العلوم-الإسلامية-في-مسار-التطبيق

تطبيق العلوم الإسلامية: من الاستنباط الفقهي إلى الحوكمة الحضارية

خاص الاجتهاد: في الندوتين الرابعة والخامسة لتطوير وتمكين العلوم الإسلامية، تناول الأساتذة الحاضرون دراسة عمليات تطبيق العلوم الإسلامية. شملت مناقشات الجلسة الثانية من هذه الندوة متطلبات وأساليب تحويل المعارف الإسلامية إلى تطبيقات عملية، بالإضافة إلى التحديات والحلول لتحقيق الحكم الديني في إطار الحضارة الإسلامية الحديثة.

وأكد المتحدثون، مع التركيز على دور البيئة العلمية ونظام المنهجية والنمذجة، على ضرورة ربط المعرفة الإسلامية باحتياجات المجتمع وأسلوب الحياة.

وبحسب “الاجتهاد“، عُقدت الندوتان الرابعة والخامسة لتطوير وتمكين العلوم الإسلامية بمشاركة نخبة من المتخصصين في العلوم الإسلامية على مدار يومين في مدينة مشهد. وناقش أعضاء الندوة والضيوف في اليوم الأول موضوع “آليات التطبيق في العلوم الإسلامية” وتبادلوا الآراء حوله في ثلاث جلسات. وقد تم نشر التقرير الأول لليوم الأول سابقًا (هنا)، والآن نقدم تقريرًا عن الجلسة الثانية من الندوة وفقًا لتقديم الأستاذ مهدي عليزاده، والأستاذ أبو القاسم عليدوست، والأستاذ علي رضا بيروزمند، والأستاذ السيد علي طالقاني، والأستاذ عبد الحميد واسطي.

عمليات تحويل المعارف الإسلامية إلى تطبيقات

طرح الأستاذ مهدي عليزادة في موضوع “عمليات تحويل المعارف الإسلامية إلى تطبيقات” أن هذه العملية تتأثر بستة عوامل رئيسية: طبيعة ومهمة العلم، استهلاك المعرفة، البيئة التي يتشكل فيها العلم، مصدر شرعية المعرفة، العلاقة بين عقلانية المؤسسة الجامعية والعقلانية السائدة في المجتمع.

وأكد عضو الهيئة العلمية بالمعهد العالي للعلوم والثقافة الإسلامية أن طبيعة وهدف أي علم يحددان كيفية تطبيقه، ويجب إعادة تعريف تطبيق المعرفة بما يتناسب مع طبيعتها وجوهرها. كما اعتبر حلقة “استهلاك المعرفة” في دورة حياة المعرفة مهمة جدًا، ورأى أن تطبيق المعرفة يعتمد على موضوع استهلاك المعرفة هذا.

ووصف هذا الباحث في مجال العلوم الإسلامية “الشعور بالحاجة” بأنه عنصر أساسي في تحقيق استهلاك المعرفة، ورأى أن إنشاء “جهاز رصد واكتشاف الاحتياجات” ضروري لتطبيق العلوم الإسلامية على النحو الأمثل. بالإضافة إلى ذلك، اعتبر “البيئة التي يتشكل فيها العلم” و”البيئة التي يتم فيها استغلال وترسيخ مستوى الحياة الإسلامية” مؤثرتين أيضًا في هذه العملية. كما أشار عليزاده إلى “الشرعية الثقافية” للمعارف الثقافية وتأثيرها على نموها وتطبيقها، وفي الختام، طرح “عقلانية مؤسسة المعرفة” وتأثيرها على الطلب على المعرفة.

عوائق وحلول لتطبيق علم الفقه

وتناول الأستاذ أبو القاسم عليدوست في محاضرته بعنوان “صناعة المستقبل وتطبيق علم الفقه” عوائق وحلول هذا المسار. وقبل الخوض في عملية التطبيق، أشار إلى عوائق يجب تجنبها في هذا المسار.

عوائق تطبيق العلوم الإسلامية:

وأشار هذا المتخصص في الفقه وأصول الفقه وفلسفة الفقه والأصول في البداية إلى عائقين أساسيين في مسار تطبيق العلوم الإسلامية:

وهم الأصالة: التأكيد على أصالة التراث الماضي كشرط كافٍ للاستنباطات الفقهية المعاصرة، كان عائقًا جديًا في مسار نمو وتطبيق العلم. ورأى أن احترام التراث العلمي للأسلاف ضروري، ولكن لا ينبغي اعتباره شرطًا كافيًا.
ترويج الفقه المعاصر دون الاهتمام بمقتضياته: كان ترويج الفقه المعاصر دون مراعاة الظروف والاحتياجات الجديدة من بين الأخطاء التي يجب تجنبها. وكانت النظرة الجزئية إلى المستندات والدخول غير الفني إلى المجالات المجهولة عائقًا في سبيل التطبيق.

