خاص الاجتهاد: بدأ الأستاذ الشیخ مجتبي الهي الخراساني في اللقاء العلمي المتخصص تحت عنوان “اتساع الفقه المعاصر و متطلباته”، والذي أقيم في مدرسة ميرزا جعفر العلمية (جامعة العلوم الإسلامية الرضوية) بحضور فضلاء وطلاب الحوزات العلمية، بمقدمة هامة مؤلفة من ثلاث نقاط، ثم انتقل إلى شرح مفصل لـ “اتساع نطاق الفقه المعاصر” و “متطلبات اتساع هذا النطاق”.
وأشار أستاذ البحث الخارج في الفقه والأصول بمشهد المقدسة إلى أن الأبحاث الفقهية اكتسبت أهمية مضاعفة في العصر الحديث لأسباب عدة، وقال: إن البرنامج السلوكي للمجتمع الإسلامي على مر العصور قد استند إلى الفقه، ولما كان الفقه هو الجسر الذي يربط الشريعة بسلوك المؤمنين ويوجّه مجموع العلاقات والتفاعلات، فإن الفقهاء والمفكرين المستجدين يرون أن الفقه هو صانع المجتمع والحضارة الإسلامية. ولا ينفي هذا القول أن للحضارة بنية تحتية من قيم ومعتقدات كالكلام والفلسفة والأخلاق، إلا أن التنظيم الأساسي للعلاقات يبقى منوطًا بالفقه.
واستشهد عضو الهيئة العلمية بمركز الآخوند الخراساني التخصصي، بمقولة الإمام الخميني (قدس سره)، إلى أهمية الفقه ودوره في المجتمع، قائلاً: إن أقوال الإمام الخميني (قدس سره) حافلة بنقاط جوهرية يمكن استخلاص دلالات هامة منها، ومن أبرزها قوله: “إذا أراد علماء الإسلام ألا يفقدوا زمام الأمور في المجتمع، فعليهم الإبقاء على مركزية الفقه في الحوزات العلمية”. وفي موضع آخر قال: “إن من مؤامرات الأعداء بعد الثورة الإسلامية في إيران أن يحرّفوا الحوزات العلمية عن محور الفقه”، فقد أدركوا أن سرّ التواصل العميق بين العلماء والشعب يتمثل في علم الفقه.
وأشار الهي الخراساني إلى انتصار الثورة الإسلامية وتأسيس الحكم الإسلامي، قائلاً: إن إسلامية هذا المجتمع مشروطة بتطبيق الشريعة الإسلامية على جميع العلاقات والمجالات، وبالتالي فإن الفقه هو الضامن لتحقيق ذلك. وخلص إلى أن نجاح التجربة الإسلامية، وخاصة الجمهورية الإسلامية، مرتبط إلى حد كبير بنجاح علم الفقه.
ورأى الأستاذ إلهي الخراساني أن الجزء الأكبر من فلسفة العلم الحديثة وتوقعات الإنسان المعاصر، من دون إصدار أحكام قيمية، هو عملي بحت ينتظر أن يرى ما إذا كان هذا القول العلمي يحل مشكلة أم لا. وهذه فرصة فريدة تتاح لنا لكي نتمكن في المجتمعات الخالية من الأسس النظرية الدينية والإسلامية من وضع نماذج في مجالات العلاقات الأسرية والمالية والجنائية وغيرها بناءً على الفقه، ونبين فعاليتها كنجاح عملي للأحكام الإسلامية.
وقد أشار إلى أن استقبال العالم للبنوك الإسلامية التي تطبق مبدأ عدم الربا هو مثال حي على ذلك، معتبراً إياه تجربة فريدة يمكن تكرارها في مجالات أخرى كالأُسرة وحقوق الإنسان.
ثم انتقل رئيس لجنة تطوير وتمكين العلوم الإسلامية في مكتب الإعلام الإسلامي إلى توضيح “ماهية الفقه المعاصر” من ثلاثة جوانب، مشيراً إلى أن مصطلح الفقه المعاصر ليس مصطلحاً جديداً ولا قديماً. وأضاف قائلاً: “في عام 1999م، قمنا لأول مرة في حوزة مشهد العلمية بتنظيم دورة تدريبية في الفقه المعاصر مع تحديد محاورها، واستخدمنا هذا المصطلح بعد استشارة آية الله أشرفي الشاهرودي الذي أشار إلى أن هذا المصطلح قد يثير بعض ردود الأفعال، ولكننا بدأنا ونجحنا في تنظيم ثلاث دورات.
