الاجتهاد: كان السيد الإمام الخميني “قدس سره” متعودًا علي الجلوس في الفناء بعد الظهيرة وبين حين وآخر كان يمارس هذا العمل بعد مغيب الشمس.
كانت هناك شجرة تفاح يجلس الإمام تحتها وقد عُرِفت هذه الشجرة كرمز في أوروبا بحيث تذكر دائما عند المقابلات وفي الأخبار.
كان الإمام الخميني يجري مقابلاته تحت هذه الشجرة ويتعاطي مع الصحفيين برحب وسعة، بحيث كان بإمكان كل شخص ان يسأل كل ما لديه من أسئلة.
كان يوم الأحد يوم عطلة في فرنسا وكان طلاب الجامعة الإيرانيون والمسلمون والشباب والفتيات يأتون من أرجاء أوروبا إلي فرنسا وكان يبدأ وفودهم عند المغرب من يوم السبت و يبقون حتى المساء من يوم الأحد. وكان للسيد الإمام برنامج خاص لهاتين الليلتين حيث يمارس نشاطًا ثقافيًا مستمرًا في هذه الأيام.
كان من العادة أن يخطب الإمام الخميني عند الغروب من يوم السبت. و كلماته كانت تتمحور حول الثورة و قيام الشعب الإيراني. عادة كان يستغرق خطابه ساعتين تقريبًا.
وعلي الأغلب كانت خطاباته تبيينا لمواقف الثورة الإسلامية، وما هو المبتغي منها. وكان ينتهز هذه الفرص لتنوير الرأي العام، أما يوم الأحد فما كان سماحته يخطب فيه بل كان يحضر عندهم للإجابة عن الأسئلة التي كانت تطرح من قبل الحضار. وكان كل شخص يطرح أسئلةً من منطلق وجهة نظره. وكان الإمام يجيب عن الأسئلة المطروحة برحابة.
ذات مرة قررت أن أطرح سؤالًا ما. بحثت في ما يخالجني من الأفكار لأختار إحدى الأسئلة الغامضة التي كانت تشغلني آنذاك.
إحدى العوائق التي تواجهها القيادات في جميع الثوارت هي أن الشعب سيصبح مرهقًا في أثناء الطريق. ولاسيما إذا انتهى الأمر الى إراقة الدماء. إذ يستطيع العدو إنهاك الشعب إذا صعّد في قمعه.
رفعت يدي لأبدي سؤالي هذا. فقال الإمام: تفضل.
قلت: سيدي! فيما إذا تعب الشعب من النضال أو وجدتموه مرهقًا جرّاء هذا الكم من القتل والضغط الشديد فما رأيكم يومئذ؟
حسبته سؤالًا ذا مغزي. حتى إنك إذا ألقيت نظرة الى كفاح الشعب الهندي والفلسطيني والجزائري و… لرأيته سؤالًا له شأنه.
تأمل الإمام قليلًا للإجابة عن سؤالي وأطرق. ثم رفع رأسه وقال: لا بأس. سوف يستريحون لستة أشهر، ثم يستأنفون الكفاح.
كانت إجابته بسيطة للغاية. قلت في نفسي: ما أتفهه من سؤال طرحته.
ما لم تمض الأيام حتى يبرد الجوّ كثيرًا، كان السيد الإمام يجلس بين الحضور في الفناء.
لقد ألححنا ليفرش الإمام الفناء بالسجاد بالأموال التي كانت في متناوله. ولكنه لم يحرّك ساكنًا.
كان كل شخص يجلب معه سجادة للصلاة ويصلي في تلك الساحة العشبية. وعلى كل حال، ما استطعنا إقناع الإمام في هذا الموضوع. لكن عند برودة الجو و بسبب هطول الأمطار و الثلج وافق الإمام على شراء خيمة.
لقد اشترينا خيمة بسيطة للغاية حيث كانت تستوعب ٤٠ الى ٤٥ شخصًا. كانت تقام فيها صلاة الظهر والعصر والمغرب والعشاء بإمامة السيد الإمام. لكنه كان يصلي صلاة الفجر في الجوّاني.[1]
[1] المصدر: ذكريات حجة الإسلام والمسلمين هادي غفاري، مكتب أدبيات الثورة الإسلامية، الطبعة الأولى، طهران، الحوزة الفنية،