الاجتهاد: نسعى في هذه المقالة إلى بيان الإجابة عن الأسئلة التالية: 1ـ ما هي الآثار الفقهيّة التي ترتفع عن المرتد بالتوبة؟ / 2ـ هل صحيحٌ ما قاله الكثير من الفقهاء بأن توبة المرتدّ لا تزيل حتّى نجاسته؟ وأن توبته لا تُقْبَل حتّى من قِبَل الله؟ / 3ـ لو تاب المرتد الفطري قبل إقامة البيِّنة عليه، أو كان في دار الكفر ولم يُجْرَ عليه الحدّ وتاب هناك، فهل تُقْبَل توبته في مثل هذه الحالة؟ وهل يرفع ذلك حكم القتل عنه؟
مقدّمةٌ: يحظى مفهوم التوبة في القرآن الكريم باهتمامٍ خاصّ، حتّى تكرَّرَتْ مفردة التوبة ومشتقّاتها في القرآن 92 مرّة، كما تكرّرت كلمة الاستغفار ومشتقّاتها 45 مرّة. وقد تمّ اعتبار التوبة في الحقوق الجزائية للإسلام إحدى موارد سقوط العقاب، ويتمّ بيانها بوصفها تأسيساً حقوقيّاً. وقد بحث الفقهاء آثارها الحقوقية في ضوء الآيات والروايات.
والتوبة لغةً من مادة «تَوَبَ»، بمعنى العودة والرجوع. قال صاحب (مقاييس اللغة): «توب ـ التاء والواو والباء ـ كلمةٌ واحدة تدلّ على الرجوع. يُقال: تاب من ذنبه، أي رجع عنه، يتوب إلى الله توبة ومتاباً»([1]). وقال المحقِّق الأردبيلي في كتاب (مجمع الفائدة والبرهان): «التوبة هي الندامة والعزم على عدم الفعل؛ لكون الذنب قبيحاً ممنوعاً، وامتثالاً لأمر الله، ولم يكن غير ذلك مقصوداً»([2]).
يُستفاد من هذا التعريف أمران:
1ـ الندم: توبة.
2ـ عدم الفعل (ترك المعصية) يجب أن يكون بسبب قُبْحه الشرعي، بمعنى أن عدم الفعل يجب أن لا يكون بسبب عدم القدرة عليه، وإنما لأنه ممنوعٌ؛ أو لأنه قبيحٌ.
ومن هنا فإن مجرّد عدم الفعل لا يُعَدّ توبةً.
وأما الشيخ البهائي فقد اشترط في تعريف التوبة ـ بالإضافة إلى النَّدَم وعدم الفعل؛ بسبب قبحه الشرعي ـ عقد العَزْم الأبديّ على ترك العودة إلى الذنب والمعصية أيضاً([3]).
وعليه فإن التوبة تعني العودة من الذنب والأعمال الإجرامية، والنَّدَم عن الأعمال الماضية، والسَّعْي إلى القيام بالأعمال الصحيحة والحَسَنة، وعدم تكرار الأخطاء السابقة([4]).
وعلى هذا الأساس فإن التوبة تقوم على ثلاثة عناصر، وهي: النَّدَم، والاعتذار، وعدم العَوْدة إلى الذنوب السابقة.
إن التوبة أمرٌ يستدعي مَحْو جميع الآثار المشؤومة المترتِّبة على الذنوب والمعاصي، ويحلّ محلَّها ضميرٌ طاهر، ونفسٌ مطمئنّة. وفي ذلك يقول الله تعالى في القرآن الكريم: ﴿إِلاَّ مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ…﴾ (الفرقان: 70).
وقال رسول الله: «النَّدَم على الذنب توبةٌ»([5]).
وبعبارةٍ أخرى: يمكن القول: إن التوبة الحقيقية تستتبع ندماً خاصّاً يحول دون تكرار الأعمال السابقة.
وفي المأثور عن الإمام عليّ× قال: «الندم على الذنب يمنع عن معاودته»([6]).
ونسعى في هذه المقالة إلى بيان الإجابة عن الأسئلة التالية:
1ـ ما هي الآثار الفقهيّة التي ترتفع عن المرتدّ بالتوبة؟
2ـ هل صحيحٌ ما قاله الكثير من الفقهاء بأن توبة المرتدّ لا تزيل حتّى نجاسته؟ وأن توبته لا تُقْبَل حتّى من قِبَل الله؟
3ـ لو تاب المرتدّ الفطري قبل إقامة البيِّنة عليه، أو كان في دار الكفر ولم يُجْرَ عليه الحدّ وتاب هناك، فهل تُقْبَل توبته في مثل هذه الحالة؟ وهل يرفع ذلك حكم القتل عنه؟
قبول التوبة من المرتدّ، آراء فقهاء المسلمين وأدلّتهم
يتّفق الفقهاء في تعريف الارتداد ـ مع شيءٍ من الاختلاف ـ على هذا المعنى، وهو أن الارتداد يعني الخروج عن الإسلام والدخول في الكفر([7]). والتوبة بدَوْرها في هذه الموارد هي اعتناق الإسلام والنطق بالشهادتين.
وهناك في قبول أو عدم قبول توبة المرتدّ (الفطري أو الملّي) ثلاثة آراء:
1ـ عدم القبول مطلقاً
يرى بعض فقهاء العامّة أن عقوبة الارتداد على كلّ حالٍ هي القتل، سواء تاب المرتد أم لم يتُبْ. قال الحسن البصري: «المرتدّ يُقْتَل بغير استتابةٍ»([8]).
وقد استدلّوا لهذا الرأي بجملةٍ من الأدلة، ومنها:
أـ إطلاق بعض الروايات، مثل: الحديث المأثور عن النبيّ الأكرم| أنه قال: «مَنْ بدَّل دينه فاقتلوه»([9]).
ب ـ عمل الصحابة: دخل معاذ [ابن جبل] على أبي موسى الأشعري، وسأله عن شخصٍ كان عنده، فقال أبو موسى: إنه رجلٌ كان يهوديّاً ثمّ أسلم، ثمّ عاد إلى اليهوديّة، فقال معاذ: لا أجلس حتّى تقيم عليه حكم الله ورسوله، فتقتله. فكرَّر ذلك ثلاثاً، حتّى أمر أبو موسى بقتله([10]). إن هذا الكلام من معاذ، وتأييده على المستوى العمليّ من قِبَل أبي موسى الأشعري ـ وكلاهما صحابيٌّ ـ، مع عدم ذكر التوبة في مورد انتساب حكم الله ورسوله، يثبت أن المرتدّ يجب قتله، دون استتابته([11]).
2ـ القبول مطلقاً
يذهب أكثر فقهاء أهل السنّة إلى الاعتقاد بقبول توبة كلّ مرتدٍّ، سواء أكان مرتدّاً عن فطرةٍ أو مرتدّاً عن ملّةٍ. وعليه يجب استتابة المرتدّ قبل تطبيق العقوبة عليه؛ فإذا لم يتُبْ أجري عليه حدّ القتل. قال ابن قدامة: «إنه [أي المرتدّ] لا يُقتل حتى يُستتاب… هذا قول أكثر أهل العلم»([12]).
وهذا هو رأي أبي حنيفة والشافعيّ ومالك وعموم فقهاء أهل السنّة.
وقد استدلّ لهذا الرأي بأدلّةٍ أيضاً، ومنها:
أـ سيرة النبيّ الأكرم|: عندما أرسل النبيّ| معاذاً إلى اليمن قال له: «أيّما رجلٍ ارتدّ عن الإسلام فادْعُه، فإنْ تاب فاقبَلْ منه، وإنْ لم يتُبْ فاضرِبْ عنقه»([13]).
وكذلك في مورد امرأةٍ تُدْعَى «أمّ مروان» ارتدَّتْ عن الإسلام، فأمر [النبيّ] أن تُستتاب، فإنْ تابَتْ، وإلاّ قُتلَتْ»([14]).
إن هاتين الروايتين تدلاّن بدَوْرهما على وجوب الاستتابة قبل تطبيق حكم الارتداد.
ب ـ عمل الصحابة: جاء شخصٌ من قِبَل أبي موسى الأشعري إلى عمر، ونقل له خبر ارتداد شخصٍ، فسأله عمر: ما فعلتُم به؟ قال: قرَّبناه فضرَبْنا عنقه، فقال عمر: فهلاّ حبستموه ثلاثاً، فأطعمتموه كلّ يومٍ رغيفاً، واستتبتموه؛ لعلّه يتوب، أو يُراجع أمر الله؟ ثمّ قال: «اللهمّ، إني لم أحضر، ولم آمُر، ولم أرْضَ إذ بلغني»([15]).
3ـ التفريق بين المرتد الفطري والمرتدّ الملّي
لقد ميَّز أكثر فقهاء الإماميّة بين المرتدّ الفطري والملّي، وقالوا: المرأة المرتدّة عن ملّةٍ أو عن فطرةٍ تُستتاب، فيجب عرض الإسلام عليها، فإنْ تابت، وإلاّ قتلت. وإنْ كان المرتد عن فطرةٍ رجلاً فإنه يُقتل دون استتابةٍ. وقد ادّعى صاحب (جواهر الكلام) الإجماع على ذلك([16]). وقد اختار «واصل بن عطاء» ـ من بين علماء السنّة ـ هذا الرأي، وقال بأن المرتدّ الفطري لا يُستتاب، وحكمه القتل([17]).
إن مبنى هذا التفصيل بين فقهاء الإماميّة يستند إلى روايات المعصومين^؛ وهي تنقسم إلى ثلاثة أقسام:
1ـ هناك من الروايات ما يدلّ بشكلٍ مطلق على أن المرتد يُقتل، دون أن يُستتاب: «سألتُ أبا جعفر× عن المرتدّ؟ فقال: مَنْ رغب عن الإسلام، وكفر بما أُنزل على محمد| بعد إسلامه، فلا توبة له، وقد وجب قتلُه، وبانَتْ منه امرأته، ويقسَّم ما ترك على وُلْدِه»([18]).
