الاجتهاد الفقهي

دور الذكاء الاصطناعي والنظم الخبيرة في دعم الاجتهاد الفقهي

الاجتهاد: أقيمت الجلسة الثالثة عشرة من سلسلة جلسات الدين والفضاء الافتراضي، بعنوان «دور الذكاء الاصطناعي والنظم الخبيرة في دعم الاجتهاد الفقهي»

ذكر قسم الدولي في مكتب الدراسات الإسلامية للفضاء الافتراضي، أنه أقيمت الجلسة الثالثة عشرة من سلسلة جلسات الدين والفضاء الافتراضي الخميس 9 يونيو / حزيران، بعنوان «دور الذكاء الاصطناعي والنظم الخبيرة في دعم الاجتهاد الفقهي».

تم عقد الجلسة في مكتب الدراسات الإسلامية للفضاء الافتراضي عبر الانترنت وباللغة العربية، بالتعاون مع وكالة أهل‌البيت(ع) للأنباء ـ ابنا – وممثلية الولي الفقية في فرع فارابي التابع لجامعة طهران.

في بداية الجلسة، سعيد مهديان، سكرتير الجلسة العلمي قام بتعريف المكتب ونشاطاته، ثم تناول موضوع الجلسة وقال: يعد الذكاء الاصطناعي الركيزة الأساسية للثورة الصناعية الرابعة التي يعيشها العالم اليوم، والعمود الفقري لها، ونقطة التحول الهامة في هذا العصر، حيث تخطّی العالم به عصر «تقنية المعلومات» التي يعتمد الإنسان فيها علی الحاسوب في عملية جمع البيانات واسترجاعها، بينما تتم عملية الاستدلال والاستنتاج واتخاذ القرارات – اعتماداً علی هذه البيانات – من جهة الإنسان نفسه لا من جهة الحاسوب، ليتجاوز العالم اليوم هذه النقطة، وتصير الحواسيب هي التي توجد الحلول وتتخذ القرارات بدلاً من الإنسان، بناءاً علی العديد من العمليات الاستدلالية المتنوعة التي تغذّی بها، حتی صارت الحواسيب قادرة علی محاكاة السلوك البشري المتسم بالذكاء.

وأضاف خبير قسم الدولي لمكتب الدراسات الإسلامية للفضاء الافتراضي: بما أنه يمكن القول أن للذكاء الاصطناعي دور في الاجتهاد الفقهي وأنه من المستجدات الفقهية وله أحكامه في العقود والمعاملات أو أحكام تطوير الروبوتات وزرعها في الأجسام البشرية، يدرس المحاضر في هذه الندوة، دور الذكاء الاصطناعي والنظم الخبيرة في دعم الاجتهاد الفقهي.

وأردف حديثه بتعريف مؤسس الصورة المثلی للاستشارات قائلاً: ضيفنا في هذه الجلسة هو المستشار في إدارة التنمية البشرية للاستفسار، سماحة حجة الإسلام الدكتور الشيخ عبد المجيد العصفور من البحرين، أستاذ في الحوزة العلمية و حاصل علی درجة الدكتوراه في إدارة التنمية البشرية في الأكاديمية العربية بالدنمارك.

دور الذكاء الاصطناعي والنظم الخبيرة في دعم الاجتهاد الفقهي

بدأ الدكتور الشيخ عبد المجيد العصفور بحثه بالتحدث عن المخ البشري والعمليات الإدراكية المعقدة التي تتم بداخله، ثم تعرض للذاكرة، و محاكاة الأنظمة الخبيرة لها في بعض أوجهها، بل تتفوق عليها من حيث عدم تأثرها بالمحيط أو الفقدان نتيجة العطب أو الاصابة أو الموت، ثم تعرض للذكاء الاصطناعي والانظمة الخبيرة باعتبارها أهم تطبيقاته، وبعدها عرج على الاجتهاد الفقهي و تطرق لآلياته ثم بين القواعد التي يمكنها أن تشكل قاعدة المعرفة في الأنظمة الخبيرة، وقبل الخاتمة ذكر بعض التطبيقات الممكنة لهذه الأنظمة من خلال ملامسته العملية.

فقال مؤسس الصورة المثلی للاستشارات عن المخ البشري: يتطلب الفهم الصحيح لعمليات الذكاء الاصطناعي فهماً اولياً بطبيعة المخ البشري الذي تجري بداخله عمليات الإدراك الكبرى لدى البشر والتي يحاول الذكاء الاصطناعي محاكاتها.

وأضاف: أجري في هذا القرن كثير من الدراسات التي تعنى على وجه التحديد بدراسة الوظائف التي تقوم بها أجزاء المخ، فهناك محاولات لتحديد موضع المكونات اللغوية والمهارات والقدرات المختلفة، التي تتراوح ما بين الذاكرة والتخطيط، إلى المهارات الأكثر خصوصية مثل التعرف على الوجوه، إلى السمات غير المحددة.

