نظرية السلطة

دور الإمام الخميني في تعديل نظرية السلطة عند الشيعة: مقاربة جديدة / د. توفيق السيف

الاجتهاد: تناقش هذه المقالة مساهمة الإمام الخميني في تطوير نظرية السلطة في الفقه الشيعي المعاصر، وعلاقة التعديلات التي تبناها بالحقبة التاريخية التي عاشها والأسئلة المثارة خلالها. وتعرض المقالة أيضاً التحديات النظرية التي واجهها السيد الخميني والطريقة التي عالج بها مشكلة العلاقة بين الدين والدولة.

ارتبط اسم السيد الخميني بنظرية ولاية الفقيه التي اختارها عماداً لمشروعه السياسي، ومصدراً لشرعية الدولة التي جاهد لتأسيسها. وتمثل صيغة النظرية التي تطورت على يد السيد الخميني تحولاً حاداً في الخطاب السياسي الشيعي ما كان ليتم لولا التعديل الذي أجراه على الإطار الكلامي والفقهي الذي تقوم فيه النظرية.

ضمّن السيد الخميني نظريته في كتاب الحكومة الإسلامية الذي طبع في 1970 وأعاد تحرير الجانب الفقهي منه في كتاب البيع الذي طبع في العام التالي. والكتاب الأول هو الوحيد الذي عالج فيه السيد الخميني فكرة الحكومة الشرعية بصورة مفصلة ومتخصصة. ومع أنه جاء ضمن حلقات بحث فقهي، إلا أن القضايا التي طرحها تجاوزت هذا الإطار ولامست أسئلة عديدة كلامية، ثقافية وسياسية.

عدا عن هذين الكتابين فإن أبرز مصدر لآراء السيد الخميني السياسية هو مجموعة “صحيفه نور” التي جمعت الجزء الأعظم من خطاباته ورسائله وبياناته(1).

وخلا ما سبق فقد كتب السيد الخميني نحو أربعين كتاباً ورسالة، إلا أن معظمها بعيد موضوعياً عن مسألتنا الحاضرة، بما فيها “كشف الأسرار” الذي صدر في 1945(2).

خضع فكر السيد الخميني وممارسته السياسية لمناقشات موسعة من جانب عدد من الباحثين الذين ركز كل منهم على زاوية محددة. وعلى سبيل المثال فقد اتخذ حميد عنايت منهجاً مقارناً وناقش نقاط التوافق والافتراق بين السيد الخميني وعدد من المفكرين الإسلاميين المعاصرين(3).

أما أروند إبراهيميان فقد حاول تحديد الهوية الاجتماعية للسيد الخميني. ومع كونه ناقداً للسيد الخميني، فقد تحدى التصويرات السائدة في الأدبيات الغربية التي تقدمه كمتعصب تقليدي أو أصولي. وخلص في تحليله إلى أن السيد الخميني يمثل تطلعات البرجوازية الإيرانية الصغيرة.

وفي هذا الاطار فهو يقارنه بالزعماء الشعبيين الذين قادوا حركات التحرر في أمريكا اللاتينية خلال السبعينات(4). أما محسن كديور فقد عالج فكرة الولاية المطلقة للفقيه التي تبناها السيد الخميني ودعوى اعتماد سلطة الفقيه على مصدر غيبي. وانتقد الفكرتين بصورة مفصلة بالرجوع إلى الفقه الشيعي والفكر السياسي الحديث(5).

ما يميز معالجة السيد الخميني للمسألة الفقهية المعروفة بولاية الفقيه ليس مناقشته للأدلة التي سبق أن جادل معها وضدها الكثير من الفقهاء ولا سيما الشيخ الأنصاري، بل المقاربة الجديدة التي اعتمدت تماماً على الربط بين الاستدلال العقلي المحض والواقع الاجتماعي والسياسي للمسلمين في بلد محدد هو إيران.

هذه المقاربة أخرجت النظرية من إطارها المنهجي القديم كموضوع للجدل النظري المجرد في الحوزة العلمية، وطرحتها على الساحة السياسية كحل بديل لمشكلة الإجماع السياسي الذي كان غيابه سبباً في العلاقة المتازمة بين المجتمع والدولة الإيرانية خلال معظم القرون الخمسة الماضية، ولا سيما منذ انتهاء الثورة الدستورية وقيام النظام البهلوي في 1920. جوهر معالجة السيد الخميني لمشكلة السلطة وشرعية العمل السياسي يتمثل في الربط العضوي بين مفهومي القيادة الدينية واستمرارية الشريعة من جهة والمفهوم العقلاني-الوضعي للسلطة السياسية من الجهة الأخرى.

تتضمن هذه المقالة أيضاً مناقشة لجانب هام من الدور التاريخي للسيد الخميني، وهو جانب نادراً ما خضع للتحليل، أعني ما أدى إليه عمله الفكري والسياسي من تغيير لدور الدين من عامل لعزل الجمهور عن الدولة إلى عامل لإدماجه في الحياة العامة.

والفرضية الأساسية للمقالة هي أن انعدام الإجماع الوطني حول النظام السياسي كان علة الانفصام في الثقافة السياسية للمجتمع الإيراني، نتج عن إهمال -أو استبعاد- الدولة الإيرانية خلال القرن العشرين خاصة للدور السياسي للدين من جهة، والعقبات الكلامية الكثيرة المتاصلة في التصور الديني الشيعي من جهة أخرى. ومن هذه الزاوية فإن مصالحة الدين والدولة هي خطوة حاسمة لضمان متانة النظام السياسي وكفاءته العملية.

سوف ابدأ بعرض مختصر لبيان العلاقة بين الإجماع الوطني والاستقرار ودور الدين في هذا السياق. ثم أعرض لانعكاس الخلل المتمثل في غياب الإجماع على التحديث والتنمية السياسية. ويأتي بعد ذلك عرض للخلفية الاجتماعية-الثقافية التي ساهمت في صياغة مشروع السيد الخميني السياسي.

ثم العقد الفقهية والكلامية التي كان على السيد الخميني معالجتها لتنسيج مشروعه السياسي في البنية الدينية التقليدية. كما تقدم المقالة مقاربة جديدة حول طبيعة الدور الذي يلعبه الفقيه في توفير الشرعية الدينية للدولة. وتتضمن تفسيراً لفكرة الولاية المطلقة وأولوية النظام السياسي على الأحكام الشرعية.

الإجماع والاستقرار

حينما تذكر السلطة فإن أول ما ينعكس في الذهن هو صورة الدولة، إلا أن السلطة في واقع الأمر أوسع من هذه الصورة. السلطة -ولا سيما في إطارها السياسي- تعني تحديداً القدرة على التأثير الجمعي.

الدولة التي تأمر فتطاع هي سلطة، والفقيه أو الزعيم السياسي أو القبلي الذي يأمر فيطاع يمثل سلطة هو الآخر. أما حدود وحجم هذه السلطة فيتأثر سعة أو ضيقاً بحدود النطاق الاجتماعي الذي يؤثر فيه من جهة وفاعلية هذا النطاق في تحويل موقفه إلى فعل سياسي.

خلال القرن العشرين كانت السلطة -بمعنى القدرة على التأثير وصناعة الحدث- في المجتمع الإيراني مقسمة بين الزعامة الدينية من جهة والدولة من جهة أخرى. وكان هذا الانقسام عقبة كبرى حالت دون التوصل إلى إجماع بين المجتمع والدولة على الأرضية المفهومية التي يقوم عليها النظام السياسي.

وقد أدى انعدام الإجماع الوطني إلى إرباك النظام العام وتعطيل التنمية السياسية في الوقت نفسه. في ظل الانقسام فإن كلاًّ من المجتمع والدولة ينطلق في مواقفه وعمله من مبررات متفاوتة وأحياناً متعارضة.

النظام السياسي الذي يفتقر إلى الإجماع لا يمكن إلا أن يكون فوضوياً، منعدم السمات وعديم الاستقرار، لهذا فإن ما يميز الأنظمة السياسية المتقدمة -حسب رأي ليونارد بيندر- هو قيامها على إجماع ثقافي تاريخي يضمن الاستقرار والتواصل(6).

الإجماع السياسي هو التعبير العملي عن المنظومة القيمية التي تحدد طبيعة العلاقة بين الدولة والمجتمع، وتؤسس بالتالي لشرعية العمل السياسي. ومن هذه الزاوية فإنه يمثل القاعدة الأساسية لتكوين الإرادة العامة، وإزالة التأزم من العلاقة بين المجتمع والدولة، وبالتالي ضمان المشاركة الفاعلة للشعب في الحياة السياسية.

ولا تستطيع الدولة العمل بصورة لينة ومتماسكة في غياب اتفاق عام على قاعدة قيمية محددة توفر المشروعية لعملها. عالم الدولة بطبعه عالم أزمة فاحتمالات الاختلاف في الحياة السياسية أقرب من احتمالات التوافق، والسبب في ذلك هو التفاوت الهائل بين تطلعات الجمهور والإمكانات المتاحة للدولة لتلبية تلك التطلعات بصورة مرضية(7).

والحقيقة أن أي دولة لا تستطيع إرضاء الجمهور بصورة كاملة ولا تحقيق انسجام كلي بين مراداتها ومرادات المجتمع في معظم الأحيان. لهذا فإن ما يعول عليه في السياسة ليس الرضا التام من جانب جميع أفراد الشعب بل تفهم كل من الطرفين لمرادات الآخر من جهة وحدود ما تسمح به إمكاناته من جهة أخرى.

هذا التفاهم يترجم عملياً في آليات خاصة لتقييم التوقعات الشعبية وربطها بالإمكانات المادية المتاحة وبالتالي وضعها على قائمة أولويات التنفيذ(8). هذا التوافق هو الجزء العملي مما نسميه بالإجماع الوطني. يشير مفهوم الإجماع إذن -حسب سوروتاني- إلى الالتزام الطوعي من جانب الحكومة والشعب بمنظومة من الإجراءات العملانية لاتخاذ القرار تعتبر من جانب الجميع ضرورية لضمان النظام الاجتماعي، المصالح العامة، حل التعارضات بين المصالح، إضافة إلى طريقة الوصول إلى الأهداف الاجتماعية(9).

وبهذا المعنى فإن الإجماع يوفر للنظام السياسي الشرعية الضروية لعمل سياسي ليِّن ومتطور. ويشبه غابرييل الموند الدور الوظيفي للشرعية بالروح التي تسري في كل مفصل من مفاصل العلاقة التفاعلية بين المجتمع والدولة، فتضمن كفاءة النظام السياسي في العمل ومتانته في مواجهة التحديات(10).

الإجماع ضروري أيضاً لإنجاح التنمية والتحديث. لاحظ دارسو التنمية في العالم الثالث أن برامج التحديث في الأقطار النامية قد أدت دائماً إلى تشديد الأزمات أو بعث أزمات جديدة. ويرجع هذا في الغالب إلى التغيير الدائم في البنى الاجتماعية وما فيها من منظومات علاقات وتراتب وأنماط سلوك راسخة(11).

