خاص الاجتهاد: لقد أصبح الذكاء الاصطناعي قوة دافعة في مختلف المجالات، ومجال الفتوى الشرعية ليس استثناء. يهدف هذا البحث إلى استكشاف إمكانيات وتحديات استخدام الذكاء الاصطناعي في الفترى وفق منهج أهل السنة والجماعة.استخدام الذكاء الاصطناعي (AI) في الإفتاء الشرعي موضوع حديث ومثير للجدل، وله ميزات وعيوب يجب النظر إليها بعناية، خاصة أنه يتعلق بأمر ديني حساس يتطلب دقـة وأمانة علمية.
نماذج معالجة اللغات الطبيعية (NLP)
وخلال هذا البحث استخدمنا عينة من ۲۱ سؤالا متنوعا في المعاملات المالية الإسلامية وتم توجيهها دفعة واحدة للذكاء الاصطناعي من خلال برنامج ChatGPT وطلبنا منه الإجابة على الأسئلة، مع ذكر الأدلة الشرعية لكل إجابة، والمصادر التي استقى منها الإجابة، فقام بالإجابة عنها جميعا في وقت قصير، لم يتجاوز الدقيقة.
وقد تبين من خلال البحث أن الذكاء الاصطناعي يمكن أن يكون أداة مساعدة قوية للمفني، من خلال قدرته على جمع وتنظيم وتحليل كميات هائلة من النصوص الشرعية وتقديم الفتاوى السابقة، والمساعدة في استنباط الأحكام. ومع ذلك، لا يمكن للذكاء الاصطناعي أن يحل محل المفتي البشري؛ حيث إن عملية الإفتاء تتطلب فهما عميقا للواقع، واجتهادا، وبصيرة، وهي أمور لا يمكن للآلة أن تحاكيها بشكل كامل. كما أن هناك تحديات ومخاطر محتملة، مثل انتشار الفتاوى غير الدقيقة، إذا لم يتم تدريب الأنظمة على بيانات موثقة وبإشراف علماء متخصصين.
المقدمة:
شهد العالم في العقود الأخيرة تطورًا متسارعا في مجالات التقنية، وكان من أبرز مظاهر هذا التطور بروز الذكاء الاصطناعي (Artificial Intelligence) بوصفه أحد أعظم إنجازات العصر الرقمي، حيث أصبح يُستخدم في مجالات متعددة كالصناعة والطب والتعليم والقضاء … إلخ، بل امتد حضوره ليطرق أبواب العلوم الإسلامية، ومجال الإفتاء على وجه الخصوص.
من خلال تطور خوارزميات التعلم العميق DL ونماذج معالجة اللغات الطبيعية NLP أصبح الذكاء الاصطناعي قادرًا على تحليل النصوص، واستخلاص المعاني، والربط بين المسائل، بل وحتى تقديم مخرجات يمكن أن تسهم في تيسير فهم المسائل الفقهية أو استعراض أقوال الفقهاء.
ومن هنا برز التساؤل عن إمكانية الاستفادة من الذكاء الاصطناعي بوصفه أداة مساعدة للمفتي في أداء مهمته؟ وهل يمكن توظيف هذه التقنية في دعم الفتوى، دون أن تمس باستقلالية العقل الفقهي أو تخالف ضوابط الشريعة؟ تسعى هذه الورقة إلى استكشاف هذا الدور الممكن من خلال بيان آليات توظيف الذكاء الاصطناعي في مساعدة المفتي مع إبراز المجالات التي يمكن أن يُستفاد فيهـا مـن هـذه التقنية، وضبط ذلك بضوابط شرعية وعلمية، تضمن بقاء الفتوى في دائرتها الشرعية، مع الاستفادة من الأدوات الحديثة في تعزيز دقة الأداء وسرعته وتنظيمه.
ومن خلال هذه الورقة، سيتم استعراض نماذج تطبيقية من جهود توظيف الذكاء الاصطناعي في مجال الفتوى الشرعية، مع الوقوف على الفرص والتحديات، واقتراح ضوابط منهجية للاستفادة الآمنة والمفيدة من هذه التقنية في مجال الإفتاء.
