الاجتهاد: نسعى من وراء هذا البحث إلى إبراز جهود الأصوليّين في اشتغالهم على استمداد المعنى من النصّ الشرعي؛ ذلك أن الموضوع الأساس في الدرس الأصولي هو تحصيل واستمداد المعنى من النصّ؛ ليكون هذا المعنى طريقاً وسبيلاً إلى تفهُّم النصوص الشرعيّة، واستنباط الأحكام الشرعيّة منها، وإلى تمثُّل القصد المحمول في ذلك المعنى.
ولعلّ هذا البُعْد المعرفي في الاشتغال على المعنى في الدرس الأصولي هو الذي جعل المباحث الأصولية حاملةً لكثيرٍ من القضايا المنتمية إلى مجال اللغة والدلالة والمعجم والسياق. فالناظر في كتب علم أصول الفقه، ولا سيَّما الأمّهات منها، يُلاحِظ أنها حاملةٌ لكثير من البحوث والدراسات التي تنتمي إلى علم اللغة، وهذا مؤشِّرٌ واضحٌ على توجُّه علم أصول الفقه نحو الوجهة البيانية والتفسيرية. وهذا البحث هو إبرازٌ وإظهار لمنهج علماء الأصول في اشتغالهم على المعنى، وتعيين طرائقهم ومسالكهم في استمداد هذا المعنى من النصّ؛ حتّى يكون مقدّمةً في الاستدلال على الأحكام الشرعية من النصّ.
تمهيدٌ
يُعَدّ مشكل تفسير النصّ الشرعي، وبيان دلالته اللغوية ومعانيه الشرعية، وتمثُّل القصد منه، من أبرز القضايا المعرفيّة والمنهجية التي أثارها علماء الإسلام عامّةً، وعلماء الأصول بصفةٍ خاصّة. فعلم أصول الفقه من أبرز العلوم استحضاراً وإثارةً لهذا الإشكال؛ فهو من أهمّ العلوم الإسلامية اشتغالاً على الفَهْم، واستحضاراً لقضايا البيان في التراث العربيّ الإسلاميّ، إلى درجة أن هناك مَنْ سمّى ونعت علم أصول الفقه بـ (علم نقد النصّ)، أو (علم فهم النصّ)([1]).
بحيث أراد له مؤسِّسه الإمام الشافعي(204هـ) أن يكون علم أصول الفقه علماً مسدّداً في تفهُّم النصّ، ومساعداً على الاستنباط، وموجّهاً للاستدلال على الأحكام الشرعيّة؛ لأن تحصيل المعنى هو الطريق الأمثل لإدراك القصد في مضامين النصوص الشرعية.
ولما كان الوَحْي هو مركز المعرفة في التراث العربيّ الإسلاميّ ومدارها فقد نشأَتْ مجموعةٌ من العلوم والمعارف انطلاقاً من هذا المركز، الذي هو القرآن الكريم. ومن هذه العلوم علمُ أصول الفقه، الذي يشتغل على صناعة واستمداد المعنى من النصّ الشرعي؛ ليكون هذا المعنى طريقاً إلى الاستنباط، وسبيلاً إلى الاستدلال، وكذا البرهنة على القضايا والنوازل غير المنصوص عليها، أو غير المصرَّح بها، في النصوص الشرعيّة.
فالحضارة العربية الإسلامية تُنْعَت بين الباحثين عادةً بـ (حضارة النصّ)، وبـ (حضارة التأويل)؛ ذلك أن التأويل هو الوجه الآخر والمقابل للنصّ.
في هذا الإطار كان البحث عن المعنى، والعمل على مقاربته، وتأمين الطريق والسبيل للوصول إليه، من أهمّ المحاور الكبرى التي حضرَتْ في بناء العلوم الإسلاميّة. ومن العلوم التي نالت الصدارة في الاشتغال على المعنى علم أصول الفقه([2]).
الفهم والتفسير في الدرس الأصولي
إن تفسير النصّ وفهمه، واستمداد معناه، جزئيّاً أو كلِّياً، شكَّل قطاعاً مشتركاً بين كثير من النُّظُم والمعارف والعلوم التي أسّست المحاور والأنساق المعرفيّة الكبرى في التراث العربيّ الإسلاميّ. لكنّ ما قدَّمه علم أصول الفقه في محور صناعة المعنى، وبشهادة الكثير، يتميَّز بخصوصيّةٍ عمّا قدَّمته النُّظُم المعرفيّة الأخرى في محور التفسير والبيان والتأويل.
وقد ظهرت عدّة دراسات، وبرزت مجموعةٌ من الأبحاث الأكاديمية، حاول فيها أصحابها تشخيص مكوّنات المنهج التفسيري، وإظهار أُسُسه، وبيان عناصره، وإجراء مقارنةٍ بين هذا المنهج والمناهج المعاصرة المهتمّة، وخاصة بمشاكل القراءة، وبتحليل الخطاب، وبقضايا التفسير والتأويل. وهي مقارنةٌ توخّى القائمون بها إدراك نقاط التقاطع، ومحاور التلاقي، وعناصر الاشتراك والاجتماع، بين المنهج الأصولي والمناهج المعاصرة، التي تشتغل على ر القراءة والبيان وتحليل الخطاب والتفسير والتأويل([3]).
وقد أسفرت أغلب النتائج عن المستوى العلميّ الكبير الذي بلغه ووصل إليه منهج علماء الأصول في التعامل مع النصوص الشرعيّة بصفةٍ عامّة.
فالغاية من هذه الدراسات والبحوث هو المقارنة والموازنة بين المناهج التفسيرية والبيانية؛ لأجل الكشف عن المعايير الضابطة للفهم، والقوانين الصانعة للمعنى، وإظهار الآليّات المعينة على استمداد هذا المعنى.
وما يظهر للناظر والباحث أن وجهة العلوم الإسلاميّة كانت تنحو نحو الوجهة اللغويّة والبيانيّة التفسيريّة. وهذا محلّ اتفاق كثيرٍ من الباحثين والدارسين، الذين اشتغلوا على النَّسَق والبناء المركَّب والمشكل للعلوم الإسلاميّة([4]).
علم أصول الفقه، الحقيقة والدلالة
يُعَدّ علم أصول الفقه من أهمّ العلوم التي أنتجَتْها الحضارة العربية الإسلامية. فقد عبَّر هذا العلم عن أهمّ المشاغل التشريعية والتأويلية التي شغلَتْ الحضارة العربية الإسلامية في مسارها التاريخيّ الطويل. وقد تحدَّث ابن خلدون في «المقدّمة» عن علم أصول الفقه، وأهمّيته في التشريع والاستنباط، فقال: «اعلَمْ أن أصول الفقه من أعظم العلوم الشرعيّة، وأجلّها قَدْراً، وأكثرها فائدةً، وهو النظر في الأدلّة الشرعية، من حيث تؤخذ منها الأحكام»([5]).
واعتبر ابن خلدون علم أصول الفقه من العلوم المستَحدَثة في الملّة؛ حيث لم يكن المتقدِّمون في حاجةٍ إليه، وإنما نشأَتْ الحاجة إليه بعد فساد الألسنة، واختلاط المسلمين بغيرهم من أهل الديانات الأخرى.
وعلم أصول الفقه هو من علوم المناهج، يدرج في علم المناهج، فهو كاشفٌ لحضور المسألة المنهجيّة في التراث العربي الإسلامي، بحيث يعكس مدى اشتغال علماء الإسلام على المسألة المنهجيّة، وعنايتهم البالغة بالعلوم ذات الوجهة التفسيرية البيانيّة؛ حيث كان لكلّ علمٍ في التراث منهجه الخاصّ به، والمميِّز له([6]).