وأضاف: إن مصطلح الفقه المعاصر قد استُخدم بشكل متفرق في المؤلفات الفقهية الشيعية والسنية باللغة العربية. وفي أواخر الستينات، ظهر هذا المصطلح في العديد من المؤلفات، وكان أبرزها في المؤتمر السنوي للفقه المعاصر الذي كان يُعقد على مستوى دولي. وبعد ذلك، بدأ فقهاء شيعة عراقيون أمثال الشيخ حسين الحلي والشيخ حسن الجواهري وغيرهما بنشر مؤلفات في هذا المجال، مما أدى إلى انتشار هذا المصطلح واشتهاره في الثمانينات.
الفقه المعاصر كجزء من الفقه و المسائل الفقهية
ووضح الأستاذ إلهي الخراساني، في شرحه للقراءات الثلاث للفقه المعاصر: القراءة الأولى وهي “الفقه المعاصر كجزء من الفقه والمسائل الفقهية”. أي أن الفقه المعاصر هو بمثابة فقه القضايا المعاصرة، أو فقه المسائل المستحدثة. وبحسب هذه القراءة، فإن الفقه المعاصر هو جزء من الفقه الذي يعنى بالقضايا المستجدّة، إلى جانب المسائل الفقهية التقليدية.
بالتأكيد، هناك من يستخدم مصطلح “الفقه المعاصر” ليشير إلى مسائل لها تاريخ مسجل يمتد إلى خمسمائة عام على الأقل، مثل الإجهاض أو علاقة الطبيب بالمرضى. ولكن جزءًا من مسائل فقه الطب، مثل الموت الدماغي أو زراعة الأعضاء الحيوية، يمكن أن يكون معنى أول للمصطلح “الفقه المعاصر”. بهذا المعنى، لا يفرض الفقه المعاصر بالضرورة منهجًا جديدًا ولا إطارًا هيكليًا جديدًا.
الفقه المعاصر كمنهج و أسلوب فقهي
ووصف عضو هيئة التدريس في المركز المتخصص لآخوند خراسانی القراءة الثانية بأنها “الفقه المعاصر كاتجاه وأسلوب فقهي”. وأوضح أن هذا الرأي يقلل من اعتماد الفقه المعاصر على المناهج الفقهية التقليدية وعلى الاستدلال بالآيات والروايات الخاصة، ويزيد من اعتمادها على الاستدلال بالإطلاق والعمومات، كما يعزز دور سيرة العقلاء والارتكازات العقلائية.
وفيما يتعلق بالموضوعات، يتم التوجه أكثر نحو المسائل العرفية أو المسائل التي تحتاج إلى رأي الخبير، بدلاً من الاعتماد على أسلوب تنقيح الموضوعات المنصوصة. لذلك، يزداد اللجوء إلى آراء العلوم الأخرى بشكل طبيعي في هذا الاتجاه.هنا، الفقه المعاصر يمثل نهجًا ورؤية جديدة. في هذا الاتجاه، للمسائل المعاصرة بنية وتنظيم جديدان، وتختلف ترتيب وكمية الأدلة المستخدمة، وربما يتم إضافة مناهج جديدة في المستقبل. على الرغم من ذلك، أعتقد أنه ليس لدينا حاليًا ما يمكن تسميته بـ “المنهج المعاصر”.
وأضاف فضيلته: في الفقه المعاصر بالمعنى الأول، تشكل المسائل الحديثة المواد الفقهية المعاصرة، ولكن في الرأي الثاني يمكن النظر إلى مسألة قديمة بنظرة معاصرة. والذين يستخدمون هذا المعنى الثاني يرون أن الفقه المعاصر يضيف قيمة إضافية للفقه التقليدي.
الفقه المعاصر كمرحلة تاريخية:
وفي تبيين الرؤية الثالثة والأكثر قبولاً قال الأستاذ إلهي الخراساني: إن الرؤية الثالثة هي “الفقه المعاصر كمرحلة تاريخية”. أي أننا لا نميز بين علم قديم وحديث، ولا نسعى إلى فصل المسائل التقليدية عن المستحدثة. بل إن كل علم، بما في ذلك الفقه، يمر بتغيرات وتطورات عبر التاريخ، سواء على مستوى الأصول أو القواعد أو الفروع.
