكنّ النراقي قدس سره ناقش في الإجماعات، وفي الروايات أيضاً، وأخيراً قال: فالأقرب إذن ما يقتضيه الأصل؛ وهو عدم الوجوب، وبالتالي يرى استحباب النيابة في هذه الصورة [83].
فيستفاد من هذا المثال بصورة جيّدة أنّ تبحّر النراقي ودقّت نظره تتجلّى في عدم استسلامه للإجماعات بسهولة، ولا يقبل بالتفسير الذي يذكره الفقهاء للرواية، بل يدرس الرواية بصورة مستقلّة، وفي هذه المسألة نفسها يرى بونٌ شاسع بين استنباط النراقي قدس سره، واستنباط الفاضل الهندي في «كشف اللثام» [84]؛ الذي كان يعيش قبل النراقي قدس سره بمائة عام.
الثاني: من الامور التي يجب الأخذ بها بنظر الاعتبار في دائرة الاستقلال في الاستنباط هو: أنّ الفقيه لا يكتفي باستدلال الأصحاب على حكم معيّن، بل في الموارد التي كان في وسعه إضافة دليل آخر يقوم بذلك.
وبعبارة أُخرى: أنّه لا ينبغي للفقيه في مقام الاجتهاد والاستنباط أن يكتفي بالأدلّة التي ذكرها الآخرون في إثبات المطلوب، حيث يمكن أن يكون هناك دليل لم يلتفت إليه القوم، وأساساً فإنّ فنّ الاجتهاد يتبلور ويتجلّى في هذا البُعد من عمليّة الاستنباط الفقهي.
ونواجه في «المستند» للنراقي قدس سره هذا المعنى أيضاً، فلا نرى منه خضوعاًفي مقابل استدلالات الآخرين.
مثلًا: في مورد نيابة الصبيّ في الحجّ، ذهب جماعة إلى عدم الصحّة، وتمسّكوا في ذلك بعدم مشروعيّة عبادات الصبيّ وقالوا: إنّ عبادات الصبيّ تمرينيّة، فلايصدق عليها عنوان الواجب ولا المستحبّ [85].
ويقول النراقي قدس سره في ردّه لهذا الدليل أنّه:
أوّلًا- منع خروج عبادات الصبيّ عن الشرعيّة بإطلاقها، وإنّما هي خارجة عن الواجبة على نفسها.
وثانياً– سلّمنا التمرينيّة، لكنّها مخصوصة بأوامر اللَّه سبانه لا ما يستأجر للغير. ولا يلزم من عدم وجوبها أو ندبها على نفسه، عدم إجزائها عمّن تجب عليه، أو تندب [86].
وعليه: رغم أنّ المشهور [87] يرى بطلان نيابة غير البالغ، وحتّى أنّ صاحب المدارك [88] نسب هذا القول إلى معروف الأصحاب، واستدلّ عليه بالأصل، والقاعدة وأدلّة أُخر، إلّاأنّ النراقي قدس سره [89] ناقش في جميع تلك الأدلّة، وردّها الواحدة تلو الاخرى، وسلك بنفسه طريقاً آخر؛ وهو الإجماع المركّب، وعدم القول بالفصل في الصوم والصلاة من جهة، والحجّ من جهة اخرى؛ أي كما أنّ الصوم والصلاة الاستئجاريّين لغير المكلّف لا تقعان صحيحة، فكذلك في الحجّ أيضاً.
8- الفقيه، وكيفيّة التعامل مع الاحتياط
عندما ندرس آثار وكتابات بعض الفقهاء، نلاحظ أنّ ذلك الفقيه له اهتمام ملحوظ في مقام الفتوى بمسألة الاحتياط، وهذا الأمر قد يؤدّي إلى مشاكل عديدة أحياناً، فقد يلاحظ في مسألة معيّنة لم يقم عليها دليل محكم، أنّ فريقاً من الفقهاء العظام يسلكون فيها طريق الاحتياط،
مثلًا في باب الحجّ حيث يجب أن يبتدئ في طوافه من الحجر الأسود وينتهي إليه، فقد ذهب بعض الفقهاء- كالعلّامة- إلى أنّ أوّل جزء من «الحجر الأسود» يجب أن يكون محاذياً لأوّل جزء من مقاديم البدن [90]، بحيث إنّه بعد النيّة يمرّ جميع البدن من ذلك المكان، ثمّ اختلفوا في أنّ أوّل جزء من البدن هل هو الأنف، أو البطن، أو إبهام القدمين؟
وبعد أن ينقل النراقي قدس سره هذا المطلب يختار رأياً آخر؛ لأنّ مثل هذه النظريّات ليس لها دليل سوى الاحتياط.
