صلح-الامام-الحسن

الصلح بين الغرض القريب والغرض البعيد، قراءة في أطروحة الشهيد الصدر… أسامة العتابي

الاجتهاد: يعتقد الشهيد الصدر: ” أن الفرق بين عصر الإمام الحسن (ع)، و عصر الأئمة المتأخرين (ع): أن الامام الحسن (ع)، كانت له الفرصة ليفرض شروطه على معاوية بن أبي سفيان، بإعتبار أن معاوية لم يكن ناجز الخلافة يومئذ، و إنما أصبح خليفة بالتمام!! بعد هذا الصلح ، بخلاف الأئمة المتأخرين، فإنهم كانوا فاقدين لهذه الفرصة و أمثالها بإعتبار وجود الدولة القوية الناجزة المعترف بصحتها في قواعد شعبية كبيرة من المسلمين

 تختلف التحليلات التاريخية التي يُقدِّمها الباحثون في بيان مسألة الصلح التي وقعت في زمن الإمام الحسن المجتبى (صلوات الله عليه) وقد أشبع أساتذتنا الباحثون صلح الإمام الحسن (ع) نقداً وبحثاً ونقاشاً ، إضافة إلى دراسات ، وتأليفات وتحقيقات ، وأن أطروحات تلك الدراسات كثيرة جداً لا يُمكن عرضها هنا ، وهي بأشد الحاجة إلى أن تُعاد دراستها أكثر فأكثر وبشكل منهجي .

وأن الباحث عندما يحاول أن يدرس موقف الأئمة (ع)،فأكيداً قد يغفل أحياناً عن متطلبات يتطلبها البحث وقد يحيط ببعض الجوانب ويترك بعضها إما نسياناً او لعدم حضورها في الذهن أو لعدم مناسبة طرحها ، أو لإنها قد لا تخطر أصلاً في أذهان الآخرين .

وعليه : فإن سماحة السيّد الشهيّد محمد محمد صادق الصّدر قد قدَّم لنا أطروحة جديدة تُضاف إلى تلك الأطروحات التي قدّمت من قبل الكثير ، وحسب أستقرائي الناقص أن هذه الأطروحة لم أجد لها ذكراً في تلك الدراسات وهي التي ترتبط بالاطروحة العادلة الكاملة .

ومفادها مايلي :

يكتسب صلح الإمام الحسن (ع) في مثل تلك الظروف التي عاشها غرضين مهمّين ، أحدهما (قريب) و الآخر (تخطيطي) بعيد :

الغرض الأول: وهو (القريب) : ومعناه : ” القيام بمسئوليته تجاه الجماعة المؤمنة التي يتولّى قيادتها من الناحيتين الدينية و الدنيوية. حيث استطاع الامام الحسن (ع) بعد انعدام الفرصة الكافية للمنازلة العسكرية، أن يحرز- طبقا لشروط الصلح- سلامة اصحابه و كرامتهم و مستواهم الاقتصادي، و التحفظ عليهم في الدين و الدنيا. و استطاع في نهاية المطاف أن يكشف نوايا معاوية العدوانية بخيانته لهذه الشروط و اعتدائه عليها و بالتالي على الجماعة المؤمنة، و امامها أيضا ” .

الغرض الثاني: و هو الأهم و الأبعد (التخطيطي): ومعناه ” أن الامام الحسن (ع) حين يرى أن الحق متمثل فيه و في جماعته، و انهم هم الحاملون الحقيقيون للأطروحة العادلة الكاملة. و يرى- إلى جنب ذلك- أن المنازلة العسكرية، بعد الخيانات التي حصلت في جيشه و الإشاعات الهدّامة التي انبتت فيه، يرى أن المنازلة مستبطنة للقضاء عليه و على كل المؤمنين به و استئصالهم، و هذا يعني انعدام جانب الحق في العالم، و بقاء معاوية على مسرح الإسلام ليدّعي أنه هو الحامل الحقيقي للإسلام ” .

و بعد معرفة هذين الغرضين سيتبيّن لنا أن أثار الأطروحة العادلة الكاملة ستنطمس تماماً ، و مع انطماسها لا معنى لتربية المخلصين تجاهها، كما هو معلوم.

و بذلك يتخلف شرطان من شرائط اليوم الموعود أو الدولة العالمية، و هما:
الشرط الأول: وجود الأطروحة العادلة الكاملة التي تطبق في اليوم الموعود، وجودها معلنة بين البشر.
الشرط الثاني: وجود العدد الكافي من المخلصين تجاه هذه الاطروحة الذين يشاركون في انجاز اليوم الموعود.

و مع تخلّف الشرطين يكون التخطيط العام كله قد فشل.