حلول لتطبيق العلوم الإسلامية

قدم أستاذ الحوزة العلمية في قم حلولًا لتطبيق العلوم الإسلامية:

التأكيد على الأصالة والانضباط الفقهي كشرط لازم وليس كافيًا: كان الاهتمام بالأصالة ومراعاة الانضباط الفقهي من الأركان الأساسية في عملية تطبيق الفقه الإسلامي، ولكن يجب أن يتم ذلك في إطار محدد ومع مراعاة حدوده.

ترويج تيار الفقه المعاصر: يجب الاهتمام بمفهوم “الفقه المعاصر”، الذي هو في الواقع “الفقه المعاصر”. وكان الاختلاف الرئيسي بين الفقه المعاصر والفقه المعاصر هو أن الفقه المعاصر أكد أيضًا على قبول متطلباته ولوازمه.
دراسة جميع العناصر المؤثرة في عملية الاستنباط: كان التأكيد على الأصالة والنظرة الجزئية إلى المستندات يتسبب في عدم الاهتمام بالعديد من المستندات ذات الصلة، وبالتالي، يتم إغفال العناصر المؤثرة والمبررة في عملية الاستنباط.

منهج التطبيق: يجب ألا يعتمد منهج تطبيق علم الفقه على القواعد العملية فقط، بل يجب أن يهتم بالاحتياجات الحقيقية للمجتمع.

فقه الكشف: لتحقيق الأهداف المحددة، يجب على الفقيه، مع الحفاظ على احترام فقه العضو وفقه الحجة، أن يهتم أيضًا بـ “فقه الكشف”.

وأكد عضو الهيئة العلمية بمعهد الثقافة والفكر الإسلامي في ختام حديثه أن تجنب العوائق المذكورة والاهتمام بهذه المحاور سيحقق عملية في مسار تطبيق علم الفقه.

من الاستنباط إلى الحكم: عملية تحقيق العلوم الإسلامية في المجتمع

أكد الأستاذ علي رضا بيروزمند في رؤيته حول عملية تطبيق العلوم الإسلامية على تعقيد هذا المفهوم وضرورة الاهتمام بأبعاده المختلفة، ولم يعتبر التطبيق مجرد علاقة بسيطة بين مسائل المجتمع والمعارف الإسلامية، بل اعتبره تحقيقًا لنظام المعرفة الدينية في إطار التحولات والهياكل الاجتماعية، أو ما يسمى بـ “الحضارة الإسلامية الحديثة”. ويرى أنه في هذه العملية، لا يجب أن تتأثر الهياكل الاجتماعية فقط بالمعارف الإسلامية، بل يجب أن تتأثر جميع جوانب الحياة الإنسانية.

وأشار عضو الهيئة العلمية بأكاديمية العلوم الإسلامية إلى تنوع أساليب التطبيق، وطرح ضرورة الوصول إلى نظام للموضوعات ومنهجية مناسبة له. وقدم مخططًا بعنوان “مخطط الأساليب والعمليات ومجالات تطبيق العلوم الإسلامية (الفقه الأكبر) في مسار بناء الحضارة الإسلامية الحديثة”، وشرح فيه المراحل المختلفة لهذه العملية. وتشمل هذه المراحل الاستنباط المنهجي للمعارف الإسلامية (الفقه الأكبر)، وتحول العلوم الإنسانية على أساس المعارف الإسلامية، وتصميم النموذج الإسلامي الإيراني للتقدم، وتصميم النظم الاجتماعية، وتشكيل نظام التدابير، وتحقيق نظام الحكم.

كما أكد هذا المتخصص في فلسفة الفقه والأصول وفلسفة العلم على دور التطبيق في أسلوب الحياة الفردي والاجتماعي وضرورة الاهتمام بنظام المنهجية في هذه العملية. ويرى أن عملية التطبيق تتحقق بشكل صحيح عندما يمكن ملاحظة تأثيرها في الحياة اليومية للأفراد، ويجب أن يظهر هذا التأثير في أسلوب الحياة الفردي والأسري والمهني والاجتماعي. ويرى أنه كلما زاد حجم هذا التأثير، كانت عملية التطبيق أكثر نجاحًا، والهدف النهائي من تطبيق المعارف الإسلامية هو ضمان تدفق هذه المعارف في الحياة الفردية والمهنية والاجتماعية.