2ـ القسم الثاني من الروايات يدلّ بشكلٍ مطلق على أن توبة المسلم تُقْبَل بعد الارتداد، فإنْ لم يتُبْ يُقْتَل. فعن أبي جعفر× أنه قال: «مَنْ جحد نبيّاً مُرسَلاً نبوَّته، وكذَّبه، فدمه مباحٌ»، قال: فقلتُ له: أرأيْتَ مَنْ جحد الإمام منكم، ما حاله؟ فقال: «مَنْ جحد إماماً برئ من الله، وبرئ منه ومن دينه، فهو كافرٌ مرتدّ عن الإسلام؛ لأن الإمام من الله، ودينه دين الله، ومَنْ برئ من دين الله فهو كافرٌ، ودمه مباحٌ في تلك الحال، إلاّ أن يرجع ويتوب إلى الله ـ عزَّ وجلَّ ـ ممّا قال»([19]).
3ـ القسم الثالث هو الروايات التي تفرِّق بين المرتدّ الفطري والمرتدّ الملّي، واعتبرت حكم المرتدّ الفطري إذا كان رجلاً هو القتل، دون أن يعرض الحاكم عليه التوبة؛ وأما المرتد الملّي فلا يُقْتَل إلاّ إذا عُرضَتْ عليه التوبة، وامتنع عن الرجوع إلى الإسلام: «عن أخيه أبي الحسن× قال: سألتُه عن مسلمٍ تنصَّر؟ قال يُقتل، ولا يُستتاب. قلتُ: فنصرانيٌّ أسلم ثمّ ارتدّ؟ قال: يُستتاب، فإنْ رجع، وإلاّ قُتل»([20]).
وقد ذهب الفقهاء ـ في مقام الجمع بين هذه الطوائف الثلاثة من الروايات ـ إلى القول بالتفصيل، واعتبروا روايات الطائفة الثالثة مقيِّدة ومفسِّرة لروايات الطائفتين الأولى والثانية. وقالوا: إن المراد من روايات الطائفة الأولى ـ الروايات التي تعتبر عقوبة المرتدّ هي القتل مطلقاً ـ هو المرتدّ الفطري؛ وإن المراد من روايات الطائفة الثانية ـ الروايات التي تقبل توبة المرتدّ بعد الارتداد بالمطلق ـ هو المرتدّ الملّي.
ولكنْ لو أمعنّا النظر في هذه الروايات سوف ندرك أن كلّ واحدٍ من هذه الطوائف الثلاثة من الروايات قد ذكرَتْ أحكاماً مختلفة، بحيث لا نستطيع أن نجعل روايات الطائفة الثالثة شارحةً ومفسِّرةً لروايات الطائفة الأولى والثانية.
إن ما ورد في روايات الطائفة الثالثة هو بحث الاستتابة، وموضوعها هو الحاكم الشرعيّ بوصفه منفِّذاً ومطبِّقاً لحكم الارتداد؛ وأما في روايات الطائفة الأولى والثانية فقد ورد البحث عن مطلق التوبة، وموضوعها هو الشخص المرتدّ. وبعبارةٍ أخرى: في روايات الطائفة الثالثة قيل للحاكم الشرعيّ: إذا تمّ إثبات تحقُّق الارتداد لن تُقْبَل بعدها توبة المرتد الفطري.
يُضاف إلى ذلك: لا يجب على الحاكم أن يطلب التوبة من المرتدّ الفطري. وأما في روايات الطائفة الأولى والثانية فقد قيل لشخص المرتدّ: إن توبتك لا تُقْبَل (كما في الطائفة الأولى)، أو إن توبتك مقبولةٌ (كما في الطائفة الثانية). وبذلك يقع التعارض بين هاتين الطائفتين من الروايات. ويتمّ التعرُّض إلى هذا الموضوع في بحث الإجابة عن أدلّة الفقهاء في مورد عدم قبول توبة المرتدّ.
مذاهب فقهاء الإماميّة في توبة المرتد الفطري
وبحثُنا هنا يدور حول ما قاله فقهاء الإماميّة بشأن توبة المرتد الفطري، من أن المرتدّ الفطري إذا تاب لا تُقْبَل توبته ظاهراً، وتُجْرَى في حقِّه الأحكام الثلاثة، من القتل، وانتفاء الزوجية، وتقسيم أمواله على الورثة. فهل هذا الحكم صحيحٌ أم لا؟ ولو تاب المرتد الفطري قبل إقامة البيِّنة عليه (دون إكراهٍ أو إجبارٍ)، أو كان في دار الكفر ولم يُجْرَ عليه الحدّ وتاب هناك، فهل تُقْبَل توبته في مثل هذه الحالة؟ وهل يرفع ذلك حكم القتل عنه؟
لقد ورد في تعريف المرتدّ الفطري: هو الذي يكون أحد والدَيْه مسلماً حين انعقاد نطفته، ويختار الإسلام بعد بلوغه، ثمّ يخرج من الإسلام بعد ذلك([21]).
وهناك بين فقهاء الإمامية في ما يتعلَّق بعدم قبول توبة المرتدّ، والأحكام المرتبطة به، ثلاثة آراء، على النحو التالي:
1ـ ذهب مشهور الفقهاء إلى القول بأن توبة المرتدّ عن فطرةٍ لا تقبل أبداً: «ينبغي أن يعلم أن الإسلام يطهِّر عن نجاسة الكفر بجميع أقسامه، إلاّ الارتداد الفطريّ من الرجل خاصّةً، دون المرأة…؛ للأصل؛ بمعنى الاستصحاب لموضوع الكفر نفسه، ولحكمه من النجاسة ونحوها، وإطلاق ما في مواريث كشف اللثام من الإجماع على عدم قبول توبته»([22]). وقال صاحب (شرائع الإسلام): إن هذا الشخص (المرتدّ الفطري) إذا عاد إلى الإسلام لا يُقْبَل منه، وتجري عليه الأحكام الثلاثة([23]).
2ـ هناك مَنْ قال بأن توبة المرتدّ تُقْبَل على كلتا الحالتين (سواء أكان المرتدّ فطريّاً أو ملِّياً). وهذه هو مختار ابن الجُنَيْد؛ حيث رأى للارتداد قسماً واحداً فقط، وأن المرتدّ يُستتاب؛ فإنْ تاب؛ وإلاّ فإنه يقتل([24]). وقد مال الفيض الكاشاني إلى هذا الرأي، وقال: إنه يوافق الاحتياط([25]). كما يُستفاد هذا الرأي من بعض كلمات ابن البرّاج أيضاً؛ وذلك إذ يقول: «وإذا كان المرتدّ مولوداً على فطرة الإسلام وجب قتله من غير استتابةٍ؛ فإنْ تاب لم يكن لأحدٍ عليه سبيلٌ»([26]).
وقد نبّّه الشهيد الثاني في (مسالك الأفهام) إلى أن مشهور الفقهاء يُنْكِر قبول توبة المرتدّ، إلاّ أن لسان الأدلّة المعتبرة في التوبة لسانٌ عامّ ومطلق، يشمل حتّى مورد بحث توبة المرتدّ أيضاً([27]). وقد صرَّح الشهيد الثاني في موضعٍ آخر ـ بعد تقرير رأي الإسكافي ـ قائلاً: الأقوى قبول توبة المرتدّ مطلقاً. وقد ذهب صاحب (جواهر الكلام) إلى الاعتقاد بأن الشهيد الثاني يميل إلى رأي الإسكافي([28]).
3ـ الاختلاف في الآثار المترتِّبة على الارتداد، بمعنى أن توبة المرتد الفطري لا تأثير لها بالنسبة إلى عودة الأموال، وحلِّية الزوجة، وعقوبة القتل (لا تُقْبَل ظاهراً)، إلاّ أنها مؤثِّرة بالنسبة إلى سائر الآثار الأخرى، من قبيل: صحّة العبادة، وحلِّية الذبيحة، وطهارة البدن، وما إلى ذلك، وتُقْبَل توبته (تُقْبَل باطناً)([29]).
والآن علينا أن نرى لو أن المرتدّ الفطري تاب قبل إقامة البيِّنة عليه (دون إكراهٍ أو إجبارٍ)، أو كان في دار الكفر ولم يكن إجراء الحدّ عليه ممكناً وتاب هناك، فهل تُقْبَل توبته في مثل هذه الحالة؟
طرق إثبات قبول التوبة
هناك طريقان لإثبات قبول توبة المرتد الفطري، وهما:
1ـ البحث في آيات القرآن الكريم، والروايات المأثورة عن الأئمّة المعصومين، وكلمات الفقهاء، والحصول على الأدلّة التي يمكن بواسطتها قبول توبة المرتد الفطري، على ما سيأتي تفصيله.
2ـ لو قبلنا بأن أصل حكم الارتداد هو حكمٌ حكوميّ ـ على ما أثبتناه في مقالةٍ سابقة لنا ـ، وكان يمكن للحاكم الإسلاميّ أن يقرِّر الحكم بشأن المرتدّ على أساس شرائط ومقتضيات الزمان والمكان والظروف الثقافية والسياسية للمجتمع الإسلامي، فعندها نحصل ـ لا محالة ـ على نتيجةٍ مفادها: إن شخص الحاكم الإسلامي هو الذي ينبغي عليه أن يتّخذ القرار المناسب بشأن توبة المرتدّ، وإذا اقتضَتْ الشرائط الثقافية والسياسية في المجتمع أمكنه قبول توبته، كما يوجد على ذلك الكثير من الموارد والمصاديق. وقبل كلّ شيء لا بُدَّ من إثبات هذه المسألة في ضوء الآيات والروايات، والعمل بعد ذلك على بحث قبول توبة المرتدّ في مقام التطبيق.
