المسن في الإسلام: إحسان ورحمة

اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاء وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ﴾ {الروم/54}. تشير الآية المباركة لوصف دقيق لمراحل حياة الإنسان الرئيسية وأبرز ملامحها، فالشيخوخة مرحلة من مراحل العمر، وحلقة من حلقات التاريخ وجزء لا يتجزأ من وجود كل مجتمع من المجتمعات الإنسانية. فسنّة الله في خلقه أن يأتي الجيل بعد الجيل على امتداد عمر البشرية المديد.

موقع الاجتهاد: كثيراً ما تصلنا دراسات اجتماعية خاصة بمرحلة الشيخوخة تتضمن برامج محدد للتعامل مع المسن وإحاطته بالعطف والتفهم والحب. ولكن سبقت تعاليم الإسلام المحمدي الاصيل الأنظمة الحديثة لرعاية الشيخوخة. فالإسلام دين إنساني يحترم الإنسان ويصون كرامته كبيراً وصغيراً. وإذا كان الإسلام قد حرص على صون كرامة الإنسان في كل مراحل عمره، فقد عُيَ عناية خاصة برعايتهم واحترامهم وتقديرهم، والعطف عليهم والإحسان إليهم.
عن رسول الله (ص): “إن من إجلال الله تعالى إكرامَ ذي الشيبة المسلم}. وقال أيضاً: {ليس منا مَن لم يرحم صغيرنا، ويعرف شرف كبيرنا”.
وعنه (ص): “من عرف فضل شيخ كبير فوقّره لسّنه آمنه الله من فزع يوم القيامة” .البحار ج 72
وعنه (ص): “ما أكرم شاب شيخاً لسنّه، إلا قيض الله له مَن يكرمه عند سنّه”.

وتوجّه شريعتنا السمحاء إلى هذه العناية بما يكفل الحياة الكريمة، لكل إنسان، شاب أو كهل أو شيخ هرم، لا سيما الوالدين بشكل خاص والتعامل معهم بكل لطفٍ وأدبٍ وتواضع فيقول الله تعالى: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا {الإسراء/23} وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا}{الإسراء/24}

ولم يتوقف الاسلام في رعايته للوالدين عند الجانب الأخلاقي بل من الواجب أن يحاطا بألوان شتى من الرعاية والعناية، وعلى أفراد الأسرة الآخرين تقديم كل عون للمسن، حتى لا يحتاج للعمل في سن متقدمة من العمر، فراعى الجانب الاقتصادي لهما لكي يكفل لهما الحياة الكريمة. فقد أوجب الإسلام على المرء نفقة والديه المحتاجين إذا فقدا القدرة على التكسب، ولم تكن لهما موارد مالية، كنوع من الرعاية الاقتصادية، وجعل الولد وماله ملكاً لأبيه، “جاء رجل الى النبي (ص) فقال: يا رسول الله إنّ أبي يريد أن يستبيح مالي! قال (ص): أنت ومالك لأبيك” ( الأخلاق والآداب الاسلامية ). واستدل الفقهاء على نفقة الوالدين بقوله تعالى: (وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا) ومن الإحسان: الإنفاق عليهما عند حاجتهما.

تسهيلات في العبادات:
ومن سماحة الإسلام أنّه راعى حال المسن في العبادات، فجعل له الرخص الشرعية وتشريعات خاصة به، لأنّه من مقاصد الشريعة التخفيف والتيسير ورفع الحرج، فأمرَ النبي (ص) الذي يؤمُّ الناسَ في الصلاة أن يخفف ويقصر القراءة وذلك رحمةً بالضعيف والمريض والشيخ الكبير، وإباحة الافطار في شهر رمضان للمسن الذي يعجز عن الصوم، والمريض الذي لا يقوى على الصوم ويُعْفى من الصيام مقابل فدية مالية { أَيَّامًا مَّعْدُودَاتٍ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ وَأَن تَصُومُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ} {البقرة/184} بل رخّص للمريض – والمسن غالباً ما يصيبه المرض – أن يصلي بالكيفية التي يستطيعها – إن تعذر عليه أو شق القيام، وأداء الصلاة بالشكل الطبيعي – فإن لم يستطع أن يصلي قائماً قعد فإن لم يستطع قاعداً فعلى جنبه…

عمل وجهاد:
وفقاً للرؤية الإسلامية اذا أصبح الإنسان شيخاً مسناً فلا يعني هذا أن يتوقف عن العطاء ويطالب من حوله بخدمته ويركن إلى حالة من السكون المفضي به للهلاك، بل العكس تماماً هو الصحيح الرؤية الايجابية لهذه المرحلة من العمر (هي عطاء النضج)، فزكريا(ع) جاءته البشرى وهو قائم يصلي في المحراب وقد بلغ من الكبر عتياً، وابراهيم الذي بشرته الملائكة بغلام عليم كان كبيراً في السن: إِذْ دَخَلُواْ عَلَيْهِ فَقَالُواْ سَلامًا قَالَ إِنَّا مِنكُمْ وَجِلُونَ {الحجر/52} قَالُواْ لاَ تَوْجَلْ إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ عَلِيمٍ {الحجر/53} قَالَ أَبَشَّرْتُمُونِي عَلَى أَن مَّسَّنِيَ الْكِبَرُ فَبِمَ تُبَشِّرُونَ {الحجر/54} قَالُواْ بَشَّرْنَاكَ بِالْحَقِّ فَلاَ تَكُن مِّنَ الْقَانِطِينَ {الحجر/55}

ولعل عطاء النضج تجلى في الشخصية الكربلائية حبيب بن مظاهر الأسدي الذي التحق بالركب الحسيني، فقد كان من اصحاب النبي محمد(ص) وخواص اصحاب الإمام أمير المؤمنين (ع) وشهد حروبه جميعها، وكان من اصحاب الحسين وله رتبة علمية سامية، وكان زعيم بني اسد، وكان عمره يوم الطف خمسة وسبعين عاماً. وقد ذكر الطبري وغيره ان حبيباً كان على ميسرة الحسين وزهيراً على الميمنة وانه كان خفيف الاجابة لدعوة المبارز، ولمّا برز للميدان قاتل قتالاً شديداً حتى استشهد .

المصدر: الهيئة الصحية الاسلامية

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Slider by webdesign

Clicky