ولعلّ هذا البُعْد المنهجيّ المركّب لعلم أصول الفقه هو الذي دفع بعض الدارسين إلى نعت هذا العلم بالمنهجيّة التشريعيّة؛ لأنه علمٌ يضع بين يدَيْ المستدلّ والمشتغل على فهم النصوص الشرعيّة مجموعةً من القواعد والآليّات الكلِّية والضوابط، التي تعينه وتساعده على تفهُّم النصّ، وعلى استمداد معناه([7]).
ومن جهةٍ أخرى فهو يجسِّد مبدأ التداخل والتواصل بين العلوم الحاضرة في الإسلام؛ ذلك أن علم أصول الفقه هو في بنائه العامّ «يظهر بمظهر نسقٍ من العلوم، لم تدخل فيه شعب العلوم الإسلامية وَحدَها، بل دخَلَتْ فيه أيضاً العلوم العقلية المنقولة والدخيلة على الثقافة العربية الإسلامية، والوافدة عليها من ثقافاتٍ أخرى»([8]).
ولقد ردّ الدكتور طه عبد الرحمان بقوّةٍ على مَنْ استصغر هذا العلم، أو قلَّل من شأنه، أومن قيمته العلميّة؛ لأن القضايا والمباحث والإشكاليّات الكبرى التي استحضرها وأثارها علماء هذا العلم قديماً ليس بالإمكان أن يستحضرها الباحثون المعاصرون اليوم.
وفي المقابل، اعتبر الدكتور مهدي فضل الله «أن علم أصول الفقه منهجٌ دقيق، وأنه منهجٌ لا يعادله منهجٌ آخر، في دقّته، وتماسكه، ومرونته، وقدرته على الخوض في مختلف موضوعات الشريعة، والوصول فيها إلى حلولٍ اجتماعيّة إنسانيّة»([9]).
وهذا يدلّ أن علم أصول الفقه من أهمّ العلوم التي استطاعَتْ أن تحمل نظريةً متكاملة في تفسير النصّ، وقراءته وتأويله. فعلم أصول الفقه علمٌ يختصّ بمنهج الاستنباط، ويتعلّق بتقويم عملية الاجتهاد، ويعمل على تسديد الفهم، ويتّصل مباشرةً بتسديد النظر في الفهم وفق قانونٍ علميّ ضابط؛ لأن مسعى الأصولي كان دائماً هو تقعيد قواعد الفهم، وإرساء شروط التفسير، وعَرْض مقتضيات البيان وأصول التأويل. قصده من هذا تحصيل المعنى المحمول في الخطاب القرآني؛ ليكون هذا المعنى مدخلاً لاستنباط الحكم الشرعي([10]).
فهو منهجٌ بالإمكان استثمارُه في تفقُّه النصوص المدوَّنة باللغة العربية، بما في ذلك النصوص القانونية؛ لأنها مُصاغةٌ ومركّبة بأسلوبٍ عربيّ([11]).
فهذه المهمّة، التي أُنيط بها علم أصول لفقه، هي التي كشف عنها الإمام الغزالي بقوله: «أصول الفقه يرجع إلى ضبط قوانين الاستدلال»([12]).
ولمّا كانت معظم التكاليف الشرعية لها استمدادٌ من اللغة العربية وعلومها أَوْلى علماء هذه الشريعة العناية البالغة باللغة العربيّة، واستعانوا بقواعد اللغة العربية في فهمهم للشريعة الإسلاميّة([13]).
وقد انطوى هذا العلم على نظريّاتٍ علميّة لا تقلّ أهمّيةً عن النظريات التي تتعرَّض لدراسة النصوص، وتغوص في أعماقها؛ لإدراك المعنى وحمولته والقصد المتضمّن فيه.
وعلى العموم فإن علم أصول الفقه عبارةٌ عن قواعد منهجيّة استدلاليّة؛ لضبط الفهم، وتنظيم الاستنباط، وتسديد الاستدلال، و تحصيل المعنى، والوصول إلى القصد.
تلقّي المعنى في النصّ، الشروط والمقتضيات في علم أصول الفقه
انطلاقاً من هذا المبدأ العامّ، وهو أن علم أصول الفقه يُعَدّ من أبرز العلوم التي اشتغلت على المعنى في النصّ، في جميع مستوياته، وكان هذا الاشتغال من أجل تفهُّم النصّ، واستيعاب مضامينه، والوقوف على معانيه، كلِّية أم جزئيّة؛ لإدراك مقاصده ومراميه، فإن علماء الأصول استحضروا كثيراً من المباحث اللغويّة والدلاليّة التي تشتغل على المعنى؛ لأن التلقّي السليم للمعنى المحمول في النصّ الشرعي يتأسَّس على ضوء القواعد والكلِّيات والأصول المستمدّة من اللغة العربية، ومن طبيعتها في الأداء، وقوانينها في التخاطب.
ومن شأن التقيُّد بهذه القواعد والكلِّيات أن يساعد ويعين المتلقّي على التلقّي السليم للنصّ القرآني، ويجعل الفهم سديداً وسليماً، محافظاً على مقاصده العليا التي من أجلها نزل القرآن. مع العلم أن هذه القواعد، ذات الوجهة التفسيرية، هي في حدّ ذاتها آليّاتٌ مساعِدة، وأصولٌ معينة على تحصيل المعنى من النصّ؛ حتّى يكون هذا المعنى طريقاً إلى الاستدلال. وهذه القواعد التفسيرية هي في غالبها قواعد مستمدّة من اللغة العربية. وهذا يعود إلى أن القرآن الكريم هو كلامٌ عربيّ، جرى فيه التخاطب على معهود العرب في كلامها، فكانت قواعد اللغة العربية طريقاً إلى فهم المعاني القرآنية.
وممّا يدلّ على أهمّية هذه القواعد ذات المنزع الأصولي في الفهم والتفسير تصريح المفسِّر الأندلسي ابن جزي الكلبي(741هـ)، الذي قال في شأن هذه القواعد: «…فإنه من أدوات تفسير القرآن، وإنه لنعم العَوْن على فهم المعاني، وترجيح الأقوال. وما أحوج المفسِّر إلى معرفة: النصّ، والظاهر، والمجمل، والمبين، والعامّ، والخاصّ، والمطلق، والمقيّد، وفحوى الخطاب، ولحن الخطاب، ودليل الخطاب، وشروط النسخ، ووجوه التعارض، وأسباب الخلاف، وغير ذلك، من علم الأصول!…»([14]).
المرجع اللغويّ في علم أصول الفقه
وهو المعنى الذي أكَّده الإمام القرافي، في مقدّمة فروقه، عندما قال: «خصّ الله تعالى اللسان العربيّ بالبيان؛ إذ استمدَّتْ اللغة العربية شرفها وقدسيّتها من انتسابها وانتمائها إلى الوَحْي. قال ابن فارس: «لمّا خصّ الله جلَّ ثناؤه اللسان العربي بالبيان علم أن سائر اللغات قاصرةٌ عنه»([15]).
أما الإمام عليّ فقد قال في شأن العربية: «كلام العرب كالميزان الذي يعرف به الزيادة والنقصان، وهو أعذب من الماء، وأرقّ من الهواء؛ فإنْ فسَّرته بذاته استصعب، وإنْ فسَّرته بغير معناه استحال. فالعرب أشجارٌ، وكلامهم ثمارٌ…»([16]).