تساؤلات البحث
١.ما الدور الذي يمكن أن يؤديه الذكاء الاصطناعي في عملية الإفتاء وفق منهج أهل السنة والجماعة؟
٢.ما الضوابط الشرعية والأخلاقية التي يجب مراعاتها عند استخدام الذكاء الاصطناعي في الفتوى؟
٣.هل يمكن للذكاء الاصطناعي أن يكون مساعد اللمفتي، ومـا حــدود هذه المساعدة؟
٤.ما التحديات والمخاطر المحتملة لاستخدام الذكاء الاصطناعي في إصدار الفتاوى؟
٥.كيف يمكن تدريب أنظمة الذكاء الاصطناعي لضمان دقة وموثوقية الفتاوى الصادرة عنها ؟
أهمية البحث:
تكمن أهمية هذا البحث في تزايد الاعتماد على التقنيات الحديثة في مختلف جوانب الحياة، بما في ذلك الجوانب الدينية. ومع التطور السريع للذكاء الاصطناعي؛ أصبح من الضروري دراسة إمكانية الاستفادة منه في خدمة الفتوى الشرعية، مع مراعاة الضوابط والأصول الشرعية.
يهدف هذا البحث إلى تقديم رؤية شاملة حول هذا الموضوع، وتحديد الفرص والتحديات، ووضع إطار عمل مقترح للاستفادة المثلى من الذكاء الاصطناعي في مجال الإفتاء، بما يخدم الأمة الإسلامية، ويحافظ على أصالة الفتوى.
مجال البحث
يركز هذا البحث على دراسة استخدام الذكاء الاصطناعي في مجال الفتوى الشرعية، مع التركيز بشكل أساسي على المنهج الوسطي . يشمل ذلك تحليل الإمكانيات والتحديات والضوابط الشرعية المتعلقة بتوظيف تقنيات الذكاء الاصطناعي في جمع المعلومات الشرعية، وتحليل النصوص الفقهية، واستنباط الأحكام، وتقديم الفتاوى. كما يتناول البحث دور الذكاء الاصطناعي في مساعد المفتي، وليس بديلا عنه، مع التأكيد على أهمية العنصر البشري في عملية الإفتاء.
الدراسات السابقة
تناولت العديد من الدراسات السابقة موضوع الذكاء الاصطناعي وتطبيقاته في المجالات الدينية بشكل عام، وفي مجال الفتوى بشكل خاص، من أبرز هذه الدراسات:
١. دراسة بعنوان “الإفتاء باستخدام الذكاء الاصطناعي حكمه الشرعي وأثره في اختلاف العلماء “ لمطلق جاسر الجاسر ، ٢٠٢٤م : تتناول هذه الدراسة الحكم الشرعي لاستخدام الذكاء الاصطناعي في الإفتاء، وتأثيره على هامش الخلاف الفقهي، وكيفية استخدامه لمعرفة قول الأكثر ومعتمدات المذاهب.
٢.دراسة بعنوان: “أثر الذكاء الاصطناعي في صياغة الفتوى” الإفتاء الأردنية، ۲۰۲۳ م سلطت هذه الدراسة الضوء على إيجابيات الذكاء الاصطناعي في تصنيف وترتيب الفتاوى والأحكام الشرعية وزيادة وصول الفتوى وانتشارها.
٣.دراسة بعنوان: “تقييم أداء منصات الذكاء الاصطناعي التوليدي في مجال الفتوى”، جامعة الكويت، ٢٠٢٤م بحثت هذه الدراسة كيفية صناعة الفتوى عن طريق الذكاء الاصطناعي، وحكم استخدامه، وتأثيره في صناعة الفتوى.
٤.دراسة بعنوان: “الذكاء الاصطناعي وأثره في صناعة الفتوى”، منصة مندومة، ۲۰۲۳م وتهدف إلى بيان كيفية صناعة الفتوى عن طريق الذكاء الاصطناعي، وخطوات ذلك، وحكم استخدامه، وتوضيح أثره في صناعة الفتوى.
٥.دراسة بعنوان: “الفتوى عن طريق الذكاء الاصطناعي بين الإقدام والإحجام” لمي المنصور ، ٢٠٢٤م: ناقشت أهمية الفتوى في العصر الحديث وتزايد المستجدات، وتطرح تساؤلات حول مدى تأهيل الذكاء الاصطناعي لإصدار الفتاوى.
تتفق هذه الدراسات على أهمية الذكاء الاصطناعي كأداة مساعدة في مجال الفتوى، مع التأكيد على ضرورة وضع الضوابط الشرعية والأخلاقية لضمان دقة وموثوقية الفتاوى الصادرة. كما تشير بعض الدراسات إلى المخاطر المحتملة لانتشار الفتاوى غير الموثوقة، إذا لم يتم الاعتماد على علماء متخصصين في تدريب أنظمة الذكاء الاصطناعي.
دور الذكاء الاصطناعي في مساعدة المفتي بالتطبيق على فتاوي المعاملات المالية الحديثة
بقلم:
أ.د/ جمال الشوادفي
أ.د/ فياض عبد المنعم