وقال: ولا يخفى أنّه إلى الوسواس أقرب منه إلى الاحتياط [91].
ويستفاد من هذا البيان أنّ بالاحتياط قد سلك مسلكاً آخر أحياناً في كلمات الفقهاء أبعده عن حقيقته، وليس في ذلك رضا الشارع المقدّس قطعاً، وما أكثر ماتكون هذه الحالة معلولة للوساوس النفسانيّة والشيطانيّة، حيث ينبغي للفقيه اجتنابها حتماً، وفي ذلك يقول النراقي قدس سره بعد ذكره لهذا المطلب: و بالجملة هذا أمر لا دليل عليه ولا شاهد، لايناسب تسميته احتياطاً، بل اعتقاد وجوبه خلاف الاحتياط [92].
ومن هنا ينبغي النظر إلى مقام الاحتياط في الفقه، وبيّنٌ أنّ نفس الدليل يقتضي في بعض الموارد الاحتياط، ويدفع الفقيه إلى سلوك الاحتياط، كما في باب الفروج والدماء، والحدود، وأمثال ذلك إذا لم يتمكّن الفقيه من التوصّل إلى نتيجة مقبولة من خلال الأدلّة، ففي بعض الموارد يقول بلزوم الاحتياط، وفي البعض الآخر يقول بالرجحان، إلّاأنّ فقهاءنا قلّما توجّهوا إلى هذه الحقيقة، وهي: أنّه ما أكثر ما يؤدّي الاحتياط إلى الوقوع في العسر والحرج والمشقّة لنوع الناس عامّة.
وهذا الأمر يفضي في النهاية إلى الابتعاد عن الدِّين، أو عدم الاهتمام به، وحينئذٍ لايمكن التمسّك بقوله عليه السلام: أخوك دينك فاحتط لدينك [93].
وإجمالًا يمكن القول بأنّ الاحتياط أمر مطلوب غالباً بالنسبة إلى الأفراد والأشخاص. وأمّا بالنسبة إلى المسائل الكلّية والقضايا الحكوميّة، فلا يكون كذلك دائماً، مثلًا في باب الحجّ يُبحث عن مسألة تبعيّة الحاجّ للحاكم من أهل السنّة بالنسبة لتعيين أوّل الشهر، وبالتالي بالنسبة إلى الوقوف في عرفات، والمشعر، والمبيت بمنى، فهنا لا يمكن القول بأنّ مع احتمال الخلاف يترجّح الاحتياط.
ومن هنا نرى أنّ النراقي قدس سره في فتاواه الفقهيّة يتجنّب الاحتياطات التي ليس لها منشأ فقهيّ، بل قد تكون لها نتائج سلبيّة، ففي مسألة اعتبار وجود المَحْرم في استطاعة المرأة، يقول- بعد الاستدلال بالأصل والعمومات على عدم شرطيّة وجود المَحْرم-: لو لم يحصل ظنّ السلامة إلّابالمَحْرم اعتبر وجوده، ويتوقّف وجوب الحجّ عليها على سفره معها.
ثمّ أضاف: وكذا لو كانت ممّن يشقّ عليها مخاطبة الأجانب، وإركابهم إيّاها، مع عدم اقتدارها على الركوب بنفسها على احتمال قويّ ذكره بعض الأصحاب [94].
ومن ذلك يعلم عدم استطاعة أكثر النسوان الشابّة، سيّما من الأشراف والمخدّرات من البلاد البعيدة، مع تلك القوافل التي فيها أصناف الناس بدون مَحْرم، أو قريب ثقة، أو مؤمن متديّن ثقة [95].
ومن هنا يعلم جيّداً أنّ منهج النراقي في الاجتهاد يدور حول محور السهولة في الشريعة، حيث يتجنّب الكثير من الاحتياطات الموجبة للمشقّة والضيق.