وهذا ما جعل الترابط حاضراً وقائماً بين القرآن الكريم واللغة العربية.
ويعتبر علماء الأصول من أوائل العلماء الذين احتضنوا الدراسات اللغوية والدلالية؛ فأغلب المصادر الأصولية احتضنَتْ المباحث اللغوية والدلالية، بحيث لا نجد تراثاً أصوليّاً لا يحمل المباحث ذات الصلة بالمباحث اللغوية([17]).
وفي هذا المعنى قال إمام الحرمين، صاحب البرهان: «اعلَمْ أن معظم الكلام في أصول الفقه يتعلَّق بالألفاظ والمعاني».
اللغة في كتب علم أصول الفقه
بحكم عربيّة الشريعة الإسلامية، وبحكم نزولها وفق مقتضيات اللغة العربيّة، وأساليبها في التعبير، كان ضروريّاً ولازماً على المفتي ومتفهِّم النصّ والمستدلّ ومستنبط الأحكام الشرعية من النصّ أن يتمكَّن من اللغة العربية، ومن جميع مكوّناتها وأدواتها، وعناصرها ومستوياتها([18]).
والسبب في حضور اللغة في مدوّنات علم أصول الفقه يعود إلى «أن الشريعة جاءَتْ بلغة العرب. وكلّ شريعةٍ لا تظهر إلاّ بلغةٍ، «فيصير تعلُّم تلك اللغة من الضروريات»([19])؛ إذ إن القرآن الكريم والسنّة النبوية «لمّا كانا عربيّين لم يكن لينظر فيهما إلاّ عربيّ»([20]). وهو ما جعل مدوّنات علم أصول الفقه تحتوي على مقدّمات نفيسة في علم اللغة بفروعها المتعدِّدة. قال الإمام الغزالي: «إن المقدّمات اللغوية، كعلم اللغة والنحو، فإنها آلةٌ لعلم كتاب الله، وسنّة نبيِّهﷺ»([21]).
هذه الخصائص التي في اللغة العربية هي التي أهَّلَت العربية لأن تُحْصَى بموقعٍ كبير، ومن ثمّ فلا مَحيص عن اللغة العربية وعلومها لمَنْ أراد الفهم لكتاب الله؛ لأن القرآن الكريم أنزله الله بلسان العرب.
واللغة هي التي تكفل للمفسِّر وتعينه على أن يستمدّ المعنى، ويحقِّق الدلالة في النصّ، بجميع الطرق الموصلة إليها، وبجميع السبل المؤدّية، سواءٌ كان هذا الاستمداد والتحصيل بطريق المنطوق أو المفهوم أو المعقول…([22]).
وممّا يدلّ على نزوع علم أصول الفقه نحو تفسير النصّ وقراءته هو استحضار علماء الأصول لكثيرٍ من المباحث ذات المنحى اللغويّ. فأغلب المباحث التي دُوِّنَتْ في هذا العلم هي مباحث تنتمي إلى علم اللغة، والدلالة، والتركيب، وعلم المعجم. فهي مباحث في أصلها كانت تنزع إلى وضع القواعد والأصول والضوابط، التي تنزع إلى تحقيق الفهم السليم والسديد للنصّ الشرعي، انطلاقاً من علوم اللغة العربية. وهذا المعطى يعود إلى أن «الحقّ سبحانه خاطب العرب بلسانها، على ما تعرف من معانيها»([23]). وقد أدّى هذا الترابط الوثيق بين علم أصول الفقه واللغة العربية، وتوقُّف استمداد المعنى على اللغة العربيّة، إلى ظهور شبكةٍ متكاملة ومنسجمة من العلوم اللغويّة والدلاليّة والشرعيّة، تعمل موحّدةً، وبطريقةٍ منسجمةٍ؛ من أجل استمداد المعنى من النصّ؛ لأجل تفهُّمه واستخلاص مقاصده…
إن هذا التعلُّق باللغة بين الأصوليّين هو الذي جعل جزءاً كبيراً من مباحث علم أصول الفقه تدور وتتّجه نحو المباحث اللغويّة والدلاليّة…
فأغلب ومعظم مباحث علم أصول الفقه تنتظمها البحوث المُدْرَجة في العلاقة الرابطة والجامعة بين الألفاظ والمعاني.
قال الدكتور محمد عابد الجابري: إن «السلطة المرجعيّة في علم أصول الفقه كانت للبحوث اللغويّة، والمحور الرئيس الذي ينتظم هذه البحوث هو علاقة اللفظ بالمعنى»([24]).
وما يدلّ على نزوع علم أصول الفقه نحو تفسير النصّ؛ لاستمداد واستخلاص المعنى منه، هو استحضار علماء الأصول لكثيرٍ من المباحث اللغوية، والدلاليّة. فأغلب المباحث المركّبة لعلم أصول الفقه، التي دوِّنت في هذا العلم، مباحث تنتمي لعلم اللغة بجميع مستوياته: التركيب، والمعجم، والدلالة. فهي علومٌ تنزع نحو التفسير والبيان. وهذا يعود إلى أن «الحقّ سبحانه خاطب العرب بلسانها، على ما تعرف من معانيها»([25]).
فالمرجع في التفسير والبيان والفهم هو قواعد اللغة العربية، وأعرافها في الأداء، ومعهودها في التخاطب، ومقتضياتها في صرف ونقل المعنى، وما يتبع من تحوُّل المعنى من المواضعة اللغويّة إلى الشرعيّة أو المواضعة العُرْفية، بحيث لا تظهر ثمرة الاستدلال إلاّ بفهم النصّ، كما صرّح بذلك الإمام الشاطبي(790هـ)، عندما قال في الموافقات: «لا تظهر ثمرة الفهم إلاّ في الاستنباط»([26]).
فتوجُّه علم أصول الفقه نحو اللغة يعود إلى اشتغاله بالتفسير والقراءة. وهو توجُّهٌ يجد مبرِّره وسنده في توقُّف الاستدلال على فهم النصّ، وإدراك حمولته اللغويّة، ومعانيه الشرعية؛ لأن الفهم لمحتوى النصّ في دلالته، وفي معانيه ومقاصده، هو المدخل الأوّلي لاستنباط الأحكام الشرعية؛ باعتبار أنه «لا استنباط بدون فقهٍ للنصّ الشرعيّ»، كما يقول علماء الأصول.
هذا الاعتبار جعل من مصنّفات ومدوّنات علم أصول الفقه حاملةً لكثيرٍ من المباحث اللغوية والمباحث البلاغية، وجامعةً للقضايا الدلالية، والمسائل المعجمية. وهي مباحث من أهدافها وغاياتها فَهْم النصّ القرآني فَهْماً منسجماً مع طبيعة اللغة العربية، ومتوافقاً مع معهودها في التخاطب، وواقعاً على أصولها في التفسير، ومنطقها ومقتضياتها في البيان والتأويل. لقد كان طبيعياً، والعربية لسان شريعة الإسلام، أن توضع قواعد التفسير في ظلّ هذه الحقيقة. «وهكذا وُضعت تلك القواعد بعد استقراءٍ للأساليب العربية، وإدراكٍ لطبيعتها في الخطاب، ومعرفة ما يمكن أن تؤدّيه تلك الألفاظ والتراكيب من مدلولاتٍ ومعانٍ»([27])؛ ولأن مقصد البيان هو أوّل مقاصد الشريعة الإسلاميّة، وهو المقصد الذي عبَّر عنه الإمام الشاطبي بقصد الشارع في وضع التشريع للإفهام([28]).
