هناك مجموعة من الحقوق العامة تتعلق بحقّ الفرد كإنسان ويؤكد الإسلام على مراعاتها، ما لم تتصادم بحق أو حقوق أُخرى،منها: حق الحياة حق الكرامة وحق التعليم وحق التفكير والتعبير وحق التمتع بالأمن وحق الاعتقاد وحق المساواة وحق التمتع بالعدل.
موقع الاجتهاد: هناك مجموعة من الحقوق العامة تتعلق بحقّ الفرد كإنسان ويؤكد الإسلام على مراعاتها،ما لم تتصادم بحق أو حقوق أُخرى،
وهي على أنواع ، نذكر أهمها ، وهي :
أولاً : حق الحياة
وهو من أكثر الحقوق طبيعيّة وأولويّة ، قال تعالى : ( ولا تقتلوا أنفسكم إنَّ الله كان بكم رحيماً ) (1) ، وقال تعالى : ( من قتل نفساً بغير نفسٍ أو فسادٍ في الأرض فكأنّما قتل الناس جميعاً ومن أحياها فكأنّما أحيا الناس جميعاً ) (2)
والإسلام يراعي حق الحياة منذ بدء ظهور النطفة وهي مادة الخلقة ، فلا يبيح الشرع المقدس قتلها ، ومن فعل ذلك ترتب عليه جزاء مادي.. فعن اسحاق بن عمّار ، قال : قلت لأبي الحسن علیه السلام : المرأة تخاف الحبل فتشرب الدّواء فتلقي ما في بطنها ؟ قال : « لا » ، فقلت : إنَّما هو نطفة ! فقال : « إن أوَّل ما يُخلق نطفة » (3)
وعليه ، فقد احتل هذا الحق مكانةً مهمة في مدرسة أهل البيت : ، يبدو ذلك جلياً لمن يطّلع على الروايات الواردة في باب القصاص في المجاميع الحديثية ، وسوف يجد نظرة أرحب وأعمق لهذا الحق ، معتبرةً أن كل تسبيب أو مباشرة في قتل نطفة ، أو إزهاق نفس محترمة ، أو إراقة الدِّماء ، يعد انتهاكاً لحق الإنسان في الحياة ، ويستلزم ذلك عقوبة في الدنيا وعاقبة وخيمة يوم الجزاء.
ومن الشواهد النقلية الدالة على حرمة التسبيب في ذلك ، ما رواه محمد بن مسلم ، عن أبي جعفر علیه السلام ، قال : « إنَّ الرَّجل ليأتي يوم القيامة ومعه قدر محجمة من دم ، فيقول : والله ما قتلت ولا شركت في دم ، فيقال : بلى ذكرت عبدي فلاناً ، فترقى ذلك (4) حتى قُتل ، فأصابك من دمه » (5). كما وردت روايات في حرمة الانتحار مفادها : ان المؤمن يبتلى بكل بلية ويموت بكل ميتة إلاّ أنّه لا يقتل نفسه. ومن يقتل نفسه متعمداً فهو في نار جهنم خالداً فيها.
وفي هذا الاطار هناك من أُصيب بقصر النظر ، أو بعمى في البصيرة ، يطعن ويشكك في التزام شيعة أهل البيت : بمبدأ التقية ، ويجهل أو يتجاهل الحكمة العميقة من وراء تبني هذا المبدأ والمتمثلة اساساً في الحيلولة دون إراقة الدِّماء. يقول المحقق الحلي : اذا اكرهه على القتل ، فالقصاص على المباشر دون الآخر. وفي رواية علي بن رئاب ، يحبس الآمر بقتله حتى يموت ، هذا اذا كان المقهور بالغاً عاقلاً (6)
فللتقية حدود وشروط يجب ان تقف عندها ، وخصوصاً إذا وصل الأمر إلى حد يعرّض حياة الآخرين إلى الخطر. وفي الحديث : « إنما جعلت التقية ليحقن بها الدمُ ، فاذا بلغ الدَّم فليس تقية » (7)
ثانياً : حق الكرامة
إهتم الإسلام ـ أيضاً ـ بحق آخر لا يقلُ أهمية عن حق الحياة ألا وهو حق الكرامة.