وبهذا المنظور، لدينا فقه السلف الذي كان سائداً في عصره وله خصائصه الخاصة، ولا نقيم له قيمة سلبية ولا إيجابية. وهذه التسميات المستندة إلى العصور التاريخية تبين مراحل طبيعية لعلم الفقه، وبالتالي، فإن الفقه المعاصر في هذه الرؤية يعني الفقه الجعفري في وضعه الحالي، وليس في وضعه السابق. وهذا الاسم يشير إلى التحولات والتغيرات التدريجية والطبيعية التي يمر بها علم الفقه.
وأضاف أستاذ البحث الخارج في الفقه والأصول بحوزة مشهد العلمية: لو كنا في عصر الوحيد البهبهاني، لكان الفقه المعاصر هو فقه عصر البهبهاني. أما نحن الآن، ونحن في الجيل السادس أو السابع من تلامذة الشيخ الأنصاري، فإن الفقه المعاصر يعني فقه الجيل السادس والسابع من تلامذة الشيخ الأنصاري. وبالتالي، فإن الفقه المعاصر من هذا المنظور هو مرحلة تاريخية.
وأضاف: إننا عندما نقول الفقه المعاصر، نعني به فقه الـ200 سنة الأخيرة وعصر الشيخ الأعظم، وهو فقه له أبعاد اجتماعية وسياسية. فقد بدأ هذا العصر مع مواجهة العالم للمدنية، وبداية التيارات الإسلامية الاستيقاظية، وتأسيس البرامج الإسلامية الجديدة. وأحدث التغييرات كان خلق فضاء اجتماعي للفقه، تزامن مع الثورة الإسلامية. وقد تكثفت منذ الخمسينات محاولات إدخال المنظور الاجتماعي، أو بعبارة أخرى المنظور الحاكم أو النظام، إلى الفقه، وقد خطت في هذا الصدد حلقات في النجف ولبنان وقم خطوات جادة.
اتساع الفقه المعاصر
وأضاف عضو الهيئة العلمية في مركز الآخوند الخراسانی التخصصي في الجزء الثاني من كلمته، متحدثًا عن “اتساع الفقه المعاصر”، وقام بتقسيمه إلى دراسات فقهية من الدرجة الأولى ودراسات فقهية من الدرجة الثانية. ووضح هذا المصطلح بقوله: إن الدراسات الفقهية من الدرجة الأولى هي ما يُطلق عليه الفقه بشكل عام، أي تلك الأحكام الفقهية التي تحدد الحلال والحرام والواجب والمستحب والمكروه، سواء كانت أحكام فردية أو نظامية، كالأحكام المتعلقة بالعبادات والمعاملات والديّات. أما الدراسات الفقهية من الدرجة الثانية فهي تلك الدراسات التي لا تتعلق مباشرة بالأحكام الفقهية نفسها، بل تتعلق بعلم الفقه نفسه، كدراسات أصول الفقه ونقد الفقه.
وأشار إلى أن النمو الهائل في الدراسات الفقهية من الدرجة الثانية هو أحد أبرز سمات الفقه المعاصر. وشدد على أنه لم تشهد أي فترة زمنية سابقة، ولا أي مذهب آخر، مثل هذا النمو الهائل في الدراسات الفقهية من الدرجة الثانية خلال العقد الماضي، حيث وصل حجم هذه الدراسات إلى حجم الدراسات التي أجريت خلال الخمسين سنة الماضية.
ثم انتقل الهي الخراساني إلى شرح خصائص واتساع الدراسات الفقهية من الدرجة الأولى، وذكر الاتجاهات السائدة لكل منها.
الاتجاه الأصولي الجواهري: هذا الاتجاه هو السائد ويشمل طيفًا واسعًا، يمكن إدراج شخصيات مثل الميرزا النائيني والإمام الخميني وآية الله الخوئي والشهيد الصدر والشيخ حسين الحلي ضمن هذا الطيف، مع وجود اختلافات طفيفة بين مدارس النجف و قم و مشهد و سامراء.