وبالنسبة للشرق الأوسط على وجه الخصوص، فقد أدى العجز عن حل ذلك النوع من الأزمات إلى تعقيد عملية التحديث وهدد في بعض الأحيان سلامة النظام السياسي والاستقرار بمجمله.

تنطوي العملية التحديثية على فعل مزدوج: هدم للقيم وأنماط السلوك القديمة وإعادة بناء لأخرى حديثة. ويبدو أن الفرضيات الكلاسيكية في التنمية قد أهملت حقيقة أن الانتقال من المرحلة الأولى إلى الثانية، أي من الهدم إلى البناء، ليس انتقالاً ميكانيكياً ولا فورياً.

إن استبدال منظومات القيم ليس نقلاً فيزيائياً -مادياً- لأجسام محددة الأبعاد، بل هو عملية إحلال لكائنات غير مادية بشكل نسبي ومتدرج. ومن هنا فإن نجاح التحديث يعتمد في المقام الأول على قدرة القيم الجديدة على النفوذ في النسيج الثقافي القائم وإزاحة نظائرها القديمة. وعليه فإننا نتحدث في حقيقة الأمر عن درجة نفوذ القيم الجديدة وليس عن إحلال ميكانيكي.

بعد أن يتلقى المجتمع صدمة الحداثة الأولى، فمن المفترض أن تنفذ منظومات القيم والمعايير السلوكية الجديدة إلى أعماق النسيج الاجتماعي، لكن في حالة فشلها في النفوذ، فإن تأثيرها قد يقتصر على إصلاحات تجميلية في السطح الخارجي للمجتمع، كما حدث في معظم تجارب التنمية في الشرق الأوسط، بما فيها إيران.

لهذا السبب فإن الفرضية السائدة في أدبيات التنمية الكلاسيكية التي تفترض أن إنكسار المنظومات التقليدية يؤدي – ميكانيكياً – إلى هيمنة المنظومات الحديثة تغفل حقبة زمنية وموضوعية هامة تتوسط بين المرحلتين، وهي مرحلة الاستقطاب الثنائي الذي يلي صدمة الحداثة.

بعد تلقي المجتمع لصدمة الحداثة، ينقسم إلى فريقين، فريق مؤيد للحداثة وآخر مدافع عن التقاليد وفضائلها. إن حجم واستدامة هذا الاستقطاب يرتبط بفاعلية حراك الإحلال المذكور أعلاه. في هذه الحقبة التي قد تطول أو تقصر، فإن النظام الاجتماعي القديم المتمثل في الأعراف، التقاليد، الأدوار والمؤسسات والبنيات القيمية والوظيفية، يتوقف عن دوره كمصدر لشرعية النظام السياسي وناظم مقبول للحراك الاجتماعي، مما يضع النظام السياسي أمام مشكلة عويصة تتمثل في افتقاره إلى مصدر شرعيته المتعارف.

وتتفاوت المجتمعات في القدرة على إعادة توليد الشرعية ضمن مدى زمني ملائم، سواء بالاعتماد على الطبقات الحديثة، أو بإعادة إدماج الطبقات القديمة. لكن على أي حال فإن مرحلة الاستقطاب الانتقالية تلك، هي مرحلة عسيرة يسودها الالتباس وتكثر فيها التحولات الحياتية والقيمية التي تجعل النظام السياسي والاجتماعي برمته على المحك(12).

وتشير تجارب التنمية في الشرق الأوسط إلى أن ذلك الاستقطاب قد استمر وأدى إلى تشققات جديدة في المجتمع، بل وعطل إنجاز جوانب مهمة من الحراك التنموي، وأدى في بعض الحالات إلى تدمير النظام ككل(13).

ولهذا فإن أحداثاً مثل الثورة الإسلامية في إيران قد دفعت بالعديد من الباحثين إلى التشكيك في مصداقية الفرضية التي تقول بتحول ميكانيكي من التقاليد إلى الحداثة أو انكماش دور الدين إلى الحياة الخاصة ضمن الانحسار العام للمنظومات التقليدية(14).

وعودة إلى الفكرة التي عرضناها أعلاه، فإن درجة نفوذ القيم الجديدة تعتمد تماماً على مرونة الأنساق التقليدية أو تمنعها في التعاطي مع الأنساق الجديدة. بكلمة أخرى فإن نجاح التحديث مشروط باستعداد الجمهور للتكيف مع القيم والأنماط الجديدة.

من هذه الزاوية فإن هذا التكيف يتأثر بعاملين:

الأول: هو مدى تفهم الجمهور للأنماط الجديدة باعتبارها بديلاً أفضل عن ذلك الذي يراد لهم أن يتخلوا عنه.

الثاني: هو مدى قابلية البديل المقترح للتناغم مع المكونات الثقافية لهوية المجتمع.

وبينما يرتبط العامل الأول بمدى اقتناع الجمهور بالدولة كوسيط مقبول للتغيير، فإن العامل الثاني يرتبط بمدى اقتراب أو ابتعاد البديل المقترح عن المفاهيم القاعدية التي تشكل خلفية لنظرة المجتمع لنفسه والعالم. إن غربة مكونات الحراك التحديثي عن الثقافة المحلية في الشرق الأوسط، وعجز دعاة التحديث عن استنباط نموذج قابل للتفاعل مع المكونات الثقافية للمجتمع المحلي هو السبب الذي أدى إلى تعثر التحديث في هذه المنطقة(15).

الدين، الدولة، والتحديث

منذ قيام النظام البهلوي في 1920 تعاملت النخبة الحاكمة مع الدور الاجتماعي لرجال الدين باعتباره تحدياً لمركزية الدولة، وهو ما يعيد إلى الذهن الفرضية التي اقترحها ماكس فيبر عن حتمية التنازع على السلطة بين الكنيسة والدولة. وثمة اتفاق بين دارسي العلوم السياسية على أن للدين دوراً مزدوجاً، فهو -من جهة- أداة لتبرير وتشريع الواقع القائم، وهو -من جهة أخرى- أداة لنقض شرعية هذا الواقع وتبرير الخروج عليه والتحرر من إلزاماته(16).

كان رضا خان مؤسس العائلة البهلوية شديد الإعجاب بنموذج السلطة الذي بشّر به كمال أتاتورك، مؤسس الجمهورية التركية الحديثة، الذي ربط التحديث بمركزة السلطة وتعزيز هيمنة البيروقراطية الحكومية، واستبعاد الدين من المجال العام(17). وخلال الستينات والسبعينات من القرن العشرين نفذت الحكومة الإيرانية مشروعاً ضخماً جداً للتنمية يركز على تحديث الصناعة المحلية، التعليم، نظام الاتصالات، إضافة إلى إصلاحات زراعية.

استهدفت هذه الاصلاحات جميعاً إعادة تشكيل الاجتماع السياسي الإيراني على المثال الحديث. وافترضت النخبة الحاكمة أن هذه الإصلاحات ستعيد صياغة الحراك الاجتماعي على نحو يؤدي في نهاية المطاف إلى تحجيم القوة السياسية للقوى التقليدية ولا سيما رجال الدين، بما يجعل الدولة العلمانية الفاعل المهيمن في سياسات البلاد(18).

قام هذا البرنامج على مفهوم خاص للنظام العام والاستقرار يربطه بأحادية السلطة وتمركزها في يد الدولة. وتشير الأرقام المتوفرة إلى تحقيق البرنامج لنجاحات طيبة في الجانب الاقتصادي، أدت مباشرة إلى تحسن ملحوظ لمستوى المعيشة. لكنه -في المقابل- فشل في تحقيق هدفه الأسمى أي ضمان استقرار النظام على المدى البعيد.

إن الثبات الأمنى النسبي الذي ساد في السبعينات يرجع بنسبة كبيرة إلى السياسات الأمنية المتشددة التي طبقتها الأجهزة الأمنية ولا سيما جهاز المباحث المعروف بالسافاك. هذا الثبات الاصطناعي لم يعالج بطبيعة الحال الشعور المزمن بالقلق بين أعضاء النخبة الحاكمة(19).

على العكس مما كان متوقعاً، فإن نموذج التحديث الذي اتبع خلال العهد البهلوي قد عمق الانشقاق الاجتماعي، كما لاحظ حسين بشيريه عالم الاجتماع الإيراني، رغم ما أدى إليه من تحسين لمستويات المعيشة(20).

ويتماثل هذا الاستنتاج مع القلق الذي عبر عنه باحثون آخرون إزاء الانعكاسات التدميرية لبرامج التحديث التي تحتذي النموذج الغربي على مجتمعات العالم الثالث. وحسب ليونارد بيندر فإن أبرز تلك الانعكاسات يتجلى في انكماش وسائط التفاهم بين الشرائح الاجتماعية الجديدة والتقليدية، وفي التباين القيمي والسلوكي، واتساع الفاصل الطبقي، وفي تباين أنماط ومصادر العيش إضافة إلى تفارق تقنيات العمل السياسي بين الطبقات الحديثة والتقليدية(21).

اتساع الانشقاق في المجتمع الإيراني خلال العهد البهلوي يشير إلى واحد من احتمالين:

* إما أن مسار تعزيز الدولة والتحديث قد فشل في الانتقال من المرحلة الأولى، أي تفكيك البنيات التقليدية إلى المرحلة النهائية، أي إعادة البناء على المثال الحديث.

* أو أن فرضية التكيف الاجتماعي مع الحداثة غير صالحة للتطبيق في المثال الإيراني.

وفي اعتقادي أن كلا الاحتمالين وارد بنسبة معينة. لكني أظن أن المسؤولية الكبرى تقع على عاتق الفهم الخاطي لدور الدين وارتباطه بالإجماع الوطني. إن سعي الدولة لاحتواء التأثير السياسي للدين قد تحول -عن وعي أو غفلة- إلى عداء مكتوم للدين ذاته، وسعي حثيث للتحكم في النشاط الديني.

وكان رد فعل العلماء الذين يرون أنفسهم ممثلين لثقافة المجتمع هو العودة إلى أسلحتهم القديمة، أي تسييس الرموز الدينية وتعبئة الشعب ضد الدولة. على أي حال فإن المسألة التي تستحق التأمل هنا ليس كون رد فعل العلماء هذا مدفوعاً بدوافع سياسية في المقام الأول، بل قابلية الدين للاستعمال على هذا النحو.

للإجابة على هذا السؤال، فإن من المفيد الأخذ بعين الاعتبار نقطتين تتعلقان بالمنظور الديني للشرعية السياسية وما يتركه من أثر في نظرة الجمهور للدولة.

النقطة الاولى: منذ القرن السادس عشر أصبح التشيع المكون الرئيس للهوية الوطنية في إيران، ومن هنا فإن أي اتفاق وطني على النظام العام لا بد أن يأخذ بعين الاعتبار دوراً مناسباً للدين وممثليه.