ثم تناول بحث الذاكرة قائلاً: لقد لاحظ بعض العلماء وأطباء الأعصاب منذ مدة طويلة، أن أي تلف يصيب الفص الصدغي في المخ يحدث اضطرابات في الذاكرة، وهو يعني أن الذاكرة تمتد إلى هذا الفص، وقد ثبت أن المادة الوراثية (DNA) هي المادة الكيميائية الأساسية التي تنقل آثار التعلم وتساعد في اختزان المعلومات، من جهة أخرى فقد تبين أن مادة الاستيل كولين “ناقل عصبي في القشرة المخية” تزداد نسبتها زيادة كبيرة اثناء التعلم والتذكر، مما يدل على دورها في عملية التذكر واسترجاع المعلومات المتعلمة.

ثم أردف الدكتور العصفور الكلام عن معالجة المعلومات في الذاكرة خلال ثلاث مراحل: الاكتساب، والاحتفاظ والاسترجاع. فقال:

الأولی، مرحلة الاكتساب: خلال هذه المرحلة يجري ترميز المعلومات الداخلة أولاً على شكل آثار حسية (سمعية أو بصرية) ثم تعالج بدرجة أعلى من ذلك، حيث تتحول إلى آثار على مستوى الذاكرة قصيرة المدى، ومن ثم تعالج على مستوى الذاكرة طويلة المدى.

الثانية، مرحلة الاحتفاظ: وعرفت بأنها الفترة الزمنية التي تنقضي بين الحدث أو الواقعة وإعادة جمع أجزاء خاصة من المعلومات المتعلقة بهذا الحدث، وتعتبر فترة زمنية حساسة حيث يبدأ عدد من العوامل بالتأثير فيه.

الثالثة، مرحلة الاسترجاع: يعرف الاسترجاع بأنه العملية التي يتذكر فيها الشخص ما احتفظ به من معلومات. وهي تتأثر بالطريقة الخاصة في ترميز المعلومات أو المثيرات، وكون هذه المعلومات الخاصة التي جرى ترميزها متضمنة في إشارات الاسترجاع، والسياق الذي يحدث فيه هذا الاسترجاع.

فإن استرجاع المادة المتعلمة يتم وفق ثلاث مراحل:

1- مرحلة البحث عن المعلومة؛
2- مرحلة تجميعها وتنظيمها؛
3- مرحلة الأداء الذاكري.

ثم تناول المستشار في إدارة التنمية البشرية للاستفسار بحث الذكاء الاصطناعي وقال: يهدف الذكاء الاصطناعي إلى فهم طبيعة الذكاء الإنساني عن طريق عمل برامج للحاسب الآلي قادرة على محاكاة السلوك الإنساني المتسم بالذكاء، وتعني قدرة الحاسب على حل مسألة ما، أو اتخاذ قرار في موقف ما، إن البرنامج نفسه يجد الطريقة التي يجب أن تتبع لحل المسألة، أو للتوصل إلى القرار بالرجوع إلى العديد من العمليات الاستدلالية المتنوعة التي غذي بها البرنامج، وهنالك معايير يمكن لها أن توصف الذكاء الإنساني ليحاكي اصطناعياً، كالقدرة على التعميم والتجريد، والتعرف على أوجه الشبه بين المواقف المختلفة ،والتكيف مع المستجدات، واكتشاف الأخطاء وتصحيحها لتحسين الأداء في المستقبل.

ثم عدّ خصائص الذكاء الاصطناعي:

1- التفكير ثم إيجاد السبب؛
2- إستخدام السبب فى حل المشكلة؛
3- الفهم والتعلم من الخبرات التى يتعرض لها العنصر البشرى؛
4- محاولة تطبيق المعرفة المكتسبة؛
5- عرض أو طرح التصورات المختلفة.

ثم قال: هذه العمليات داخلة في طريق الاستنباط الفقهي، المعمول به لدى المختصين في مجالات الدراسات الإسلامية في مختلف مستوياتهم وتعدد مذاهبهم الفقهية، فحتى الذين لم يروا للاجتهاد وجوباً، وحكروه على علماء ماضين، يستفيدون من هذه الخصائص للاحتجاج بصدق استدلالهم على مبتغى مؤسس مذهبهم.

وتناول الدكتور العصفور بعد هذا، بحث النظم الخبيرة وقال: تعتبر النظم الخبيرة بمثابة تطبيق لمفهوم الذكاء الاصطناعي، وهي تعرف على أنها برامج مكثفة المعرفة تقوم بحل المشاكل من خلال استخدام خبرة العنصر البشري في مجالات محددة من المعرفة والخبرة، وأنها نظم تفاعلية مبنية على الحاسبات الآلية مصممة بحيث تحاكي تفكير الخبير البشرى بغرض التوصل إلى حلول للمشاكل من خلال إجراءات استدلالية وطرح توصيات للمساعدة في عملية اتخاذ القرار.

ثم أشار إلی مكونات النظم الخبيرة:

قاعدة المعرفة: وهي تخزن المعرفة البشرية والنماذج وهذا يتضمن المعرفة الموجهة وتتكون من الإجراءات والقواعد التي تصف ما يمكن أن يتبعه الخبير للوصول إلى أسباب مشكلة معينة.