الاتجاه الأخباري/ الاتجاه السلفي: لا يزال الاتجاه الأخباري حي في الامامية بشكل جدي. هناك مجموعة اخبارية معتدلة، ومجموعة أخرى بَحرانية، وامتدادات أخرى للأخباريين التقليديين في قم ومشهد وكربلاء، بالإضافة إلى الشيخية التي تدخل جميعها ضمن الاتجاه الأخباري. بالطبع، الاتجاه الأخباري يختلف عن مجرد الاعتماد على الأخبار، فالأخبارية لديهم منهج خاص بهم.
أما الاتجاه السلفي، فهو لا يزال حي في أهل السنة، وعلى الرغم من تراجع التيار التكفيري، إلا أن الاتجاه السلفي بشكل عام في تطور. بالطبع، لا أقصد القول بأن الأخباريين يشبهون السلفيين.
الاتجاه الديناميكي الحديث: ظهر هذا المصطلح بعد الثورة الإسلامية، وأصحابه معروفون، ويسعون إلى نوع من التجديد في منهج الفقه. يتمثل هذا التجديد أحيانًا في التركيز بشكل أكبر على القرآن والابتعاد عن الأحاديث الفردية، وأحيانًا في استخدام طرق عقلانية أكثر من الطريقة الجواهرية، وأحيانًا في شكل رؤى دينية بحثية متأثرة بالأخلاق والفلسفة أو التصوف، ويتم وصفه بأنه نهج حديث في الفقه. ويمكن العثور على أمثلة على ذلك في نظريات القبض والبسط في الشريعة.
الاتجاه الديناميكي ليس مجرد مصطلح، بل هو فكر له هويته الخاصة، وقد وقف الإمام خميني ضده، بل وضد الحديث عن التحديث. فالاتجاه الديناميكي بمعناه الذي يخرج عن المنهج الجواهري، لم يؤيد الإمام أيًا من مكوناته الثلاث، بل قبل معنى واحد فقط وهو مراعاة متطلبات الزمان والمكان وتأثيرهما في تحول الموضوعات. ولذلك، فقد عزل الفكر الديناميكي بشكل كبير في الحوزات الشيعية.
الاتجاه التشريعي القانوني: هذا الاتجاه في تطور مستمر، ويهدف إلى استخدام البنية القانونية للتعبير عن الفقه وتسهيل تطبيق الأحكام الفقهية في المجتمع. بسعى أحيانًا إلى صياغة مواد قانونية مستمدة من المواد الفقهية دون التأثير في الفقه نفسه، وأحيانًا إلى تطبيق الفقه في المؤسسات القانونية مثل القضاء.
الاتجاه الاجتماعي: هذا الاتجاه هو الأكثر شموليا، وله عدة مسميات. بدأت كاتجاه حكومي، ثم أطلق عليه البعض اسم “فقه النظام” أو “الفقه البناء” لسهولة فهمه وربطه بالعلوم الأخرى.
الاتجاه التربوي: هذا الاتجاه قديمي، وقد تم تعزيزه في الآونة الأخيرة. وهو يهتم بدراسة الأدلة من منظور تربوي، ويولي اهتمامًا كبيرًا بالآثار التربوية للأحكام الفقهية. يركز هذا الاتجاه على الأهداف التربوية للفقه، ويدخل في نطاق الفقه بشكل عام. الاتجاه التربوي أوسع نطاقًا من الاتجاه التشريعي أو فقه الحوكمة، بل إنه يعتبر العديد من مهام الحاكمية جزءًا من دورها التربوي.
الاتجاه المقارن: هذا الاتجاه له أصول تعود إلى كتاب “الخلاف” للشيخ الطوسي، وهو اتجاه شائع حاليًا. وهو اتجاه لا يقتصر على إقناع المذهب الشيعي فقط، بل يشمل أيضًا مذاهب أخرى، ويمكن أن يكون الهدف منه مجرد وصف لأراء المذاهب المختلفة أو تقييمها ومقارنتها، لأن الفقه المقارن لا يمكن أن يكون مجرد وصف بدون تحليل وتقييم.