النقطة الثانية: رغم هذه المكانة السامية للدين، إلا أن نظرية السلطة الشيعية التي ترسخت خلال مسار تاريخي طويل لم تقدم معالجة متكاملة ونهائية لمشكلة العلاقة بين الدين والدولة غير الدينية.

الفهم الخاطئ لطبيعة الدولة من جهة وانعدام الإطار القيمي – الفقهي الضروري لتكييف المشاركة السياسية من جهة أخرى، قد أثمر ميلاً للانعزال عن الحياة السياسية بين أغلبية الجمهور الشيعي في إيران وخارجها. وانعكس هذا على سلوك النخب الحاكمة، فقد تولد عن الافتقار إلى الدعم الشعبي إحساس دائم بالقلق بين النخبة السياسية، واستدعى اعتماداً متزايداً على القوة العارية كوسيلة لضمان الأمن والاستقرار.

باختصار، فإن دور الدين خلال معظم القرن العشرين كان معيقاً لحراك التحديث. كما أن ثنائية السلطة قد وفرت الفرصة لإضعاف أو هز النظام السياسي(22).

لهذا السبب فإن مصالحة الدين والدولة لا يعد ضرورة حاسمة للاستقرار السياسي وحسب، بل وأيضاً لتشكيل نظام سياسي يحظى بالإجماع ويوفر الفرصة للجمهوركي يحتضن الدولة ويتفاعل معها ويعينها على بلوغ أغراضها. وفي هذه النقطة بالتحديد تكمن أهمية الدور الذي قام به السيد الخميني. فقد كان الرجل الذي ساعد على تغيير نظرية السلطة التقليدية عند الشيعة كي تلتحم بالدولة، الأمر الذي أدى فعلياً إلى إعادة استيعاب الجمهور الإيراني كشريك في الحياة السياسية.

انعكاسات التغيير الاجتماعي

تكشف البنية العامة لخطاب الإمام الخميني السياسي عن تركيب متقن لمجموعة عناصر ينتمي بعضها إلى الإطار الثقافي التقليدي وبعضها الآخر إلى الإطار الثقافي الحديث. فإلى جانب المبادئ التي تنتمي إلى الكلام والفقه التقليدي، هناك مبادئ الدولة الحديثة، مثل الجمهورية وحق الشعب في تقرير المصير، والحريات العامة.

وقد منحه هذا الخطاب المركب تأثيراً بين شرائح المجتمع التقليدية والحديثة على السواء. رغم أن المحتوى التقليدي من خطاب السيد الخميني يبقى الأكثر أصالة وتعبيراً عن همومه.

بدأ السيد روح الله الخميني مسيرته العلمية في مدينة قم، في العام 1920. وهي فترة شهدت انسحاب العلماء من الحياة الساسية إثر فشل الثورة الدستورية وقيام الحكم البهلوي. ويبدو أن علاقات السيد الخميني الاجتماعية قد بقيت حتى العام 1962 مقتصرة على الشرائح التقليدية من المجتمع الديني، فأستاذه الأبرز عبدالكريم الحائري معروف بتوجهاته المحافظة ومحاولاته النأي بنفسه عن المجادلات التي سادت الحوزة العلمية في العراق وإيران حول الدستور والمبادئ الدستورية(23).

على صعيد مماثل فإن أيًّا من أساتذة السيد الخميني الآخرين الذين أورد أسماءهم الأستاذ القار في دراسته عن سيرة السيد الخميني(24) لا يظهر بين مجموعة رجال الدين الذي عرفوا بنشاطهم في الحركة الدستورية، وكانت هذه المجموعة تمثل ما يمكن وصفه بالتيار الحديث في الحوزة العلمية في قم خلال العقود الأولى من القرن العشرين.

وعلى المنوال نفسه فإن اسم السيد الخميني لا يظهر بين النشطاء من رجال الدين الذين دخلوا معترك السياسة خلال حركة تأميم البترول في الخمسينات. ويمكن القول مع بعض التحفظ: إن بواكير التواصل بين السيد الخميني والشرائح الممثلة للحداثة ترجع إلى الفترة التي عاشها في النجف الأشرف (1965-1978)(25).

رغم أن السيد الخميني عاش الجزء الأكبر من حياته ضمن الإطار الثقافي والاجتماعي التقليدي، إلا أنه كان بحاجة إلى الأخذ بعين الاعتبار التغير الكبير الذي طرأ على الحياة في المجتمع الإيراني منذ خروجه إلى المنفى.

التغير في التوجهات ومسارات الأحداث والتحالفات كان وضحاً في جميع أجزاء المجتمع بما فيه تلك الشريحة التي يستند إلى تاييدها المادي والمعنوي. من المعروف على نطاق واسع أن السيد الخميني لم يحظ بأي دعم من جانب الوسط الحوزوي التقليدي، ولا سيما بين كبار العلماء والمراجع.

فقد انحصر التأييد لمشروعه بصورة رئيسة في مجموعتين، الطلبة الجامعيين، الحركيين وصغار طلبة العلوم الدينية، ويميل هؤلاء بصورة عامة إلى اليسار الديني. وتتمثل المجموعة الأخرى في المثقفين الإسلاميين المنتظمين غالباً في إطار حركة تحرير إيران (نهضت أزادي إيران)، وهي تنظيم تفرع عن الجبهة القومية التي قادها محمد مصدق وتصدت لتأميم البترول وإعادة الحياة الدستورية في أوائل الخمسينات. القاسم المشترك بين المجموعتين هو إيمانهما بالمبادئ الدستورية الحديثة واهتمامهما بالإصلاح الديني.

يجب أن نضيف إلى هذا أن مبادئ حقوق الإنسان قد راجت في المجتمع الإيراني خلال السبعينات ولا سيما بعد انتخاب جيمي كارتر رئيساً للولايات المتحدة الأمريكية في 1977، فمقترحاته حول الإصلاح السياسي في الدول الحليفة وجدت صدى قوياً ومشجعاً بين الشباب والطبقة المتعلمة الإيرانية(26).

ومع الأخذ بعين الاعتبار ثمار برامج التنمية الاقتصادية التي نفذت في البلاد منذ أوائل الستينات، وانعكاسات ارتفاع أسعار البترول منذ أوائل السبعينات، فإنه ليس من المبالغة القول بأن أغلبية الإيرانيين، ولا سيما تلك الطبقة التي يتوقع أن تشارك أو تسهم في اي صراع سياسي، كانت خلال العقد السابق للثورة الإسلامية أبعد ما تكون عن التآلف مع الطبقة التقليدية من علماء الدين، لجهة الولاء الاجتماعي او لجهة التأثر الفكري.

مع الأخذ بعين الاعتبار هذه الحقائق، فإن السيد الخميني لم يكن ليحظى بالتأثير الهائل الذي حصل عليه لو قصر خطابه على العناصر الدينية التقليدية. ليس هناك أدنى شك في أصالة البواعث والهموم السياسية للسيد الخميني، لكن السؤال يتعلق بتوجهاته الحداثية فمسيرته الدراسية وبيئته الاجتماعية كانت أحرى بأن تعزز المنزع التقليدي في شخصيته وتفكيره.

إن أبسط تفسير لنزعة السيد الخميني الحداثية هو ذلك الذي يرجعها إلى تحالفه مع ممثلي الاتجاه الحداثي في الوسط الديني. لكن يبدو لي أن هذه النزعة ترجع إلى أسباب أعمق، تتلخص في حاجة مشروعه السياسي إلى الخروج من عباءة التفسير التقليدي للتشيع، التفسير الذي يساوي بين الدعوة للتغيير ومعارضة إمام الزمان(27).

مثل كل الإصلاحيين في المجتمعات التقليدية، فإن مشروع السيد الخميني السياسي يقوم على تفسير نهضوي للدين، ينطلق من المبادئ والمفاهيم المتجذرة في الوعي الديني ذاتها لكنه يعيد تفسيرها في اتجاه مختلف كي تخدم مشروع النهضة(28).

رفض السيد الخميني للميل الانعزالي السائد في المجتمع الديني، قاده إلى إعادة النظر في جانب كبير من المبادئ والتقاليد الراسخة في هذا المجتمع. جدير بالذكر هنا أن البراغماتية، ومن ثم الانفتاح على الأفكار غير التقليدية، هي سلوك تكررت ملاحظته عند علماء الدين ذوي الميول السياسية، وقد رأيناها عند جعفر كاشف الغطاء والميرزا الشيرازي والآخوند الخراساني والنائيني وغيرهم.

وهذا يقود إلى الاستنتاج بأن تصاعد الاهتمام والنشاط السياسي يترجم عملياً إلى ميل للتخفف من القيود الثقيلة المترسخة في نموذج السلطة الدينية السائد. وعلى المنوال نفسه فإنه يمكن القول: إن انشغال السيد الخميني بهمه الأكبر، أي إقامة الدولة الإسلامية الحديثة، قد وضعته فعلياً في مواجهة مباشرة مع العقبات النظرية الناشئة عن الهوة الكبيرة التي تفصل بين الظروف التي ولدت فيها نظرية السلطة التقليدية وتلك التي يعيشها الشيعة في أواخر القرن العشرين.

بالمقارنة مع أقرانه من علماء الشيعة والسنة معاً، فإن السيد الخميني يبدو أكثر تماثلاً مع التيار الحديث، رغم أنه من العسير اعتباره كذلك إذا ما قورن بمفكري هذا التيار في حد ذاته. كان السيد الخميني بين قلة من المراجع الدينيين الذين أخذوا بمبدأ الجمهورية كإطار مفهومي للدولة الإسلامية المعاصرة(29).

وضمن هذا الإطار فقد دافع عن الإرادة الشعبية كأساس للسلطة، وربط تطبيق الأحكام الشرعية بالمصالح العامة، والحقوق السياسية بالمواطنة، إضافة إلى قبوله للدور التشريعي للبرلمان. ومعظم هذه المفاهيم كانت مرفوضة لدى الشريحة الأوسع من الزعماء الدينيين لما يزعم من أصولها الغربية وتعارضها مع مبادئ الشريعة(30).

وقد شكك بعض الباحثين في أصالة تبني السيد الخميني لمبدأ الجمهورية(31)، وهو شك ربما يعضده إعراض السيد الخميني عن تنسيج المبدأ ومتعلقاته في المنظومة الفقهية والكلامية من خلال بحث معمق يتناسب والتقاليد العلمية الجارية في مجامع العلوم الدينية. وبسبب هذا التقصير فقد بقيت تلك المفاهيم الجديدة غريبة وسط الفكر السياسي التقليدي الراسخ الجذور.