وجهتا نظر رئيسيتان حول مفهوم “التطبيق”

أشار الأستاذ السيد علي طالقاني في بداية حديثه إلى أنه لا يوجد إجماع نظري محدد حول مفهوم “التطبيق” بين المفكرين، وقام بشرح وجهتي نظر رئيسيتين في هذا المجال:

الوجهة الأولى: التطبيق بمعنى الاستجابة للاحتياجات الموضوعية للمجتمع: وفقًا لهذه الوجهة، فإن التطبيق يعني سد الفجوة بين العلوم الإسلامية والاحتياجات الفردية والاجتماعية الحالية. الهدف الرئيسي في هذه الوجهة هو حل المسائل الموضوعية للمجتمع والاستجابة للاحتياجات التي تُطرح بعد الشعور بالضرورة.

الوجهة الثانية: التطبيق في إطار بناء الحضارة والحكم الإسلامي: تفسر هذه الوجهة التطبيق في إطار بناء الحضارة وإقامة الدين والحكم الإسلامي. الهدف الرئيسي في هذه النظرة هو تقديم حلول لوجود فعال لوجهات نظر العلوم الإسلامية في مختلف مستويات المجتمع، سواء كانت فردية أو اجتماعية أو مؤسسية. هذا النهج يتجاوز تلبية الاحتياجات الجزئية والمؤقتة ويسعى إلى إنشاء هياكل مستدامة لتحقيق الثقافة العلمية الإسلامية في مختلف مجالات الحياة الاجتماعية.

الفرق بين التطبيق والتوطين

أشار عضو الهيئة العلمية بجامعة باقر العلوم (عليه السلام) في جزء آخر من حديثه إلى ضرورة التمييز بين مفهومي “التطبيق” و”التوطين”، وأشار إلى أن: “الأسلمة، في أبسط وأدنى معانيها، تعني تنقية العلوم العلمانية الغربية من الأسس العلمانية. لذلك، لا يمكن الخلط بين هذين المفهومين.”

النمذجة وتفعيل البيئة الإسلامية في عملية التطبيق

أكد الأستاذ عبد الحميد واسطي في ختام مناقشة عمليات تحويل المعارف الإسلامية إلى تطبيقات على ضرورة تفعيل البيئة الإسلامية والدور الرئيسي للنمذجة في هذه العملية، واعتبر أن الهدف من التطبيق هو إحداث تغييرات إيجابية في اتجاه النمو والتنمية، بحيث تؤدي تلبية الاحتياجات إلى النمو الفردي والذهني والعاطفي والسلوكي والأسري والعلائقي والاجتماعي والدولي والأجيال.

اعتبر أستاذ الحوزة العلمية في مشهد أن مفهوم الفعالية يتجاوز مجرد التطبيق، واعتبر أنه يتطلب أن يكون لاستخدام المفاهيم فوائد تتجاوز التكاليف وأن يحافظ على تفوقه في الفضاء التنافسي أيضًا. وأكد على أهمية تفعيل الإسلام العام، واعتبره مكافئًا لمسألة الأمن القومي في الحفاظ على إسلامية النظام. وقدم واسطي النمذجة كعامل رئيسي في كل طبقة من طبقات البيئة، ورأى أن كل طبقة تحتاج إلى تقديم نموذج يمكنه ضمان فعالية المفاهيم في اتجاه النمو.

ورأى عضو الهيئة العلمية بمعهد الثقافة والفكر الإسلامي أن تحقيق بيئة فعالة يتطلب التحرك نحو مراكز تعليمية وبحثية وإدارية قائمة على المهارات وواضعة للنماذج ومنتجة للمنتجات. واعتبر أن هذه المراكز، بالإضافة إلى التوعية، قادرة على إنتاج منتجات تطبيقية، واستشهد بكلام أمير المؤمنين (عليه السلام) الذي يقول: “العلم دليل، ولكن التأثير هو الذي يأتي بالنتيجة”، وأكد على أهمية إنتاج المنتجات التطبيقية. كما أشار إلى صيغة التغيير والتطبيق، وضرورة التشخيص وتفعيل الأبعاد، ودور منطق الأنطولوجيا في عملية التطبيق، والتصور وتحويل المفاهيم النوعية إلى كمية في النموذج الشبكي، والانتقال من النموذج التفسيري إلى النموذج الشبكي، ومنطق النمذجة ووظيفة التحويلات، وتمكين العلوم في ميدان العمل، ودور الحلقة الوسطى والفلسفات المضافة في تحويل المفاهيم إلى نظريات تطبيقية.

دیدگاهتان را بنویسید

نشانی ایمیل شما منتشر نخواهد شد. بخش‌های موردنیاز علامت‌گذاری شده‌اند *

Clicky