الاجتهاد: حين نعيد قراءة التاريخ القريب، نجد أن حركة المدخلية لم تكن مجرد تنظيم ديني أو فكر منحرف، بل شبكة متكاملة من التطرف والأيديولوجية العنيفة، تتغذى على هشاشة المجتمع العراقي وانقساماته. جذورها الفكرية تتقاطع مع أفكار داعش في غسل العقول وتحويل الدين إلى سلاح، وتهدف إلى تهيئة الأرضية للعنف والقتل في شوارع العراق.
تمدد مدروس داخل المجتمع:
أخطر ما في هذه الحركة ليس فقط فكرها المتطرف، بل قدرتها على التسلل إلى الجوامع والمدارس القرآنية، وتحويلها من منابر للهداية إلى أدوات لتجنيد الشباب وغسل العقول. الشباب، الذين يجب أن يكونوا أمل المستقبل، يصبحون وقودًا لتفجيرات قادمة، بينما تتستر الحركة خلف ستار الورع الديني الزائف.
الغطاء السياسي: خيانة ممنهجة
المدخلية كانت ممنوعة قانونيًا في العراق، لكن أذرع نفوذ سياسي متنفذ رفعت عنها الحظر، رغم المخاطر المعروفة على الأمن والمجتمع. هذا التواطؤ السياسي لم يكن فقط ضعفًا أو إهمالًا، بل خيانة ممنهجة لمستقبل العراق، إذ مهد الطريق للحركة لتستعيد نشاطها، وتجرب استراتيجياتها في التجنيد والتحريض.
السياسيون الذين رفعوا الحظر هم شركاء غير مباشر في نشر الفتنة والعنف، فكل يوم تأخير في منع هذه الحركة هو يوم يضيف مزيدًا من الانقسامات والهجمات المحتملة.
أبعاد الخطر:
فكريًا وثقافيًا: استهداف عقول الشباب، وفرض فهم مشوه للدين.
أمنيًا: تمهيد الأرضية للتفجيرات والاغتيالات والقتل.
اجتماعيًا: نشر الفتنة الطائفية وزعزعة التماسك بين المكونات العراقية.
الاستراتيجية المطلوبة:
لمواجهة هذا التحدي، على الدولة والمجتمع أن يكونا حازمين بلا تردد:
1.إعادة الحظر القانوني على الحركة وتنفيذ القرارات دون تدخل سياسي.
2.مراقبة كل الجوامع والمدارس الدينية ومنع أي جماعة متطرفة من السيطرة عليها.
3.نشر برامج التثقيف الديني والاجتماعي المعتدل، وبناء مناهج تحصن الشباب من الفكر المتطرف.
4.كشف أي تمويل داخلي أو خارجي يساهم في تمدد الحركة، وملاحقة المسؤولين عن التواطؤ السياسي.
حركة المدخلية لم تؤثر فقط على مستوى الأفراد، بل أسهمت في تفكيك النسيج الاجتماعي من الداخل، إذ أدت سياساتها الفكرية المتطرفة إلى تعزيز الانقسامات الطائفية والمذهبية، ما يضعف قدرة المجتمع على مواجهة التحديات المشتركة. ومن هنا، يصبح أي تقاعس في مواجهتها مسؤولية جماعية، وليس مجرد مسؤولية الدولة وحدها.
كما أن التمكين السياسي لهذه الحركة يعكس هشاشة مؤسسات الدولة ومحدودية قدرتها على فرض القانون، ما يتيح الفرصة لتكرار التجارب العنيفة السابقة. فغياب الرقابة والمساءلة يشجع الفئات المتطرفة على الاستمرار في نشر خطاب الكراهية والتحريض، مما يزيد من تعقيد عملية بناء السلام والاستقرار في العراق.
خاتمة:
حركة المدخلية ليست مجرد تهديد ديني أو فكري، بل قنبلة موقوتة في قلب المجتمع العراقي. رفع الحظر عنها من قبل سياسيين متنفذين لم يكن مجرد خطأ، بل قرار يحمل شبهة الخيانة للأمن والاستقرار. إن مواجهة هذا الخطر تتطلب شجاعة سياسية، ووعيًا جماعيًا بأن الدفاع عن العراق يعني الدفاع عن عقول شبابه ومستقبل وطنه قبل أي شيء آخر.