ويبدو أن السيد الخميني كان على وعي بهذه المشكلة النظرية، لكنه لم يملك الحل الملائم عدا الإصرار على انسجام مبدأ الجمهورية مع القواعد العامة للشريعة. فهو يرى أن المشكلة ليست ناشئة عن تعارض بين الاثنين ولا قصور في أي منهما، بل يرجعها ببساطة إلى ركون الحوزات العلمية لمنهج عقيم في البحث والاستنباط يحول دون التفاعل الإيجابي بين الفكر الديني وما يستجد في حياة المجتمع من أفكار وأنماط عمل(32).

ولطالما وجه السيد الخميني نقده الشديد لعلماء الدين التقليديين الذين فشلوا -حسب رأيه- في إدراك معاني شمولية الإسلام وقابليته للتكيف وتكييف الأفكار الجديدة في كل فن(33). السيد الخميني إذن ينظر إلى المسألة باعتبارها مشكلة في منهج البحث الجاري في الحوزة العلمية لا مشكلة في الفكر الديني.

خلافاً لرأي آية الله شبستري، الفقيه الإصلاحي الذي يرى أن جوهر المشكلة يكمن في عجز الفقه التقليدي بمجمله عن استيعاب الأفكار الجديدة والتعامل معها على نحو مناسب. ويعتقد شبستري أنه لا توجد أية فرصة على الإطلاق لتنسيج مبدأ الجمهورية والمفاهيم المرتبطة به في الفقه السائد، لأنها ببساطة تنتمي إلى مجال علمي آخر هو الفلسفة السياسية وليس الفقه، لكنه يؤيد رأي السيد الخميني في قابليتها للتنسيج ضمن المبادئ العامة للإسلام، أي بما يتجاوز الحدود الضيقة للفقه(34).

نظرية تجاوزها الزمن

كنت قد عرضت في بحث سابق المسار التاريخي الذي تطورت عبره نظرية السلطة في الفقه الشيعي(35)، ولهذا فإني أحيل القارئ على تلك الكتابة إن ابتغى المزيد، لكن أشير باختصار شديد إلى أنه بموجب تلك النظرية فإن الدولة قد جردت من شرعيتها بصورة مطلقة، بمعنى أن أي حكومة لا يمكن أن تكون مشروعة ما دام الإمام الثاني عشر غائباً عن الأنظار.

ورغم ما جرى خلال القرون التالية من تخفيف للقيود الشديدة التي تنطوي عليها النظرية، ولا سيما بعد قيام عدد من الدول الشيعية، فإن الميل الذاتي لاعتزال الحياة السياسية بقي سائداً بين الشيعة، كما أن المشاركة في السياسة لم تحظ أبداً بإقرار صريح وقطعي بكونها مناسبة لمجتمع المؤمنين(36).

إن التشديد المبالغ فيه على منصب القيادة، ولا سيما ربطها بشخص الإمام المعصوم قد أفقد نظرية الإمامة الدينية القدرة على التفاعل مع الوقائع السياسية المتغيرة مع الزمن. وقد التفت إلى هذه المشكلة عدد من الفقهاء في أوقات مختلفة، لكن القليل منهم فقط تمتع بالشجاعة اللازمة لطرحها والتفكير العلني في جزئها الجوهري، أما الأكثرية فقد ارتضوا الانسياق وراء الفرضية التقليدية التي تنفي مسؤولية أي أحد عن العمل لإقامة الحكومة العادلة ما دام الإمام المعصوم غائباً(37).

خلال القرن العشرين شهد المجتمع الإيراني انبعاثاً في الحركية الشيعية من خلال الثورة الدستورية وحركة تأميم البترول، وكلا الحركتين لم يكتب لها بلوغ أهدافها. ويرجع سبب الإخفاق جزئياً إلى انسحاب العلماء من ساحة الصراع، أخذاً بعين الاعتبار كونهم أقدر القوى على تحريك الجمهور العريض.

ويعلل ارجمند هذا الانسحاب بفشل العلماء في الاستيعاب المناسب لمعاني وانعكاسات مبدأ الدستورية قبل دخولهم في غمار الصراع حولها(38). لكني أود عرض هذا التفسير من زاوية أخرى: إن غياب نظرية للسلطة قادرة على استيعاب الفكرة الدستورية وتنسيجها في الإطار الثقافي الديني، هو السبب ربما في انسحاب العلماء من الصراع بعد نجاحهم الأولي في 1906.

في أوائل الخمسينات شهدنا دورة مماثلة، فقد وقف عدد يعتد به من العلماء وراء محمد مصدق في مقابل الشاه(39)، لكنهم فشلوا في تعبئة التيار الرئيس من رجال الدين الذي يرجع للمرجع الأعلى حينئذ آية الله البروجردي (ت 1961). وفي هذه القضية كما في سابقتها، فإن غياب الإطار القيمي والنظري للمشاركة السياسية، قد أدى إلى انكماش دعم العلماء ومن خلفهم الرأي العام لرئيس الوزراء مصدق.

باختصار يمكن القول: إن حجم مشاركة الإيرانيين في الحياة السياسية يتأثر مباشرة بسلوك علماء الدين. وفي الوقت نفسه فإنه لا توجد قاعدة نظرية وقيمية واضحة المعالم تحظى بالإجماع في الحوزة العلمية تنظم هذا السلوك، ولهذا السبب فقد كان هناك على الدوام مقاربات مختلفة، كل منها يرجع إلى تفسير خاص لنظرية الإمامة وتطبيقاتها(40).

يشير هذا التفاوت إلى مشكلة متأصلة في النموذج الفقهي والكلامي الموروث. لقد ظهرت نظرية السلطة وتطورت كمسألة كلامية تستهدف تبرير نوع خاص من الزعامة الاجتماعية يهتم حصراً بالشؤون الروحية للجماعة الشيعية.

وحسب تعبير مؤمن، فبينما كان الفقيه السني مشغولاً بتطوير نظرية للسلطة قابلة للاشتغال في الواقع السياسي، كان لدى نظيره الشيعي إمام غائب يمكن أن يدير حوله سجالات كلامية لكنه لا يمكن أن يكون موضوعاً لنظرية في السياسة(41).

عالج علماء الشيعة مسألة القيادة والسلطة ضمن إطارين: في الإطار الكلامي ينصب الجهد على حياة الأئمة الاثني عشر وفضائلهم، والأعم الأغلب فيه هو تكرار لما قيل في القرون الماضية ولا علاقة له بوقائع العصر الراهن. أما في الإطار الفقهي فينصب الاهتمام على العلاقة بين الفقيه ومقلديه وهي علاقة موضوعها الرئيس الأمور العبادية والشخصية للمكلف(42).

وهنا أيضاً فإن السياسة ليست موضوعاً للاهتمام إلا فيما ندر. بالنظر إلى كلا الناحيتين، فإن مشروع السيد الخميني لتسييس نظرية السلطة الشيعية ما كان ليتم لولا تصديه لمعالجة الإشكالات النظرية النابعة من كلا الإطارين:

المشكلات الكلامية

يستهدف النقاش الكلامي الإجابة على سؤال فحواه: هل يمكن إقامة حكومة عادلة على يدي غير المعصوم؟

العدل في النموذج التقليدي هو مفهوم مثالي لا يمكن إنجازه دون تدخل غيبي يتجسد -حسب قدامى المتكلمين- في إمام معصوم منصوب من قبل الله(43). ويترتب على هذا أن أي سلطة أخرى هي بالضرورة عاجزة عن تحقيق العدل، وبالتالي فهي غير مشروعة. مع غيبة الإمام الثاني عشر في 260/ 874 فقد كان على الشيعة انتظار عودة الإمام الغائب ليملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعدما ملئت ظلماً وجوراً.

فكرة التلازم بين العدل وقيادة المعصوم عطلت عملياً وطيلة قرون طويلة أي سعي لإقامة حكومة من أي نوع. إن اشتراط قيادة الإمام في الوقت الذي يعجز الناس عن الوصول إليه قد حوّل العدل في معناه الاجتماعي إلى مجرد أمنية كما رأى العلامة النائيني في 1908(44).

يبدأ مشروع السيد الخميني برفض التفسير السائد لفكرة انتظار الفرج وهو التفسير الذي يجعل الانتظار مفهوماً سياسياً يعادل التخلي عن أي مشروع لإقامة دولة أو المشاركة في دولة.

فهو يرى أن انتظار الفرج لا علاقة له بالسياسة ولا يصح اعتباره مبرراً لاعتزالها(45). يتضمن هذا المشروع أيضاً فصلاً غير صريح بين منظومة الحقوق/ الواجبات الخاصة بالإمام التي تعالج في الإطار الكلامي، وتلك الخاصة بعامة المسلمين التي تعالج على أساس موضوعي، أي بالنظر إلى الواقع الحياتي الذي يعيشونه ومتطلبات تقدمهم الدنيوي. وهو يجادل بأن الانتظار السلبي للإمام الغائب يتعارض مع روح التعاليم الإسلامية.

فالإمام الغائب سيعود يوماً ما في المستقبل لإقامة العدل على المستوى الكوني. لكن الاتِّباع المخلص للإمام أحرى بأن يتجلى في السعي لإنجاز المهام والأهداف الدينية التي يريد الإمام إنجازها، وأهمها -حسب رأي السيد الخميني- إقامة الحكومة الإسلامية حيثما كان هذا ممكناً(46).

وقد وجه السيد الخميني نقداً شديداً للربط بين السياسة والانتظار، الذي أدى في رأيه إلى تعطيل الأحكام الشرعية وتثبيط عزم المجتمع على إصلاح أحواله. والدليل المحوري الذي يستخدمه السيد الخميني هنا هو عالمية ودوام الشريعة، فهو يقول: إن الأحكام الإلهية شرعت لكي تطبق في كل مكان وزمان بحسب الإمكان، فلا يجوز تعطيلها اختياراً أو تعسفاً(47).

وهو يرفض الفرضية القائلة بأن غياب الإمام يبرر تعطيل أي من هذه الأحكام كما رأى الشيخ الأنصاري ومن قبله معظم العلماء منذ الطوسي(48).

بل إن السيد الخميني يجادل في أن الأحكام التي يتوقف تطبيقها على سلطة الدولة تضيف مسؤولية أخرى على عاتق المؤمنين، والعلماء منهم خاصة، وهي السعي بكل ما استطاعوا لامتلاك القوة السياسية التي تمكنهم من تطبيق تلك الأحكام، ويستخدم هذا كدليل إضافي على وجوب السعي لإقامة الدولة الإسلامية(49).

يرى السيد الخميني أن تعطيل الأحكام الشرعية التي تتطلب قوة الدولة هو ثمرة لتهاون المسلمين وطغيان حكوماتهم من جهة، وتغلب المستعمر الأجنبي على بلدانهم من جهة أخرى(50).