1ـ الأدلّة الأوّلية لرفع حكم القتل عن المرتدّ الفطري
هناك توافقٌ تقريباً بين جميع الفقهاء حول هذه المسألة، وهي أن هذه الأحكام الثلاثة لا ترتفع عن المرتدّ الفطري. وقد استدلّوا لذلك بما يلي:
أـ الروايات
«سألتُ أبا جعفر عن المرتد؟ فقال: مَنْ رغب عن الإسلام، وكفر بما أُنزل على محمدٍ|، بعد إسلامه، فلا توبة له، وقد وجب قتله، وبانَتْ منه امرأتُه، ويُقسَّم ما ترك على وُلْده»([30]). إن التعبير بـ «فلا توبة له» مطلقٌ، وبذلك فإنه يشمل التوبة بعد قيام البيِّنة وقبلها أيضاً. وهذا التعبير يُخصِّص أدلّة التوبة بالنسبة إلى هذه الأحكام الثلاثة: (القتل، والبينونة عن الزوجة، وتقسيم المال)؛ لأنه قد جعل التوبة بالنسبة إلى هذه الأحكام من قبيل: عدم التوبة([31]).
ب ـ الإجماع
ذهب بعض الفقهاء إلى ادّعاء الإجماع من قِبَل الإماميّة على قتل المرتدّ، دون أن يخالف في ذلك أحدٌ([32]). قال صاحب (جواهر الكلام) ـ بعد نقل كلام المحقِّق الحلي؛ إذ يقول: لا يُقْبَل إسلام المرتدّ الفطري، وقتله واجبٌ، وتبين منه زوجته … ـ: لم أجِدْ خلافاً معتدّاً به في هذه المسألة، بل عليها كلا النوعين من الإجماع (المنقول والمحصَّل)([33]).
ج ـ الاستصحاب
يجري الاستصحاب الموضوعي والحُكْمي في مورد المرتد التائب؛ إذ مع الشكّ في رفع موضوع الكفر بالتوبة أو عدم رفع هذه الأحكام يبقى الكفر باستصحاب الموضوع، وفي حالة بقاء الكفر باستصحاب الحكم يثبت بقاء أحكام الكفر أيضاً([34]).
وهناك مَنْ قال بجريان الاستصحاب الحُكْمي في مورد المرتدّ الفطري بعد التوبة؛ إذ مع فرض قبول توبته وإسلامه لا يوجد دليلٌ على طهارته؛ إذ لا يوجد عموم يدلّ على طهارة كلّ مسلمٍ. وعليه فإن مقتضى الاستصحاب هو بقاء حكم النجاسة على حاله([35])، وبطبيعة الحال لن ترتفع عنه الأحكام الأخرى أيضاً.
نقدٌ ونقاش
وفي مقام الإجابة عن هذه الأدلّة يمكن القول:
الجواب عن دليل الإجماع: هناك في تحليل الإجماع بعض النقاط الجديرة بالتأمُّل. فإن أصلَ تحقُّق الإجماع، مع وجود مخالفين من أمثال: ابن الجُنَيْد والإسكافي، موضعُ تأمُّلٍ. وعليه يُحتَمَل أن يكون المراد من الإجماع هنا هو اتّفاق أكثر الإماميّة، وليس جميعهم، كما ذُكر هذا الاحتمال من قِبَل صاحب (الحدائق الناضرة)([36]).
النقطة الأخرى أن هذا الإجماع المدَّعى لو تمّ إحرازه فإنه؛ بسبب مدركيّته أو احتمال مدركيّته، لا يمكن أن يكون حجّةً، ولا يُعَدّ دليلاً مستقلاًّ. فقد ورد التعبير بـ «لا يُستتاب» في خمسة موارد أو ستّة، كما ورد التعبير بـ «لن تُقْبَل توبته» في ستّة موارد أو سبعة، حيث إن التعبير الأوّل أعمّ من توبة المرتدّ وعدمها، بمعنى أنه لا يطلب من المرتدّ أن يتوب، بَيْدَ أنه في حالة التوبة لا يكون لسان الروايات ناظراً إليها.
وفي الجواب عن دليل الاستصحاب يمكن القول: إنه مع تغيُّر الموضوع لا يمكن استصحاب بقاء الحكم، كما ذكر ذلك الكثير من الفقهاء؛ وذلك لأن الحكم بنجاسته كان يستند إلى موضوع الكفر، والآن قد انتفى هذا الموضوع، ولا يصدق عنوان الكفر على هذا الشخص. وعلى هذا الأساس لا يصحّ إجراء أصل الاستصحاب مع تغيُّر الموضوع؛ إذ مع الالتفات إلى توبة الشخص المرتدّ يكون قد تغيَّر عنوان الكفر إلى الإسلام. وعليه؛ حيث لا يصحّ التمسُّك بالاستصحاب، يجب الاستناد إلى أصل الطهارة، واعتبار المرتدّ التائب طاهراً([37]).
وفي الجواب عن الاستدلال برواية محمد بن مسلم يجب القول: لا يمكن إثبات بقاء تلك الأحكام الثلاثة في مورد الشخص الذي يتوب قبل إقامة البيِّنة عليه.
ولا بُدَّ أوّلاً من ذكر نصّ الرواية، ثمّ العمل على طرح الأدلّة:
«سألتُ أبا جعفر× عن المرتدّ؟ فقال: مَنْ رغب عن الإسلام، وكفر بما أُنزل على محمّدٍ|، بعد إسلامه، فلا توبة له، وقد وجب قتله، وبانَتْ منه امرأته، ويقسَّم ما ترك على وُلْده»([38]).
بعد ملاحظة هذا الكلام المطلق من قِبَل الإمام يمكن القول: إن هذه الرواية تشتمل على عمومٍ، ولا يُعْلَم ما إذا كان هذا الحكم متعلِّقاً بالمرتدّ الفطري أم المرتدّ الملّي.
فإنْ قلنا في الجواب: إن مراد هذه الرواية ـ بعد ملاحظة الروايات الأخرى التي تفصّل بين حكم المرتدّ الملّي وحكم المرتدّ الفطري ـ هو المرتدّ الفطري، دون الملّي.
فسوف نقول: مع الالتفات إلى هذه الروايات التي تبيِّن المراد من هذه الرواية يجب أن يكون المراد من عبارة «فلا توبة له» هو «الاستتابة، ويجب تفسير «فلا توبة له» طبقاً لتلك الرواية المبيّنة أيضاً، بمعنى أنه لا يجب على الحاكم الشرعيّ أن يستتيب المرتدّ الفطري كما يستتيب المرتدّ الملّي أيضاً.
وعلى هذا الأساس؛ حيث تمّ نفي الاستتابة في الروايات الأخرى، يتّضح أن المراد من التوبة هي الاستتابة بعد إقامة البيِّنة؛ إذ ورد بعد هذه العبارة مباشرةً ذكر: وجوب القتل، وبينونة الزوجة، وتقسيم الأموال.
وإن هذا البيان يُفْهَم منه أن المراد هو نفي استحقاق التوبة، ببيان أن الحاكم الشرعي لا ينتظر توبته، بل يمكنه أن يطبِّق عليه حكم القتل وغيره من الأحكام، دون مناقشة ما إذا كان سوف يتوب أم لا، ودون أن يُطالبه بالتوبة([39]).
ولذلك فإن الإمام الخميني& رفض إطلاق الرواية (بمعنى أنه قد فسَّر عبارة «فلا توبة له» بمعنى «لا يُستتاب»)، بل اعتبرها مثل سائر الروايات الأخرى، التي كانت تدلّ على أن المرتدّ الملّي يُستتاب ولا يُقْتَل، وأما المرتدّ الفطري فلا يُستتاب، وأن على الإمام أن يقتله دون استتابةٍ. قال: «الظاهر أن الصحيحة نظير غيرها من الروايات الواردة في الباب، الدالّة على أن المرتدّ الملّي يستتاب ولا يُقْتَل، والفطري لا يستتاب، وعلى الإمام أن يقتله بلا استتابةٍ. فلا إطلاق فيها»([40]).
وقد احتمل السيد الموسوي الأردبيلي في تفسير عبارة: «فلا توبة له» أن مثل هذا الشخص لا يحصل له إمكان الرجوع عن ارتداده، ولا يُوفَّق إلى ذلك؛ أو يحتمل أن تكون هذه الرواية في مقام التشديد والمبالغة في الكفر. كما نجد ما يُشبه ذلك في الكثير من الروايات الأخرى أيضاً([41]).
د ـ الدليل الأصل لرفع حكم القتل
وبالإضافة إلى هذه الأدلّة، فإن الدليل الأصليّ الذي يمكن لنا أن نذكره في مورد رفع حكم القتل عن المرتدّ الفطري الذي يتوب قبل أن تطاله يد الحاكم الشرعي هو تعارض هذه الرواية مع بعض الروايات في مورد المرتدّ. ومن ذلك، على سبيل المثال: ما جاء في رواية محمد بن مسلم، عن الإمام أبي جعفر الباقر أنه قال: «مَنْ جحد نبيّاً مرسَلاً نبوّته، وكذَّبه، فدمُه مباحٌ»، قال: فقلتُ له: أرأيْتَ مَنْ جحد الإمام منكم، ما حاله؟ فقال: «مَنْ جحد إماماً برئ من الله، وبرئ منه ومن دينه، فهو كافرٌ مرتدّ عن الإسلام؛ لأن الإمام من الله، ودينه دين الله، ومَنْ برئ من دين الله فهو كافرٌ، ودمُه مباحٌ في تلك الحال، إلاّ أن يرجع ويتوب إلى الله ـ عزَّ وجلَّ ـ ممّا قال»([42]).
وعلى الرغم من اشتمال هذه الرواية على عمومٍ، إلاّ أنها تعارض الرواية التي ورد التعبير فيها بـ «فلا توبة له»، بحيث لم يتمّ في أيٍّ من الروايات ذكرُ ما إذا كان المرتدّ فطريّاً أو ملِّياً، وفي إحداها يتمّ قبول توبة المرتدّ مطلقاً، وفي الأخرى يتمّ رفض توبة المرتدّ مطلقاً.