ويراد بالكرامة : امتلاك الإنسان بما هو إنسان للشرف والعزّة والتوقير. فلا يجوز انتهاك حرمته وامتهان كرامته ، فالإنسان مخلوق مُكرَّم ، قد فضله الله تعالى على كثير من خلقه.. ( ولقد كرّمنا بني آدم وحملناهم في البرِّ والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممَّن خلقنا تفضيلاً ) (8) ، وهي كرامة طبيعية متّع الله تعالى كل أفراد الإنسان بها. وهناك كرامة إلـهية تختص بمن اتقى الله تعالى حق تقاته : ( يا أيُّها الناس إنّا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إنَّ أكرمكم عند الله أتقاكمً ) ( 9)
وكان أئمة أهل البيت : يراعون كرامة الناس من أن تمس ، حتى انهم طلبوا من أرباب الحوائج أن يكتبوا حوائجهم حرصاً على صون ماء وجوههم. وهناك رواية نبوية تتحدث عن كرامة الإنسان التي لا يجوز المساس بها عن طريق سَّبّه أو تقبيح وجهه ، وما إلى ذلك. ولكن هذه الرواية حُرّفت بحذف أولها ، فتغيرت دلالتها إلى ما فيه التجسيم لله تعالى ، وان كان ظاهرها يتضمن معاني التكريم للإنسان.
لقد سعى الإمام علي بن موسى الرضا علیه السلام إلى قشع العتمة التي تُخيم على عقول بعض الناس وواجه السذاجة الفكرية وفضح التحريف الذي يحصل في المنابع المعرفية.
ينقل المحدّث القمي : عن الحسين بن خالد ، قال : قلت للرِّضا علیه السلام : يا بن رسول الله إن الناس يروون أن رسول الله صلی الله عليه وآله وسلم قال : إن الله خلق آدم على صورته ! فقال : «قاتلهم الله ، لقد حذفوا أول الحديث ؛ إنَّ رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم مرَّ برجلين يتسابان ، فسمع أحدهما يقول لصاحبه : قبّح الله وجهك ووجه من يشبهك ، فقال : يا عبد الله لا تقل هذا لاَخيك ، فانَّ الله عزَّ وجلّ خلق آدم على صورته» (10)
ولعلّ من هذا الباب نهي الإمام علي علیه السلام عن أن يسيء ذووه معاملة قاتله ابن ملجم ، أو يمثل به بعد اجراء حكم الله فيه ، بقوله : « .. ولا يُمثّلَ بالرَّجل ، فانِّي سمعتُ رسول الله صلی الله عليه وآله وسلم يقول : إيَّاكم والمُثلة ولو بالكلب العقور » (11)
ثالثاً : حق التعليم
إنَّ العلم حياة للنفس الإنسانية ، وحرمانها منه يعني انتقاص وامتهان كرامتها. ومما يؤكد حق التعلم والتعليم في الإسلام مافعله النبي صلی الله عليه وآله وسلم بأسرى بدر ، إذ جعل فدية الأسير تعليم عشرة من أبناء المسلمين.