ويبدو أن غرضه من هذه الحجة هو الالتفاف على الفرضية التقليدية التي اتخذها العلماء مبرراً لإعفاء أنفسهم من مسؤولية الكفاح للحصول على السلطة حيثما كانت ضرورية لتطبيق القانون الديني(51)، وهي فرضية ظلت راسخة في المجتمع الديني منذ الغيبة. يجادل السيد الخميني أيضاً بأن العدل في مفهومه النسبي هو معيار مقبول لشرعية السلطة وأن حضور الإمام المعصوم شخصياً لم يعد شرطاً لضمان الوصف الديني للدولة(52).

المشكلات الفقهية

تركز البحث الفقهي في مسالة السلطة -حتى وقت قريب- على مصدرها وحدود ممارستها من جانب الحاكم. ومنذ العصر الصفوي فإن مشاركة العلماء في السياسة قد سمحت باعتبار الفقيه مرشحاً طبيعياً لشغل فراغ الزعامة المترتب على غياب الإمام المعصوم. لكن حدود الصلاحيات القابلة للنقل من الإمام إلى الفقيه بقيت محل جدال يتركز أساساً في قابلية الشخص غير المعصوم لاستعمال القوة القهرية التي ربما يترتب عليها أضرار مادية أو جسدية على الغير.

والمثال الذي يضرب عادة هو أهلية غير المعصوم للحكم بما يؤدي إلى سفك دم قتلاً أو جرحاً، أو تصرف في مال الغير بغير إذنه، أو فصم لعرى علاقة زوجية، وهذه الأمور -في رأي الفقهاء- هي جوهر مشكلة السلطة(53). بصورة ملخصة فإن المشكلة الجوهرية التي توقف عندها الفقهاء هي حق غير المعصوم في التصرف في حياة الناس وأملاكهم، سلباً لها أو تحديداً لحريتهم فيها.

لفهم عمق المسألة فمن الضروري الأخذ بعين الاعتبار الأساس المنطقي الذي أقام عليه قدامى متكلمي الشيعة تصورهم لفكرة الإمامة. ونخص بالذكر هنا دليل اللطف الإلهي، وهو من أبرز الأدلة التي استخدمها أولئك العلماء لدعم فكرتهم.

طبقاً لهذه النظرية فإن نصب الإمام من قبل الله هو نوع من اللطف، وحسب العلامة الحلي، وهو من أبرز فقهاء الشيعة، فإن اللطف الإلهي متجه إلى الجذب الليِّن للمكلفين إلى الطاعة، لأن القهر والإجبار على الطاعة والبعد عن المعصية ليس بلطف، وهو مناف للتكليف، وعلى هذا فإن قهر المكلفين على طاعة الإمام المنصوب ليس لطفاً، ولو جاز القهر على طاعة الإمام لجاز على باقي الواجبات، وهو ما ينفي الاختيار والمسؤولية في التكليف(54).

ومع أخذ هذا بعين الاعتبار فإن تمديد سلطة الإمام لتشمل الحكم في الدماء والأموال والأعراض بقيت مورداً لتفسيرات عديدة، فبعض العلماء أنكروا ضمنياً هذا التعميم غير المتحفظ(55). وقبله آخرون بناء على أن المعصوم لا يفعل إلا الصحيح(56)، بينما مال فريق ثالث إلى ربط هذه السلطة بموافقة عامة الناس، بمعنى أن سلطة الإمام لا تكون فعلية إلا بعد البيعة العامة(57).

هذا الجدل يركز أساساً على شخص الحاكم، إماماً كان أو فقيهاً، وليس على مؤسسة الدولة ككيان قانوني مستقل عن الحاكم. وهو تركيز غير غريب على الإطار التاريخي الذي تطورت خلاله نظرية السلطة الشيعية. فخلال أغلب تاريخ المسلمين كانت الدولة ملكاً للحاكم في حقيقة الأمر.

وكان الحاكم قابضاً على أزمة الأمور ومصادر القوة المادية في غياب أي قيود قانونية أو مؤسسية على سلطاته المطلقة، فضلاً عن إمكانية محاسبته على سياساته.

وفي ظل هذا الوضع كانت سياسات الدولة تصدر عن أهواء الحاكم ورغباته، ولا تقوم على الحسابات العقلانية والمصالح العامة. ومع أخذ هذا بعين الاعتبار فقد كان العلماء قلقين من أن تمكين الحاكم من سلطات الإمام المعصوم سيلقي رداء القداسة والإلزام الديني على شهواته وميوله الشخصية، ولن تكون حينئذ أية إمكانية لوقفه عند حد.

وكما رأى العلامة النائيني فإن الاستبداد والفساد هو عَرَض طبيعي ملازم للانفراد بالسلطة، فقيهاً كان الحاكم أو رجلاً عادياً. إن الردع الخارجي من خلال القيود الدستورية والمؤسسية، هي الوسيلة الوحيدة حسب رأيه لعرقلة اتجاه الحاكم إلى الاستبداد(58).

وينسجم رأي النائيني هذا مع الموروث الثقافي الإسلامي، فالآية المباركة {إِنَّ الإِنسَانَ لَيَطْغَى (6) أَن رَّآهُ اسْتَغْنَى} تعتبر الاستبداد احتمالاً كبيراً إذا شعر الإنسان بالقوة التي تتيح له الاستغناء عن الغير(59). هذا القلق يفسر تردد العلماء في نقل سلطة الإمام إلى غير المعصوم.

هناك أيضاً استدلالات أخرى، مثل تلك التي تزعم أن النصب الإلهي للإمام يضفي عليه صفات فوق بشرية، ويمنحه -بالتالي- سلطة تتجاوز إمكانات البشر العادي، وهو ما يسمونه بالولاية التكوينية. ضمن هذا الفهم فإن الإمام يمارس سلطته كما لو أن العالم وما فيه ملك له(60).

فحوى هذه الفكرة هو أنه طالما كان الحصول على تلك الصفات مستحيلاً على الإنسان العادي، فإنه غير قادر -بالضرورة- على استلام سلطة الإمام. على أن الاستدلال الأكثر رواجاً هو ذلك الذي يرجع سلطة الإمام إلى عصمته التي تتجسد في علمه الواقعي -تمييزاً عن العلم الظاهري- وورعه وتقواه(61).

وفحوى هذا الدليل أن صفتي العلم والتقوى يمكن اعتبارهما معياراً نسبياً للمواصفات التي ينبغي أن يتحلى بها المرشح لنيابة الإمام. وبينما شاع الأخذ بالاستدلال الأول بين الفقهاء الإيرانيين، خاصة أصحاب النزعات الصوفية والعرفانية(62)، فإن أكثرية فقهاء الشيعة مالوا إلى الثاني.

كان فقهاء القرن العاشر (القرن الرابع الهجري)، المفيد والمرتضى والطوسي خصوصاً، قد مالوا إلى الفصل بين شخص الإمام ومنصب الزعامة في معالجتهم لشرعية السلطة، كما اعتبروا وجود الدولة ودورها ضرورياً لصيانة المصالح العامة التي تشخص على أساس عرفي-عقلائي(63).

أخذ السيد الخميني هذه الفرضية إلى أقصاها حين ميّز بين معنيين ينصرف إليهما مفهوم الولاية. فرغم تبنيه لفكرة الصفات فوق البشرية للأئمة المعصومين(64)، إلا أنه جادل بأن هذه الصفات لا علاقة لها بالدور الذي يفترض أن يلعبه الإمام كرئيس للمسلمين(65). ولاية الإمام في مفهومها السياسي ترتبط بصفاته البشرية العادية من جهة وبالمواصفات التي يحتاجها منصب القيادة من جهة أخرى.

بكلمة أخرى فإن مفهوم ولاية (أو نطاق سلطة) الإمام ينصرف إلى معنيين: الولاية التكوينية التي ترتبط حصراً بشخصه(66)، وولايته الاعتبارية السياسية التي تتعلق بأمور المجتمع السياسية والروحية(67).

وبالنسبة للسيد الخميني فإن فكرة السلطة وتوليها وممارستها تعالج ضمن المفهوم الثاني حيث يجري التركيز على المواصفات الموضوعية التي يتطلبها مركز القيادة، أي العلم -في معناه النسبي- والورع النفسي، وليس النصب الإلهي(68). وكلا الصفتين جرى ضمهما إلى الصفات التي يفرضها الدستور الإيراني في المرشح لمنصب القائد (البنود 107-109).

ما نفهمه من مناقشة السيد الخميني إذن، هو أن سلطة الإمام لا تتعلق بشخص الإمام بالمعنى الفني، بل بمنصب رئيس الدولة الذي يفترض أن يشغله. هذه الفكرة تكشف عن ميل السيد الخميني إلى اعتبار منصب القيادة وممارستها أموراً عرفية لا دينية.

ثمة مثال آخر يؤكد هذا الميل هو رأيه في الوضع القانوني للأراضي الخراجية. في ظل الدولة الإسلامية القديمة، كان الخراج بين أبرز مصادر خزينة الدولة، أو ما كان يطلق عليه بيت المال.

وكما هو الحال بالنسبة للضريبة في الدول الحديثة، فقد كانت السيطرة على الأراضي الخراجية وإدارة الخراج تعتبر بين أبرز رموز السيادة. وحتى وقت قريب فإن القليل من فقهاء الشيعة مالوا إلى إقرار تصرف الحكومات القائمة في الخراج، أما الأكثرية فقد أصروا على حصر إدارته بالإمام المعصوم.

وذهب أقلية منهم إلى معادلة الأراضي الخراجية بالأملاك الخاصة للإمام(69). وفي المقابل فإن السيد الخميني اتخذ موقفاً حاداً من هذا المدعى وانتقد تمسك بعض الفقهاء بظاهر الروايات التي تدل عليه: “أما ظواهر تلك الروايات فهي ضرورية البطلان، ومخالفة للكتاب والسنة وفتاوى الفقهاء، ولازمها مفاسد وأمور قبيحة يُزرى بها المذهب الحق”(70) وهو يرى أن الخراج ومصادره، مثل كل أنواع المال العام الأخرى، يتصرف فيها وتدار من قبل الدولة للمصلحة العامة.

ومع الأخذ بعين الاعتبار تطور فكرة الدولة الحديثة، ولا سيما انتقال مفهوم السلطة من شخص الحاكم إلى مؤسسة الدولة، فإن السلطة المطلقة للإمام سوف تنتقل في رأي السيد الخميني من الإمام إلى مؤسسة الدولة وليس شخص الحاكم أو الفقيه: “السلطة المتفرعة عن ولاية رسول الله المطلقة من أحكام الإسلام الأصلية وهي مقدمة على جميع الأحكام الفرعية حتى الصلاة والصوم والحج.. سلطة الدولة الإسلامية عامة وتشمل كل جوانب الحياة الاجتماعية بما يتجاوز الحدود المتعارفة في الأبحاث الفقهية”(71).

في حديث آخر يشير السيد الخميني إلى أن سلطة الفقيه ينبغي أن تفهم في إطار الحكومة الإسلامية، هذه السلطة لا تصبح فعلية إلا إذا حصلت على التأييد الشعبي(72). النقطة الجوهرية في كلا الفكرتين هي أن سلطات الإمام لم تنتقل إلى شخص الفقيه بل إلى الدولة كمؤسسة(73).