وعليه، لو قيل: إنه يجب الرجوع في هذا المورد إلى الروايات التي تميِّز بين المرتدّ الفطري والمرتدّ الملّي فسوف نقول: إنه لم يرِدْ في تلك الروايات بحثٌ عن التوبة من قِبَل الشخص المرتدّ، وما إذا كانت تقبل توبته أم لا، بل إن البحث فيها عن الاستتابة من قِبَل الحاكم، وإن موضوع الاستتابة يكون لما بعد إثبات الارتداد.
بَيْدَ أن موضوع هذه الرواية التي يستند إليها الفقهاء في إثبات عدم قبول التوبة من المرتدّ عن فطرةٍ هو بحث مطلق التوبة من قِبَل الشخص المرتدّ. وبعبارةٍ أخرى: إن التوبة قبل إثبات الارتداد تدخل ضمن دائرة منطقة الفراغ من الروايات، والتي لا يوجد فيها أيّ حكمٍ صريح في الروايات عليها، ويجب اتّخاذ القرار في موردها على أساس إطلاقات وعمومات الآيات والروايات.
وعليه إذا كانت الروايتان متعارضتين من جميع الجهات وجب البحث عن وجهٍ لترجيح إحداهما على الأخرى. والذي يمكن الاستفادة منه كمرجِّحٍ هو موافقة الروايات لآيات القرآن الكريم. وبعبارةٍ أخرى: لو فسَّرنا عبارة: «فلا توبة له» بمعناها الحقيقي، واعتبرناها بشكلٍ مطلق، فسوف تتعارض مع آيات مطلق التوبة، وآيات التوبة في باب الارتداد. وعلى هذا الأساس فإن الرواية المتقدِّمة يجب أن تكون ناظرةً إلى التوبة بعد إقامة البيِّنة عند الحاكم، وليس قبلها، وفي مثل هذه الحالة لو تاب المرتدّ الفطري قبل إقامة البيِّنة سوف يتمّ رفع الحدّ عنه.
هـ ـ آيات القرآن وقبول توبة المرتدّ، بين التصريح والتلويح
قال الله تعالى في القرآن الكريم: ﴿قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً﴾ (الزمر: 53).
إن الأدلّة النقلية والعقلية على قبول التوبة الحقيقية، بالشرائط المقرَّرة من قِبَل الله سبحانه وتعالى، بحيث لا يمكن تخصيصها أو تقييدها. وإن المورد الوحيد الذي لا تنفع معه التوبة أن يشارف الشخص على الموت ويحتضر؛ إذ يقول تعالى: ﴿وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ…﴾ (النساء: 18).
وبالإضافة إلى ذلك، هناك بعض الآيات الأخرى التي تدلّ على قبول توبة المرتدّ تلويحاً، ومنها: قوله تعالى: ﴿وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾ (البقرة: 217)، بتقريب أن كلمة «حَبِطَ» تدلّ على بطلان العمل وعدم تأثيره، ولم يُنْسَب هذا المعنى في القرآن إلى غير العمل([43]).
ولا يمكن تفسير معنى حبط الأعمال في الدنيا على إجراء الأحكام وعقوبات المرتدّ، كما ذهب إلى ذلك بعض المفسِّرين([44]). وقال السيد اليزدي في العروة الوثقى: إن هذه الآية تدلّ على قبول التوبة من المرتدّ الفطري. وعليه، ليس هناك وجهٌ لما ذكره البعض من عدم قبول توبة المرتدّ عن فطرةٍ([45]). إن قيد «فيمُتْ وهو كافرٌ» يُفْهَم منه أن هؤلاء الأشخاص يمكن أن لا يكونوا كافرين أثناء الموت، وهذا الأمر يدلّ على أن باب التوبة مفتوحٌ.
وقال الله تعالى: ﴿وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ * كَيْفَ يَهْدِي اللهُ قَوْماً كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَشَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ … * إِلاَّ الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ (آل عمران: 85 ـ 89).
تشتمل هذه الآية على استثناء تمّ منحه للمرتدّين من العذاب. وعليه، فإن هذا يدلّ على إمكان قبول التوبة من المرتدّ، ولم يرِدْ قيدٌ في مورد تخصيص هذه التوبة بالمرتدّ الملّي. وقد ذهب بعض الفقهاء إلى القول في مورد هذه الآية: «يُستفاد من هذه الآية الأخيرة أن الله سبحانه وتعالى يقبل توبة المرتدّ ـ سواء أكان مرتدّاً عن فطرةٍ أو مرتدّاً عن ملّة ـ؛ وذلك إذ ورد في الآية 86 التعبير بـ «كفروا بعد إيمانهم»، والكفر بعد الإيمان أعمّ من أن يكون مسبوقاً بالكفر (المرتدّ الملّي) أو لا يكون مسبوقاً بالكفر (المرتدّ الفطري)»([46]).
وقال بعض المفسِّرين في تفسير هذه الآية: «استشهدَتْ جماعةٌ بهذه الآية لإثبات عدم قبول توبة المرتدّ، إلاّ أن هذا الكلام مخالفٌ للتحقيق؛ وذلك لأن الأدلّة الأربعة، من الكتاب والسنّة والإجماع والعقل، قائمةٌ على قبول التوبة. بل نقول: لو لم تُقْبَل توبة المرتدّ فهل يكون مكلَّفاً بالتكاليف الشرعية، من قبيل: الصلاة وسائر العبادات، أم لا؟ إنْ قلتُم: إنه مكلَّف بها كان هذا من التكليف بما لا يُطاق؛ لأن الإيمان شرطٌ في صحّة جميع العبادات؛ وإنْ قلتُم: إنه غير مكلَّف بها كان هذا مخالفاً لضرورة الإسلام. ثمّ إن هذه الآية لا تدلّ على عدم قبول توبة المرتدّ»([47]).
وجاء في تفسير كنز الدقائق، في تفسير قوله تعالى: ﴿إِلاَّ الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ (آل عمران: 89): «أي بعد الارتداد، و«أصلحوا» ما أفسدوا، أو دخلوا في الصلاح، فإن الله غفورٌ: يقبل توبته، رحيمٌ: يتفضَّل عليه»([48]).
وجاء في تفسير مجمع البيان، في شأن نزول هذه الآية: «قيل: نزلت الآيات في رجلٍ من الأنصار يُقال له: حارث بن سويد بن الصامت، وكان قتل المحذّر بن زياد البلوي، غدراً، وهرب، وارتدّ عن الإسلام، ولحق بمكّة، ثمّ ندم، فأرسل إلى قومه أن يسألوا رسول الله|: هل لي من توبة؟ فسألوا؛ فنزلت الآية إلى قوله: ﴿إِلاّ الَّذِينَ تَابُوا﴾؛ فحملها إليه رجلٌ من قومه، فقال: إني لأعلم أنك لصدوقٌ، ورسول الله أصدق منك، وأن الله أصدق الثلاثة، ورجع إلى المدينة، وتاب، وحسن إسلامه»([49]).
وقال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْراً لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الضَّالُّونَ﴾ (آل عمران: 90).
إن هذه الآية وإنْ كانت تدلّ على عدم قبول التوبة منهم بشكلٍ دائم، ولكنْ حيث إن آيات التوبة لا تقبل التخصيص أو التقييد قال المفسِّرون في تفسيرها وتقريبها:
1ـ إن سبب عدم قبول توبتهم أنها لا تقع منهم على وجه الإخلاص؛ والشاهد على ذلك ما ورد في نهاية هذه الآية من القول: «أُولَئِكَ هُمُ الضَّالُّونَ»([50]).
2ـ هناك مَنْ فسَّر هذه التوبة بالتوبة التي تكون قبل الموت، وهي لا تُقْبَل؛ طبقاً لقوله تعالى: ﴿وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ…﴾ (النساء: 18)»([51]).
3ـ هناك مَنْ يرى أن التوبة الحقيقية لا تصدر عنهم، وإنما هي مجرّد توبة نفاقٍ، وليست توبةً حقيقية، ومن هنا فإنها لا تُقْبَل منهم([52]).
وعلى أيّ حال لو أُخذَتْ هذه الآية على إطلاقها فإنها تشمل المرتدّة عن فطرةٍ وملّةٍ أيضاً، في حين أن توبتها تُقْبَل بإجماع الفريقين.
وقال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْراً لَمْ يَكُنِ اللهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلا لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلاً﴾ (النساء: 137).
إن هذه الآية وإنْ كانت تدلّ على عدم الغفران الإلهيّ للمرتدّين، ولكنها تشتمل على بعض النقاط أيضاً، وهي:
1ـ طبقاً لهذه الآية كان هذا الشخص مؤمناً في أوّل الأمر، ثمّ يكفر، ثمّ يؤمن؛ الأمر الذي يُثبت أن توبته الأولى قد قُبِلَت، وقد تمّ التعبير عنها بـ «ثمّ آمنوا». ولذلك ذهب بعض فقهاء أهل السنّة ـ في ضوء هذه الآية ـ إلى عدم قبول التوبة من المرتدّ إذا تكرَّر ارتداده، ولكنّ توبته تُقْبَل في المرّة الأولى فقط([53]).
وقال بعض المفسِّرين في مورد هذه الآية: «إن هذه الآية قد نزلت في المرتدّ؛ إما عن ملّةٍ، كما هو ظاهر عبارة: «إن الذين آمنوا»، أنهم قد دخلوا إلى الإيمان من الكفر؛ أو الأعمّ من الملّي والفطري، بمعنى الأشخاص الذين يكون لهم إيمانٌ، ثمّ يرتدّون بالكفر، ولو بإنكار واحدٍ من ضروريات الدين، أو بإدخال بدعةٍ في الدين، ثم تابوا وعادوا إلى الإيمان (ثمّ آمنوا)؛ حيث يُستفاد من هذه الجملة أن توبة المرتدّ مقبولةٌ، سواء أكان ملِّياً أم فطرياً.
