الاجتهاد: أقامت أكاديمية البلاغي يوم الأحد ( 2 / 2 / 2020) ندوة علمية بعنوان ” الحوزة العلمية وإنعكاسها على المؤسسات الدولية “، حاضر فيها الباحث الدكتور علي المعموري المتخصص في مجال الصراعات الدينية وعلاقات الدين والعلمانية ومدير تحرير نبض العراق في موقع المونيتور.
شارك في الندوة مجموعة من أساتذة جامعة الكوفة من كليات متنوعة وكذلك أساتذة من الحوزة العلمية في النجف الأشرف.
بحثت أكاديمية البلاغي في دار العلم للإمام الخوئي في النجف الأشرف موضوعاً تعنى به المؤسسات الدولية ولاسيما الغربية منها، بمشاركة الدكتور علي المعموري مُحاضراً، وهو باحثٌ ومديرُ تحرير نبض العراق في موقع المونيتور، وأستاذٌ سابقٌ في جامعة سيدني وجامعة طهران، ومختصٌ في مجال دراسات الصراعات الدينية وعلاقات الدين والعلمانية.
وحضر الندوة أساتذةٌ من الجامعة والحوزة العلمية.
وتظهر أهميةُ الموضوع من اهتمام المؤسسات الدولية بنشاطِ الحوزة في النجف ولاسيما مرجعية سماحة السيد السيستاني (حفظه الله).
وذكر المحاضرُ موقفَ العالمِ الجديد من الحركات الإسلامية، وتوجهاتها المختلفة، وتأثيرها على الدول والعلاقات بين البلدان، ومواقفها من أنظمة الحكم.
وترى المؤسساتُ الدوليةُ الباحثة في شؤون العالم الإسلامي وجود إسلامٍ تقليديٍ بحتٍ في عددٍ من دولِ العالمِ العربي مُمثَّلاً بمدارس ومنظمات عمل، وهيئات ومراكز إفتاء، وهذا نوعٌ من الإسلام الذي لم يعد قادراً على مواكبةِ تحدياتِ العصر، لأنه يقف في حدود الموروث ولايتعداه.
وهناك اتجاهٌ آخر يعودُ بالإسلامِ إلى فكرةِ الأصول والمنابع الأولى رافضاً كل أشكال الأنظمة السياسية الحديثة في الإدارة والحكم، وهو ما أنتج الحركات الأصولية، والسلفية الجهادية، والتيارات القطبية، التي أسهمت في تعميق الهوَّة بين الإسلام والمسلمين أنفسهم، فضلاً عن علاقتهم بغير المسلمين التي لم يبق منها شيءٌ صالحٌ للحياة.
لذلك اهتمت المؤسساتُ الدوليةُ بالحوزة العلمية في النجف الأشرف التي اختطت لنفسها طريقاً وسطاً يعتمد الإسلام ومقولاته الأساسية مع قدرةٍ عاليةٍ على التكيُّف مع العالم ومتغيراته وتحدياته الراهنة.
ولقد أثبتت المرجعيةُ الدينيةُ العليا قدرتَها على التأسيس لخطابٍ إسلاميٍ جديدٍ يحترمُ التعدديةَ والدولةَ المدنيةَ وخيارات الشعب في اختيار الحكومات عبر الأنظمة الديمقراطية، بل دعمت ذلك وأوصت به، من دون أن تجد في ذلك ما يضرُّ بالإسلام وحقيقة الإيمان ، مادام النظامُ السياسي مُختاراً على وفق الديمقراطية والمواطنة.
وقد حمل الباحثُ في محاضرته – التي كنتُ مديراً لجلستها ونقاشها المفيد – سؤالين هامين هما:
١. هل يُعدُّ خطابُ السيد السيستاني خطاباً فردياً أم أنه خطابُ الحوزةِ العلميةِ أيضاً؟
٢. هل نتوقعُ استمرارَ هذا الخطاب الديني المعتدل المتزن القادر على فهم العالم وضرورات التجديد بعد غياب السيد السيستاني؟
واختلفت الإجاباتُ من المناقشين وتعددت، ولكنها أثرت الحوار الذي أبانَ عن مكانة المرجعية الدينية بمواقفها الساندة لبناء دولةٍ عراقيةٍ ذات طابعٍ مدني يحترم القانون، ويقومُ على أسسٍ ديمقراطيةٍ، بعيداً عن التشدد والتطرف والإقصاء المذهبي والعرقي، وذلك ما أكدته مواقفُ المرجع الأعلى عبر سنوات طويلة، وهو يعتمدُ هذا المنهجَ المتزنَ في أروع صورةٍ لزعامةٍ دينيةٍ واعيةٍ لمتطلباتِ العصرِ واختلافاته الفكرية والثقافية والسياسية، حتى وصلت الحالُ إلى دعمِ الحراكِ الجماهيري السلمي في العراق، والنظر إلى المطالب الشعبية بوصفها حقاً إنسانياً لمواطني الدولة.
وتبقى أسئلةُ الندوةِ ذات أهمية بالغة حاضراً ومستقبلاً، ليس في العراق حسب، بل المنطقة كلها وحتى العالم.
وهو ما علينا التفكير فيه والنظر إليه بوصفه جانباً إيجابياً تمتازُ به حوزةُ النجف الأشرف التي تعبر عن اتجاه إسلاميٍّ واعٍ معتدلٍ متزنٍ، وإن كان هناك اختلافٌ في رأيٍ فإن العمود الفقري يبقى واحداً.
وحريٌّ بنا أن نثمِّنَ هذا الأداءَ الأهمَ الذي تتصف به المرجعية الدينية وحوزة النجف من بين مؤسسات العالم الإسلامي، لأنه الأداءُ الأفضل واقعياً، وهي رؤية العالمُ الذي يراقبُ بدقةٍ وحذرٍ عبر دراساته وأبحاثه المتواصلة في مراكز الدراسات التخصصية اتجاهات الإسلام في عالمنا وبلداننا العربية والإسلامية أيضا.
فلابد من الحفاظ على هذا المنهج الوسطي والخطاب المتزن الضامن لمجتمعٍ يكون فيه الدينُ وسيلةً لبناءِ المجتمعِ، وتعزيز التعايش السلمي، والحوار الهادف، واحترام التنوع الديني والمذهبي والعرقي في العراق فضلاً عن تأصيل اختيار النظام السياسي ديمقراطيا.