وقد أشار الإمام علي عليه السلام إلى حق التعلم والتعليم في معرض تفسيره لقوله تعالى : ( وإذ أخذَ اللهُ ميثاق الذينَ أُوتوا الكِتابَ لتُبينُنَّهُ للنَّاس ولا تكتُمونَهُ فنبذوهُ وراءَ ظُهورهم … ) (12)
فقال : « ما أخذ الله ميثاقاً من أهل الجهل بطلب تبيان العلم ، حتّى أخذ ميثاقاً من أهل العلم ببيان العلم للجهّال »(13)
وقال الإمام الصادق عليه السلام في هذا الصَّدد : « إن العالم الكاتم علمه يُبْعَث أنتن أهل القيامة ريحاً ، تلعنه كلّ دابّة حتى دوابّ الأرض الصغار »(14)
مما تقدم ، يمكن القول ان الأئمة : يرفضون مبدئياً احتكار العلم ، ويؤكدون ضرورة بذله لطالبيه. أما في وقتنا الحاضر فتقوم دول ومؤسسات تدّعي التحضر باحتكار العلم وحجبه عن الآخرين أو المتاجرة ببيعه بأغلى الاثمان أو استخدامه كسلاح سياسي لتحقيق مآرب خاصة. والحال ان العلم هبة إلهية ونعمة شرَّف الله تعالى بها الإنسان على باقي المخلوقات ، وقد أوجب الله تعالى على العلم زكاة ، وزكاته نشره. وقد بين الإمام السجاد علیه السلام في رسالة الحقوق ، حق المتعلم على المعلّم بقوله :
« أمّا حق رعيّتك بالعلم ، فأنْ تعلم أنّ الله عزّ وجلّ إنّما جعلك قيّماً لهم فيما آتاك الله من العلم ، وفتح لك من خزائنه ، فإن أحسنت في تعليم النّاس ولم تخرق بهم ولم تضجر عليهم ، زادك الله من فضله ، وإن أنت منعت النّاس علمك وخرقت بهم عند طلبهم العلم ، كان حقّاً على الله عزّ وجل أن يسلبك العلم وبهاءه ، ويسقط من القلوب محلّك » (15)
وبالمقابل حدّد حق المعلّم على المتعلم بقوله : « حق سائسك بالعلم التّعظيم له ، والتوقير لمجلسه ، وحسن الاستماع إليه ، والإقبال عليه ، وأن لا ترفع عليه صوتك ، ولا تجيب أحداً يسأله عن شيء حتى يكون هو الذي يُجيب ، ولا تُحدّث في مجلسه أحداً ، ولا تغتاب عنده أحداً ، وأن تدفع عنه إذا ذُكر بسوء ، وأن تستر عيوبه ، وتظهر مناقبه ، ولا تجالس له عدوّاً ، ولا تعادي له وليّاً ، فإذا فعلت ذلك شهد لك ملائكة الله بأنّك قصدته وتعلّمت علمه لله جلّ اسمه لا للنّاس » (16)
رابعاً : حق التفكير والتعبير
لا يخفى بأنّ الإسلام جعل التفكير فريضة إسلامية. ومن يتدبر القرآن الكريم ، يجد آيات قد بلغت العشرات ، تأمر بالتفكر والتعقل في الانفُس والآفاق ، فلم يضع الإسلام القيود أمام حركة الفكر السليم الذي ينشد الحقيقة ، ويُثير الشك كمقدمة للوصول إلى اليقين. وقد أطلق النبي الأكرم صلی الله عليه وآله وسلم الفكر من عقال الجاهلية وجعله يتجاوز المحسوس بانطلاقه إلى عوالم الغيب إلى مال لا عين رأت ولا خطر على قلب بشر.
ولقد آمنت مدرسة أهل البيت : بحرية التفكير والتعبير ؛ لغرض الوصول إلى الحق والحقيقة ، حيث عقدوا المناظرات مع الخصوم ، وشكّلوا الحلقات التي برّزت آراءهم في شتى المجالات. فعلى سبيل المثال قام الإمامان الباقر والصادق علیهما السلام ، بدور فكري بارز في النصف الأول من القرن الثاني الهجري ، وكانت فترة استقرار نسبي وانفتاح ثقافي ، فعقدوا المناظرات مع العلمانيين من ملاحدة وزنادقة وكذلك مع علماء المذاهب الإسلامية.
ولعل من أجلى الشواهد على إيمان الأئمة : بحق التفكير والتعبير ، هو مناظراتهم مع الخوارج الذين كانوا من أشد الفرق عداءاً للإمام علي عليه السلام وأهل بيته الأطهار ، وقد شكّل الخوارج تياراً فكرياً وسياسياً معارضاً. فقد حاججهم الإمام علي عليه السلام بنفسه قبل معركة النهروان عندما أطلقوا مقولتهم المعروفة : ( لا حكم إلا لله ) ، فقد أقرَّ الإمام علي عليه السلام بأنها كلمة حق ولكن أريد منها الباطل وطمس الحقيقة المتمثلة بأن علياً عليه السلام إمام حق.