وهذا هو الحقّ. ولا يتمّ ترتيب أحكام المرتدّ عليه، فيمكنه العودة إلى زوجته، ويمتلك ماله، ويطهر بدنه. وأما قتله؛ فإنْ كانت توبته قبل ثبوت ارتداده فيُرفَعْ عنه؛ وإنْ كانت بعد ثبوت الارتداد فإنه يُقْتَل إنْ كان فطريّاً. ولو أن هذا المرتدّ كفر مرّتين بعد التوبة، وبقي على كفره وارتداده حتّى مات على ذلك ـ كما هو مفاد (ثمّ ازدادوا كُفْراً) ـ فلم يكن الله ليغفر له؛ لأنه مات كافراً، والكافر لا تشمله الرحمة والمغفرة. ويُستفاد من هذه العبارة أنه لو مات على الإيمان فسوف تشمله المغفرة»([54]).
وقد جاء في تفسير النور أن من أبرز مصاديق هذه الآية أشخاصٌ من أمثال: «شَبَث بن ربعي»، حيث ذكر التاريخ أنه أسلم في زمن النبيّ|، ثمّ ارتدّ بعد رحيل النبيّ، ثمّ تاب وصار من أصحاب عليٍّ×، وبعد ذلك قاد الخوارج وأثار حرب النهروان، وتاب بعد ذلك وصار من أصحاب الإمامين الحسن والحسين’، وكان من الذين كاتبوا الإمام الحسين×، ولكنّه غدر في الكوفة بمسلم بن عقيل، وانضمّ في كربلاء إلى معسكر يزيد، وبنى مسجداً في الكوفة احتفاءً بقتل الإمام الحسين×([55]).
وفي قوله تعالى: ﴿مَنْ كَفَرَ بِاللهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ… ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا فُتِنُوا ثُمَّ جَاهَدُوا وَصَبَرُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ (النحل: 106 ـ 110) جاء ذكر المغفرة بعد بضع آياتٍ تتحدَّث عن الكفر بعد الإيمان، وأن التوبة تُقْبَل بعد مراحل.
وقد قال صاحب تفسير أطيب البيان: إن هذه الآيات صريحةٌ في قبول توبة المرتدّ الملّي والفطري، وفسَّر «الفتنة» بمعنى الكفر والشرك والارتداد([56]).
و ـ فتاوى فقهيّة مؤيِّدة
قال المحقِّق الحلّي في شرائع الإسلام، في شارب الخمر معتقداً حلِّيته: إنه يُستتاب، فإنْ تاب أُجري عليه حدّ شارب الخمر، وإنْ لم يتُبْ قُتل؛ لما قيل من أن حكمه هو حكم المرتدّ([57]).
كما نُسب القول باستتابة هذا الشخص ـ دون النظر إلى كونه مرتدّاً فطريّاً أو ملِّياً ـ إلى الشيخ المفيد([58])، والشيخ الطوسي([59])، و[صاحب] الوسيلة([60])، وابن إدريس الحلّي([61]). وقالوا بأن دليل ذلك هو إمكان عروض الشبهة. وعليه، فإنه بناءً لـ «قاعدة دَرْء الحدود بالشبهات» يُستتاب، فإنْ امتنع قُتل.
ومع وجود مثل هذه الفتاوى كيف يُحكم على المرتدّ الفطريّ ـ الذي يتوب قبل ثبوت ارتداده عند الحاكم ـ بالقتل وعدم قبول توبته؟ ألا يُحتَمَل إمكان عروض الشبهة في مورد هذا الشخص أيضاً؟ يبدو أن هذا الشخص ـ بالنظر إلى وجود الشُّبْهة ـ يجب أن يكون مشمولاً لقاعدة «دَرْء الحدود بالشُّبُهات» أيضاً، فإنْ امتنع قُتل.
ز ـ صدق عنوان المسلم على المرتدّ التائب
ورد في المأثور عن الإمام الباقر× أنه قال: «إنه مَنْ كان مؤمناً فحجَّ، وعمل في إيمانه، ثمَ أصابته في إيمانه فتنةٌ، فكفر، ثمّ تاب وآمن، يُحْسَب له كلّ عملٍ صالح عمله في إيمانه، و لا يبطل منه شيءٌ»([62]).
وعلى هذا الأساس فإن الذي يتوب، ويعود إلى الإيمان بعد الارتداد، ولم يُجْرَ عليه الحدّ؛ لأيّ سببٍ من الأسباب، لا يمكن اعتباره غيرَ مسلمٍ. والمشهور بين الفقهاء أن الحجّ الذي قام به حال الارتداد صحيحٌ([63]).
وقال الشيخ الأنصاري ـ استناداً إلى هذه الرواية ـ بأن الشخص الذي يغتسل، ثمّ يرتدّ، ثمّ يتوب بعد الردّة، فغسلُه صحيحٌ، ويحصل على ثواب عمله أيضاً([64]).
كما ذُكِرَتْ هذه الرواية في بابٍ آخر، تحت عنوان: «باب صحّة التوبة من المرتدّ»، دون أن يَرِدَ فيها الحديث عن الحجّ([65])، واعتبرَتْ مطلق التوبة موجباً لاحتساب أعماله الصالحة التي قام بها قبل الردّة.
ح ـ تكليف المرتدّ التائب بالعبادات
لا شَكَّ في أن المرتدّ، بعد التوبة والعودة إلى الإسلام، يكون ـ مثل سائر المسلمين ـ مكلَّفاً بالقيام بجميع الأحكام الإسلاميّة، مثل: الصلاة والصوم، ويرث المسلمين، ويجوز له أن ينكح المسلمة، وما إلى ذلك. وإن إنكار هذه الأمور إنكارٌ لضرورة الفقه([66]).
وفي هذه الحالة يجب الالتزام بإسلامه وطهارته، وهذا هو الذي ندَّعيه؛ أو نلتزم بنجاسة بدنه، وتطبيق سائر أحكام الكفّار عليه، وعندها يكون صدور تلك التكاليف منه محالاً؛ إذ كيف يمكن للمحكوم بنجاسته، ولا يستطيع تطهير بدنه، أن يكون مكلَّفاً بالصلاة وسائر الأمور الأخرى المشروطة بالطهارة؟! وكيف يمكن لمثل هذا الشخص أن يتزوَّج من المسلمة؟! وعلى هذا الأساس ـ حيث إن أدلّة التكليف نصٌّ، ولا يمكن إخراج المرتدّ عنها ـ فإننا نحمل رواية عدم قبول التوبة من المرتدّ على عدم قبولها في المحكمة، لا أنها لا تُقْبَل مطلقاً([67]).
كما أن فتاوى الفقهاء ـ في بحث قضاء العبادات، مثل: الصلاة والصوم ـ تؤيِّد بدَوْرها هذه المسألة أيضاً؛ إذ قالوا: إن على المرتدّ إذا تاب أن يقضي الصلاة التي فاتَتْه حال الارتداد، حتّى إذا كان ارتداده فطريّاً. وقد ادّعى بعض الفقهاء ـ من أمثال: السيد المرتضى في المسائل الناصريّات ـ الإجماع على هذه المسألة.
وهذا إنما يصحّ إذا كنّا نقول بقبول توبة المرتد الفطري([68]). بل قال المحقِّق الحلّي: «المرتدّ لا يبطل تيمُّمه بردّته، ولو رجع إلى الإسلام صلّى بتيمُّمه الأوّل…؛ لأن نقض الطهارة موقوفٌ على الدلالة، وحيث لا دلالة فلا نقض»([69]).
وقال المحقِّق الأردبيلي: «لم يثبت عدم قبول توبة المرتدّ مطلقاً»([70])؛ إذ لم يرِدْ في كتب المتقدِّمين بحث مطلق توبة المرتدّ، وإنما التوبة تعرض من الحاكم (الاستتابة). وقال في موضعٍ آخر: «يُحتَمَل أنه [المرتدّ الفطري] إنْ تاب في نفس الأمر يرجع ماله إليه، لو خرج، ولم يُقْتَل»([71]).
وبالإضافة إلى ما تقدَّم، يمكن التمسُّك لرفع حكم القتل بقاعدةٍ عامّة، قَبِل بها جميع الفقهاء. وعلى أساس هذه القاعدة لو ارتكب شخصٌ عملاً محرَّماً يستوجب الحدّ، وثبت أنه تاب قبل عَرْضه على القاضي، رُفع ذلك الحدّ عنه.
وقد تمّ التمسُّك لذلك برواياتٍ، منها: الرواية المشهورة عن النبيّ الأكرم| أنه قال: «التائب من الذنب كمَنْ لا ذَنْبَ له»([72]).
وفي وسائل الشيعة، تحت عنوان: «إن مَنْ تاب قبل أن يُؤخَذ سقط عنه الحدّ»، رواياتٌ، منها: الرواية القائلة: «عن أحدهما’: في رجلٍ سرق أو شرب الخمر أو زنى ـ فلم يُعْلَم ذلك منه، ولم يُؤخَذ، حتّى تاب وصلح ـ، فقال: إذا صلح وعُرِفَ منه أمرٌ جميل، لم يُقَمْ عليه الحدّ»([73]).
وعلى الرغم من ورود هذه الرواية في العناوين الثلاثة (السرقة، والزنا، وشرب الخمر)، بَيْدَ أن الفقهاء قد استفادوا منها العموم، وقاموا بتسريتها إلى جميع الحدود. قال المحقِّق الحلّي في شرائع الإسلام: مَنْ تاب قبل قيام البيِّنة عليه سقط عنه الحدّ. وقال صاحب الجواهر، تعليقاً على هذا الكلام: لم أرَ مخالفاً في هذه المسألة، بل في كشف اللثام دعوى اتّفاق جميع الفقهاء عليها([74]).
والآن، لو تاب المرتدّ هل يجب عليه رفع أمره إلى الحاكم الشرعيّ؛ كي يعاقبه، أم وظيفته الكتمان، كما في سائر الذنوب؟
قال السيد محمد كاظم اليزدي في ذلك: «لا يجب على المرتدّ الفطريّ بعد التوبة تعريض نفسه للقتل، بل يجوز له الممانعة منه»([75]).