وفي هذه الحالة فإن الفقيه يلعب دور الوسيط الذي من خلاله تنتقل السلطة بصورة مشروعة من الإمام إلى الدولة. وبناء على هذا التصوير، فإنه لم يعد ثمة موضوع للجدل حول الصلاحيات المطلقة التي سوف تنتقل من الإمام. فالدولة بطبيعتها، سواء كانت شرعية أم غير شرعية، تتصرف في أمور مواطنيها وأملاكهم، فالقضاة يصدرون أحكاماً تنطوي على عقوبات جسدية أو مالية أو تقييد للحرية، والجيش يرسل الرجال إلى ساحات المعارك حيث يحتمل أن يقتلوا أو يجرحوا، والدوائر المالية تفرض ضرائب، كما أن مختلف دوائر الدولة تصدر قوانين تقيد تصرف المواطنين في أملاكهم الخاصة وما إلى ذلك. عندئذ فإن انتقال سلطات الإمام يجب أن يفهم في إطار العمل الطبيعي لمؤسسة الدولة ككل، فهي أما أن تكون متمتعة بهذه الصلاحيات الواسعة أو لا تكون حكومة على الإطلاق(74).

تقدم هذه المقاربة حلاً متيناً للجدل حول انتقال سلطة الإمام وطبيعة سلطة الفقيه في دولة حديثة. لكن ينبغي الإشارة إلى أن هذا الحل لم يتحول إلى قاعدة راسخة في المجامع العلمية الشيعية، إذ لا زالت هناك مجادلات، حتى بين بعض تلاميذ السيد الخميني وأتباعه حول كلا الموضوعين، كما نشهد في الطروحات التي يقدمها العلماء الذين ينتمون للتيار المحافظ في إيران اليوم.

أولوية الدولة

ثمة أسباب عديدة تجعلنا نتفهم السلطة المطلقة عند الإمام الخميني، فهو شخصية كاريزمية وزعيم لثورة تغييرية، إضافة إلى كونه مرجعاً دينياً. ثمة الكثير مما يقال عن سلبيات السلطة المطلقة، لكن هذا لا ينفي بعض ما تنطوي عليه من فرص لدور إيجابي، في بعض الأماكن أو بعض الظروف على الأقل. إن المثال الذي يمكن عرضه للمقارنة هنا هو مثال الدولة المطلقة في أوروبا خلال القرنين السابع عشر والثامن عشر التي لعبت دوراً توحيدياً في تلك الحقبة مَهَّدَ لظهور الدولة الدستورية البورجوازية(75).

ورغم أن هذا الدور ارتبط خصوصاً بظروف اقتصادية وسياسية، إلا أن فعل التوحيد يمكن أن ينظر إليه كدور مناسب حيثما كانت المشكلة الرئيسة هي انعدام الوحدة والانسجام في الاجتماع السياسي. وقد أشرت في السطور السابقة إلى أن هذه العلة كانت من أبرز سمات المجتمع الإيراني خلال القرن العشرين، وتجسدت في تفاوت مفهوم السلطة والشرعية بين المجتمع والدولة، وجادلت عندئذ بأن مرجع هذه المشكلة هو الدور الإشكالي للدين.

أراد السيد الخميني مصالحة الدين والدولة باعتبارها الطريق الوحيد – في رأيه على الأقل – لإعادة الوحدة إلى الاجتماع السياسي الإيراني. ولم يكن ممكناً تجاوز تقاليد الانعزال الراسخة بالعودة إلى القواعد المفهومية التي تطورت فيها هذه التقاليد نفسها.

لهذا كان بحاجة إلى فرض تفسيره الخاص لهذه التقاليد وإعادة توجيهها لتخدم مشروعه. وكان هذا ممكناً فقط باستعمال تأثيره الكاريزمي لإقناع المجتمع بحقانية دعواه. ويذكرنا هذا بالفرضية التي جادل دونها ماكس فيبر حول تأثير الكاريزما، التي وصفها بالقوة الثورية الأعظم في عصر التقاليد الراسخة(76).

إن سيطرة التقاليد، حسب كلود إيك، تجعل من العسير على الجمهور منح الدولة ولاء غير مشروط، ما لم تكن الفكرة مطروحة من جانب أشخاص يتمتعون بالثقة والاحترام بين عامة الناس، وعندئذ فإن هذا التقدير الشخصي يمكن استخدامه كأداة لتمكين هيمنة الدولة حتى تستكمل مقومات مشروعيتها(77).

تتجسد مشكلة الاندماج السياسي -كما تعالج في أدبيات التنمية- على شكل تعارض ذهني بين تصور الناس للرابطة الاجتماعية التي تجمعهم من جانب، وبين تصورهم للدولة من جانب آخر. وفي هذه الحالة فإن الدولة تمثل كائناً غريباً عنهم، يفرض نفسه عليهم دون رغبتهم، إنها بصورة ملخصة شيء آخر غيرهم.

وطالما كان الأمر على هذا النحو، فإن دور الزعيم الكاريزمي يتجسد في إعادة اللحمة بين الطرفين، أي جعل الجمهور يفكر في الدولة باعتبارها (نحن)، أو (حكومتنا) بدل (هم) أو (حكومتهم). وحسب فاليريشتاين (1961) فإن تحول الاندماج السياسي إلى واقع ملموس لا يصبح ممكناً إلا إذا قَبِل المواطنون الدولة القائمة باعتبارها مالكاً شرعياً للقوة والسلطة، وأنها المكان الصحيح للتشريع واتخاذ القرار في المجتمع(78).

بالنظر إلى التشديد على شخص القائد في الثقافة السائدة، والمتطلبات الخاصة لظروف الانتقال إلى الدولة الحديثة، فإنه من العسير تصور إمكانية أن تكون الزعامة الكاريزمية غير تحكمية أو مطلقة. فيما يتعلق بإيران خاصة، فقد صعدت هذه المسألة إلى السطح خلال السنوات الأولى بعد الثورة عندما ووجهت سياسات حكومة رئيس الوزراء مير حسين موسوي بمعارضة شديدة من جانب علماء دين و سياسيين محافظين، خاصة فيما يتعلق بالدور التشريعي للبرلمان.

لمعالجة هذه المشكلة عرض السيد الخميني فكرتين مترابطتين، هما الولاية المطلقة للفقيه الحاكم وأولوية النظام الديني على ما عداه من المصالح المنظورة في الأحكام الشرعية الأخرى(79).

الولاية المطلقة للفقيه

رأى السيد الخميني أن صيانة النظام الإسلامي هي المسؤولية الأعظم الملقاة على عاتق المسلمين. وهي تتجاوز من حيث الأهمية والوجوب معظم الواجبات الدينية الأخرى، بما فيها بعض ما كان يعتبر عادة جوهرياً في الشريعة.

وينطلق السيد الخميني من فكرة منطقية، فحواها أن الدولة تمثل أداة قوية لخلق البيئة الضرورية لجعل التعاليم الدينية قابلة للتطبيق(80). وبالتالي فإن الدولة هنا تلعب دور المقدمة الضرورية لإنجاز الأهداف الدينية، وتسهيل ممارسة الشعائر في آن.

ولا يبدو أن السيد الخميني كان على وعي تام بالضرورات المتعلقة بعمل الدولة عندما وصل إلى السلطة في 1979، ففي حديث نادر أمام مجموعة من كبار القضاة أرجع السيد الخميني الصعوبات التي واجهتها البلاد إلى قلة الخبرة والطبيعة التجريبية لبعض السياسات التي جرى تبنيها بعد الثورة(81).

ويظهر من دراسة كتابات السيد الخميني وأحاديثه قبل الثورة ما يمكن وصفه بتصور يغلب عليه التبسيط لعمل الدولة، فقد ذكر تكراراً أن الفقه المتداول يكفي لتوفير الحلول التي تحتاجها الدولة عندما يقوم الحكم الإسلامي(82).

لكن فور قيام النظام الإسلامي وجد قادته أن التصور الرائج في المجتمع الديني عن الدولة وعملها كان غريباً إلى حد كبير عن الوقائع الراهنة، وحسب الرئيس السابق رفسنجاني، الذي رأس البرلمان أيضاً، فقد كان العمل التشريعي تجربة عسيرة بسبب التفاوت الكبير بين المتطلبات القانونية للدولة ومحدودية المنظورات الفقهية التقليدية:

واجهنا في مجلس الشورى معضلة حقيقية، تتمثل في التفاوت الهائل بين ما لدينا من فتاوى وآراء فقهية، وبين ما تحتاجه البلاد من تشريعات لضمان مصالح الناس، وضمان الحفاظ على حركة الدولة في الإطارات الدينية، فكلما أردنا وضع قانون لتنظيم قضية من القضايا الضرورية، واجهنا الإشكال الناشيء عن عدم وجود آراء فقهية، أو عجز الآراء الموجود عن مطابقة المصالح الواضحة والفعلية للأمة.

نقوم ـ أحيانا ـ بتشخيص موضوع معين، ونقترح بنوداً قانونية لمعالجته، نظن أنها تضمن مصالح الجمهور، لكن يشعر الإنسان من ثَمّ بالتردد تجاه ما إذا كانت بنود هذا القانون موافقة لحكم إسلامي ما.

لقد طرح أمام المجلس قانون العمل على سبيل المثال وبعد النقاش تم إقراره، لكن واجهتنا المعضلة ذاتها، أن بعض بنوده تبدو غير مطابقة لأحكام شرعية معينة، واجهتنا هذه المعضلة حينما عرض على المجلس قانون الضريبة، والشورى واجهتنا حينما عرض على المجلس قانون العقوبات الإدارية (التعزيرات) كذلك الحال عندما عرض قانون التعاونيات وقانون ملكية الأرض، وقانون المدارس الخاصة (التجارية والخيرية) وغيرها.

إن كل مسألة مهمة في البلد أدى طرحها إلى إثارة الجدل حول مطابقة القوانين المقترحة بشأنها لأحكام معينة في الشريعة أو فتاوى لفقهاء، وإذا لم يجر حل لهذه المعضلات والمفارقات، فإن عملاً مهماً على صعيد أسلمة القوانين وتنظيم البلد لن يمكن إنجازه(83).

يبدو أن العام 1983 كان نقطة الانعطاف حين قرر السيد الخميني إعفاء نفسه من قيود الفقه التقليدي. فحتى ذلك الوقت كان البرلمان يعتمد الرجوع إلى أدلة الاحكام الثانوية (أحكام الاضطرار) لمعالجة التعارض بين المصالح المنظورة في الأحكام الأولية وتلك التي تشخص عرفياً من جانب هيئات الدولة أو البرلمان.