ولقد منحهم الإمام حرية التعبير عمّا في ضمائرهم ما لم يؤدِ ذلك إلى إراقة الدماء ، وحينئذ يسقطون حقهم الطبيعي بالتعبير لاحتكامهم إلى السيف والعنف.
والملاحظ ان الأئمة : واجهوا خصومهم باسلوب الحوار العقلاني ، وتكلموا معهم بالتي هي أحسن ، ولكن خصومهم كانوا يستعملون اسلوباً يغلب عليه طابع التحدي. ينقل المؤرخ محمد بن جرير الطبري ( ت / 310 ه ) : ( إنّ عليّاً لما دخل الكوفة دخلها ومعه كثير من الخوارج ، وتخلّف منهم بالنّخيلة وغيرها خلق كثير لم يدخلوها ، فدخل حرقوص ابن زهير السّعدي وزرعة ابن البرج الطائي ـ وهما من رؤوس الخوارج ـ على عليّ عليه السلام ، فقال له حرقوص : تُب من خطيئتك ، واخرج بنا إلى معاوية نجاهده ، فقال له عليّ عليه السلام : « إني كنت نهيتكم عن الحكومة فأبيتم ، ثم الآن تجعلونها ذنباً » !
فقال زرعة : أما والله لئن لم تتب من تحكيمك الرّجال لأقتلنّك ، أطلب بذلك وجه الله ورضوانه !! فقال له عليّ عليه السلام : « بؤساً لك ما أشقاك ! كأنّي بك قتيلاً تسفي عليك الرّياح » ! قال زرعة : وددت أنّه كان ذلك (17)
وبعد ذلك اغلق الخوارج باب الحوار فقتلوا ( عبدالله بن خبّاب ) وكان يحمل مصحفاً في عنقه !. وعندئذٍ اضطُر الإمام علي عليه السلام إلى استخدام القوة معهم ، لمروقهم عن الحق.
خامساً : حق التمتع بالأمن
لكلِّ إنسان سوي حق طبيعي في التمتع بالأمن ، فلا يجوز لأي كان تعكير صفو حياته ، وجعله أسير الحزن والأسى من خلال التهديد والوعيد بالاعتداء على حياته أو عرضه أو ماله.
ويتأكد حق الأمان إذا أمّن الإنسان إنساناً آخر بموجب ميثاق أو عهد ، وقد أوجب القرآن الكريم على المسلمين احترام مواثيق الأمان حتى مع الكافرين كما في قوله تعالى : ( … فإن تولّوا فخُذُوهم واقتُلُوهُم حيثُ وجدتُّموهُم ولا تَتَّخذُوا مِنُهم وليّاً ولا نصيراً * إلاَّ الَّذينَ يصلُونَ إلى قوم بينكُمْ وبينَهُم ميثاقٌ .. ) (18)
والنبي الأكرم صلی الله عليه وآله وسلم دعا إلى رعاية هذا الحق الإنساني العام وقال في هذا السياق : « من قتل معاهداً لم ير رائحة الجنَّة ، وإنّ ريحها ليوجد من مسيرة أربعين عاماً » (19)
وفي حديث آخر قال صلی الله عليه وآله وسلم : « .. المسلمون إخوة تتكافأ دماؤهم ، يسعى بذّمتهم أدناهم ، وهم يدٌ على سواهم » (20)
وقد سُئل الإمام الصادق عليه السلام عن معنى قوله : « يسعى بذّمتهم أدناهم » فقال : « لو أن جيشاً من المسلمين حاصروا قوماً من المشركين ، فأشرف رجلٌ منهم ، فقال : أعطوني الأمان حتى ألقى صاحبكم أناظره ، فأعطاه أدناهم الأمان ، وجب على أفضلهم الوفاء به »(21)
وقد أكد الإمام علي علیه السلام هذا التوجه النبوي ، وضمنه عهده المعروف لمالك الأشتر ، وجاء فيه : « .. وإن عقدت بينك وبين عدوّك عقدة ، أو ألبسته منك ذِمَّة ، فَحُطْ عَهدَكَ بالوفاءِ ، وارع ذِمَّتكَ بالأمانةِ .. » (22)
إنّ الإسلام وفّر ـ في الواقع ـ الأمان في مجتمعه وهيأ فيه أجواء الاطمئنان للمعاهدين ، وأوجب الوفاء بعهدهم إلى المدّة المتفق عليها والقابلة للتمديد ، كما وفّره أيضاً للذميين المقيمين في ظل الحكومة الاسلامية من أهل الكتاب ، ولم يُجز التجاوز عليهم بكلمة سوء ، أو بغصب مالٍ ، أو إزهاق نفس ، ومن فعل ذلك فقد ضيّع ذمَّة الله وذمة رسوله صلی الله عليه وآله وسلم.
