الاجتهاد: إنّ منهج التحقيق الذي اتبعه آية الله السيد محمد مهدي الخرسان “ره” الخرسان في كتابه المحسن السبط: مولود أم سقط؟ جرى على غرار سائر آثاره، حيث سيجد القارئ فيه العديد من المطالب في: الجرح والتعديل للرجال وأسانيد الروايات. والأشكال المختلفة للرواية الواحدة. والمعلومات الببليوغرافية الغزيرة، ونقل آراء المُنتقدين وتأييدها أو ردّها، وإعادة قراءة وجهات النظر المختلفة حول الروايات ونسبة الكتب (إثبات نسبتها إلى مؤلفيها)، وغير ذلك…
هذا المنهج استخدمه المؤلف أيضاً بخصوص موضوع المُحسن السِّبط (عليه السلام) ليُثبِت أنه: إذا كان بعض هذه المصادر [التي تناولت الموضوع] مُتَفاوِتاً في العبارات وفي بيان التفاصيل والجُزئيات، إلا أنها مُتَّفقة ومُتَجانسة في بيان المضمون الأساسي للموضوع، وهو إثبات وجود المُحسن ووفاته بـ السِّقط – بناءً على الأصح -…”
ملاحظة: كتاب “المُحسن السِّبط: مولود أم سِقط؟” هو المجلد الثاني والأربعون من موسوعة آية الله السيد محمد مهدي الموسوي الخرسان “رحمة الله عليه”.
مقدمة المؤلف للكتاب
بسم الله الرحمن الرحیم وبه نستعین
الحمد لله الذی هدانا لهذا وما کنا لنهتدی لولا أن هدانا الله.
اللهم اهدنی لما اختلف فیه من الحق بإذنک، انک تهدی من تشاء إلى صراط مستقیم.
اللهم صل على محمد وآل محمد، الأوصیاء الراضین المرضیین بأفضل صلواتک، وبارک علیهم بأفضل برکاتک إنک حمید مجید.
اللهم والعن من حادّک وحادّ رسولک، وناصبه العداوة والبغضاء فی أهل بیته.
وبعد، فهذه سطور ما کنت أحسب أنّی أکتبها لوضوح الرؤیة عندی فیما تضمّنته، إلّا أنی وجدت وضوح الرؤیة عندی لا یعنى ولا یُغنى عند الآخرین شیئاً، فالناس یتفاوتون إدراکاً ومشارب، کما یختلفون عقائد ومذاهب.
وکثیر منهم یری تقدیس الموروث بحجة أو بغیر حجة، فهو یعیش فی کیانه على تراث موبوء، أخذه الخلف عن السلف، فضاعف عنده معالم الحقائق لتراکم المخلفات، وبقى النشؤ الجدید یدور فی حلقة مُفرَغة، لم یمسک بطرف یهدیه الطریق، ولم یجد الملجأ الوثیق.
وكل ما حاول – إذا ما حاول – فلا يجيد سوى الاجترار والتكرار والمقولة (عدالة الصحابة) التي أصبحت هي الذكر المخفي، ويجب إسدال الستار على ما حدث بينهم، فما من دخان إلا من وراء نار. فالسكوت عما حدث أولى؟!
وهكذا ضاعت معالم الاهتداء بين تركة الموروث من تاريخنا، والذي تلقيناه محاطاً بسياج من الحصانة وهالة من العنعنة، تنفى – في نظر القاصر طبعاً – عنه معرّة النقد الخارجي وهو السند، كما تضفى عليه نسجاً كثيفاً يغطى تبعة النقد الداخلي وهو المتن.
وبين هذا وذاك كادت تضيع معالم الدلالة، وبالتالي تبقى مع الحدث نتحدث عنه وكأنه من أحاديث السمر.
لذلك – ولا أكون مغالياً – فقد وجدت صعوبة بالغة في تفهيم القارئ صورة الحدث وملابساته، وهو يعيش عنده كموروث في الذاكرة، وشجرت عليه أصوله ونمت عليه فروعه، أما أنا فأعيش معه من خلال عالم التصور عندي لطبيعة الحدث وملابساته، ومن خلال المقروء في نصوص التاريخ المقبول عند العامة والخاصة، لذلك كان لزاماً على وأنا أريد التحدث عن (المحسن السبط) أن أستعرض ما يمت إلى الحديث عنه بصلة، وأعنى ما ينفع في الجواب عن السؤال المذكور في عنوان الرسالة، هل هو مولود أم سقط؟ وذلك لما أثير حوله في هذه الأيام من نقض وإبرام.
ولقد كنت أحسب أني بالغ ما أريد في بعض صفحات قد لا تتجاوز العشر، ولكن نتيجة الترابط بين الأحداث التي كانت يوم حدث السقط للسبط بدءاً وختاماً، حرباً وسلاماً، عنفاً وانتقاماً، فقد تلاحقت في الحضور السطور والكلمات، وتتابعت في الظهور صفحات وصفحات، لذلك جاوزت القدر المظنون، فبلغت ما يراه القارئ.
ولا تزال هناك جوانب أخرى لم تبحث، وإن كان لها الدور الفاعل في تهيئة أجواءه.