ينبغي للفقيه في الوقت الذي يلتزم فيه بالتعبّد، والالتزام الكاملين في الاستفادة من المنابع الدينيّة، يلتزم كذلك بالاصول الأساسيّة للاستنباط، والتي منها التسامح والسهولة في الشريعة، وبالطبع نحن لا نهدف إلى نفي الحكم الشرعي كلّما كان صعباً، كلّا؛ لأنّ لدينا بعض الأحكام التي تستلزم بطبعها المشقّة، ولكنّنا نقول بأنّه في صورة كون العمل غير مرتبطٍ بأصل الدِّين، بل من الأعمال الفرديّة والشخصيّة، يجب البناء على السهولة واليُسر كما في قوله- تعالى-: يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمْ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمْ الْعُسْرَ [96].
والجدير بالذكر: أنّ النراقي قد ذهب إلى رجحان الاحتياط في الكثير من المسائل [97]. وعليه: فينبغي للفقيه من جهة أن يتحرّك في دائرة الفتوى، بحيث لاتوجب فتاواه العسر والحرج للناس، بل تكون مبتنية على أساس التسهيل، ومن جهة اخرى: أن يأخذ بنظر الاعتبار أصل رجحان الاحتياط، ويدفع المؤمنين باتّجاه العمل به في الموارد التي لا يوجب الاحتياط العسر والحرج.
9- مراجعة أقوال الفقهاء، وتأثير ذلك في الاستنباط
إنّ العناية بأقوال الفقهاء، وخاصّة الأركان والأساطين، وبالأخصّ المتقدِّمين منهم، تعتبر من الامور المهمّة والمؤثِّرة بشكل أساسيّ في مسارّ الاستنباط للفقيه، فكلّما تتبّعنا وبحثنا في كتب أولئك الفقهاء، كالعلّامة، والشيخ، والشهيدين، والمحقّق الأوّل، والثاني، وكذلك النراقي قدس سرهم يتجلّى هذا المعنى أكثر، وهو أنّه لابدّ من الاهتمام والعناية الفائقة بأقوال وآراء الفقهاء، والأمر المهمّ هنا دراسة مختصرة حول آثار الفقهاء الماضين:
أ- العناية بآراء الفقهاء العظام، يعين الفقيه أكثر من سبيل الوصول إلى الواقع، وبالطبع فنحن لا ندّعي أنّ كلّ قول مشهور، أو مطابق للإجماع يتطابق مع الواقع حتماً، بل المراد أنّ الفقيه في صدد تحصيل الحكم الإلهي الواقعي؛ فإنّ ملاحظة أقوال الفقهاء المعروفين بإمكانها توجيه الفقيه غالباً باتّجاه الواقع، ونكرّر القول بأنّنا هنا لسنا في صدد إثبات حجّية، أو عدم حجّية الفتوى المشهورة بين الفقهاء؛ لأنّ هذا البحث يجب أن يبحث بشكل مستقلّ.
ولكنّنا في صدد القول بأنّ منهج الفقيه في عمليّة الاستنباط إذا كان مقروناً بالاهتمام بذكر أقوال العلماء، وخاصّة المتقدِّمين منهم؛ فإنّه سيكون لذلك تأثير كبير في إيصال الفقيه إلى الواقع، أو الاقتراب منه أكثر.
ب- يجب التأمّل والتدقيق في المنهج الاستنباطي لكلّ فقيه، وأنّ الفقيه الفلاني يهتمّ بأيّ من نظريّات الفقهاء.
وهل يأخذ بنظر الاعتبار الأقوال الشاذّة، أم لا؟ وهل يهتمّ بآراء الفقهاء الذين يتمسّكون بظواهر الأخبار في عمليّة الاستدلال، أو بآراء الفقهاء الذين يستخدمون القواعد الاصوليّة أكثر في عمليّة الاستنباط؟
إنّ ما يمكن التوصّل إليه من دراسة فقه النراقي هو أنّه لم يكن يُعير اهتماماً في المسائل الفقهيّة للأقوال الشاذّة.
ج- إنّ التوجّه إلى أقوال الآخرين له تأثير هامّ في انتخابه للفتوى، بحيث لايجعله ذلك متفرّداً بالفتوى، ويصدّه عن القول الشاذّ.