هذا الاتجاه لا يعني بالضرورة إعطاء شرعية للفقه السني. إذا أراد الفقه الجعفري أن يحصل على مكانة لائقة في المؤسسات الفقهية الدولية وفي منابر تمثيل الفقه الإسلامي أمام المذاهب القانونية الأخرى، فعليه لا محالة الدخول في حوار الفقه المقارن. فإذا أردنا أن يكون للفقه الجعفري مكانة مرموقة، يجب أن نوجه أدبياتنا الفقهية لتشمل جميع الأطراف
الاتجاه المقاصدي: في الاتجاه المقاصدي، مال إليه معظم المعتزلة عند أهل السنة، ثم تبعهم الشافعية والمالكية والحنفية. وهذا الاتجاه يقف مقابل النصوص، سواء كانت نصوصًا قرآنية أو سُنية. ورغم الضجة التي أثيرت حول الاتجاه المقاصدي في العالم السني، إلا أنه حتى الآن يلعب دورًا سلبيًا وقيِّدًا على الاجتهاد والاستنباط أكثر مما تلعب دورًا إيجابيًا في خلق أحكام جديدة. ويبدو أن نظام الحجية لدينا في أصول الفقه لا يسمح بقبول الاتجاه والرواية المقاصدية بشكل كامل في الفقه الجعفري.
الاتجاه بين التخصصات: هذا الاتجاه قديمي، ولكنه ازدادت أهمية في الآونة الأخيرة. البحث أحادي التخصص يفترض استقلال الموضوع والموضوعات والمنهج بشكل كامل. أما البحث متعدد التخصصات فيقوم تخصصان بدراسة موضوع واحد وعرض النتائج بشكل منفصل. أما البحث بين التخصصات فيتطلب تفاعلاً طوليًا وعرضيًا بين تخصصين لحل مشكلة واحدة، حيث تتجاوز المنهجيات المستخدمة حدود تخصص واحد. وقد بدأ هذا النوع من البحث يظهر بقوة، مثل دراسات الإجراءات القانونية التي تتطلب تداخلًا بين عدة تخصصات.
أكثر أشكال البحث بين التخصصات دفاعًا هو البحث الذي يجمع بين الفقه والقانون، حيث يوفر الفقه الأسس والمباني للقانون. لذلك، من الصحيح القول “الفقه ومباني القانون الإسلامي” بدلاً من “الفقه والقانون”. وبهذا المنظور، تبدأ المراحل الأولى من عملية التشريع من الفقه وتنتهي بالقانون.
المحاور، الطبقات، المجالات، الموضوعات، المؤلفات والتأليف:
وأشار رئيس لجنة تطوير وتمكين العلوم الإسلامية في مكتب الإعلام الإسلامي في الجزء الثالث، إلى أن الاتجاهات الثلاث الأولى غير متوافقة، وذكر أنواع “المحاور” للدراسات الفقهية المعاصرة، مثل “فقه السلوك والعلاقات”، و”فقه الظواهر والمؤسسات”، و”فقه الثقافات والقوانين”.
كما تطرق إلى سبعة “طبقات” للدراسات الفقهية المعاصرة، بما في ذلك: “علم الأحكام الكلية (أنواع الأحكام)”، “علم الموضوعات”، “علم التطبيق (مثل تطبيق شروط القاضي)”، “علم النظريات”,”علم الشريعة (مع مراعاة الشبهات الاستشراقية)”، “علم المدارس (ليست كل حلقة دراسية مدرسة، بل هي أسلوب في النهاية)”,”علم الاستنباط (رسالة أصول الفقه، وهوية المسألة الأصولية، وأنواع المسائل الأصولية)”.
كما شملت المجالات والموضوعات الأساسية للدراسات الفقهية المعاصرة خمسة مجالات: “فقه المناسك والعبادات”، “فقه الأسرة والصحة”، “فقه الأموال والمعاملات”، “فقه الحكومة والقانون”، “فقه الثقافة والاتصالات”..
وذكر الهي الخراسانی بعد ذلك عدة خصائص مهمة للمؤلفات والتصانيف الفقهية المعاصرة: “قلة الدراسات التاريخية”، “الموضوعات الحديثة والمسائل المستحدثة”، “الموضوعات والمجالات الاجتماعية”، “تجديد المسائل التقليدية وإعادة قراءة الموضوعات الثابتة”، “النظرة النظامية والهندسية”، “الدراسات المتعددة التخصصات والبينية”، “البحوث ما فوق المذهبية وما فوق الدينية.