والحديث عن ملابسات ذلك الحدث الخطير، لابد أن يدخلنا في متاهات من ركام التاريخ، تترتب على الخوض فيها نتائج ذات مرارة بالغة، ولكنها شفاء لما في الصدور، فكثير من الدواء مر الطعم ولكنه فيه الشفاء، وفي اعتقادي أن ما قدمته في هذه الأوراق يسد حاجة في نفس يعقوب، ويروى من ظمأ التساؤل كما يسد من لغوب السغوب، وبالتالي يقلل من معاناة الذبذبة الفكرية التي يعيشها الشباب، من جراء انغلاقهم على جوانب ملوها تقديس الموروث، وقد صكت أسماعهم تلاوة: بَلْ نَتَّبِعُ مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا ).
ومن جهة أخرى لما تفتح الوعي عندهم فانفتحتوا على نوافذ في التاريخ، فأخذوا يحدقون من خلالها لينظروا إلى الأحداث على حقيقتها، فساورتهم الشكوك في أمانة التسجيل، فهم يرون الصورة ليست واقعية، بل مشوهة ومبتورة عفّى على وجهها غبار السنين، لذلك فهم يعانون الكثير من الصعوبات من جراء التذبذب بين ذلك الانغلاق الموروث وهذا الانفتاح المكتسب، وهم في دوامة البلبلة، وهم… وهم… وهم… مع ذلك لا يزالون ينشدون السلامة الفكرية بنشدانهم الحقيقة الواقعية، تخلصاً من ولايات العويل الذي أصم أسماعهم من محيطهم، بل وحتى من داخل أنفسهم فهم يتلون: تِتِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ. وهم يقرأون قوله تعالى: أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لَا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدَىٰ ۖ فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ.
فهذه الأوراق فيها إقامة الشاهد تلو الشاهد على أن (المحسن السبط) ليس مولوداً بل هو سقط، وبالأصح فقد أسقط.
وعلى القارئ الذي يضيق ذرعاً من مواجهة الحقيقة المرة، أن لا يزعج نفسه كثيراً، بل ليلملم من أوقع الحدث بكل ما فيه من تمرد وعنفوان حتى كان ما كان.
وأخيراً أسأل الله تعالى أن ينفع الضال والمضلل بما سيقرأ: وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدَى وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَاباً وَخَيْرٌ مَّرَدّاً .
ماذا في هذه الرسالة؟
إن فيها ثلاثة أبواب وخاتمة:
الباب الأول: نبحث فيه ما دل على صحة السلب عن حديث إكتناء الإمام بأبي حرب، وذلك في ثلاثة فصول:
الفصل الأول: في مصادر الحديث.
الفصل الثاني: في رجال الإسناد.
الفصل الثالث: في متن الحديث، ونبحث فيه النقاط التالية:
1. التعريف بحرب، وهل هو اسم علم؟ أم اسم معنى؟ ومن المراد منهما؟
2. هل كان اسم حرب من الأسماء المحبوبة أم الأسماء المبغوضة؟
3. ماذا كان يعني إصرار الإمام إن صدقت الأحلام في تسمية أبنائه بحرب، اسم المعنى؟
4. ماهي الدوافع المغرية في اسم حرب، اسم العلم؟
5. في كنى الإمام أمير المؤمنين ، وما هي أحب كناه إليه؟
6. وماذا وراء الأكمة من تعتيم لتضليل الأمة؟
الباب الثاني: ونبحث فيه عن (المحسن السبط) هل هو مولود أم سقط؟
وذلك من خلال ثلاثة فصول نستعرض فيها ما قاله المؤرخون والنسابون من أهل السنة خاصة.
الفصل الأول: فيمن ذكر (المحسن السبط) ولم يذكر شيئاً عن ولادته ولا عن موته.
الفصل الثاني: فيمن ذكر (المحسن السبط) وأنه مات صغيراً.
الفصل الثالث: فيمن ذكر (المحسن السبط) وأنه سقط.
وفي خلال هذا الفصل قد تمر ببعض المصادر الشيعية لأنها تسلط الضوء على ما أُبهم ذكره واستثبهم عن عمد أمره.
الباب الثالث: ونبحث فيه عن مسيرة الأحداث التي رافقت حدث السقط للمحسن السبط، وذلك من خلال ثلاثة فصول:
الفصل الأول: وقفة مع الأحداث، ونظرة في المصادر.
الفصل الثاني: مسيرة مع المؤرخين جرحاً وتعديلاً.
الفصل الثالث: نصوص ثابتة في الإدانة.
الخاتمة: في نتائج البحث وأن المحسن السبط هو أول ضحايا العنف في أحداث السقيفة، وقد أجهز عليه وهو حمل وأنه المحسن السقط.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
۱۵ ذی الحجة الحرام ۱۴۱۶ھ
(1) – لقمان: ۲۱.
(۲) – البقرة: ۱۳۴.
(۳) – یونس: ۳۵.
(4) – مريم: ۷۶.
فهرس المحتویات

تحميل الكتاب
السيد محمد مهدي السيد حسن الموسوي الخرسان
الاجتهاد موقع فقهي