د- من الموارد التي تستحقّ مراجعة فتاوى الأساطين والكبار والعناية بها، باب السنن والمستحبّات، وذلك من باب أنّ مقولة التسامح في أدلّة السنن- مضافاً إلى كونها تفضي على الدليل الضعيف- مشروعيّة العمل به من باب الاستحباب؛ فإنّ مجرّد فتوى الأجلّة بإمكانها إثبات الاستحباب لعمل معيّن [98].
ومع مراجعة لكتاب «المستند» للنراقي قدس سره يتّضح لنا أنّ النراقي كان يعطي أهمّية بالغة للفقهاء المعاصرين له والمتقدِّمين، وهذا الأمر له تأثير كبير في صحّة وإتقان عمليّة الاستنباط.
10- آراء العامّة، وتأثيرها في الاستنباط
لم يلتفت النراقي في كتاب «المستند» إطلاقاً إلى آراء ونظريّات علماء أهل السنّة، رغم أنّه قصد من أوّل الأمر دراسة آراء علماء الشيعة في المستند، ولكن من الواضح أنّه لا يُقيم وزناً إطلاقاً لآراء العامّة، بل أنّه لا يأتي بها بعنوان المؤيّد أيضاً، كما أنّه بالنسبة إلى الروايات، إذا كانت هناك رواية بطريق أهل السنّة، فلا يراها حجّة بأيّ وجه، فقد كتب يقول: مع أنّ روايتي جامع الأخبار، ورواية المجمع عن طريق العامّة لا حجّية فيها أصلًا [99].
ومن الضروري الالتفات إلى هذا الأمر، وهو: أنّه لا شكّ في كون الاطّلاع والتعرّف على فتاوى العامّة مؤثِّراً جدّاً في الفقه والاستنباط الفقهي، وخاصّة في موارد ما إذا أردنا معرفة أنّ هذه الرواية صادرة عن تقيّة، أو لا؟ أو فيما لو أردنا معرفة أنّ هذا المطلب هل هو مورد إجماع المسلمين، أم لا؟
وكذلك فيما لو أردنا معرفة أنّ هذا الحكم هل هو من ضروريّات الدِّين، أم لا؟ بل إنّ الاطّلاع على آراء العامّة يؤثّر حتّى في فهم بعض الروايات؛ من قبيل ما ورد في مسألة الجهر بالبسملة، حيث روى سليم بن قيس، عن أمير المؤمنين عليه السلام أنّه قال: وألزمت الناس الجهر ببسم اللَّه الرحمن الرحيم [100].
يقول آية اللَّه البروجردي قدس سره: والظاهر اختصاصها بحال الصلاة، إلّاأنّه بملاحظة ما ذكرنا يظهر اختصاصها بالصلوات الجهريّة التي كان بناؤهم على الأسرار فيها [101]، وهذا الموقف من الإمام عليه السلام هو في مقابل ذلك البناء للعامّة.
أمّا المرحوم النراقي [102]، فلم يلتفت إلى هذه الجهة للرواية المذكورة آنفاً، بل ناقش في إطلاقها الظاهري من جهتين:
إحداهما: من طريق التقييد والتخصيص بالروايات الاخر، حيث يستنتج استحباب الجهر بالبسملة في الصلوات الإخفاتيّة.
وثانيتهما: ترك العمل بها لمخالفتها للشهرتين العظيمتين.
وفي الوقت نفسه يمكن القول بأنّ التوجّه أكثر من اللازم إلى فقه العامّة بإمكانه أن يخرج الفقيه من دائرة الضوابط المتينة في الفقه الشيعي، ويقرّبه أكثر إلى فقه أولئك.
وعلى هذا الأساس نجد أنّ النراقي لم يلتفت في استنباطاته الفقهيّة في المستند إلى فقه العامّة إطلاقاً، وهذا الأمر يدلّ على أنّ الاستدلال والوصول إلى الأحكام الواقعيّة لايحتاج إلى هذا الأمر في نظر النراقي، ومع الأسف فإنّ فقه بعض المعاصرين يتواءم مع فقه العامّة، إلى درجة أنّ قسماً مهمّاً من فتاويهم وفقههم مأخوذ من فقه العامّة.