المنهج الأصوليّ في صناعة المعنى، الغاية والقصد
لقد تقدَّم أن من أبرز ما اعتنَتْ به العلوم الإنسانية هو تأسيس البيان المؤدّي إلى فهم النصّ بقسمَيْه: القرآني؛ والحديثي. ومن أبرز العلوم التي اختارَتْ الاشتغال بهذا الموضوع علمُ أصول الفقه.
وعليه، فإن عناية علماء الأصول، على اختلاف تخصُّصاتهم، هو تأسيس البيان المؤدّي إلى فهم القرآن الكريم، ووضع الضوابط العلمية، والشروط المنهجيّة المتّصلة بالفهم والبيان، من خلال استدرار المعاني من مفردات النصّ، وتحصيلها من منطوقه، واستمدادها من مفهومه، واستكشافها من معقوله، مع الالتفات إلى العِلَل، والأمارات، والقرائن، والسياقات، والمقتضيات المحيطة بالنصّ. لقد كان الأصولي مندفعاً برغبةٍ أكبر وتوجُّهٍ قويّ في صيانة النصّ، وحمايته وتحصينه من أن يصير مجالاً للزيادة، وممرّاً لإقحام الذات، ومعبراً من أجل تصريف الآراء الشخصيّة، وتمرير الرغبات الذاتية، لقارئ النصّ، ولا سيَّما إذا كانت هذه الرغبات لا تحكمها المعايير العلميّة، ولا تحترم الضوابط المنهجيّة، وتنأى بطبيعتها عن الحياد، وتنتصر للتحيُّز الذاتي، ولا تأخذ بالموضوعية التي يقتضيها البحث العلمي([29]).
فلا أحد يشكّ في أن علم أصول الفقه من أهمّ العلوم المنهجية والتأويلية التي قدَّمَتْ نظريّةً متكاملةً تخصّ تفسير وفقه النصّ.
وفي هذا السياق عاتب المفسِّر ابن جزي الكلبي، في مقدّمة تفسيره، بعض المفسِّرين؛ لأنهم تغاضَوْا واغفلوا مباحث علم أصول الفقه، و تجاهلوا جهود الأصوليّين في التفسير، ولم يستحضروها في سياق تفسيرهم للقرآن الكريم، ولا سيَّما ما تعلَّق بالقواعد اللغوية المخصّصة للتفسير عامّة، وتفسير النصّ القرآنيّ خاصّة…([30]).
وهذا العتاب يجد اعتباره أن مقصد البيان يُعَدّ من أبرز المقاصد التي جاء بها الإسلام، وحملتها الشريعة الإسلامية، وأصَّلتها في خطابها، وبيَّنتها في آياتها، وقعَّدتها في نصوصها، وكشفت عنها في نقولها وشواهدها، وقعَّدتها في قواعدها، التي منها: إن «الأصل في الخطاب البيان وتحقيق الفهم»، وبعبارة الإمام أبي الحسين البصري(436هـ): «إن الغرض من إرسال الخطاب هو تحقيق التفاهم…»([31]).
الصلة المشتركة بين علمَيْ أصول الفقه والتفسير
ممّا يدلّ على الصلة القويّة القائمة بين علم أصول الفقه والتفسير أن كلَيْهما يشتغل على محور التفسير والبيان، وعلى تمثُّل المعاني، واستمداد الدلالات اللغويّة المحمولة في النصّ القرآني([32]). ومن هنا فإن الضرورة المنهجية والعلمية ملزمةٌ للمفسِّر والقارئ في أن يستعين بجهود الأصوليّين، ويستحضر بحوثهم، ويستأنس باجتهاداتهم وآرائهم في قراءة النصّ الشرعي، وأن لا يتغاضى عن هذه الجهود في كلّ عملٍ اتّصل بقراءة النصّ.
وتَبَعاً لهذا الاعتبار العملي، وهذا المعطى المنهجي المحدّد لأهمّية المنهج، فقد أدركَتْ الثقافة العربية الإسلامية في بداية نشأتها أن الحاجة ماسّةٌ وضروريّةٌ إلى تأسيس منهجٍ يضبط عملية الفهم، ويسدِّد عملية البيان، ويقوِّم الاستمداد، وينظِّم ويقنِّن عملية التأويل، وخاصّة في تحقيق دلالة الألفاظ، وفي تحوُّل المعنى وانتقاله من الدلالة الأصلية إلى الدلالة التَّبَعية، تَبَعاً للسياقات والمقتضيات التي تَرِدُ فيها تلك الدلالة، من خلال ما تمّ إرساؤه من الضوابط، وما تمّ إنتاجه وتقنينه من المقتضيات، وما تمّ تعيينه من الشروط الخادمة والمشتغلة على الفهم، والمنظِّمة للتأويل.
والمنهج عند المفسِّرين هو تلك الطرق والمسالك التي ينبغي أن يتّبعها ويسلكها ويتقيَّد بها المفسِّر في تفسيره لكتاب الله؛ تحصيناً لكتاب الله من التحريف…([33]).
وممّا يؤكِّد حضور المنهج بشكلٍ بارز في العلوم الإسلامية حضور مباحث علم أصول الفقه وعلم أصول التفسير وعلم المعجم؛ باعتبارها من أبرز علوم مناهج الفَهْم. فوظيفتهم تتَّحد في تحصين وضبط عمل المفسِّر من أن لا يخرج عن السبيل في التماسه للمعنى.
الجهات اللغويّة الصانعة للمعنى
1ـ جهة اللفظ
إن من أبرز الجهات اللغويّة التي كانت موضوع بحث واستقراء وتتبُّع علماء أصول الفقه هي جهة الألفاظ في علاقتها بالمعاني؛ لأن اللفظ هو أداةٌ ووسيلةٌ إلى تمثُّل المعنى، فلا «سبيل إلى معرفة حقائق الأشياء إلاّ بتوسُّطٍ»([34]).
ومن جهةٍ أخرى يُعَدّ اللفظ طريق البيان، ووسيلةً لفهم النصّ؛ إذ إن الأصل «أنه لا بيان إلاّ بالألفاظ المعبِّرة عن المعاني التي أوقعت عليها في اللغة…»([35]).
والتحقُّق من الألفاظ من شأنه أن يبعد الالتباس، ويرفع الخفاء في النصّ؛ «لأن الأصل في كلّ بلاءٍ وعماءٍ وتخليطٍ وفسادٍ هو اختلاط الأسماء، ووقوع اسمٍ واحدٍ على معاني كثيرةٍ…»([36]).