سادساً : حق الاعتقاد:
ونقصد من ذلك : إنّ الإسلام لا يجبر أحداً على اعتناقه ، فلا توجد في القرآن الكريم آية ولا في السُنّة النبوية روايةً تدل على جواز حمل أصحاب الاديان الاَخرى على تركها والدخول في دين الإسلام بالجبر والقهر ، وفرض العقيدة الحقّة بالقوة ، بل انّ قوله تعالى ( لا إكراه في الدِّين قد تَّبيَّن الرُّشْدُ من الغَيّ .. ) (23) ، دليل واضح على المنع من ذلك.
ومن هنا يظهر وهن الشبهة الغربية القائلة : إن الإسلام دين انتشر بالسيف !!
كيف ، ولم يجبر المسلمون أحداً من أهل الكتاب على اعتناق عقيدتهم ؟ والقرآن يدعو المسلمين إلى محاورتهم بالتي هي أحسن.
لقد سلك الأئمة الاطهار : هذا المسلك وفتحوا حواراً مع الزنادقة والملحدين وأهل الكتاب ، ودافعوا عن العقيدة وأصول الإسلام بالحجة الدامغة والمنطق الرَّصين ، وكشاهد تاريخي على ذلك : احتجاج الإمام محمد الباقر عليه السلام على عبدالله بن معمر الليثي في المتعة ، فقد ورد في كشف الغمة عن الآبي في كتاب نثر الدرر : ان الليثي قال لأبي جعفر عليه السلام : بلغني انك تفتي في المتعة ؟ فقال عليه السلام : « أحلّها الله في كتابه ، وسنّها رسول الله صلی الله عليه وآله وسلم ، وعمل بها أصحابه ». فقال عبدالله الليثي : فقد نهى عنها عمر ، قال عليه السلام : « فأنت على قول صاحبك ، وأنا على قول رسول الله صلی الله عليه وآله وسلم » ، قال عبدالله : فيسرك ان نساءك فعلن ذلك ؟ قال أبو جعفر عليه السلام « وما ذكر النساء يا أنوك (24) ؟ إن الذي أحلّها في كتابه وأباحها لعباده أغير منك وممن نهى عنها تكلفاً ، بل ويسرك ان بعض حرمك تحت حائك من حاكة يثرب نكاحاً » ؟ ، قال الليثي : لا ، قال عليه السلام « فلمَ تحرّم ما أحلّ الله » ؟! قال : لا أحرم ، ولكن الحائك ما هو لي بكفو. قال عليه السلام « فإنَّ الله ارتضى عمله ، ورغب فيه ، وزوجه حوراً ، أفترغب عمن رغب الله فيه ، وتستنكف ممن هو كفو لحور العين كبراً وعتواً » ؟ فضحك عبدالله ، وقال : ما أحسب صدوركم إلاّ منابت أشجار العلم ، فصار لكم ثمره وللناس ورقه (25)
سابعاً : حق المساواة وحق التمتع بالعدل :
لقد أعلن القرآن الكريم ان الناس متساوون جميعاً في أصل الخلقة ، قال تعالى : ( يا أيُّها النَّاسُ إنَّا خلقناكُم من ذكرٍ وأُنثى وجعلناكُم شُعُوباً وقبائلَ لتعارفوا إنَّ أكرمكُم عند الله أتقاكُم .. ) (26) فقضى بذلك على عبودية البشر للبشر ، واعتبرهم جميعاً مخلوقات لله تعالى ، وبذلك وضع صمّام الأمان على كل نزعةٍ نحو الطغيان على أساس العرق أو اللّون أو اللِّسان. وأوجد شعوراً بالمساواة بين الحاكم والمحكوم ، والغني والفقير ، وبين القوي والضعيف ، وأصبح مقياس الكرامة والفضل : التقوى والعمل الصالح.