لذا يرى الشهيد الصدر ” أنه من الواجب تلافي الأمر أساساً لكي لا يحدث الفشل. بإيجاد هذا الصلح مع معاوية، لأجل احراز بقاء حاملي الأطروحة العادلة، و بالتالي استمرارها ضمن الاجيال‏ لتكسب المخلصين المحصنين بالتدريج” .

وبعد أن اتضح ذلك يقول الشهيد الصدر : ” أنه طبقاً للفهم الإمامي للفكرة المهدوية، فإن الشرط الآخر لليوم الموعود يكون منخرماً أيضاً بدون هذا الصلح، و هو وجود القائد المؤهل لانجاز الدولة العالمية. فإنه بعد تعيينه- أعني المهدي- في شخص الإمام محمد بن الحسن بن علي (ع) و هو من ذرية الحسين (ع)، نستطيع أن نتصوّر أن منازلة الامام الحسن لمعاوية كانت تعني الاجهاز عليه و على جميع تابعيه بما فيهم أخيه الحسين (ع). و إذا قتل الحسين و ذريته كان وجود نسله بلا موضوع. فينتفي الشرط الثالث أيضا.

من هنا نستطيع أن نتصور الأهمية التخطيطية لهذا الصلح التاريخي العظيم. وان المحافظة على الامام الحسين (ع) نفسه كان مستهدفا في صلح أخيه (ع)، كما ان المحافظة على ولده علي بن الحسين زين العابدين (ع) خلال حرب كربلاء، كان مستهدفا أيضا، من التخطيط أيضا، لكي ينتج- فيما ينتجه- ايجاد القائد المهدي (ع) إنجاز هذا الشرط من شرائط اليوم الموعود.

أما الفكرة القائلة بإن صلح الامام الحسن (ع) كان مقدِّمة لثورة الحسين(ع)، فكرةٌ صحيحة في منظور الشهيد الصدر ” بمعنى أنها و فّرت لها الظروف الموضوعية، من ناحية تخطيطية، فإن الحفاظ على الجماعة المؤمنة من قبل الامام الحسن (ع) مكنها بعد بضع عشرات من السنين أن تقوم بالمهمة الثورية بين يدي الحسين (ع). فتحضى آنئذ بنتائجها العظيمة من دون أن تتعرض للإستئصال لإتساع هذه الجماعة في ذلك الحين، و بقاء الامام علي بن الحسين (ع) بينهم.

ومع ذلك فقد كانت وظيفة الامام (ع) لأجل إحراز أقصى ما يمكن من المصلحة للحق الذي يعتقده في نفسه و أصحابه، وأن اتخاذ مسلك (السلبية) تجاه الدولة، بحيث لا يمكن لها أن تمسك ضده أي دليل … لأجل ضمان بقاء ذلك‏ الحق مع بذل الجهد المضاعف لإحراز مقدار معقول من المصالح الاجتماعية و الاقتصادية في مجتمع كان يعزلهم اجتماعيا و اقتصاديا وهذه هو (الهدف القريب ).

و أما الهدف (التخطيطي) فهو نفسه الذي ذكرناه لصلح الامام الحسن (ع). و هو الحفاظ على الحق من أجل حفظ الاطروحة العادلة الكاملة سارية المفعول في البشرية، و عدم انحصار إدْعاء الاسلام بالجهات الحاكمة المنحرفة. كما يراد به حفظ الامام نفسه لأجل إنجاب الامام المهدي نفسه، طبقا للفهم الامامي.

وأخيراً يعتقد الشهيد الصدر : ” أن الفرق بين عصر الامام الحسن (ع)، و عصر الأئمة المتأخرين (ع): أن الامام الحسن (ع)، كانت له الفرصة ليفرض شروطه على معاوية بن أبي سفيان، بإعتبار أن معاوية لم يكن ناجز الخلافة يومئذ، و إنما أصبح خليفة بالتمام!! بعد هذا الصلح، بخلاف الأئمة المتأخرين، فإنهم كانوا فاقدين لهذه الفرصة و أمثالها بإعتبار وجود الدولة القوية الناجزة المعترف بصحتها في قواعد شعبية كبيرة من المسلمين ” .

فتكون النتيجة : لولا صلح الإمام الحسن (ع) لما يمكن تحقّيق لأطروحة العادلة الكامل لليوم الموعود

هذا ما حاول الشهيد الصّدّر أن يقدّمه لنا في كتابه القيّم ” موسوعة الإمام مهدي «ع» ” ، الجزء الرابع ، ص: 622 .

ولله الحمد من قبل ومن بعد .

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Slider by webdesign

Clicky