يشير مفهوم الأحكام الثانوية إلى منهج في الاستنباط يستعمل كحل مؤقت في حالات الاضطرار حيث لا تكون الأحكام الأولية قابلة للتطبيق أو أن مخرجاتها تتعارض والمصالح العامة الراجحة(84). والمثال الشائع عن الأحكام الثانوية هو حق الدولة في تحديد أسعار السلع الغذائية ومنع الاحتكار في ظروف الأزمة، وهو ما يعارض المفهوم الديني للملكية الخاصة الذي يعتبرها مطلقة وغير قابلة للتقييد.

وقد أغضب الاستعمال المتكرر لهذا المنهج من جانب الحكومة بعض كبار الفقهاء، بمن فيهم آية الله الكلبايكاني، الذي كان يومئذ الثاني في سلم المرجعية الدينية، فكتب إلى السيد الخميني ثم البرلمان في مارس 1982 واصفاً هذه السياسة بأنها تمثل إغفالاً متعمداً للأحكام الشرعية الأولية الراسخة الجذور(85).

وشهد العام التالي جدلاً آخر بين فقهاء مجلس صيانة الدستور والبرلمان حول قانون العقوبات للسبب نفسه، وتكرر الجدل حول قضايا أخرى، الأمر الذي دعا السيد الخميني إلى إعادة النظر في القواعد الأساسية الناظمة للعلاقة بين الدولة والمؤسسة الفقهية. وفي هذا المجال طور فكرة (مصلحة النظام) كإطار مفهومي لمعالجة الأحكام المتعلقة بسلطة الدولة والمصالح العامة.

ضمن هذا الإطار ربط السيد الخميني تطبيق الأحكام الشرعية بالمصلحة المستهدفة من الحكم، ومع الأخذ بمبدأ التعريف والتشخيص العرفي للمصالح، فإن قابلية الحكم الفقهي للتحول إلى قانون ملزم أصبح مرهوناً بما يؤدي إليه من مصلحة.

وينطوي هذا المفهوم على إعادة تعريف للدور التشريعي المناط بالبرلمان أو المجتهدين كي يصبح تشخيصاً للمصالح العامة وليس وضعاً للحكم الشرعي أو إنشاء لإلزام ديني أو تصريحاً عن الإرادة الإلهية كما هو مفهوم التشريع الشائع بين الإسلاميين. وتظهر المفارقة بالإشارة إلى أن أغلبية أعضاء البرلمان والحكومة ليسوا من دارسي الفقه أو المجتهدين.

في السياق نفسه أعاد السيد الخميني تعريف سلطة الفقيه لتصبح ولاية مطلقة وقراره السياسي باعتباره حكماً ولائياً. استهدف هذا التطوير الالتفاف على الفكرة المترسخة في النموذج الفقهي التقليدي الذي يعتبر الفقيه فوق الدولة ويعفيه من الالتزام بقوانينها إذا لم تطابق رأيه الفقهي الخاص.

تستهدف فكرة الولاية المطلقة التشديد على الطبيعة الشاملة لسلطة الدولة وخضوع جميع المواطنين لمقتضياتها. بينما يشدد مفهوم مصلحة النظام على أن تشخيص الحكومة للمصالح العامة هو المعيار الرئيس لتبرير عملها، مقارنة بالفهم السائد الذي يذهب إلى أن المصالح المعتبرة هي تلك التي عرفها الشرع والتي يرجع في تشخيص موارد انطباقها إلى الفقيه.

إلى ذلك يشدد مفهوم الحكم الولائي على الطبيعة القهرية لسياسات وقرارات الدولة. وبموجب هذا فإن الدولة لها حق شرعي في إنشاء إلزامات قانونية بناء على تشخيصها الخاص، مقارنة بآراء المجتهد غير الحاكم الذي تصنف كفتاوى غير ملزمة على المستوى العام.

خلاصة

يظهر البحث أن مشروع السيد الخميني السياسي كان معنياً في المقام الأول بتكييف النموذج الشيعي التقليدي للسلطة كي يشتغل في الدولة الحديثة. ونظراً لجذوره الدينية وبيئته التقليدية، فلم يكن متوقعاً أن يفصل السيد الخميني نفسه عن الإطار العام للنموذج الموروث. لكن ميوله الفلسفية والسياسية قادته لإعادة النظر في الهوة الزمنية التي تجعل النموذج التقليدي عاجزاً عن التكيف مع الثقافة المعاصرة للإيرانيين.

ومن المحتمل أن السيد الخميني كان واعياً لحقيقة أن الحدود الضيقة التي يتيحها ذلك النموذج، ما كانت لتسمح بتحول تاريخي كالذي قام به، ولهذا فإن مراجعته للنموذج ركزت في المقام الأول على المبادئ التي تعيق مشروعه السياسي. وفي هذا المجال فإن حدود هذه المراجعة كانت مشروطة بخلفيته الثقافية وقدراته العلمية إضافة إلى الإلزامات الخاصة القائمة في ميدان عمله الفعلي.

تضمنت التعديلات الأساسية التي أدخلها الإمام الخميني على نظرية السلطة الشيعية التقليدية إعادة تعريف مفهوم العدل بحيث يتوجه إلى المعنى النسبي، الذي لا يتطلب الحضور الشخصي للمعصوم لضمان شرعية السلطة. وبهذا فقد وضع السيد الخميني حداً للفكرة التي استقرت قروناً في المجتمع الشيعي والتي ما كان الشيعة -بموجبها- قادرين على تصور دولة شرعية بينما الإمام المعصوم غائب عن الأنظار.

من أجل معالجة الآثار القانونية المترتبة على المفهوم الجديد، فإن السيد الخميني منح الفقيه المؤهل جميع السلطات المتعلقة بمنصب الإمام المعصوم، وكان هذا سبباً للكثير من النقد الذي طال السيد الخميني من جانب بعض الفقهاء والسياسيين العلمانيين على السواء لما تنطوي عليه الفكرة من إيحاءات بإطلاق السلطة(86).

لكن اختباراً دقيقاً لكتابات السيد الخميني وسلوكه السياسي يكشف عن أن هذا التنظير كان ضرورياً لمعالجة القيود الكلامية التي سبق مناقشتها. لقد كان السيد الخميني واعياً بالفاصل الزمني بين الفهم التقليدي للدولة الذي يركز على شخص الرئيس باعتباره جوهر مسألة السلطة، والحقائق السياسية المعاصرة حيث ينصرف التفكير في شرعية السلطة إلى النظام السياسي ككل.

النظام السياسي هو الذي كان موضع اهتمام السيد الخميني وليس شخص الحاكم، الفقيه أو غيره. وهذا ما ظهر بجلاء في إجازته لمشروع التعديل الدستوري لعام 1989 الذي جعل الكفاءة الإدارية مقدمة على المرتبة الفقهية بين شروط المرشحين للقيادة العليا في الجمهورية الإسلامية.

يربط السيد الخميني بين إسلامية الدولة وكون الفقيه على رأسها، لكنه من جهة أخرى يربط سلطة الفقيه بوجود النظام السياسي. بكلمة أخرى فإنه لا يرى سلطة الفقيه قابلة للتمظهر الواقعي خارج الدولة، نظراً إلى أن السلطات المطلقة المدعاة للإمام لا يمكن أن تنتقل إليه في هذه الحالة، وبهذا المعنى فإن سلطات الإمام لا تنتقل إلى الفقيه بالمعنى الشخصي بل إلى مؤسسة الدولة التي هو جزء منها.

الفقيه الحاكم إذن هو رمز للجزء الديني من الدولة وهو يلعب دور القناة التي تنقل سلطات الإمام إلى الدولة في صورة شرعية. هذا المعالجة المعقدة كانت ضرورية لتمكين فكرة الدولة الحديثة من الاندماج في نظام القيم التقليدي ونيل الشرعية على أساس ديني.

إضافة إلى التعديلات التي أجراها السيد الخميني في النموذج التقليدي للسلطة، فقد تبني عدداً من المفاهيم المستمدة من الفكر السياسي الحديث وأبرزها مبدأ الجمهورية. وقد منحه تبنيه لمبدأ الجمهورية قاعدةً للدولة الإسلامية الحديثة مكانة فريدة بين علماء المسلمين، ليس فقط لقبوله المبدأ بل وأيضاً لمعالجته الإيجابية لمترتباته الفكرية والسياسية وعمله لتمكينها في الواقع السياسي.

مع قيام الدولة الإسلامية في 1979 وجد النموذج الفقهي التقليدي نفسه في تحدٍّ سافر مع إلزامات الدولة وضرورات عملها. وهنا كان السيد الخميني الرجل الذي واجه التحدي، فبين أبرز الإنجازات التي تحسب له، إقراره للدور التشريعي للبرلمان الذي تتشكل أغلبيته -بالضرورة- من أعضاء غير مجتهدين، حتى إذا تعلق الأمر بموضوعات لها محمول ديني مثل قانون العقوبات(87).

وهذا يكشف -من ناحية- عن شخصية السيد الخميني الحازمة في التعامل مع المشكلات غير المتوقعة كما يكشف -من ناحية أخرى- عن القوة الهائلة التي تتمتع بها البيروقراطية الدولتية بوصفها أداةً لعلمنة الأفكار ونزع طابعها المقدس كما قرر ماكس فيبر.

على رغم ما حركته الثورة الإسلامية من موجات الصحوة والعودة إلى الهوية على امتداد العالم الإسلامي، فإن الأفكار الجديدة التي قدمها السيد الخميني للفكر السياسي الإسلامي قد أحيت نقاشات مهمة حول العلاقة بين الدين والديموقراطية.

إن أفكار مثل المشاركة المتساوية للنساء والرجال، المسلمين وغير المسلمين في الحياة السياسية، التشريع على قاعدة الإرادة العامة، فصل السلطات وما إلى ذلك، أصبحت اليوم شائعة ومقبولة بين شرائح واسعة جداً من الحركيين والعلماء المسلمين، خلافاً للأزمان الماضية حين كان ينظر إلى مثل هذه الأفكار باعتبارها غربية ومخالفة لتعاليم الإسلام.

ما يجدر الإشارة إليه هنا أن السيد الخميني لم يكن أول فقيه مسلم يطرح هذه الأفكار، لكن نجاحه في الوصول إلى السلطة قد أضفى على مقترحاته تلك المصداقية وقوة التأثير التي ما كان ليحظى بها مفكر خارج السلطة. إنها إذن طبيعة السلطة السياسية التي تضخ المصداقية في الأفكار بغض النظر عن قيمتها الواقعية أو قدرتها على الصمود في الاختبار.

الهوامش:

* كاتب وباحث – السعودية.

(1) الخميني، روح الله: صحيفه نور، اعداد مؤسسه تنظيم و نشر آثار إمام خمينى- (تهران 2004). يضم النص الفارسي للمجموعة 21 جزءاً، تتوفر على العنوان الإلكتروني:

http://library.tebyan.net/alphaList.php?lang=1&char=17

(2) تتوفر قائمة بأعمال السيد الخميني على العنوان الإلكتروني: www.imam-khomeini.com .

