الاجتهاد: على الرغم من أن دستور 2005 الدائم ينص على قواعد لا تجيز اباحة المثلية أو الشذوذ الجنسي، مثلما لا تجيز سن قوانين تتعارض معه، نجد بأنَّ المشرّع العراقي قد جانب الصواب، وعارض الحكم الشرعي الديني، زيادة على مخالفته لأحكام نصوص دستور 2005 العراقي. / بقلم: م. عباس ابراهيم جمعة المالكي.*
تمر المجتمعاتُ على اختلاف ثقافاتها بانعطافةٍ شرعيةٍ اخلاقيةٍ تتعارض مع الطبيعة التكوينية للبشر، وصفت بأنَّها مثليةُ، بعد أن كانت شذوذاً جنسي، ومن بين أسباب كثيرة ساعدت على توسع دائرة التعاطي مع هكذا سلوك منحرف تمثل بإباحته بحكم القانون من دون التعرض له بالتجريم والنهي، امتدت منذ نصف قرن حتى يومنا هذا، إذ نصَ قانونُ العقوبات العراقي رقم (111) لسنة 1969 وتعديلاته، على واقعة وصفها المشرّع الجنائي بـ (جريمة اللواط)، التي قيّد تجريمَها بعدم تحقق عنصرين هما البلوغ والرضا، الأمر الذي ساعد كثيراً في تفشي سلوك الشذوذ الجنسي بشكل كبير بين الذكور، إما ما يتعلق بالمثلية بين الإناث (السحاق)، فلم يتناولها المشرّع الجنائي كما هي تحديداً؛ إنَّما من الممكن أن تتضمنها جريمة (هتك العرض)، من دون ذكرها صراحة، كذلك اباحها المشرّعُ ايضاً في نفس الحالةِ والظروفِ التي اباح بها جريمة الشذوذ الجنسي بين الذكور.
الأمر الذي لا يمكن التغاضي عنه، ويمكن الطعن بعدم دستورية هذه الاحكام أمام المحكمة الاتحادية، لعدم دستوريتها، ولما لها من خطورة اجرامية واجتماعية تصل إلى حد تفكك المجتمع، ومِنْ ثمَّ هدمه عقائدياً واخلاقياً وبُنيوياً.
المقدمة:
يُعدّ موضوع المثلية أو الشذوذ الجنسي من المواضيع الحساسة والمهمة في الوقت ذاته، وذلك لما يشتمل عليه هذا السلوك المنحرف من بُعدين مهمين، الأول هو تعدي حدود الله تعالى بهذا المستوى من الانحراف القيمي والاخلاقي، والبعد الآخر هو ما تنطوي عليه هذه الممارسة المنحرفة من خطورة اجرامية، وما يترتب عليها من آثار اجتماعية مدمرة.
كما إن هذه الممارسة الشنيعة لم تكُن وليدة حالة طبيعية بحكم التكوين البشري مثلما يتم توظيفه، والترويج له بوصفه استراتيجية لمشروع كبير يُراد من ورائه تدمير الجنس البشري عبر الحد منه، وتقليص عدده على هذه المعمورة تحت ذرائع عديدة، ومن جانب آخر هو تحفيز حركة الالحاد ومجابهة الحدود الشرعية الإلهية .
إلى جانب ذلك لم نجد كثيراً من القوانين الجنائية للبلدان ذات الغالبية المسلمة، التي من بينها العراق على وجه الخصوص تجرم هذا النوع من الممارسات الجنسية الشاذة، وهي كارثة بكل المقاييس الشرعية والاخلاقية والاجتماعية والنفسية والصحية، فضلاً عن غير المسلمة التي لم تكتفى بعدم تجريم هذا السلوك، بل ذهبت إلى أبعد من ذلك في سنّ القوانين التي تعدُّ هذه الممارسة الشاذة بأنها ممارسة طبيعية، واضعة الضمانات القانونية في سبيل عدم التعدي على الشواذ بعد أن اطلقت عليهم وصف المثليين، وما يمارسونه بالمثلية، أي عدم المغايرة بالميل الجنسي بين الجنسين.
وبما أن هذه الدراسة هي متعلقة بما نص عليه قانون العقوبات العراقي النافذ رقم (111) لسنة 1969 وتعديلاته، راجعنا نصوص دستور جمهورية العراق 2005 الدائم، ولحظنا إنَّ تلك الاحكام مخالفة للقواعد الدستورية، وبالإمكان الطعن عليها أمام المحكمة الاتحادية العليا.
