الاجتهاد: نهضة الإمام الحسين(عليه السلام) انطلقت في عام (61هـ)، لتبقى ما بقي الإنسان، وما بقي الليل والنهار.. تبقى بمبادئها وقيمها.. وتبقى بأهدافها ورسالتها، فثورة الحسين(عليه السلام) وُلدت وفيها من القابلية للديمومة والبقاء والإلهام والعطاء، وهذه خاصية فريدة لم تتوفّر في غيرها من الثورات.
ولقد هيّأت لبقائها وسائل وعوامل، وكان من وسائلها أن تظلّ قصّة كربلاء تتردّد باستمرار عبر منبر حمل اسم بطلها، وهو الإمام الحسين(عليه السلام)، فكان المنبر الحسيني الذي حمل على عاتقه أمانة كبيرة ومسؤولية عظيمة منطلِقاً من أهداف نهضة الإمام الحسين(عليه السلام) نفسها، وحاملاً نفس رسالته، فصدح المنبر معرّفاً بالإسلام، وموضّحاً لمفاهيمه، وداعياً لسنّة رسوله(صلى الله عليه واله)، ومحذّراً من البدع والجهل والانحرافات.
وما كان من الناس بجميع شرائحهم إلّا الارتباط بالمنبر، والاستقاء من روافده، فكراً وأخلاقاً وعقيدةً وارتباطاً وانتماءً بالإسلام ورجاله، وظلّت هذه العلاقة قروناً من الزمن وطيدة وقويّة، فلم يستطع التنكيل بمرتادي المنبر ومحبّيه أن يفصلهم عنه، ولا ملذّات الدنيا أن تحجبهم عن نوره، إنّها علاقة فريدة توارثها جيل بعد جيل، وسقاها اعتقاد وإيمان وسيرة أئمّة ووصاياهم.
ولكن هذه العلاقة المستمرّة لم تمنع من أن تكون هناك أصوات وآراء تطرح علناً ـ ومن داخل البيت الشيعي ـ نقداً ومحاسبة للخطيب والخطابة، وعادة ما تصدر هذه الأصوات من النُّخب المثقّفة، وتُقابَل بمواقف وتعليقات من الجمهور أو من الخطباء، وقد يرسم هذا النقد وما يقابله من ردّة فعل نمطاً خاصّاً من العلاقة بين الطرفين.
وهذه الأوراق التي بين أيديكم تطرح جدلية العلاقة بين النُّخب المثقّفة والمنبر الحسيني، مع تحديد وصف المشكلة وطرح المعالجات والحلول، من خلال بيان أُسس ومعايير النقد البنّاء الذي ينبغي أن يُلتزم بها لرسم علاقة نموذجية تصبّ في الهدف المرجو، وهو تطوير المنبر الحسيني، كما أنّ أوراق البحث تطرح آليات التواصل بين النُّخب والمنبر الحسيني.
افتتح الكاتبان المقال بتمهيد ذكرا فيه أنّ المنبر الحسيني أحد الوسائل المهمّة للتعريف بالإسلام ومفاهيمه، ثمّ قسّما البحث على ثلاثة محاور: تطرّقا في المحور الأوّل إلى المعنى اللّغوي والاصطلاحي لمفردة المنبر، ثمّ أشارا إلى نشأة المنبر، وأنّه كان منذ عهد الرسول(ص).
كما تناولا مراحل المنبر الحسيني وأطواره، مشيرين إلى أنّه لم يتّخذ شكلاً وأُسلوباً واحداً، بل تطوّرت تلك الأساليب والأشكال على مرّ العصور.
ثمّ أشارا في المحور الثاني إلى المقصود من النُّخب الثقافية، وبيان المعنى اللّغوي لمفردتي (النُّخب والثقافية)، ومدى تأثير النُّخب الثقافية ذات النهج الإسلامي في المجتمع.
وفي المحور الثالث تطرّقا إلى فرضيات العلاقة بين النُّخب الثقافية والمنبر الحسيني، ثمّ أشارا إلى وجود اتّجاهين متباينين، أحدهما يرى ضرورة نقد المنبر من أجل تطويره، والآخر يرى أنّ النقد يمسّ بقداسته ومكانته في الوسط الاجتماعي.
بعد ذلك تحدّثا عن العلاقة النموذجية بين النُّخب والمنبر، وطرحا عدّة توصيات لإيجادها وتقويتها. كما أشارا إلى سُبل وآليات التواصل، والدور المرجو من النُّخب الثقافية الدينية لدعم المنبر الحسيني، مشيرين إلى مقترحات وآراء بعض النُّخب الثقافية في ذلك.
وفي نهاية المطاف، أوردا خاتمةً أكّدا فيها أهمّية المنبر ودوره، وأنّه أحد روافد المعرفة والوعي.
بقلم: أ. منى إبراهيم الشيخ _الشيخ باقر الحواج
تحميل المقالة:
النُّخب الثقافية والمنبر الحسيني.. جدلية العلاقة ومعالم المستقبل