ومن هنا ينبغي القول بأنّ تأسيس الفقه المقارن إذا كان بقصد تقارب الأفكار والآراء الفقهيّة، فهو خطأ فاحش، وإذا كان بقصد التعرّف على المباني الفقهيّة والأدلّة الاستنباطيّة لكلّ واحد من المذاهب، ودراستها لبيان أيّها الأقوى والأسدى في مقام الاستدلال، فهذا الأمر مطلوب جدّاً ولازم.
الهوامش
[1] شرائع الإسلام 1: 226، إرشاد الأذهان 1: 310، الدروس الشرعيّة 1: 310.
[2] وسائل الشيعة 11: 33- 39، كتاب الحجّ، أبواب وجوبه وشرائطه ب 8 و 9.
[3] مدارك الأحكام 7: 43.
[4] كشف اللّثام 5: 98.
[5] مستند الشيعة 11: 42- 48.
[6] مستند الشيعة 11: 43- 48.
[7] وسائل الشيعة 11: 25- 29 و ص 33- 34، كتاب الحجّ، أبواب وجوبه وشرائطه ب 6 و 8 ح 1، 3 و 4.
[8] المعتمد في شرح العروة الوثقى (موسوعة الإمام الخوئي) 26: 95- 96.
[9] مناهج الأحكام والاصول: 317، عوائد الأيّام: 349- 353.
[10] تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة، كتاب الحجّ 1: 135.
[11] مستند الشيعة 11: 13.
[12] مستند الشيعة 11: 60.
[13] مستند الشيعة 14: 17.
[14] كفاية الاصول: 92- 93، درر الفوائد، للحائري: 75، نهاية الأفكار 1: 180- 181.
[15] الكافي 4: 498 ح 7، تهذيب الأحكام 5: 222 ح 749، وعنهما وسائل الشيعة 14: 155، كتاب الحجّ، أبواب الذبح ب 39 ح 3.
[16] مستند الشيعة 12: 305.
[17] كفاية الأصول: 35.
[18] مستند الشيعة 11: 72.
[19] مستند الشيعة 16: 232.
[20] مستند الشيعة 17: 29.
[21] كفاية الاصول: 77.
[22] تهذيب الاصول 1: 180.
[23] مستند الشيعة 12: 70.
[24] مستند الشيعة 16: 31.
[25] مستند الشيعة 16: 76.
[26] سورة لقمان 31: 6.
[27] وسائل الشيعة 17: 303- 310، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به ب 99.
[28] مستند الشيعة: ج 14 ص 130- 135 وج 18: 192- 193.
[29] المقنعة: 588، الكافي في الفقه: 281، السرائر 2: 215، إرشاد الأذهان 1: 357.
[30] مستند الشيعة 14: 134- 135، وج 18: 193.
[31] سورة الحجّ 22: 30.
[32] وسائل الشيعة 17: 303- 310، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به ب 99 ح 2، 3، 5، 8، 9، 20 و 26.
[33] سورة البقرة 2: 196.
[34] مستند الشيعة 12: 305.
[35] الحدائق الناضرة 8: 45.
[36] مستند الشيعة 5: 32.
[37] مستند الشيعة 17: 35- 36.
[38] مستند الشيعة 12: 302.
[39] نهج البلاغة للدكتور صبحي الصالح:105- 106،الخطبة 80،وعنه وسائل الشيعة2: 344،كتاب الطهارة،أبواب الحيض ب39 ح 4.
[40] المبسوط 2: 159.
[41] الكافي في الفقه: 357.
[42] السرائر 2: 240 و 287.
[43] غنية النزوع: 213.
[44] تذكرة الفقهاء 12: 156، نهاية الإحكام في معرفة الأحكام 2: 511، المختصر النافع: 205.
[45] اللمعة الدمشقيّة: 74، الروضة البهيّة 3: 514.
[46] وسائل الشيعة 18: 37- 38، كتاب التجارة، أبواب أحكام العقود ب 2 ح 3- 5.
[47] تهذيب الأحكام 7: 230 ح 1005، وعنه وسائل الشيعة 18: 38، كتاب التجارة، أبواب أحكام العقود ب 2 ح 4 وص 47 ب 7 ح 2.
[48] المبسوط 2: 159، السرائر 2: 240، غنية النزوع: 213، تذكرة الفقهاء 12: 156.
[49] مستند الشيعة ج 14: 440.