إنّ الاعتقاد بمساواة البشر شرط لابدَّ منه لقيام العدل الذي جعله القرآن الكريم غاية النبوات ، قال تعالى : ( لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط ) (27) ، وكيف يقام العدل بين الجماعات إذا كانوا يعتقدون أنهم طبقات متمايزة أو أُسر متفاضلة ؟ وقد مرَّ أنّ النبي صلی الله عليه وآله وسلم كان أول من أعلن مبدأ المساواة في حجة الوداع ، وكان يساوي بين المسلمين في العطاء.
ولقد سار الإمام علي عليه السلام ـ عندما استلم دفة الخلافة ـ على خطى المنهج النبوي ، فساوى بين الناس في التعامل وفي العطاء ، وكان يأخذ كأحدهم ، وقصته مع أخيه عقيل مشهورة حين طلب منه زيادة في عطائه ، فقال له : « إصبر حتى يخرج عطائي » فلم يقبل ، فأبى أن يعطيه أكثر من عطائه. وبلغ من تمسكه بهذا الحق حدّاً ، بحيث أنه وجد في مال جاءه من اصفهان رغيفاً فقسمه سبعة أجزاء كما قسم بيت المال ، وجعل على كل جزء جزاً (28)
المصادر:
1- النساء 4 : 29
2- المائدة 5 : 32
3- من لا يحضره الفقيه 4 : 126 / 445 ، وعنه في الوسائل 29 : 25 / 1 باب 7 من أبواب
4- فترقى ذلك : أي : رفع ، والحديث ناظر إلى وجوب كتمان السّر عند احتمال الضرر في افشائه
5- وسائل الشيعة 29 : 17 / 1 باب 2 من أبواب القصاص في النفس
6- شرائع الإسلام ـ كتاب القصاص 4 : 975 ، طبع دار الهدى ـ قم المقدسة ط 3
7- الكافي 2 : 228 / 16 باب التقية
8- الإسراء 17 : 70
9- الحجرات 49 : 13
10- سفينة البحار 2 : 55 ـ دار المرتضى ـ بيروت
11- نهج البلاغة ـ شرح الشيخ محمد عبده ـ : 594. دار التعارف للمطبوعات طبعة 1402 ه
12- آل عمران 3 : 187
13- بحار الانوار 2 : 23 ـ مؤسسة الوفاء ـ بيروت ط 3
14- بحار الانوار 2 : 72
15- بحار الانوار 2 : 62
16- شرح رسالة الحقوق ـ حسن السيد علي القبانچي 1 : 409 ـ مؤسسة اسماعيليان ط 2
17- شرح نهج البلاغة ـ لابن أبي الحديد 2 : 268 ـ دار احياء التراث العربي ط 2
18- النساء 4 : 89 ـ 90
19- كنز العمال : ح 1914
20- بحار الانوار 100 : 46 ـ 47
21- ميزان الحكمة 1 : 354
22- بحار الانوار 100 : 47
23- البقرة 2 : 256
24- الأنوك : الأحمق
25- كشف الغمة ، للاربلّي
26- الحجرات 49 : 13
27- الحديد 57 : 25
28- في رحاب أئمة أهل البيت ، السيد محسن الامين 1 : 26 ـ
المصدر: راسخون