مشكلة البحث:
على الرغم من أن دستور 2005 الدائم ينص على قواعد لا تجيز اباحة المثلية أو الشذوذ الجنسي، مثلما لا تجيز سن قوانين تتعارض معه، نجد بأنَّ المشرّع العراقي قد جانب الصواب، وعارض الحكم الشرعي الديني، زيادة على مخالفته لأحكام نصوص دستور 2005 العراقي، إذ إنَّ الاحكام التي تضمنها قانون العقوبات العراقي النافذ قيّدتْ تجريم ممارسة المثلية أو الشذوذ الجنسي بعنصرين واباحته في حال تحققهما، في الوقت الذي لم يكن فيه أي تحرك جدي للطعن على هذه الاحكام أمام المحكمة الاتحادية، كونها مخالفة لقواعد دستورية، ومن الممكن الحكم عليها بأنها أحكام غير دستورية .
أهمية البحث:
تُعدّ المثلية الجنسية من الموضوعات المهمة لما لها من خصوصية ببعديها العقائدي والاجتماعي، فضلاً عما لها من ابعاد جانبية نفسية وصحية، كما لها أهمية تكمن في الكيفية التي تعاطى بها المشرّع الجنائي العراقي مع هذا السلوك غير السوي عند تناوله بالتجريم، علاوة على عدم دراسة هكذا موضوعات بالبحث وبيان الاحكام القانونية الجنائية من أجل ابراز مواطن مكامن الخلل وتصحيح مسار السياسة الجنائية في هذا الجانب المهم من جوانب حياة الأفراد.
توصيات المقالة
1- مواجهة سلوك الانحراف والشذوذ الجنسي، فضلاً عن عدم توصيفه بالمثلية، كونه فعلاً محرماً بكل الشرائع السماوية، وذلك بالتثقيف عبر اعداد المناهج التربوية في الاوساط التعليمية، ويكون ذلك ببيان ما لهذه الممارسة الشاذة من آثار على المستويان العقائدي والصحي والاخلاقي.
2. الطعن في احكام المواد (393-367) ق.ع، تحديداً فيما يتعلق بعدم دستورية قيد تجريم المثلية أو الشذوذ الجنسي بين الذكور وبين الاناث بقيد عدم تحقق بلوغ السن القانونية، وقيد عدم تحقق الرضا، وذلك لانَّ تقيد التجريم يؤدي إلى اباحة الشذوذ، الأمر الذي يتعارض مع تحريم (اللواط) و (السحاق) بوصفه حكما ثابتاً من ثوابت احكام الاسلام.
3 اتخاذ الاجراءات القانونية بحق الادعاء العام الذي يغض الطرف عن الطعن بعدم دستورية اباحة ممارسة الشذوذ الجنسي أو المثلية، وذلك بالاستناد إلى نص المادة (5/حادي عشر) من قانون الادعاء العام رقم 49 لسنة 2017 ، التي تعد الطعن بعدم دستورية القوانين والانظمة امام المحكمة الاتحادية العليا من مهام الادعاء العام.
4 – تعديل قانون المحكمة الاتحادية العليا فيما يتعلق بمعالجة الاثار المترتبة على النص الملغي او المُعدّل.
فهرس المحتويات:
الملخص
المقدمة
مشكلة البحث
أهمية البحث
المبحث الأول: مفهوم المثلية
المطلب الأول: الحقيقة العلمية للمثلية أو الشذوذ الجنسي
الفرع الأول: ظهور مصطلح المثلية وتطور معناه
الفرع الثاني: المثلية أو الشذوذ الجنسي من وجهة طبية
المطلب الثاني: الخطوة الاجرامية لدى الشواذ جنسياً وآثارها الاجتماعية
الفرع الأول: الخطورة الإجرامية لدى شخصية الشواذ أو المثليين
الفرع الثاني: الآثار الاجتماعية جراء ممارسة الشذوذ أو المثلية
المبحث الثاني: القوانين الجنائية المتعلقة بالمثلية ومشروعيتها
المطلب الأول المثلية في قانون العقوبات العراقي رقم (111) لسنة 1969
الفرع الأول: الاحكام الخاصة بالمثلية بين الذكور (اللواط)
الفرع الثاني: الاحكام الخاصة بالمثلية بين الإناث (السحاق)
المطلب الثاني: مشروعية إباحة المثلية وجواز التعديل بالتجريم
الفرع الأول: مشروعية تقييد تجريم المثلية في قانون العقوبات العراقي النافذ
الفرع الثاني: اختصاص المحكمة الاتحادية بإلغاء تقييد تجريم المثلية
الخاتمة
الاستنتاجات
التوصيات
المراجع
* قسم القانون، كلية الامام الكاظم (ع) للعلوم الاسلامية الجامعة/اقسام ذي قار،العراق
المصدر: مجلة الفنون والأدب وعلوم الإنسانيات والاجتماع / العدد 79 / مايو2022م
تحميل المقالة