الاجتهاد: تعتبر المنظمة “الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان” أن العام 2019 كان الأكثر سوءاً في العقود الأخيرة من تاريخ البلاد، إثر غياب تأثير المجتمع المدني والمثقفين المستقلين في حالة حقوق الإنسان، وسيطرة طرف واحد على كافة تفاصيل المشهد، استناداً إلى سياسته الاستبدادية، حيث يتجه في طريق منحدر لا تبدو معالم لنهايته.
مرآة الجزيرة وتحت عنوان “حقوق الإنسان في السعودية 2019: سرطان الطغيان”، أصدرت “الأوروبية السعودية” تقريرها السنوي، وبينت أن الرياض تشهد منذ عام 2015، على وجه الخصوص، تدميراً وسحقاً وإستئصالاً لكل القوى المتنوعة، إذ تم تدمير المجتمع المدني بشكل كبير جداً، ولا توجد تشكلات مدنية مستقلة أو حتى أفراد، وتنوعت حملات الاضطهاد بين القتل التعسفي أو الاعتقالات الترهيبية، وطالت الكثير من الفئات التي لم يكن يُتصور استهدافها يوماً.
ونبهت إلى أنّ السلطة لم تكترث للمؤسسات الدولية، واستمرت في محاولات التضليل، والتفلت من التزاماتها، وبدى واضحاً الغطاء الذي يوفره حلفائها السياسيين في الولايات المتحدة الأمريكية وبعض الدول الأوروبية، المستفيدين من العوائد الإقتصادية.
يبدو أن السعودية معتمدة على غطاء هذه التحالفات وتستمد شراستها مما يوفروه من دعم، وبهؤلاء الحلفاء الذين ليس بين أولوياتهم حثها جدياً على احترام الحقوق، تندفع في انتهاكات وجرائم ضد الإنسانية، بل إن بعضهم مشاركين ودافعين، كدعم الولايات المتحدة الأمريكية للحرب على اليمن”، تقول المنظمة،
وتتابع “تشكل البلاد كالجسد الفاقد للمناعة، وخلت البلاد لفيروس الإستبداد، يتوغل في أعضائه وخلاياه، لتصبح السعودية اليوم جسداً عليلاً يئن تحت وطأة الحقوق المنتهكة.
لذا فكل عام يمر على البلاد، من دون أن تكن لأطراف مستقلة دور في المساهمة في المشهد الحقوقي، ومع دور أحادي للملك سلمان وابنه، فسيكون أسوأ من سابقه، كنتيجة طبيعية للسير في منحدر.
تشير المنظمة إلى أنه بات من الواضح الرغبة الشديدة للحكومة في القضاء على كل القوى والأصوات الداخلية التي تنادي بالحقوق، وأضحى التجريم لكل صوت مطلبي أو نقدي أمر ساريا، ولوحظ أن هذا العهد، لديه حساسية مرتفعة ضد أي نقد، وهذا ما يفسر الإستهداف غير المسبوق للنشاط المدني الموجود في الخارج، والذي لم يكن موجوداً بهذه الصورة في ما سبق من عهود،
مؤكدة أن عام 2019 انتهى من دون أن يقدم دلالات على تحسن قد يطرأ في عام2020، بل إنه اختتم بمشهد هزلي، تمثل في حكم براءة للمسؤولين الكبار المتورطين في جريمة قتل الصحفي جمال خاشقجي، في قنصلية بلاده في إسطنبول، ما كشف عن توجه الصورة العامة إلى المزيد من الاستهتار بحقوق الإنسان.
تشير المنظمة إلى أنه خلال العام 2019، رفعت “الحكومة السعودية من إحكام الطوق على المدافعين والمدافعات عن حقوق الإنسان، من خلال الملاحقات والاعتقالات والمحاكمات، وكان لافتاً توسيع دائرة الانتهاكات إلى خارج السعودية، من خلال استهداف النشطاء المقيمين في الخارج، عبر أساليب مختلفة”،
لافتة إلى أنه “في يوليو 2019 فتحت الحكومة قضية جديدة بتهم جديدة، للمدافع عن حقوق الإنسان محمد العتيبي، بعد أن حكمته بالسجن 14 عاماً في المحاكمة الأولى التي أدانت فيها أيضاً زميله المدافع عن حقوق الإنسان عبدالله العطاوي، بتهم بينها المشاركة في تأسيس منظمة الإتحاد لحقوق الإنسان”.
التقرير أشار إلى أن السلطة “زادت الانتهاكات بحق النشطاء المقيمين في الخارج، وفي 5 مايو 2019، تم استهداف طالب الدكتوراة في القانون الدستوري حمزة الكناني، وذلك بعد ثلاثة أيام على إعلانه مناصرة ضحايا القمع في البلاد، قام أفراد من المباحث بمداهمة منزل أسرته بمحافظة مكة المكرمة،
واستولت على أغراضه الشخصية، وتم استدعاء إخوانه وأبناء عمومته للتحقيق عدة مرات، وتم منع عدد من أفراد أسرته من السفر؛ وفي أغسطس 2019 مر عام على منع خمسة أطفال وأمهم من السفر، وحرمانهم منذ قرابة عام من لقاء أبيهم الناشط علي هاشم الحاجي المقيم في الخارج.