لهذا الاعتبار رصد «علماء الأصول دلالات الألفاظ من مختلف الزوايا والجهات. وحتّى تتوفَّر لهم تلك المعرفة باللفظ رصدوها من زاوية ما وُضِعَتْ له الألفاظ من حقائق، فوجدوها لا تخرج في دلالتها عن العموم والخصوص والاشتراك؛ كما رصدوها من زاوية ما تُسْتَعْمَل فيه فوجدوها لا تخرج في دلالتها عن الحقيقة والمجاز»([37]). وقد تميَّز حديثهم حول اللفظ بالسَّعَة والشمولية، وحقَّقوا بحوثاً نفيسةً تدور في محور اللفظ في علاقته بالمعنى([38]). وهذا الرصد والمتابعة يعود إلى أن اللفظ هو العمدة في استنباط الأحكام الشرعيّة، فتتبعوه مفرداً ومركّباً، خاصّاً وعامّاً، مطلقاً ومقيّداً، حقيقةً ومجازاً، وفصَّلوا القول في علاقته بالمعنى، ومراتب هذا المعنى. كما بحثوا مدى تأثير السياق والقرائن في توجيه المعنى، فثنائيّة اللفظ والمعنى شكَّلت سلطةً معرفيّة، حاضرةً بقوّةٍ في الدرس الأصولي، بجميع مدارسه واتجاهاته، بحيث اعتنى بهذه الثنائية جميع الأصوليّين، على اختلاف مدارسهم واتّجاهاتهم المذهبية([39]). وقد كانت لهم في مدارسة اللفظ اجتهاداتٌ قيِّمة ونفيسة، بحيث كان يجمعهم في اشتغالهم بثنائيّة اللفظ والمعنى، وهما مشتركٌ واحد؛ لاستمداد المعنى من النصّ الشرعي؛ ليكون هذا المعنى مقدّمةً في استنباط وتحصيل الحكم الشرعي.
وممّا شدّ الأصوليّين في اشتغالهم على اللفظ هو أن الأخطر في سوء الفَهْم للنصّ بصفةٍ عامّة هو عدم التحقُّق من الألفاظ المركّبة لذلك النصّ.
ومن مبادئهم في هذا الباب أن الأصل في تداول اللفظ هو تحقيق البيان والفَهْم([40])، وأن «لكلّ اسمٍ مسمّىً يختصّ به، ويتبين به المراد؛ ليقع به التفاهم والبيان، ولو لم يكن ذلك لما كان تفاهمٌ أبداً، ولبطل خطاب الله تعالى لنا»([41]). وهذا الحضور للبحث اللغويّ والدلاليّ في الدرس الأصوليّ هو ما يجعلنا ندرك أن علم أصول الفقه هو في أصله بحثٌ في دلالة اللفظ في النصّ الشرعيّ؛ من أجل رسم الضوابط، وإرساء المعايير الحاكمة لفهم النصّ، وتحصيل القواعد، وهو ما كان دافعاً للأصوليّين إلى استقراء جميع أنواع وأشكال العلاقات والأنساق التي تقوم بين اللفظ والمعنى في النصّ الشرعي([42]).
بل إن البحث عن المعنى الذي يحمله اللفظ في التركيب كان هو الأصل والقصد في عمل الأصوليين وهم يشتغلون على اللغة، ويستحضرون مباحثها، ويناقشون قضاياها. وهذا ما صرَّح به الإمام الشاطبي عندما قال: «إن الاعتناء بالمعاني المبثوثة في الخطاب هو المقصود الأعظم، بناءً على أن العرب إنما كانت عنايتها بالمعاني. وهذا الأصل معلومٌ عند أهل العربية»([43]).
فاللفظ ما هو إلاّ وسيلةٌ لتحصيل المعنى من النصّ.
ولقد أفصح إمام الحرمين الجويني(478هـ) عن هذا التوجُّه في «البرهان» فقال: «اعلَمْ أن معظم الكلام في الأصول يتعلَّق بالألفاظ والمعاني؛ أما المعاني فستأتي في كتاب القياس، إنْ شاء الله؛ وأما الألفاظ فلا بُدَّ من الاعتناء بها؛ فإنّ الشريعة عربيّةٌ»([44]). ويُعَدّ مبحث اللفظ من المداخل الأساسية لفهم الخطاب الشرعيّ، فهو من أهمّ الآليّات المساعدة والمعينة على الفهم والتلقّي.
والمنطلق المنهجي هو التحقُّق من اللفظ في حالتَيْ الإفراد والتركيب. فالفَهْم يبدأ، كما قالت الدكتورة عائشة بنت الشاطئ، بالخدمة اللغوية لألفاظ النصّ، بمعرفة الدلالة المعجمية والسياقية للفظ في علاقته بالمعنى([45]). وإدراكاً لهذا البُعْد المنحي، فقد عُني علماء باللفظ العربي، من حيث معانيه ودلالاته، عنايةً بالغة، وقاموا بمتابعته في جميع الأحوال والمواقع. ولم يفُتْهُم استحضار السياق؛ بحكم أثره وقوّته في توجيه المعنى؛ لأن الأصل في تحليل الخطاب الشرعيّ يجب أن تكون البداية فيه بالخدمة اللغويّة لألفاظه، بمعرفة الدلالة المعجميّة أوّلاً، والدلالة الاستعماليّة ثانياً، لهذه الألفاظ والمقتضيات والأحوال المحيطة بالنصّ. فلا بُدَّ في التفسير من التحقُّق من الألفاظ في التركيب. فأوّل ما يحتاج إليه مفسِّر الخطاب أن يحقِّق الألفاظ المفردة. فتحصيل معنى مفردات ألفاظ القرآن من أوّل المعاون لمَنْ أراد أن يدرك معاني القرآن»([46]).
2ـ جهة الدلالة، ومراتبها
بناءً على هذا الثابت، وهو أن التلقّي السليم للنصّ الشرعي وفهمه، والوصول إلى مقاصده، لا يتيسَّر إلاّ بتجميع مجموعةٍ من الضوابط والشروط، والتقيُّد بعددٍ من القواعد، فإن وجهة علماء الأصول اتّجهت إلى الدلالات. ومن ثمّ فمن أهمّ الجوانب اللغوية، التي كانت موضوع دراسة الأصوليين، الجانب الدلاليّ. والذي حدا بالأصوليّين للعناية بهذا الجانب هو توقُّف التفسير والتأويل والاستنباط على معرفة دلالة اللفظ على المعنى، من جميع الجهات والزوايا والمستويات.
فالدلالات هي التي تُعين الفقيه على استخراج واستنباط الأحكام من المنطوق، وهي القضيّة المصرَّح بها. كما تُعينه على استنباط الأحكام من غير المصرَّح به، أي من النصّ غير المصرَّح به. وهذا الشكل في الاستدلال يُعْرَف عند المناطقة بـ (قواعد التوليد والاستدلال)([47])؛ وبـ (تحصيل المسكوت من المنطوق). ومن هنا عُدَّتْ جهة الدلالات عمدة علم الأصول.
فلا بُدَّ في التفسير من إدراكٍ سليم ومعرفةٍ عميقة بدلالات الألفاظ على المعاني، وبالتغيُّر الذي يطرأ على دلالة الخطاب، تَبَعاً للسياق المحيط بالخطاب. ولهذا الغرض نظر علماء أصول الفقه في الألفاظ في علاقتها بالمعاني في جميع الجهات، كما انصرَفَتْ عنايتهم إلى الإلمام بالمقتضيات المحيطة بالخطاب؛ لأن الكلام الواحد تختلف دلالتُه تَبَعاً للمقتضيات المحيطة به.
فدلالة الألفاظ تابعةٌ لقصد المتكلِّم وإرادته، ومن ثمّ لا بُدَّ من معرفة القصد والإرادة في التخاطب؛ بتحكيم السياق، وإعمال القرائن المحيطة بالنصّ؛ لأن السياق حاكمٌ، كما صرَّح بذلك علماء الأصول.
ويُعَدّ مبحث الدلالة عند الأصوليّين الأساس الذي يتأسَّس عليه بناء علم أصول الفقه. وقد كشف عن هذا الإمام الغزالي(505هـ)، عندما قال في «المستصفى»: «اعلَمْ أن هذا القطب هو عمدة علم الأصول؛ لأنه ميدانُ سَعْي المجتهدين، في اقتباس الأحكام من أصولها، واجتنائها من أغصانها»([48]).