2ـ الدليل الثانوي لقبول توبة المرتد الفطري
يجب القول: حتّى لو ثبتَتْ توبة المرتدّ لدى الحاكم فإنه؛ بالالتفات إلى الأدلّة التي سبق أن ذكرناها في مقالة «الارتداد الحُكْميّ والحكوميّ»، يمكن للحاكم، فيما لو تاب المرتدّ، وإذا كان في ذلك صلاحٌ، وتوفَّرَتْ الشرائط والمقتضيات في المجتمع الإسلاميّ والمجتمع العالميّ، أن يقبل توبته.
ويمكن العثور على دليل ذلك في حفظ النظام الإسلاميّ؛ فإذا أمكن ضمان مصالح النظام الإسلاميّ بهذه الطريقة وجب على الحاكم الشرعيّ أن يراعي هذه المصالح. وعليه، يمكن في مورد رعاية مصالح النظام الإسلاميّ والمجتمع إلغاء أحكام المرتدّ، من قبيل: القتل، وما إلى ذلك.
وهناك شواهد على هذه المسألة، من آيات القرآن الكريم والروايات، يمكن لنا بيانها على النحو التالي:
1ـ قال تعالى بشأن ارتداد عددٍ من المسلمين: ﴿لاَ تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ﴾ (التوبة: 66).
وهناك بشأن هذه الجماعة من الذين ارتدّوا قولان:
قال بعضٌ: إن هؤلاء كانوا من المنافقين، وقد خطَّطوا بعد واقعة تبوك لاغتيال النبيّ الأكرم في بعض الطريق، أو أنهم كانوا منافقين يسخرون من النبيّ الأكرم| في تبوك، أو في طريق العودة منها([76]).
وإن عباراتٍ، من قبيل: «كفرتُمْ بعد إيمانكم»، و«لقد قالوا كلمة الكفر»، و«كفروا بعد إسلامهم»، في الآية 74 من هذه السورة، تدلّ على كفرهم وارتدادهم عن الإسلام.
ومع ذلك تمّ الحكم على بعضهم بالعقوبة؛ وعلى بعضهم بالعفو.
قال العلاّمة الطباطبائي في تفسير هذه الآية: «إن المراد بالعفو هو ترك العذاب؛ لمصلحةٍ من مصالح الدِّين، دون العفو بمعنى المغفرة، المستندة إلى التوبة؛ إذ لا وجه ـ ظاهراً ـ لمثل قولنا: «إنْ غفرنا لطائفةٍ منكم؛ لتوبتهم، نعذِّب طائفةً؛ لجرمهم»، مع أنهم [المنافقون] لو تابوا جميعاً لم يعذَّبوا قطعاً»([77]).
وبعد نزول هذه الآية قال رسول الله|: «لولا أنّي أكره أن يُقال: «إن محمداً استعان بقومٍ، حتّى إذا ظفر بعدوِّه قتلهم» لضربت أعناقهم»([78]). إن هذا الكلام من النبيّ الأكرم| يثبت أن عدم مبادرته إلى العقوبة كان بدافعٍ من مصلحة الإسلام والنظام الإسلامي الفتيّ.
2ـ تشير الآيات المرتبطة بارتداد بني إسرائيل إلى اختلاف أحكام المرتدّين في الأمم السالفة، بمعنى أن حكم الارتداد لم يتمّ تطبيقه على جميع الإسرائيليّين على ذات النَّسَق. وإن السامريّ الذي ارتدّ، وصار سبباً لارتداد الآخرين، عوقب بعقابٍ غير القتل؛ إذ قال له النبيّ موسى×، على ما حكاه القرآن الكريم: ﴿قَالَ فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَيَاةِ أَنْ تَقُولَ لا مِسَاسَ وَإِنَّ لَكَ مَوْعِداً لَنْ تُخْلَفَهُ وَانْظُرْ إِلَى إِلَهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفاً لَنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنْسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفاً﴾ (طه: 97). وأما سائر الذين عبدوا لعجل فقد حكم عليهم بالقتل، وقال لهم النبيّ موسى×، على ما حكاه القرآن الكريم: ﴿يَا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بَارِئِكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ﴾ (البقرة: 54).
3ـ وفي المورد الآخر ارتدّ الحارث بن سويد ـ وكان من أصحاب النبيّ الأكرم| ـ، مع أحد عشر شخصاً من أصحابه، وفرُّوا إلى مكّة، ولكنْ بعد فتح مكّة تاب بعضهم، وعاد إلى الإسلام، وقُبِلَتْ توبتهم([79]).
4ـ ويمكن العثور على المثال الأبرز على المصلحة في سلوك البُغاة، فعلى الرغم من أنهم كانوا من بين المصاديق البارزة على الارتداد، إلاّ أن الإمام أبقى على باب التوبة مفتوحاً أمامهم، وقَبِل توبتهم، دون أن يسألهم ما إذا كانوا قد وُلدوا من مسلمين أو من كافرين.
قال المحقِّق المجلسي في هذا الشأن: «لقد كان الإمام× يقبل توبة الخوارج، رغم أنهم كانوا من أسوأ الكفار وأخبثهم، ولم يكن الإمام يسألهم عن أصولهم، وما إذا كانوا منحدرين من مسلمين أو كافرين، ولم يكُنْ يلتفت إلى كَوْن ارتدادهم عن فطرةٍ أو عن ملّة. ولرُبَما قيل: إن الأوضاع في صدر الإسلام كانت تختلف عن المراحل المتأخِّرة؛ وذلك لأن الناس في الصدر الأوّل كانوا قد تعرَّفوا على الإسلام حديثاً، ولو تمّ التعامل معهم بهذه الشدّة لم يبْقَ منهم أحدٌ»([80]).
كما أن صاحب جواهر الكلام يُقِرّ بأن المتمرِّدين على الإمام المعصوم× مرتدّون، وإن الكثير منهم كانوا مرتدّين عن فطرةٍ، وهو يقرّ بأن الإمام قد غضَّ الطرف عنهم، بل وقد اعتبر الشُّبْهة عُذْراً لهم([81]).
وقال الشهيد الثاني بشأن البُغاة: «أما البغاة فإنهم عندنا كفّارٌ مرتدّون، فقد يطلب نقلهم إلى الإسلام مع الإمكان. فإنْ قيل: إذا كانوا مرتدّين فارتدادهم فطريّ، فكيف يطلب إسلامهم، مع أنه لا يقبل توبة هذا القسم من المرتدّين عندنا؟! قلنا: قد قبل عليٌّ× توبة مَنْ تاب من الخوارج، وهو أكثرهم… وهذا يدلّ على أن لهذا النوع من المرتدّين حكماً خاصّاً. وجاز أن يكون السبب ـ مع النصّ ـ تمكُّن الشُّبْهة من قلوبهم»([82]).
5ـ كما أن النبي الأكرم| أصدر عَفْواً عامّاً، واستثنى من ذلك ستّة أشخاص فقط، اعتبرهم مستحقّين للقتل. ومن هؤلاء الستّة أسلم عكرمة، وعفا عنه النبيّ؛ وأما عبد الله بن سعد فقد ارتدّ وأنكر الكتاب والوَحْي، والتحق بالمشركين، وحكم عليه النبيّ بالقتل، ولكنّ عثمان ـ وهو كان أخاه في الرضاعة ـ طلب له العفو من النبيّ، فعفا عنه النبيّ، عن غير رغبةٍ، ورعايةً للمصلحة([83]).
6ـ هناك من الفقهاء مَنْ لا يعتبر الارتداد الجماعيّ، الناشئ عن تسمُّم الأجواء الفكريّة للمجتمع، مشمولاً للأحكام الفقهيّة الخاصّة بالارتداد، ويقول في ذلك: «إذا كان ارتداد المرتدّ الفطريّ عن شبهةٍ، بحيث شكَّلَتْ عقبةً دون اعتقاده، فإنّ توبته تُقْبَل»([84]).
وقال الشيخ ناصر مكارم الشيرازي ـ وهو من الفقهاء المعاصرين ـ في هذا الشأن: إن الروايات التي تذكر مسألة الدعوة إلى التوبة بالنسبة إلى المرتدّ بشكلٍ مطلق لا تختصّ بالمرتد الملّي، بمعنى أنها تشمل المرتدّ الفطري أيضاً.
وفي مقام الجمع بين هاتين الطائفتين من الروايات هناك احتمالاتٌ مختلفة، بَيْدَ أننا نحتمل أن الطائفة الأولى (عدم الاستتابة) تخصّ الأشخاص الذين يسلكون طريق الانحراف عن علمٍ، والطائفة الثانية تخصّ أولئك الذين تعرَّضوا لشُبْهةٍ أو لتشويشٍ؛ بتأثير من الإعلام المغرض، والصادر من طرفٍ واحد؛ حيث لا يتمّ تطبيق الحدود في غير الموارد القطعيّة؛ لأن الحدود تُدْرَأ بالشُّبُهات([85]).
7ـ كما يمكن لنا أن نقارن بين تعامل الإمام الخميني مع الجبهة الوطنية وتعامله مع سلمان رشدي. لقد ذهبت الجبهة الوطنية إلى اعتبار حكم القصاص ـ الذي ورد في صريح نصّ القرآن الكريم ـ حكماً مخالفاً للنزعة الإنسانيّة، وأعلنوا عن اعتراضهم على قانون القصاص، وأعلن الإمام عن ارتدادهم، حيث قال: «إنّه ليحزنني أن يحفر هؤلاء قبورهم بأيديهم.
وأنا لم أكُنْ أتمنّى ذلك لهم. وأنا الآن أقبل توبتهم، والإسلام يقبل التوبة منهم، فليذهبوا وليعلنوا عن توبتهم في الإذاعة أو التلفزيون، وليقولوا: إنهم كانوا مخطئين… إن الجبهة الوطنية هي منذ اليوم محكومٌ عليها بالارتداد…، وحتى اليوم الذي تفتح فيه القبور لأجسادكم سوف تجدون باب التوبة مفتوحاً. إن رحمة الله واسعةٌ، وإني أدعوكم إلى التوبة…، عودوا، وسوف تُقْبَل توبتكم جميعاً…»([86]).