وفي سبتمبر 2019، دخل قرار السعودية منع عائلة الناشط الشيخ د. سعيد الغامدي من السفر وفرض الإقامة الجبرية عليهم في الداخل، عامه الثاني. عائلة الغامدي المكونة من 11 طفلا، تتراوح أعمارهم من 3 إلى 11 عاما، إلى جانب أمهاتهم”.
التعذيب وضروب المعاملة القاسية واللا إنسانية
لفت التقرير إلى أن الشهيد “المواطن عباس الحسن كان ضمن ضحايا مجزرة أبريل، عُذب في التحقيق الذي امتد لشهور، وتجاهلت السعودية طلب المقررين الخاصين في مجلس حقوق الإنسان بالتحقيق في مزاعم التعذيب التي تعرض لها؛ لم يقتصر التعذيب والمعاملة المهينة والحاطة بالكرامة التي تعرض لها الحسن على فترة التحقيق فقط، بل امتد حتى ما بعد صدور حكمه النهائي بالإعدام وتحويل قضيته لرئاسة أمن الدولة لتنفيذ الإعدام، في مشهد ينم عن التشفي والعبثية، حيث تعرض خلال شهر يناير 2019، أي قبل 3 شهور من قتله، لمضايقات عدة بينها تعذيب جسدي ونفسي”.
وانتقدت “الأوروبية السعودية” مواصلة الرياض المطالبة بقتل أفراد عُذِبوا بوحشية وانتزعت منهم الإعترافات تحت الإكراه، “ومن بينهم المدافع عن حقوق الإنسان حسين الفرج الذي طالبت النيابة العامة بصلبه، على خلفية نشاطه في قيادة المظاهرات وتصويرها والمشاركة في مسيرات تشييع جنائز متظاهرين قتلتهم القوات الحكومية.
الفرج كان قد أخضع لأنواع وصنوف متعددة من التعذيب تشفياً وبهدف انتزاع اعترافات، بينها قلع أظافره وتعريته والصعق الكهربائي، وفيما أكد الفرج تعرضه للتعذيب أمام القاضي، فإن محاكمته قائمة ولايزال مطلب القتل من النيابة قائماً، ولم يعرف أن النيابة أو القضاء بدأوا أي خطوات في محاسبة من عذبوه”.
وعن مساندة دول الخليج، الحكومة السعودية فيما تقوم به من انتهاكات وتعذيب، وثقت المنظمة تواطؤ سلطنة عمان وإعادتها قسرياً في 5 مارس 2019 الشاب أمجد طارق الفرج إلى الرياض، الذي كان قد غادر البلاد خشية الاعتقال والتعذيب، ما يعد إنتهاكاً لمبدأ عدم الإعادة القسرية، حيث تم اعتقاله.
في سياق متصل، أشارت إلى جريمة التعذيب، التي بينها إطالة الفترات التي تضع فيها النشطاء في السجن الإنفرادي، “منذ يناير 2019، عزلت المدافعة عن حقوق الإنسان نسيمة السادة في زنزانة انفرادية من دون مبررات أو معرفة سقف للمدة، ولم تُخرج من الإنفرادي بنهاية العام”. كما أضافت أن السلطة “لاتستثني المسنين والمسنات من التعذيب، إذ تعرضت السيدة المسنة عايدة الغامدي لتعذيب مؤلم ومهين.
البداية الدموية والقاسية عام إعدامات غير مسبوق
إلى ذلك، وثقت المنظمة الاعدامات التي شهدها عام 2019، والذي بلغ رقماً قياسيا جديداً في أحكام القتل المنفذة، ووصل إلى 185 إعداما، في حين كان الرقم الأكبر المسجل 157 في 2015، السنة الأولى التي تولى فيها الملك سلمان حكم البلاد، مشيرة إلى أن هذا الصعود الدموي في تنفيذ أحكام الإعدام يتناقض ووعود ولي العهد محمد بن سلمان في أبريل 2018 بتقليص أحكام الإعدام إلى الحد الأدنى الممكن.
ووثق التقرير استهلال العام المنصرم بإعدام 4 مقيمين يمنيين بتهمة القتل، وقد شهد 3 منهم في اللحظات الأخيرة قبل قطع رؤوسهم، أن المتهم الرابع ياسين محمد علي، بريئاً من تهمته، لكن السلطات المعنية لم تكترث لشهادتهم، وقطعت رؤوس الأربعة جميعاً.
وأضاف أن الدموية بلغت ذروتها بداية الربع الثاني من العام، مع مجزرة إبريل التي راح ضحيتها 37 سجيناً، وشملت المجزرة قتل 6 أطفال، كما شملت متظاهرين ونشطاء، وكانت المحاكمات بعيدة كل البعد عن شروط المحاكمة العادلة، وتعرض معظمهم لتعذيب شديد.