وممّا حفّز الأصوليّين على التوسُّع في المباحث اللغويّة والدلاليّة هو درجة التفاوت الحاصل في الألفاظ، من حيث درجة الوضوح والخفاء. فالألفاظ التي جاءَتْ في الخطاب الشرعيّ ليست في مستوىً واحدٍ، من حيث الوضوح والإبانة والخفاء. بل إن اللفظ الواحد قد «يدلّ على الحكم بصيغته ومنظومه، أو بفحواه ومفهومه، أو بمعناه ومعقوله»([49]). إضافةً إلى أن البيان مقصورٌ على الدلالة اللفظية. وهو ما أكَّده الأصوليّون في نقولهم؛ حيث ذكروا «أن البيان لا يكون إلاّ بالألفاظ المعبِّرة عن المعاني التي أوقعت عليها في اللغة»([50]). والسبيل والطريق في هذه المعرفة هي وجهة اللسان العربيّ، وهو المقصود بالمواضعة اللغويّة([51]).
وممّا يؤكِّد أهمّية الدلالة في الفهم واستمداد المعنى كون النصّ الشرعيّ يدلّ على أكثر من دلالةٍ، بطرقٍ مختلفة. فقد أضحى ضروريّاً البحث في دلالة النصوص على معانيها، والتي تعتبر قواعد أصوليّة لغويّة ترسم منهج الاجتهاد في استثمار كافّة طاقات النصّ في الدلالة على معانيه. وهو من أهمّ البحوث التي يقوم عليها استنباط الأحكام([52]).
ومن أهداف النظرة الأصولية للبحث الدلالي السَّعْيُ إلى تحديد معالم البيان والتفسير والتأويل؛ وذلك بوضع المعايير المنضبطة والضوابط الحاكمة التي توزن بها النصوص والمتون اللغوية فيما لو شابَها لَبْسٌ، أو مسّها غموضٌ، أو اعترضها إبهامٌ، أو أصابها خفاءٌ والتباسٌ. كلّ هذا العمل كان من أجل الوصول إلى تحقيق هذا الهدف النبيل، الذي يتحدَّد في ضبط عمليّتي القراءة والتأويل. وعلم أصول الفقه في مجمله إنما هو بحثٌ في الدلالات، لفظاً ومعنى، ونصّاً وسياقاً، وذلك عن طريق مبدأ التلازم القائم بين قوانين اللغة في فهم الخطاب، وضوابط السياق في تحديد المعنى المتعدِّد، والمحتمل على نحوٍ مخصوص»([53]).
والاهتمام بالدلالات، بجميع أقسامها وفروعها وأنواعها، جعلَتْ علماء الأصول يتّجهون إلى البحث في السياق؛ باعتبار أن السياق أداةٌ إجرائيّة لتحديد المعنى، وسببٌ مُعين في الترجيح بين الدلالات المحتَمَلة، والأقوال المتعدِّدة التي يحتملها المعنى المحمول في النصّ الشرعي([54]). هذه الأهمِّية التي اكتسبَتْها الدلالات في التفسير جعلت بعض الباحثين يستحضرون مبحث الدلالات ليكون قانوناً عامّاً في التفسير والبيان.
وتنقسم الدلالة إلى عدّة أقسامٍ، منها:
1ـ الدلالة الأصليّة: وهي دلالةٌ لفظيّة تابعةٌ لقصد المتكلِّم، حيث يجد العقل بين الدالّ والمدلول مناسبةً. وقوامها أن تأخذ الألفاظ من وضعها الأصليّ، بحيث تكون دلالتها وفق ما وُضعَتْ له بالقصد الأوّل المأخوذ من الوضع. فهي دلالةٌ تشترك فيها جميع الفهوم والألسنة([55]).
2ـ الدلالة التابعة: وهي دلالة مستمدّةٌ من الدلالة الأصلية، وخادمةٌ لها، وراجعةٌ إليها. ويتطلّب النظر في معرفتها النظر في المقتضيات العامّة المحيطة بالخطاب، أعني السياق([56]).
وتحصيل الدلالة التَّبَعية من الأصليّة متوقِّفٌ على مدى المعرفة بالسياق المحيط بالخطاب. وهو ما يتفاوت فيه المتلقِّين لهذا الخطاب. وهو ما يعني أن المتلقِّين يتفاوتون في اكتساب هذه الدلالة…
فمراعاة المقتضيات التداولية للخطاب، من حيث الظروف والملابسات المحيطة بالخطاب، مطلبٌ منهجيّ في تمثُّل الدلالة في الخطاب، بأقسامها المتعدِّدة، وبفروعها وأشكالها المتنوِّعة.
والدلالة بهذا التقسيم والتفريع هي من اختيار الإمام الشاطبي(790هـ)، في الموافقات، فقد قسَّم الدلالة التي ترجع إلى المواضعة اللغويّة إلى:
دلالة أصليّة؛ «…من جهة كونها ألفاظاً وعبارات مفيدة دالّة على معانٍ مطلقة…».
ودلالة تابعة، «وهي من جهة كونها ألفاظاً وعبارات مقيّدة دالّةٌ على معانٍ خادمةٍ للدلالة التابعة…»([57]).
ويندرج في هذه المقتضيات الحاكمة والموجِّهة للمعنى السياق والقرائن والمقام؛ باعتبارها من العلامات الدالّة والمُرْشِدة إلى مراد المتكلِّم من كلامه. وهي من الوسائل المُرْشِدة إلى بيان المحتَمَلات من الخطاب…([58]).
أما الإمام الأصولي ابن القيِّم الجوزية(751هـ) فله اختيارٌ واجتهادٌ خاصّ في توصيف وتفريع وتقسيم الدلالة([59]). فهي تأخذ عنده قسمين أساسيين:
1ـ الدلالة الحقيقية: وهي الدلالة التابعة لقصد المتكلِّم. وهذه الدلالة لا تختلف باختلاف المتكلِّمين؛ فالمتكلم أدرى من غيره بكلامه، وهو أعلم به من غيره.
2ـ الدلالة التابعة: وهي التابعة لفهم السامع. وهذه الدلالة تختلف باختلاف مدارك ومستويات السامعين، حَسْب المقتضيات الثقافية التي يتميَّزون بها([60]).
3ـ جهة السياق
في مسعى الأصوليّين في الفصل بين الألفاظ من جهة المعجم ومن جهة الاستعمال اشتغلوا بالسياق؛ للفصل بين الجهتين؛ لأن اللفظ تتغيَّر دلالته ومعناه تَبَعاً للسياق الذي يَرِدُ فيه.
فالسياق هو الإطار الذي تنتظم فيه العناصر المركّبة للنصّ. وقد اعتمده المفسِّرون في تفسيرهم للنصّ، ووظَّفوه في تعيين دلالة النصّ القرآني، فهو من أهمّ القرائن الدالّة على مراد المتكلِّم.
لقد فطن الأصوليّون إلى السياق وعناصره وأثره في تحديد المعنى. وقد وضع علماء الأصول عدّة ضوابط في إعمالهم للسياق.
ويُراد بالسياق عند علماء الأصول مجموعُ ما انتظم من القرائن الدالّة على المقصود من الخطاب، سواءٌ أكانت تلك القرائن حاليّةً أم مقاميّةً، وبعبارةٍ أخرى: السياق هو مجموعُ القرائن التي تُساهم في عملية الفَهْم والإفهام؛ للفصل بين المعاني، لغويّةً كانت أم غيرَ لغويّةٍ…»([61]).