[50] مستند الشيعة 12: 7.
[51] مستند الشيعة 11: 161- 164.
[52] مستند الشيعة 12: 5- 8.
[53] وسائل الشيعة 8: 484- 487، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر ب 11.
[54] مستند الشيعة 8: 273- 277.
[55] الكافي 6: 433 ح 15، وعنه وسائل الشيعة 17: 303، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به ب 99 ح 1.
[56] الخصال: 24 ح 84، وعنه وسائل الشيعة 17: 309، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به ب 99 ح 23.
[57] جامع الأخبار: 433 ح 1211، وعنه مستدرك الوسائل 13: 219، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به ب 79 ح 15176.
[58] الكافي6: 435 ح 25، وص 433 ح 16، وعنه وسائل الشيعة17: 306و307،كتاب التجارة، أبواب مايكتسب به ب99 ح 12 و 16.
[59] الخصال: 24 ح 84، وعنه وسائل الشيعة 17: 309، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به ب 99 ح 23، وفي مستدرك الوسائل 13: 213، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به ب 78 ح 10 عن لبّ اللباب مخطوط.
[60] مستند الشيعة 14: 136 وج 18: 194- 195.
[61] عوائد الأيّام: 315، العناوين: ج 2 ص 416- 418.
[62] مستند الشيعة 14: 294، عوائد الأيّام: 316- 318.
[63] مستند الشيعة 11: 62- 63.
[64] تذكرة الفقهاء 7: 53.
[65] مستند الشيعة 11: 26.
[66] مستند الشيعة 11: 118- 120.
[67] مستند الشيعة 16: 125.
[68] مستند الشيعة 16: 249.
[69] مستند الشيعة 11: 11- 12.
[70] مستند الشيعة 4: 487.
[71] الحدائق الناضرة 12: 206.
[72] مستند الشيعة 9: 299.
[73] الدروس الشرعيّة 1: 116.
[74] رياض المسائل 2: 237- 238.
[75] تهذيب الأحكام 6: 22 ح 50، وعنه وسائل الشيعة 14: 383، كتاب الحجّ، أبواب المزار ب 26 ح 1.
[76] مصباح الزائر: 52، البلد الأمين: 278، وعنهما بحار الأنوار 100: 197 ح 14 و 15.
[77] مصباح الكفعمي: 473 فصل 41، البلد الأمين: 276، وعنهما بحار الأنوار 100: 284 وج 102: 116.
[78] بحار الأنوار 100: 284، 359، وج 101: 232، 259، 346 و 352، 359 وج 102: 620 ح 7.
[79] مستند الشيعة 3: 281.
[80] مسالك الأفهام 2: 138.
[81] الروضة البهيّة 2: 167.
[82] مفاتيح الشرائع 1: 298.
[83] مستند الشيعة 11: 70- 74.
[84] كشف اللثام 5: 112- 114.
[85] كشف اللثام 5: 149- ذخيرة المعاد: 568.
[86] مستند الشيعة 11: 110.
[87] كشف اللثام 5: 149، ذخيرة المعاد: 568.
[88] مدارك الأحكام 7: 112.
[89] مستند الشيعة 11: 108- 111.
[90] تذكرة الفقهاء 8: 87.
[91] مستند الشيعة 12: 70.
[92] مستند الشيعة 12: 71.
[93] أمالي الطوسي: 110 ح 168، وعنه وسائل الشيعة 27: 167، كتاب القضاء، أبواب صفات القاضي ب 12 ح 46.
[94] مدارك الأحكام 7: 90.
[95] مستند الشيعة 11: 90.
[96] سورة البقرة 2: 185.
[97] مثل مستند الشيعة 16: 36، 94، 97، 178، 313، 346.
[98] مستند الشيعة 11: 164.
[99] مستند الشيعة 14: 136.
[100] الكافي 8: 58 ح 21، وعنه وسائل الشيعة 1: 458، كتاب الطهارة، أبواب الوضوء ب 38 ح 3.
[101] نهاية التقرير 2: 208.
[102] مستند الشيعة 5: 173.
المصدر: كتاب رسائل في الفقه والأصول المؤلف : الشيخ محمد جواد الفاضل اللنكراني
رابط قراءة الكتاب في مكتبة مدرسة الفقاهة