الدراسات الفقهية المعاصرة من الدرجة الثانية
وتحدث الأستاذ في حوزة مشهد العلمية، في الجزء التالي من كلمته، عن أبعاد الدراسات الفقهية المعاصرة من الدرجة الثانية وهي: “أصول الفقه ومبادئه”، “فلسفة الفقه”، “التشريعات، المذاهب، المدارس والأساليب الفقهية والاجتهادية”، “النظر الفلسفي في أصول ومباني الفقه = فلسفة الفقه (تعريف الفقه ونطاقه، المباني الحاكمة على الفقه والأصول، معرفة نظرية ومنهجية الفقه والأصول…)”، “النظر التاريخي في الفقه والعلوم المرتبطة به (تاريخ، أعلام ومصادر الفقه والأصول وتطوراته)،” “دراسة النصوص والفهرسة الفقهية والأصولية (ببليوغرافيا، نسخ، فهرسة وإحياء التراث الفقهي)”، “النظر الاجتماعي في الفقه والفتوى (علم اجتماع الفقه والفتوى)”، و “تطبيق الفقه واستثماره (التشريع، التعليم، الإعلام، بناء المؤسسات.
ضروريات لتوسيع نطاق الفقه المعاصر
وذكر عضو الهيئة العلمية في مركز الآخوند الخراسانی التخصصي، في الختام، مجموعة من الضروريات لتوسيع نطاق الفقه المعاصر، وهي: “تخصص البحث والتدريس في الفقه المعاصر (واقعية، منهجية، الحفاظ على شمولية الفقه وتماسكه، مرونة التدريس، البحث الجماعي والتقني)”، “تنقيح المقدمات لدخول الفقه في المجالات والنظم الاجتماعية (ماهية وفلسفة المجال، القواعد الأصولية والفقهية العامة والخاصة)”، “تطوير وتوسيع الطرق الصحيحة والفعالة لمعرفة الحكم (تحديات الإطلاقات والعمومات، تعزيز دراسة النصوص، مباني معرفة الحكم)”، “تطوير مبادئ وأساليب علم الموضوعات (الموضوعات المركبة، التقنية، متعددة الأوجه، متعددة التخصصات)”، “مراقبة التطورات الاستنباطية والفتوائية الفقهية على المستوى العالمي”، “توحيد البحوث الفقهية وزيادة تأثيرها الاجتماعي”، “تنظيم العلاقات التخصصية بين الفقه والعلوم الأخرى (العلاقات الأفقية، العلاقات الطولية، علم الموضوعات والمنهجية.
وأكد أستاذ البحث الخارج في الفقه والأصول، في ختام كلمته، على ضرورة تطوير علم الأصول بطريقة منهجية، مشيراً إلى أن تقدم علم الأصول أدى إلى تناقص في المواد الفقهية، كما حدث في مدرسة جبل عامل، حيث أدت الدقة الشديدة للشهيدين وصاحب المعالم إلى تقليل قيمة الأدلة، وتحويل الإجماعات إلى دليل مدركي، واجمال الظهورات، وتعرض النصوص للتضاد، وفي النهاية ضعف السند.
وقال: إذا لم نحافظ على رأس المال الفقهي بالتوازي مع رفع الدقة المعرفية والمنهجية، فسيحدث أحد أمرين: إما عرفية الفقه، وهناك أدلة على ذلك، حيث يستمد مصادره من القانون الوضعي والعادات، وهو ما حذر منه الإمام الخميني قدس سره، حيث قال يجب علينا استنباط أحكام المسائل وفق منهج الجواهري. أو الجانب الآخر هو التوقف والتأني والتأخر في الإجابة، مما يؤدي إلى نوع من السلفية في الفقه. لذا فإن محاربة التوسع في تدريس الأصول أمر صحيح، ولكن ليس في البحث، بل العكس، فنحن بحاجة إلى تنقيح المبادئ وتقوية محرك الأصول.
واختتم الاستاذ الهي الخراسانی كلامه بتأكيده على أن الثورة الإسلامية قد منحت الفقه نعمة كبيرة، وعلينا شكر هذه النعمة بحفظ الفقه الإمامي وتوسيع دائرة دراساته، والابتعاد عن الأبحاث الوهمية والتفاصيل غير المؤثرة. وأضاف أنه من خلال العمل الجماعي والتواصل مع مختلف العلوم، يمكننا رفع الفقه إلى مراحل أعلى وتطبيقه في المجتمع.