حول تطور الفكر السياسي للسيد الخميني انظر: نبوي: >تطور انديشه امام خميني< فصلنامه إمام صادق، العدد 6، (صيف وخريف 1988). ن. إ:

www.hawzah.net/Per/Magazine/IS/006/is00604.htm

(3) Enayat, Hamid, “Iran: Khumayni’s Concept of the Guardianship of the Jurisconsult” in Piscatori, Islam in the political process, (Cambridge 1984), pp.160 – 180.

(4) Abrahamian, Ervand, Khomeinism: Essays on the Islamic Republic, (Berkley 1993).

(5) كديور، محسن: حكومت ولائي (تهران 2001).

(6) Binder, Leonard, Islamic Liberalism, (Chicago, 1988) p. 41.

(7) Held, David, Political Theory and the Modern State, (Cambridge 1989), p. 120.

(8) Easton, David, “An Approach to the Analysis of Political Systems” World Politics, vol. 9, issue 3 (Apr., 1957) pp.383 – 400: p.386 – 7

(9) Tsurutani, Taketsugu, “Stability and Instability”, The Journal of Politics, vol. 30, no. 4. (Nov., 1968), pp. 910 – 933: p. 911.

(10) Almond, G., “A Developmental approach to Political Systems”. World Politics, vol. 17, issue 2, (Jan., 1965) pp. 183 – 214 : P. 192 .

(11) Apter, David, The Politics of Modernization, (Chicago 1965), pp. 66 – 8.

(12) Held, ibid., p. 88.

(13) Razi, G., ‘Legitimacy, Religion, and Nationalism in the Middle East’, The American Political Science Review, vol. 84, no. 1 (Mar., 1990) 69 – 91: p. 72 .

(14) Heywood, Andrew, Political Ideologies, (New York, 1998), p. 291 .

(15) Eickelman, D. and Piscatori, J., Muslim politics, (Princeton 1996), p. 24.

(16) Billings, D., and Scott, S., “Religion and Political Legitimation”, Annual Review of Sociology, vol. 20 (1994), pp. 173 – 202: p. 173.

(17) Omid, Homa, Islam and the Post-Revolutionary State in Iran, (New York 1994), p. 20.

(18) Tabari, Azar, ‘Shi`i Clergy in Iranian Politics’ in Keddie, N. (ed.), Religion and Politics in Iran, (London 1983) p. 60.

(19) Cottam, Richard, “The Islamic Revolution” in Keddie, N., and Cole, J. (ed.), Shi`ism and Social Protest, (London 1986), p 76 – 7.

(20) بشيريه، حسين: موانع توسعه در ايران (تهران 2001) ص 133.

(21) Binder, L., “National Integration and Political Development”, The American Political Science Review, vol. 58, issue 3 (Sep., 1964) pp. 622 – 631: p. 631.

(22) Arjomand, S., The Turban for the Crown, (New York 1989), pp. 77 – 8.

(23) لبعض التفاصيل انظر توفيق السيف: ضد الاستبداد (بيروت 1999 ) ص. 120.

(24) Algar, Hamid, The Fusion of the Gnostic and the Political in the Personality and Life of Imam Khomeini, retrieved on Oct. 20, 2003: www.khomeini.com/GatewayToHeaven/Articles/PersonalityofImam.html.

(25) Cottam, ibid., p. 78.

(26) Cottam, ibid., p. 82.

(27) السيف، توفيق: نظرية السلطة في الفقه الشيعي (بيروت 2002) ص 136. للمقارنة، انظر رأي الحائري في الروايات المنقولة عن الأئمة بهذا المعنى: الحائري، كاظم: ولاية الأمر في عصر الغيبة 77.

(28) Nasr, S. V., “Democracy and Islamic Revivalism”, Political Science Quarterly, Vol. 110, No. 2. (Summer, 1995), pp. 261-285. p. 261.

(29) نقصد بالجمهورية هنا المفهوم القاعدي الذي يعبر عن فلسفة خاصة في السلطة والممارسة السياسية وليس الشكل الخارجي للدولة، حول فكرة الجمهورية، انظر:

Oldfield, A., Citizenship and Community, (London 1990), p. 145.

(30) Abed, S., ‘Islam and Democracy’ in Garnham, D., and Tessler, M. (ed.), Democracy, War and Peace in the Middle East, (Indianapolis, 1995) p. 121.

(31) See for example: Enayat, ibid., p. 172 .

(32) الخميني: صحيفه نور، ج 21، ص 34 .

(33) الخميني: المصدر السابق، ص 88.

(34) شبستري، محمد مجتهد: نقدى بر قراءت رسمى از دين، (تهران 2000) ص 168-171.

(35) السيف: المصدر السابق.

(36) بالمقارنة يجادل ارجمند بأن أيًّا من فقهاء القرنين الثامن عشر والتاسع عشر الميلادي لم ينف شرعية السلطة في عصر الغيبة من حيث المبدأ. Arjomand, Said, The Shadow of God and The Hidden Imam, (Chicago1984) p. 234.

(37) السيف: المصدر السابق.

(38) Arjomand, ibid., p. 267.

(39) Akhavi, S., Religion and Politics in Contemporary Iran, (Albany 1980), p. 60.

(40) السيف: المصدر السابق.

(41) Momen, M., “Authority and Opposition in Twelver Shi‘ism” in Burrell, R. M. (ed.) Islamic fundamentalism, papers read at a seminar held at School of Oriental and African Studies, March 10th.,1988, pp. 48-66: p. 53.

(42) الصدر، محمد باقر: الاتجاهات المستقبلية لحركة الاجتهاد، مجلة الهادي، قم، السنة 2، العدد 3 (مارس 1973). ن. إ: http://209.61.210.137/uofislam/behoth/behoth_isol/06.htm.

(43) Sachedina, A., The Just Ruler in Twelver Shi‘ism, (New York 1988) p. 26.

(44) النائيني، محمد حسين: تنبيه الأمة وتنزيه الملة، في السيف: ضد الاستبداد، ص 255.

(45) الخميني، صحيفه نور، 21، ص 5.

(46) الخميني، روح الله: الحكومة الإسلامية. ص 23.

(47) المصدر السابق، ص 18.

(48) تبنى هذا الراي محمد حسن النجفي: جواهر الكلام ج 21 ص 397 ومرتضى الانصاري: المكاسب ج 1 ص 410.

(49) الخميني: كتاب البيع (قم 1994) ج 2 ص 461 .

(50) الخميني: صحيفه نور، ج. 18، ص 181.

(51) انظر مثلاً النجفي، المصدر السابق .

(52) الخميني: كتاب البيع، المصدر السابق.

(53) بحر العلوم، محمد: بلغة الفقيه ( طهران 1983) ج. 3 ص. 215.

(54) العلامة الحلي: الألفين 65.

(55) بحر العلوم: المصدر السابق.

(56) الحلي: المصدر السابق، ص 200.

(57) منتظري، حسين علي: دراسات في ولاية الفقيه (بيروت 1988) ج 1، ص 527.

(58) النائيني: المصدر السابق، ص 256.

(59) الطبرسي، الفضل: مجمع البيان في تفسير القرآن (بيروت 1995) ج 10 ص400.

(60) انظر مثلاً الهمداني، اغا رضا: مصباح الفقيه (قم، د.ت. ) ج 3 ص 108.

(61) الانصاري: المصدر السابق، ج 3، ص 553-554.

(62) عرض سروش تمييزاً بين المفهومين العرفاني والسياسي لمصطلح الولاية، وهو يجادل بأن المفهوم الثاني ينطوي على تفسير خاطئ للمصطلح. سروش، عبد الكريم: بسط تجربه نبوى، (تهران 1999) ص 278-280.

(63) المرتضى، الشريف علي بن الحسين: رسائل الشريف المرتضى (قم 1405) ج 2، ص 90.

(64) الخميني: مصباح الهداية إلى الخلافة والولاية، ص 76 www.al-kawthar.com/kotob/mesbah.zip.

(65) الخميني: الحكومة الإسلامية، ص 25.

(66) لتفاصيل حول التصور العرفاني للولاية التكوينية، انظر الخميني: مصباح، المصدر السابق، ص 84-90.

(67) الخميني: كتاب البيع، ج 2، ص 466-467 ويشير السيد الخميني في هذا النقاش إلى رواية منسوبة للإمام علي بن أبي طالب، انظر الشريف الرضي: نهج البلاغة ص 80.

(68) الخميني: المصدر السابق.

(69) لتفصيل حول الموضوع والآراء المختلفة لعلماء الشيعة، انظر السيف: نظرية السلطة، مصدر سابق، ص 273.

(70) الخميني: كتاب البيع 3/16.

(71) الخميني: صحيفه نور، ج 20، ص 233.

(72) الخميني: المصدر السابق، ص 239.

(73) قائم مقامي، عباس: قدرت ومشروعيت (تهران 2000)، ص 116.

(74) الخميني: المصدر السابق، ص 233.

(75) Hall, S., “The state in Question” , in Hall, S., Held, D. and McLennan, G., The Idea of Modern State, (Open university press 1984), p. 7.

(76) Bendix, Reinhard, “Reflections on Charismatic Leadership” Asian Survey, Vol. 7, No. 6 (Jun., 1967), 341-352: p. 343.

(77) Ake, Claude, “Charismatic Legitimation and Political Integration”, Comparative Studies in Society and History, Vol. 9, No. 1 (Oct., 1966), 1-13, p. 2.

(78) Cited in Ake, ibid., p. 1.

(79) حجاريان، سعيد: از شاهد قدسى تا شاهد بازارى (تهران 2001) ص 113-114

(80) الخميني: الحكومة الإسلامية، ص 16.

(81) الخميني: صحيفه نور، ج 13، ص 9.

(82) الخميني: الحكومة الإسلامية، ص 63.

(83) تحولى ديگر در تاريخ فقه شيعه: فتاواى امام، (افتتاحية)، مجله حوزه، عدد 23، آذر ودي 1366 (ديسمبر 1987)، ن.إ. http://www.hawzah.net/Per/Magazine/ho/023/Ho02302.asp.

(84) كلانترى، على اكبر: حكم ثانوى در تشريع إسلامى، الفصل الثاني. ن.إ. روجعت في 8 فبراير 2004 في: www.balagh.org/lib/farsi/08_feqh/01/hokm-i%20thanavi%20dar%20tashri-i%20islami/04.htm.

(85) حجاريان: المصدر السابق، ص 120.

(86) Enayat, ibid., p. 168.

(87) On the jurisprudential implications of legislation by fallible man, see Sachedina, ibid. p. 2.

 

مصدر المقالة: مجلة الكلمة:العدد ( 50 ) السنة الثالثة عشرة شتاء 2006م/1427هـ

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Slider by webdesign

Clicky