إن الذي يمكن قوله، بضرسٍ قاطع، هو أن الكثير من أعضاء الجبهة الوطنية كانوا مسلمين بالفطرة، إلاّ أن الإمام& قال بأن الإسلام يقبل توبتهم.
وفي مقابل هذا الموقف حكمُ الإمام& على سلمان رشدي بالارتداد. وفي جوابه عن الإعلام الأجنبيّ، الذي ادّعى أن سلمان رشدي إذا تاب فسوف يُدْرَأ عنه حكم الإعدام، قال: «إننا نكذِّب هذا الأمر بالمطلق؛ فإن سلمان رشدي حتّى إذا تاب، وأصبح من أزهد أهل زمانه، فإنه يجب على كلّ مسلمٍ أن يبذل روحه وماله، وأن يوظِّف جميع إمكاناته من أجل القضاء عليه…»([87]).
ورُبَما لو لم يَحْظَ كتاب سلمان رشدي بمثل هذا الاحتفاء من قِبَل الأندية الأدبية والفنّية في الغرب، ولم ينتشر في فترةٍ قياسية، ويُترْجَم إلى الكثير من اللغات الحيّة في العالم، لما جرح مشاعر المجتمعات الإسلاميّة على تلك الشاكلة.
إلاّ أن الاحتفاء غير الطبيعي بكتابٍ من هذا النمط، والذي يخاطب شريحةً غيرَ عاديةٍ، هو الذي أدّى بالإمام الخميني& إلى اتّخاذ هذا الموقف الصلب من فحواه، وأن يصدر عنه هذا الموقف تجاه هذه الإهانة المستفزّة للمقدَّسات الإسلامية.
لقد ذكر الفقهاء أن الحكمة من قتل المرتدّ هي حفظ الدين([88]). وعليه، لو تاب المرتدّ الفطري قبل أن يتمكَّن الحاكم منه ألا تقبل توبته؟ وهل الحكم بأنه حتّى إذا تاب لا يُقْبَل إسلامه وعبادته، ويبقى على نجاسته، وتطبَّق في حقِّه الأحكام الثلاثة، هل يُساعد ذلك على حفظ الدِّين أم يوهنه؟
أليس من الأفضل القول ـ بناءً على كلام الإمام الخميني&؛ إذ قال: «إن الحكومة، التي هي شُعْبةٌ من الولاية المطلقة لرسول الله|، واحدةٌ من الأحكام الأوّلية للإسلام، ومقدَّمةٌ على جميع الأحكام الفرعيّة، بما في ذلك الصلاة والصوم والحجّ» ـ بأن اتّخاذ القرار في مورد توبة المرتدّ يكون بيد الحاكم الإسلاميّ؛ ليعمل على إصدار الحكم بشأنه على أساس مقتضيات الزمان والمكان والظروف الثقافية والسياسية؟
النتيجة
بالالتفات إلى ما تقدَّم، وبحث الروايات المرتبطة بتوبة المرتدّ، وآراء الفقهاء حول أحكام المرتدّين، يمكن الوصول إلى نتيجةٍ مفادها: إن القول بعدم قبول توبة المرتد الفطري بالنسبة إلى أعماله المتعلِّقة بالله، من قبيل: صحّة عبادته، وعدم طهارته بعد التوبة، لا يتَّفق مع الآيات والروايات، كما لا يوافق آراء الفقهاء أيضاً. وإن هذا الشخص الذي تاب يكون أهلاً حتّى للدخول إلى الجنّة.
وأما في ما يتعلَّق بتوبة هذا الشخص بالنسبة إلى رفع حكم القتل عنه، وتَبَعاً لذلك رفع سائر الأحكام الظاهريّة الأخرى؛ فيجب القول في ضوء الروايات: إن تلك الروايات المتعلِّقة بشخص المرتدّ ـ دون تلك الروايات التي تبيِّن وظيفة الحاكم بالنسبة إلى المرتدّ الفطري ـ على طائفتين؛ الطائفة الأولى تقبل توبة المرتدّ مطلقاً؛ والطائفة الثانية ترفض توبة المرتدّ بالمطلق، وهي التي يستند إليها الفقهاء في قولهم بعدم قبول توبة المرتدّ عن فطرةٍ.
إن هاتين الطائفتين من الروايات ـ حيث يقوم بينهما تعارضٌ تامّ ـ يجب البحث عن وجهٍ يرجِّح تقديم إحدى الطائفتين على الأخرى. وإن الذي يمكن بيانه كوجهٍ للترجيح هو موافقة إحدى هاتين الطائفتين لآيات القرآن الكريم. ولو عرَضْنا كلتا الطائفتين من الروايات على القرآن فسوف نحصل على نتيجةٍ مفادُها: قبول توبة المرتدّ. ولو تاب هذا المرتدّ قبل إثبات ارتداده عند الحاكم رُفع عنه حكم القتل.
ومع الالتفات إلى ما ورد في سائر الروايات، ويُستفاد من عبارة: «لا يُستتاب»، بالإضافة إلى وجود الكثير من الشُّبُهات في مورد الشخص الذي يتوب قبل إثبات ارتداده، وكذلك وجود مسألةٍ هامّة، مثل: دماء الناس، يبدو أنه يجب التعامل في مورد المرتدّ الذي يتوب قبل ظفر الحاكم به على أساس قاعدة «الاحتياط في الدماء»، وقاعدة «دَرْء الحدود بالشُّبُهات»، كما قال النبيّ الأكرم|: «ادرأوا الحدود عن المسلمين ما استطعتُم، فإنْ وجدتُم للمسلم مخرجاً فخَلُّوا سبيله؛ فإن الإمام إنْ يخطئ في العفو خيرٌ له من أن يخطئ في العقوبة»([89]).
الهوامش
(*) باحثٌ وأكاديميّ، حائزٌ على دكتوراه في الحقوق والعقوبات والجرائم من جامعة طهران ـ پرديس فارابي، من إيران.
([1]) ابن فارس، معجم مقاييس اللغة 1: 357، دار الكتب العلميّة، قم.
([2]) المقدّس الأردبيلي، مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان 12: 321، مؤسّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرِّسين في الحوزة العلمية بقم، ط1، قم المقدّسة، 1403هـ.
([3]) انظر: الشيخ البهائي، الأربعون حديثاً: 458، مؤسّسة النشر الإسلامي.
([4]) الراغب الإصفهاني، المفردات في غريب القرآن: 76.
([5]) الحُرّ العاملي، وسائل الشيعة إلى تحصيل مسائل الشريعة 15: 336، مؤسّسة آل البيت^ لإحياء التراث، ط1، قم المقدّسة، 1409هـ.
([6]) الميرزا حسين النوري، مستدرك الوسائل ومستنبط المسائل 12: 118. مؤسّسة آل البيت^ لإحياء التراث، ط1، بيروت، 1408هـ.
([7]) انظر: الإمام الخميني، تحرير الوسيلة 2: 366، مؤسّسة مطبوعات دار العلم، ط1، قم المقدّسة؛ المحقِّق الحلّي، شرائع الإسلام في مسائل الحلال والحرام 4: 170، مؤسّسة إسماعيليان، ط2، قم، 1408هـ؛ عبد القادر عودة، التشريع الجنائي الإسلامي 2: 706، دار الكتاب العربي، بيروت.
([8]) الشيخ الطوسي، الخلاف 5: 353، المسألة 3.
([9]) سليمان بن الأشعث، سنن أبي داوود 4: 126، دار إحياء السنّة النبوية؛ علي أصغر مرواريد، سلسلة الينابيع الفقهية 31: 168، مؤسّسة فقه الشيعة والدار الإسلامية، بيروت، 1410هـ.
([10]) انظر: ابن قدامة المقدسي، المغني 19: 76، دار الكتاب العربي، بيروت.
([11]) انظر: المصدر نفسه.
([12]) المصدر السابق 10: 76.
([13]) المتّقي الهندي، كنـز العمال 10: 19، مؤسّسة الرسالة، بيروت.
([14]) ابن قدامة المقدسي، المغني 10: 76.
([15]) المصدر نفسه.
([16]) انظر: محمد حسن النجفي، جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام 41: 605، دار إحياء التراث العربي، ط7، بيروت.
([17]) انظر: ابن قدامة المقدسي، المغني 10: 78.
([18]) الحُرّ العاملي، وسائل الشيعة 28: 323، الباب الأول من أبواب المرتد، ح2.
([19]) المصدر السابق: 324، ح5.
([20]) المصدر السابق: 323، ح1.
([21]) انظر: الإمام الخميني، تحرير الوسيلة 2: 366.
([22]) انظر: النجفي، جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام 41: 605؛ 6: 293.
([23]) انظر: المحقِّق الحلّي، شرائع الإسلام في مسائل الحلال والحرام 4: 170.
([24]) انظر: النجفي، جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام 41: 608.
([25]) انظر: الفيض الكاشاني، مفاتيح الشرائع 2: 104، مكتبة السيد المرعشي النجفي، ط1، قم المقدّسة.
([26]) القاضي ابن البرّاج الطرابلسي، المهذَّب البارع 2: 552، مؤسّسة النشر الإسلامي، ط1، قم المقدّسة، 1406هـ.
([27]) انظر: الشهيد الثاني، مسالك الأفهام إلى تنقيح شرائع الإسلام 2، کتاب القضاء، مؤسّسة المعارف الإسلامية، ط1، قم المقدّسة، 1413هـ؛ يوسف البحراني، الحدائق الناظرة في أحكام العترة الطاهرة 11: 17، مؤسّسة النشر الإسلامي، ط1، قم المقدسة، 1405هـ..
([28]) انظر: النجفي، جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام 41: 608.
([29]) انظر: الشهيد الثاني، الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية 9: 338، مكتبة الداوري، ط1، قم المقدّسة، 1410هـ؛ البحراني، الحدائق الناظرة في أحكام العترة الطاهرة 11: 17، أبو القاسم الخوئي، التنقيح في شرح العروة الوثقى 3: 224، مؤسّسة آل البيت^ لإحياء التراث؛ الإمام الخميني، تحرير الوسيلة 2: 366.
