خاص الاجتهاد: صدر حديثاً عن مؤسسة تنظیم ونشر آثار الإمام الخميني “قدس سره”بقم المقدسة كتاب “تقرير الأصول” في أربع مجلدات وهو دورة كاملة من أبحاث علم الأصول بقلم الأستاذ المحقق والفقيه الأصولي آية الله السيد علي المحقق الداماد – حفظه الله –
وقد نجح سماحته في تدریس وتحقیق المسائل الأصولية في دورات دراسية مختلفة للفضلاء والمحققين في الحوزة العلمية بقم، وهذا الكتاب الذي تم اختياره ككتاب يستحق التقدير في مجال الفقه والأصول في الدورة الثامنة والثلاثين لجائزة كتاب العام للجمهورية الاسلامية الايرانية في الواقع استمرار للمدرسة الأصولية المتبعة من قبل جده الكريم آية الله الشيخ عبد الكريم الحائري “قدس سره” ووالده الجليل آية الله السيد محمد المحقق الداماد”قدس سره” ويسير القارئ بمطالعته في المسار التاريخي المنتهي إلى المدرسة السامرائية في علم الأصول.
مقدمة الناشر
ينبغي لمن يروم الوصول إلى الغاية القصوى في علم الفقه والقدرة على استنباط الأحكام الشرعية من المصادر والأدلة ذات الصلة بها؛ أن يتعلّم بإتقان وجودة شُعباً من العلوم منها: اللغة العربية وأدبها والعلوم والدراسات البلاغية والمنطق والأهم من تلك العلوم كلها، علم أصول الفقه.
علم أصول الفقه صِنوٌ لعلم الفقه بَيدَ أنّه لم يتّضح لنا شيء عن الشخص الذي جمع مباحثها وقدّمها كعلم مستقل لأوّل مرة ولذلك صار مثاراً للقيل والقال. هذا العلم الذي هو من علم الفقه بمنزلة المنطق للفلسفة مرّت عليه مراحل وأطوار من الذروة والحضيض في تأريخه لأكثر من ألف سنة.
بالرغم من أن علم الأصول في مدرسة التابعين لأهل البيت “عليهم السلام” سار خطوات ممتازة وملحوظة بدءاً من النشوء ومروراً بالغزارة والنضج ولكن في القرن الحادي عشر قد هاجت عاصفة النزعة الأخبارية المدمّرة ووجّهت ضرباتها القاسية على بناء الفقه الشيعي لفترة طويلة إلى أن قام العلامة الوحيد البهبهاني “أعلى الله مقامه” باحياء علم الأصول من جديد ببرهان قاطع، وقد عاد الفقه في مدرسة أهل البيت “عليهم السلام” إلى مساره المنطقي والمنتج مرّة أخرى.
استمرارا لهذا المنهج النَّشِط والفاعل لهذا العلم الخطير؛ فقد قام الفقيه الأصولي الشيخ الأعظم مرتضى الأنصاري “قدس سره” بتشييد هذا الصرح المتعالي الشامخ وأرسى مبادئه بحيث تكون هذه المبادئ ذات دوري مصيري في الأوساط والحوزات العلمية الشيعية في زماننا هذا؛ كما كان في القرنين السابقين.
بعد أن ارتحل الشيخ الأعظم “قدس سره” برزت على الساحة الشيعية مدرستان في علم الأصول: إحداهما «المدرسة السامرائية» وقد أسّسها التلميذ الكبير للشيخ الأنصاري، الميرزا محمد حسن الشيرازي “قدس سره” والمدرسة الأخرى “المدرسة النجفية”، وكان مؤسسها الأصولي الشهير الآخوند الخراساني “قدس سره” كان رمزاً لها.
بعد أن أسّس سماحة آية الله الشيخ عبدالكريم الحائري “قدس سره” الحوزة العلمية بقم باهتمام وإخلاص، صارت حوزته مهداً لترويج المدرسة السامرائية حيث كان سماحته تلميذاً للسيد محمد الفشاركي “قدس سره” في الحوزة السامرائية وقد تعلّم عندهم الفقه والأصول وارتقى في مدارج الاجتهاد.
بعد أن ارتحل الشيخ المؤسس الحائري “قدس سره” كان هناك أعلام من العلماء في حوزة قم كالسيّد صدر الدين الصدر والسيد محمد تقي الخوانساري والسيد محمد الحجة – رضوان الله عليهم – ومن بعدهم السيد البروجردي – أعلى الله مقامه- واستمروا في تعليم الأصول ومدارسته ولكن استمرار المنهج السامرائي كان رهيناً بالفقيه البارع والأصولي الفذّ والمرجع الذائع الصيت آية الله العظمي الإمام السيد روح الله الخميني “قدس سره” قائد الثورة الإسلامية ومؤسس الجمهورية الإسلامية في إيران؛ كان من أبرز الأساتذة و كبار المحققين في علم أصول الفقه في الحوزة العلمية بقم وهكذا سماحة آية الله السيد محمد المحقق الداماد.”قدس سره” فإنهما كانا من التلامذة البارزين للشيخ الحائري “قدس سره” وقد استمرا في هذا المنهج.