وعليه، فإن عناية علماء الأصول بالألفاظ لم تكن مستقلّةً أو منفصلةً عن السياق، بل كانت داخلةً ومرتبطةً بمبدأ مراعاة المقتضيات والمقامات؛ لأن اللفظ خارج التركيب لا قيمة له.
قال الإمام الشاطبي: «لو اعتبر اللفظ بمجرّده لم يكن له معنىً»([62]). ومن ثمّ فمن الجهات المهمّة التي اشتغل عليها علماء الأصول، وكان لها الأثر الكبير في استمداد المعنى، جهة السياق، وقصد المتكلِّم من الخطاب. ومن قواعدهم في هذا الباب: السياق حاكمٌ، وإن الأصل المنهجي هو إعمال الدلالة الحقيقية للفظ. ولا يُلْجَأ إلى السياق إلاّ عند عدم قدرة الوضع على الوفاء بالمعنى. وإن انتزاع المعنى من النصّ يحكمه السياق. وإن الأصل في الخطاب هو تحقيق الفهم والبيان والإبلاغ. قال الشيخ ابن دقيق العيد: «أما السياق فهو يرشد إلى تبيين المجملات، وترجيح المحتملات، وتقرير الواضحات. وكلُّ ذلك يُعْرَف بالاستعمال»([63]). والسياق في الدرس الأصولي يُعَدّ من أبرز الجهات الضابطة للمعنى، بل هو الموجِّه للمعنى في النصّ([64]).
واعتبر علماء الأصول مبدأ مراعاة وتحكيم السياق في الفهم وتحصيل المعنى المنهجَ الأمثل، والطريقَ السديد المُعين في تحصيل المعنى من النصّ الشرعيّ([65]). وإن الناظر في كتب الأصول يُلاحِظ مدى اهتمام علماء الأصول بالسياق، وبقصد المتكلِّم من الخطاب، ممّا جعلهم يخصِّصون له مباحث واسعةً في ثنايا كتبهم ومؤلَّفاتهم.
كما أن السياق هو آليّةٌ مساعدة، وأداة موجِّهة، على توجيه المعنى في الخطاب([66])، بناءً على أن مقصود الخطاب ليس التفقُّه في العبارة، بل التفقُّه في المعبِّر…([67]).
ومن اجتهاداتهم في هذا المجال أن الخطاب الصادر عن الشارع يحمل على المعنى الشرعيّ؛ فإذا تعذَّر حُمِل على المعنى العُرْفي، ثمّ أخيراً يحمل على المعنى الشرعيّ([68]).
والمبدأ في هذا الاشتغال أن اللفظ قبل الاستعمال لا يكتسب أيّ معنىً، وإنما معناه الحقيقيّ يتحدّد في استعماله، تَبَعاً للسياق الذي يَرِدُ فيه، ممّا يدلِّل ويعني أن السياق هو الناظم الذي يعطي للكلمة دلالتها الحقيقية في التركيب.
والسياق يتفرَّع إلى عدّة أنواع، منها: السياق اللغوي والمقالي؛ والسياق غير اللغوي، وهو المقامي([69]). فهو أداةٌ إجرائية لتحديد المعنى في النصّ. وإعمالُه يساعد ويُعين على حسن الفَهْم والتلقّي. ويؤكِّده أنّ الجهل بالسياق، وعدم إعماله أو استحضاره، يُعَدّ ضَرْباً من تحريف المعنى، وإبعاده عن أصله، وعن قصده؛ إذ حضور القصد في التخاطب ضروريٌّ، وإنه لا كلام إلاّ بوجود القصد. ومن قواعد علماء الأصول: الأصل في الكلام القَصْد([70]).
هذه الاعتبارات مؤشِّرٌ على أن علم أصول الفقه يبقى من أهمّ أدوات الفهم والاستمداد. وما أحوج المفسِّر للاطلاع والانفتاح على قواعد هذا العلم المُساعِدة على الفهم والتلقّي لمعاني النصوص الشرعية!
خاتمةٌ
ما نستنتجه في هذا البحث أن علوم الفهم والتفسير والبيان تحظى بموقعٍ متميِّز ومكانةٍ خاصّة في التراث العربيّ الإسلامي. وإن هذه العلوم، رغم اختلاف أنواعها، وتعدُّد أشكالها، وتنوُّع فروعها وأقسامها، قد اختارَتْ الاشتغال على جهة البيان وتفهُّم النصوص، وهو مؤشِّرٌ داعم لمدى حضور منهج الفَهْم في التراث العربي الإسلامي.
ويأتي علم الأصول في صدارة العلوم الإسلاميّة التي اشتغلَتْ على جهة الفهم والبيان والاستمداد.
هذه الاعتبارات والمواصفات اعتباراتٌ ومؤشِّرات على أن علم أصول الفقه يبقى من أهمّ أدوات الفهم وعناصر الاستمداد للمعنى في النصوص الشرعيّة خاصّةً، والنصوص المدوَّنة باللغة العربية بصفةٍ عامّة.
فعناية علماء الأصول كانت متّجهةً إلى الاهتمام بالدلالة، وبطرق استخلاص المعنى؛ بقصد ضبط فهم النصّ من نصوص القرآن الكريم والسُّنَّة النبوية، والاشتغال بالمنهج الأصوليّ في قراءة وتأويل النصّ الشرعي. وواضحٌ أن علم أصول يحمل في مباحثه نظريّةً دلاليّةً متماسكة، ومنسجمة، ومتناسقة، وتكشف عن مستويات اشتغال الدلالة، وحضور المعنى، وأشكال تلقّي هذا المعنى في النصّ عامّةً، والنصّ الشرعيّ خاصّةً، لغاية جعل هذا المعنى مقدّمةً أساسيّة في الاستمداد والاستنباط من جهةٍ، ولحماية هذا المعنى من التحريف من جهةٍ أخرى. ولهذا لقي اهتماماً متزايداً بين الدارسين والباحثين في الآونة الأخيرة.
الهوامش
(*) باحثٌ في الفكر الإسلاميّ، وحائزٌ على دكتوراه في علم أصول الفقه، وأستاذٌ مساعِدٌ في كلِّية الآداب في وجدة ـ المغرب.
([1]) دروس الكراسي العلميّة في علم أصول الفقه، الدرس رقم 1، بتاريخ: 28 ـ 06 ـ 2012: الأستاذ مصطفى بنحمزة، علم أصول الفقه، الموضوع ـ الأهمية ـ الوظيفة.
([2]) د. شكري الطاوشي، المقام في البلاغة العربية، مجلّة عالم الفكر الكويتية، المجلّد 42: 182، 2013م.
([3]) من قبيل: هذه الدراسات والبحوث:
1ـ محمد يونس، علم التخاطب اللساني، دراسة لسانية لمناهج علماء الأصول في فهم النصّ: 123، دار المدار، 2009م.
2ـ محمد يونس، المعنى وظلال المعنى: 26.
3ـ محمد يونس، مقدّمة في علمَيْ الدلالة والتخاطب: 12.
4ـ نعمان بوقرة، تفسير النصوص وحدود التأويل عند ابن حزم، قراءة في أعراف الفَهْم الظاهري للخطاب القرآني: 234.
5ـ نعمان بوقرة، التصوُّر اللساني عند الغزالي في ضوء النظريّة الأصولية: 11.
6ـ يحيى رمضان، القراءة عند الأصوليّين: 23.
7ـ السيد عبد الغفّار، النصّ القرآني بين التفسير والتأويل: 11، دار النهضة العربية، 2002م.