برنامج الاستدلال: يستخدم قواعد المعرفة في التوصل إلى مسببات المشاكل والحلول وكذلك تحديد العلاقات التي يحتمل وجودها بين متغيرات المشكلة.
المكونات المادية للحاسبات وشبكات الإيصال: تتمثل تلك المكونات المادية فى محطات عمل الحاسبات الآلية المتصلة بجهاز الحاسب المركزى الذى يقوم بخدمة تلك المحطات بحيث يمكن لأكثر من مستخدم التفاعل مع النظام الخبير.

الموارد البشرية: يتم الاستعانة فى بناء قاعدة المعرفة بعدد من الخبراء في مجال المعرفة حيث يتم استقاء المعرفة منهم وتخزينها في قاعدة المعرفة.

وقال: حتى تتمكن النظم الخبيرة من القيام بدورها في تقديم الاستدلال أو تقديم مقترحات القرارات أو حلول المشاكل وما شابه لابد من القيام بالعمليات التالية:

الاكتساب المعرفي: هي عملية إدخال المعرفة للنظام الخبير.

التمثيل المعرفي: عملية صياغة المعرفة الخاصة بالنظام الخبير بلغة يستطيع أن يتفهمها ويتعامل معها الحاسب،

ويوجد أسلوبان رئيسيان يستخدمان فى هذه العملية:

أ. النظام المبني على القواعد؛
ب. الإطار المعرفي.

ثم أشار إلی مجالات استخدام الأنظمة الخبيرة مثل المجال الإداري، والمجال الطبي، ومجال الفضاء، ومجال الهندسة ومجال القانون وغير ذلك من المجالات. وبعدها تناول أصناف النظم الخبيرة وقال: تصنف النظم الخبيرة إلی ثلاثة أصناف رئيسية:

1- النظم التي تعمل كمساعد؛
2- النظم التي تعمل كزميل؛
3- النظم التي تعمل كخبير.

ثم تطرق أستاذ الحوزة العلمية إلی الاجتهاد الفقهي وقال: الاجتهاد الفقهي القدرة على استنباط الحكم الشرعي من أدلته المقررة شرعاً، أكانت أدلة شرعية أم عقلية. والمجتهد هو الذي يعرف أصول الشريعة بكاملها وما تنطوي عليه من أحكام ويمتلك القدرة التامة على استنباط هذه الأحكام وردّها إلى أصولها.

وبالنظر إلى دور الأنظمة الخبيرة في دعم عملية الاستنباط الفقهي يمكن لهذه الأنظمة أن تضع قواعد العلوم التي تقع في طريق الاستنباط، بحيث أنها تيسر على الباحث التوصل إلى دقة المعلومة المطلوبة كاللفظة العربية أو الاستنتاج المنطقي وفق أي نوع من المنطق يعتمده المختص، أو الفحص في وثوق الرواة لأي حديث نبوي أو رواية، إلخ.. .

ثم أشار هذا الأستاذ في الحوزة العلمية إلی اختلاف مدارس الفقهية عن بعضها وانعكاسه على طبيعة الدعم الذي يمكن للأنظمة الخبيرة أن تقدمه.

بعد ذلك تناول بحث آلية الاجتهاد وقال: هنالك عناصر مشتركة في عملية استنباط الأحكام الشرعية من مصادرها المقررة، وهذه العناصر المشتركة يدرسها علم الأصول. وهي تشتمل على عناصر مشتركة كما تشتمل على عناصر خاصة، والخاصة هي التي تتغير من مسالة إلى أخرى، والمشتركة هي القواعد العامة التي تدخل في عمليات استنباط أحكام عديدة في أبواب مختلفة. وكل مختص يزود النظام الخبير بالعناصر التي يعتمدها في طريقة استنباطه.

ثم ذكر عناصر قاعدة المعرفة وهي القرآن الكريم، والسنة الشريفة، والإجماع والعقل، وأشار إلی عناصر يمكن أن تزود بها القاعدة المعرفية في نظام الخبير كالاستصحاب، والبراءة الشرعية والعقلية، والاحتياط الشرعي والعقلي، والتخيير الشرعي والعقلي.

ثم تناول مجالات تطبيقية فذكر:

1- المجال المالي، البنوك والأموال الشرعية والوقف وغيرها؛
2- القضاء الشرعي؛
3- الفتيا؛
4- تطوير الثقافة الدينية.

ويمكن لكل مرجعية دينية أن يكون لها النظام الخبير المختص باجتهادها الخاص.

واستخلص في نهاية المطاف قائلاً: إن إدخال الأنظمة الخبيرة في مجال الاستنباط الفقهي، قد أصبح ملحاً مع التطورات التي يشهدها العالم، ومع وجود نظام عولمي يفرض شروطه وقوانينه على كل الحياة.

 

المصدر: وكالة أهل البيت (ع) للأنباء ــ ابنا ــ

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Slider by webdesign

Clicky