([30]) الحُرّ العاملي، وسائل الشيعة 28: 324، الباب الأول من أبواب المرتد.
([31]) انظر: الخوئي، التنقيح في شرح العروة الوثقى 3: 228.
([32]) انظر: الشيخ الطوسي، الخلاف 2: 434، مؤسّسة النشر الإسلامي، ط1، قم المقدّسة، 1407هـ.؛ الشيخ الطوسي، المبسوط في فقه الإمامية 7: 281، المكتبة المرتضوية لإحياء آثار الجعفرية، ط3، طهران، 1377هـ.ش؛ الشهيد الثاني، الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية 9: 337؛ النجفي، جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام 6: 45؛ 41: 608.
([33]) انظر: النجفي، جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام 41: 605.
([34]) انظر: المصدر السابق 6: 45.
([35]) انظر: السيد محسن الحكيم، المستمسك في شرح العروة الوثقى 2: 119، مؤسّسة دار التفسير، ط1، قم المقدّسة، 1416هـ.
([36]) انظر: البحراني، الحدائق الناظرة في أحكام العترة الطاهرة 11: 15.
([37]) انظر: الشيخ مرتضی الأنصاري، كتاب الطهارة 5: 322، المؤتمر العالمي لإحياء ذكرى الشيخ الأعظم الأنصاري، ط1، قم المقدّسة، 1415هـ؛ العلاّمة الحلّي، تحرير الأحكام الشرعية على مذهب الإمامية: 25، مؤسّسة الإمام الصادق×، قم المقدّسة، 1420هـ؛ القاضي ابن البرّاج الطرابلسي، المهذَّب البارع 2: 551؛ الشهيد الثاني، الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية 9: 338؛ السيد مهدي الطباطبائي (بحر العلوم)، الدرّة النجفية: 54، دار الزهراء، ط2، قم المقدّسة، 1406هـ؛ الميرزا أبو القاسم الجيلاني القمّي، جامع الشتات في أجوبة السؤالات 1: 55، مؤسّسة كيهان، ط1، قم المقدّسة، 1412هـ.
([38]) الحُرّ العاملي، وسائل الشيعة 28: 324، الباب الأول من أبواب المرتدّ.
([39]) انظر: سيف الله صرامي، أحكام مرتدّ أز ديدگاه إسلام وحقوق بشر (أحكام المرتدّ من وجهة نظر الإسلام وحقوق الإنسان): 360، مركز التحقيقات الاستراتيجية في رئاسة الجمهورية، طهران، 1376هـ. (مصدر فارسي).
([40]) انظر: الإمام الخميني، كتاب الطهارة 3: 633، مؤسّسة تنظيم ونشر آثار الإمام الخميني، طهران.
([41]) انظر: السيد عبد الكريم الأردبيلي، فقه الحدود والتعزيرات 4: 151 ـ 152، مؤسّسة النشر لجامعة المفيد، ط2، قم المقدسة، 1427هـ.
([42]) الحُرّ العاملي، وسائل الشيعة 28: 323، الباب الأول من أبواب المرتدّ، ح1.
([43]) انظر: العلاّمة الطباطبائي، الميزان في تفسير القرآن 2: 168، مؤسّسة الأعلمي للمطبوعات، بيروت، 1391هـ.
([44]) انظر: السيد محمود الآلوسي، روح المعاني في تفسير القرآن العظيم 1: 335، دار الكتب العلمية، بيروت، 1415هـ.
([45]) انظر: السيد محمد كاظم اليزدي، العروة الوثقى 2: 466، المسألة 76، مؤسّسة الأعلمي للمطبوعات، ط2، بيروت، 1409هـ.
([46]) انظر: السيد محمد حسن المرعشي الشوشتري، ديدگاه هاي نو در حقوق (آراء جديدة في الحقوق) 1: 84، منشورات الميزان، ط2، طهران، 1427هـ. (مصدر فارسي).
([47]) انظر: عبد الحسين طيّب، أطيب البيان في تفسير القرآن 3: 278، انتشارات إسلام، ط2، طهران، 1387هـ.ش. (مصدر فارسي).
([48]) محمد بن محمد رضا القمّي المشهدي، كنـز الدقائق وبحر الغرائب 3: 157.
([49]) الفضل بن الحسن الطبرسي، مجمع البيان في تفسير القرآن 2: 259، دار الأميرة للطباعة والنشر والتوزيع، ط1، بيروت، 2009م.
([50]) انظر: العلاّمة الطباطبائي، الميزان في تفسير القرآن 3: 341.
([51]) انظر: السيدة نصرت أمين بانو إصفهاني، مخزن العرفان في تفسير القرآن 3: 180، منشورات نهضة النساء المسلمات، طهران، 1361هـ.ش. (مصدر فارسي).
([52]) انظر: القمي المشهدي، كنـز الدقائق وبحر الغرائب 3: 158.
([53]) انظر: عبد الرحمن الجزيري، الفقه على المذاهب الأربعة 5: 438، دار إحياء التراث العربي، بيروت؛ الشافعي، الأمّ 6: 158، دار المعرفة، بيروت.
([54]) انظر: عبد الحسين طيّب، أطيب البيان في تفسير القرآن 4: 239.
([55]) انظر: محسن قراءتي، تفسير نور (تفسير النور) 2: 410، مركز فرهنگي درسهايي أز قرآن، ط11، 1383هـ.ش. (مصدر فارسي).
([56]) انظر: عبد الحسين طيّب، أطيب البيان في تفسير القرآن 8: 196.
([57]) انظر: المحقِّق الحلّي، شرائع الأسلام في مسائل الحلال والحرام 4: 157.
([58]) انظر: الشيخ المفيد، المقنعة: 801، المؤتمر العالمي لإحياء ذكرى الشيخ المفيد، ط1، قم المقدّسة، 1413هـ.
([59]) انظر: الشيخ الطوسي، النهاية: 711، دار الكتاب العربي، ط2، بيروت، 1400هـ.
([60]) انظر: ابن حمزة الطوسي، الوسيلة: 416، مكتبة السيد المرعشي النجفي، ط1، قم، 1208هـ.
([61]) انظر: ابن إدريس الحلّي، السرائر الحاوي لتحرير الفتاوي 3: 476، مؤسسة النشر الإسلامي، ط1، قم المقدّسة، 1410هـ..
([62]) الحُرّ العاملي، وسائل الشيعة 1: 125.
([63]) انظر: المحقِّق السبزواري، ذخيرة المعاد في شرح الإرشاد 2: 564، مؤسّسة آل البيت^ لإحياء التراث، ط1، قم المقدّسة، 1427هـ.
([64]) انظر: الشيخ مرتضی الأنصاري، كتاب الطهارة 2: 579.
([65]) انظر: الحُرّ العاملي، وسائل الشيعة 16: 105.
([66]) انظر: الخوئي، التنقيح في شرح العروة الوثقى 3: 228.
([67]) انظر: الأنصاري، كتاب الطهارة 5: 324.
([68]) انظر: السيد المرتضى، المسائل الناصريات: 252، رابطة الثقافة والعلاقات الإسلامية، ط1، طهران، 1417هـ.
([69]) المحقِّق الحلّي، المعتبر في شرح المختصر 1: 408، مؤسّسة سيد الشهداء×، ط1، قم المقدّسة، 1407هـ.
([70]) انظر: المقدَّس الأردبيلي، مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان 13: 327.
([71]) المصدر السابق 13: 328.
([72]) الحُرّ العاملي، وسائل الشيعة 16: 74.
([73]) المصدر السابق 28: 37.
([74]) انظر: النجفي، جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام 41 308.
([75]) اليزدي، العروة الوثقى 1: 142.
([76]) انظر: الطبرسي، مجمع البيان في تفسير القرآن 5: 70؛ جلال الدين السيوطي، الدرّ المنثور في التفسير بالمأثور 3: 254 ـ 255، دار المعرفة، ط1، جدّة، 1365هـ.
([77]) العلاّمة الطباطبائي، الميزان في تفسير القرآن 9: 335.
([78]) الحُرّ العاملي، وسائل الشيعة 28: 333.
([79]) انظر: الطبرسي، مجمع البيان في تفسير القرآن 2: 790.
([80]) انظر: محمد تقي المجلسي، روضة المتّقين في شرح مَنْ لا يحضره الفقيه 6: 328، نشر: بنياد فرهنگ إسلامي كوشانپور، قم المقدّسة، 1406هـ.
([81]) انظر: النجفي، جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام 21: 47.
([82]) الشهيد الثاني، مسالك الأفهام إلى تنقيح شرائع الإسلام 3: 21.
([83]) سيرة ابن هشام 4: 52، انتشارات إيران، قم، 1363هـ.ش.
([84]) انظر: جعفر السبحاني، مفاهيم القرآن في معالم الحكومة 2: 451، إعداد: جعفر الهادي، مؤسسة النشر الإسلامي، ط3، قم المقدّسة، 1405هـ.
([85]) انظر: مجلّة مكتب إسلام: 17، بتاريخ: مرداد، 1363هـ.ش. (مصدر فارسي).
([86]) الإمام الخميني، صحيفه إمام (صحيفة الإمام) 14: 461، مؤسّسة تنظيم ونشر آثار الإمام الخميني، ط4، طهران، 1386هـ.ش. (مصدر فارسي).
([87]) المصدر السابق 21: 268.
([88]) انظر: المحقِّق الحلّي، معارج الأصول: 221، مؤسّسة آل البيت^ لإحياء التراث، ط1، قم المقدسة، 1403هـ؛ محمد بن مكّي (الشهيد الأول)، القواعد والفوائد 1: 38، مكتبة المفيد، ط1، قم المقدسة.
([89]) السيوطي، الأشباه والنظائر: 122، بيروت، 1407هـ.
المصدر: موقع نصوص معاصرة
ترجمة: حسن علي مطر