هذا العمل الذي نقدّمه بين يدي القارئ الكريم تحت عنوان « تقرير الأصول » دورة كاملة من أبحاث علم الأصول بقلم الأستاذ المحقق والفقيه الأصولي سماحة آية الله السيد علي المحقق الداماد – حفظه الله – وقد نجح سماحته في تدریس وتحقیق المسائل الأصولية في دورات دراسية مختلفة للفضلاء والمحققين في الحوزة العلمية بقم، وهذا الكتاب في الواقع استمرار للمدرسة الأصولية المتبعة من قبل جده الكريم آية الله الحائري “قدس سره” ووالده الجليل آية الله السيد المحقق الداماد”قدس سره” ويسير القارئ بمطالعته في المسار التاريخي المنتهي إلى المدرسة السامرائية في علم الأصول.
نرجو أن يكون الفقه في الحوزات العلمية الشيعية والذي يرتوي من معين الثقلين أن يحتفظ بأصالته و غضاضته وفي الوقت نفسه بنشاطه و حيَويّته بالانتفاع من علم الأصول والمنهج الأصولي على مدى العصور والأجيال وأن يزول ما ترسّب من شظايا الفكرة الأخبارية بحيث لا يكاد يستطيع الحيلولة دون حّيويّة الفقه ونشاطه.
وقد اهتم وساهم في عملية الإعداد من التحقيق وتقويم النص واستخراج المصادر ووضع العناوين لهذه التقريرات في مؤسسة تنظیم ونشر آثار الإمام الخميني “قدس سره”بقم؛ كل من المحققين الكريمين: حجة الإسلام والمسلمین حجت الله أخضري وحسين تقوي وشارك في المراجعة العلمية من ناحية انطباق النص مع المصادر كل من حجج الإسلام والمسلمين الإخوة الكرام: حسین شهابي، داود صالحي تبار و عباس أخضري وقام بتصحيح الأخطاء الواقعة في تنضيد الحروف المطبعية الأخ الكريم علي سبحاني.
والآن نقدم كتاب تقرير الأصول إلى الباحثين في الفقه الذين يسلكون مسلك الاجتهاد في الفقه عبر أصول الفقه ولا ينهجون منهج الأخباريين آملين في أن يكون ما بذلنا من جهد، لبنة للبناء الرفيع لمدرسة الفقه الشيعي وخطوة في سبيل خدمة فقه آل محمد “صلى الله عليه وآله وسلم.
مؤسسة تنظيم ونشر آثار الإمام الخميني”ره” فرع قم المقدّسة.
مقدمة المؤلف
بسم الله الرحمن الرحيم
إن أولی ما انفقت في تحصيله كنوز الأعمار، هو العلم بالأحكام الشرعية، والمسائل الفقهية، ولقد بذل علمائنا السابقون وسلفنا الصالحون – رضوان الله عليهم أجمعين – في تحقيق مباحثه جهدهم، وأكثروا في تنقيح مسائله كدّهم، فشكر الله سعيهم وأجزل من جوده مثوبتهم وبرّهم.
وكان من فضل الله ولطفه عليّ، أن ألهمني الاقتداء بآثارهم، كما وفّقني لإلقاء دروس في أصول الفقه على جمع من الفضلاء والمحصلين في الحوزة العلمية بقم، ممن بلغ البعض منهم رتبة الاجتهاد، والتي هي قوة قدسية إلهية، حيث كان بدء ذلك في عام ۱۳۶۴ش / 1983م. وبعد إتمام الدورة الأولى تلتها دورات أربعة، وها نحن في دورتنا الخامسة سنة ۱۳۹۷ ش / 2018م۔ ومن الواضح أن كلّ دورة من الدروس يتم في بعضها اصلاحات لتوضيح بيان، أو تنقیح مقام، فتكون الدورة اللاحقة أكمل وأتم من سابقتها.
كما اختلف ترتیب بعض مسائل علم الأصول وفصوله بين بعض المتأخّرين الذين عاصرناهم إلا أنّه اقتفينا في هذا الكتاب ترتیب كتاب «كفاية الأصول» لتبعية أكثر كتب المتأخّرين بل جلّهم له، تسهيلًا لمراجعة الطلاب والتحقيق فيها.
مبتهلًا إلى الله سبحانه أن يجعله خالصاً لوجهه الكريم، وأن يهديني حين تضلّ الأفهام إلى المنهج القويم، ويثبتني حين تزلّ الأقدام على الصراط المستقيم.
وقد حاول جمع من الفضلاء في مؤسسة تنظیم و نشر آثار الإمام الخميني “قدس سره” وبأمر من رئيسها المعظم، حجة الإسلام والمسلمين السيد حسن الخميني – أدام الله أيام توفيقاته – تصحيح بعض الأخطاء المطبعية في الكتاب، فشكر الله سعيهم وجزاهم الله أفضل الجزاء.
كما استساغ البعض منهم تسمية هذا الكتاب بـ «تحقيق الأصول» لبعض الأمور، ولكن احترازاً من كلّ ما يكون داعياً للفخر والمباهاة لم أستسغ ذلك، بل سمّيته بـ ” تقرير الأصول “، سائلًا منه تعالی اسمه أن يتقبّل مني هذا القليل، ويجعله ذُخراً وذخيرة إلى يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم، والحمد لله رب العالمین۔
علي بن محمّد المحقّق الداماد
ذي القعدة الحرام ۱۴۳۹
تحميل كتاب تقرير الأصول