واستناداً إلى توثيق “الأوروبية السعودية”، “حتى نهاية 2019، يواجه 47 سجيناً خطر الإعدام في مختلف درجات التقاضي، بينهم 13 شخصاً وجهت لهم تهماً تعود لفترات كانوا فيها قاصرين، ثلاثة منهم أحكامهم نهائية، وهم: علي آل نمر، عبدالله الزاهر، داوود آل مرهون، كما يوجد حكم ابتدائي واحد ضد عبدالله الحويطي.
أما الثمانية المتبقون فتطالب النيابة العامة بصلبهم، من بينهم، جلال حسن لباد، محمد عصام الفرج، محمد حسين آل نمر، سجاد ممدوح آل ياسين”.
كما ” يتهدد الإعدام الباحث حسن فرحان المالكي، على خلفية تهم معظمها تتعلق بآرائه الدينية وبحوثه التاريخية ومؤلفاته وإمتلاكه لبعض الكتب”.
في سياق متصل، انتهى العام الماضي على استمرار محاكمة المدافعة عن حقوق الإنسان إسراء الغمغام، وقد أصدر المحامي الدولي لحقوق الإنسان أوليفر ويندريدج ملاحظات قانونية في مذكرة قصيرة، أشار فيها إلى أن لائحة التهم ضدها وخمسة من المدافعين عن حقوق الإنسان المدرجين معها في القضية، تمثل إنتهاكاً للقانون الدولي لحقوق الإنسان،
وبعد تغيير النيابة العامة طلب الإعدام في قضيتها إلى السجن، بانت أن المراوغة لم تحقق العدالة،ونتجت عن ضغوط واستهجان لطلب إعدامها، بينما استمرت النيابة بطلب إعدام زوجها السيد موسى الهاشم والثلاثة الآخرين: أحمد المطرود، علي العويشير، خالد الغانم، رغم تشابه تهمهم معها إلى حد كبير يصل إلى حد التطابق في أغلب التهم.
كما لفتت المنظمة إلى استمرار سياسة احتجاز جثامين ،حيث أن الجثامين المحتجزة في 2019 فقط، بلغت 52، ليبلغ العدد منذ 2016 وحتى 2019، 85 جثماناً، في انتهاك للقوانين الدولية وإصرار على تعذيب ذوي الضحايا نفسياً عبر حرمانهم من توديع ابنائهم ودفنهم وفق طريقتهم وحرمانهم من زيارتهم.
إلى ذلك، تحدث التقرير عن “القتل خارج نطاق القضاء”، وأشار إلى أنه على الأغلب تتبع جهاز رئاسة أمن الدولة الذي يرجع للملك سلمان مباشرة، 22 مواطناً على الأقل، خلال مداهمات متعددة، “أولى هذه المداهمات كانت في يناير 2019، حين قتلت 6 مواطنين في مدينة أم الحمام في محافظة القطيف، و استمر الإعلام الرسمي بترديد رواياته المعتادة في مثل هذه العمليات، والتي تدين الضحايا وتتهمهم بالتحضير لعملية إرهابية”. وأشارت إلى أنه “في أبريل 2019 اغتالت السلطة ماجد الفرج ومحمود آل زرع، بينما كانوا يتحركون بسيارتهم”.
ووثقت المنظمة المداهمات التي نفذتها عناصر أمن الدولة خلال “11 مايو، في بلدة سنابس الواقعة ضمن جزيرة تاروت، وقتلت 8 أشخاص”، وبينت أن المداهمات تنطوي على انتهاكات وخروقات وجرائم عديدة، من قبيل القتل خارج نطاق القضاء، وترهيب المدنيين، والاعتقالات التعسفية، وإتلاف الممتلكات، وسرقة بعض الممتلكات من المنازل في بعض الحالات بما في ذلك مبالغ مالية.
توضح المنظمة أن عام الماضي انصرم مخلفاً وراءه مظالم جمة، مشيرة إلى أن “الخطورة الرئيسية تمثلت في تحول أجهزة العدالة، كالنيابة العامة والقضاء، إلى أدوات لاستهداف المضطهدين بدلاً من حمايتهم والوقوف إلى جانبهم، وباتت هذه الأجهزة مصدر خوف بدلاً من أن تكون محلاً للطمأنينة، وفي نفس الوقت باتت هذه الأجهزة مظلة لحماية المسؤولين الكبار أصحاب القرار أو تابعيهم، عن المسائلة والعقاب”.
واستنكر “استمرار السعودية في الاهتمام بتقوية أدوات التضليل، مثل المؤسسات الإعلامية، أو المؤسسات الرسمية الحقوقية، فضح انعدام النوايا في ممارسة إصلاح صادق”. وخلصت إلى أن مسار العمل القانوني الدولي والمتنوع، بات اليوم أكثر أهمية من أي وقت مضى. وفي الوقت الذي تضع المنظمة العمل القانوني في أولوياتها في 2020، ترحب بالتعاون مع الأفراد والمؤسسات التي تشاطرنا هذا التوجه والاهتمام.