([4]) د. محمد وقيدي، الفارابي ونسق العلوم في الثقافة الإسلامية، مجلّة دعوة الحقّ المغربية، العدد 364: 231، 2002م.
([5]) ابن خلدون، المقدّمة: 583.
([6]) عبد الرزاق عكيوي، نظرية الاعتبار في العلوم الإسلامية: 9، منشورات المعهد العالمي للفكر الإسلامي.
([7]) أبو الوليد الباجي، أحكم الفصول في إحكام الأصول: 33 (مقدمة المحقِّق عبد المجيد تركي)، دار الغرب الإسلامي.
([8]) طه عبد الرحمان، تجديد المنهج في تقويم التراث: 23.
([9]) مهدي فضل الله، العقل والشريعة: 13.
([10]) عبد الكريم مجاهد، الدلالة اللغوية عند العرب: 9.
([11]) أبو الحسين البصري، التحقيق المعتمد 1: 11 (مقدّمة د. محمد حميد لله).
([12]) الإمام الغزالي، جواهر القرآن: 23.
([13]) د. عبد الحميد العلمي، المقاصد اللغوية بين التقصيد الدلالي وفهم الخطاب الشرعي: 67.
([14]) ابن جزي، تفسير التسهيل لعلوم التنـزيل (المقدّمة) 1: 11.
([15]) محمد بن زكريّا الرازي، في فقه اللغة وسنن العرب وكلامها: 16، تحقيق: أحمد صقر، دار إحياء الكتب العربيّة.
([16]) أبو حاتم الرازي، الزينة في الألفاظ العربية الإسلامية 1: 61، القاهرة، 1957م.
([17]) رقية جابر العلواني، أثر العُرْف في فهم النصوص: 112.
([18]) د. أحمد حدادي، حاجة المفتي إلى اللغة العربية: 22.
([19]) المصدر نفسه.
([20]) الإمام الشاطبي، الموافقات 3: 31.
([21]) الغزالي، فاتحة العلوم 1: 22.
([22]) أحمد بن محمد الشرقاوي، نحو منهجٍ أمثل لتفسير القرآن الكريم: 10، دار طيبة، 2008م.
([23]) الإمام الشاطبي، الموافقات 2: 62.
([24]) محمد عابد الجابري، بنية العقل العربي: 57.
([25]) الإمام الشاطبي، الموافقات 2: 62.
([26]) المصدر السابق 4: 117.
([27]) أديب صالح، تفسير النصوص 1: 9.
([28]) د. بزا عبد النور، مصالح الإنسان، مقاربة مقاصدية: 87.
([29]) د. مصطفى بنحمزة، إسهام الأصوليين في دراسة صلة اللفظ بالمعنى: 12.
([30]) تفسير ابن جزي الكلبيّ، المسمّى التسهيل (المقدّمة) 1: 3.
([31]) أبو الحسين البصري، المعتمد 2: 910، اعتنى بتحقيقه: محمد حميد الله وحسن حنفي، إصدار: المعهد العلمي الفرنسي، دمشق، 1964.
([32]) يراجع أطروحة د. فهد الوهبي (المسائل المشتركة بين علوم القرآن وعلم أصول الفقه)، وهي رسالة جامعية.
([33]) د. محمد السيد جبريل، مدخل إلى مناهج المفسِّرين: 98.
([34]) ابن حزم الأندلسي، التقريب لحدّ المنطق: 122.
([35]) المصدر السابق: 282.
([36]) ابن حزم الأندلسي، الإحكام في أصول الأحكام 8: 101، تحقيق: أحمد محمد شاكر، دار الآفاق الجديدة، 1980م.
([37]) الخطاب الشرعي وطرق استثماره: 476.
([38]) د. عبد الحميد العلمي، مصطلح اللفظ عند الأصوليين: 36.
([39]) يراجَعْ:
1ـ مليكة جفان، من قضايا اللفظ والمعنى بين اللغويين والبلاغيين، موقع ديوان العرب على الشبكة العنكبوتية.
2ـ مفهوم المعنى، دراسةٌ تحليلية: 29.
3ـ دراسة المعنى عند الأصوليّين: 87 ـ 88.
([40]) د. محمد عابد الجابري، اللفظ والمعنى في البيان العربي: 31.
([41]) ابن حزم، الإحكام في أصول الأحكام 8: 20.
([42]) محمد عابد الجابري، بنية العقل العربي: 56.
([43]) الإمام الشاطبي، الموافقات 4: 114.
([44]) إمام الحرمين، البرهان في علم أصول الفقه 1: 169.
([45]) عائشة بنت الشاطئ، مقدّمة في المنهج: 123.
([46]) التفسير الكبير لفحر الدين الرازي: 1: 23
([47]) د. حمو النقاري، المنهجية الأصولية والمنطق اليوناني: 42.
([48]) الغزالي، المستصفى 2: 72.
([49]) المصدر السابق 1: 73.
([50]) الدرس الدلالي عند الإمام الشاطبي 1: 33.
([51]) أبو الحسين البصري، المعتمد 2: 910.
([52]) فتحي الدريني، المناهج الأصولية في الاجتهاد بالرأي في التشريع الإسلاميّ: 268.
ويُراجع كذلك:
1ـ أحمد الكبيسي، الدلالة وتفسير النصّ، مجلة كلِّية الشريعة العراقية، العدد 6، 1986م.
2ـ حبلص محمد يوسف، البحث الدلالي عند الأصوليين، مكتبة عام الكتب، مصر، 1991م.
([53]) محمد سالم أبو عاصي، الدلالات وأثرها في تفسير القرآن، دار علي للطباعة والنشر، 1997م.
([54]) يُراجَع: عملٌ مشترك، أهمّية اعتبار السياق في المجلات التشريعية، إصدار: الرابطة المحمدية للعلماء، المغرب، 2007.
([55]) الإمام الشاطبي، الموافقات 2: 62.
([56]) المصدر السابق 2: 67.
([57]) المصدر السابق 2: 66.
([58]) ابن دقيق العيد، إحكام الأحكام في شرح عمدة الحكّام 2: 19.
([59]) للوقوف على اجتهادات ابن القيِّم في الدلالة يُراجَع: د. إدريس بن خويا، الدلالة النحوية في مؤلَّفات ابن قيِّم الجوزية، دار الكتاب العربي، الجزائر، ط1، 2016م.
([60]) ابن القيِّم، إعلام الموقعين 1: 351.
يُراجَع: د.إدريس بن خويا، كتاب علم الدلالة في التراث العربي والدرس اللساني الحديث: 44، عالم الكتاب الحديث، الأردن، 2016م.
([61]) الخطاب الشرعي وطرق استثماره: 146.
([62]) الإمام الشاطبي، الموافقات 3: 116.
([63]) إحكام الأحكام في شرح عمدة الأحكام 2: 19.
([64]) السياق عند الأصوليين: 120، مجلة الإحياء المغربيّة، العدد 26، 2007م.
([65]) النصّ القرآني ومنهج السياق: 123.
([66]) نجم الدين قادر كريم، نظرية السياق، دراسةٌ أصولية: 78، دار الكتب العلمية، 2006م.
([67]) الإمام الشاطبي، الموافقات 4: 410.
([68]) د. حميد الكبيسي، الدلالة وتفسير النصّ، مجلة كلِّية الشريعة العراقية، العدد 8: 23، 1986م.
([69]) السياق عند الأصوليّين: 54.
([70]) نظرية السياق، دراسةٌ أصولية: 45.
موقع نصوص معاصرة