الاجتهاد: إن دور الأسرة في تعزيز الصحة النفسية لأبنائها وبناتها محوري ومهم جدًا، محذرًا من التهاون في مواجهة الضغوط والتحديات التي تعصف بجيل الشباب في هذا العصر.ودعا إلى استثمار القيم الدينية والأخلاقية، والبرامج العبادية والروحية، لتعزيز الصحة النفسية، ومواجهة تحديات الحياة.
جاء ذلك ضمن خطبة الجمعة 18 ربيع الثاني 1447هـ الموافق 10 أكتوبر 2025م، في مسجد الرسالة بالقطيف شرقي السعودية بعنوان: الصحة النفسية في عالم مضطرب.
وأوضح سماحته أن الأمراض النفسية أشد خطرًا على الإنسان، من الأمراض الجسمية وأكثر فتكًا بحياته.
وأشار إلى ضرورة نشر الوعي بأهمية الصحة النفسية، وبرامج تعزيزها، وأساليب مواجهة مشكلات الاضطرابات والأزمات النفسية، فالصحة النفسية لا تقل أهمية عن الصحة الجسمية، بل قد تكون أولى بالرعاية والاهتمام.
وتابع: نحتاج إلى توفير ثقافة عامة في مجتمعاتنا بهذا الاتجاه، وأن يتضاعف اهتمام وزارات الشؤون الصحية برعاية الصحة النفسية. داعًا إلى مراجعة الجهات الصحية المتخصصة، لدى حدوث أي عرض من أعراض الاضطرابات النفسية.
اليوم العالمي للصحة النفسية
وبمناسبة اليوم العاشر من أكتوبر الذي تحتفي فيه منظمة الصحة العالمية، باليوم العالمي للصحة النفسية، قال سماحته: تحتفل منظمة الصحة العالمية بهذا اليوم بهدف إبراز أهمية رفع الوعي بالمشكلات الصحية النفسية، وتوفير الخدمات اللازمة لها، والرعاية الاجتماعية الشاملة والمتكاملة.
وتابع: إن الاهتمام البارز بالجانب الصحي في حياة الإنسان، غالبًا ما يتمحور حول الصحة الجسمية، ومواجهة الأمراض التي تصيب جسم الإنسان، وقد تم احراز تقدم كبير في هذا المجال، وهناك مسارات واضحة لمزيد من التقدم على هذا الصعيد عالميًا، رغم وجود نواقص وثغرات.
وأضاف: إلا أن الاهتمام بالصحة النفسية لا يزال ضعيفًا، ولا يرقى إلى مستوى التّحديات الخطيرة التي تواجهها المجتمعات الإنسانية على هذا الصعيد، خاصة ونحن نعيش في عالم مضطرب.
واستشهد على ضعف الاهتمام بالصحة النفسية بما تنفقه الحكومات عليها، مبينًا أن متوسط الانفاق الحكومي عالميًا على الصحة النفسية، لا تبلغ نسبته إلا 2% من إجمالي ميزانيات الصحة، ولم يطرأ عليه تغيير منذ عام 2017م.
وتابع: كما يبلغ متوسط عدد عاملي الرعاية في مجال الصحة النفسية، على الصعيد العالمي 13 عاملًا لكل 100.000 شخص، مشيرًا إلى وجود نقص وثغرات في مجال اعتماد تشريعات مناسبة بشأن الصحة النفسية في معظم دول العالم.
وأشار إلى أن أكثر من مليار شخص في العالم يعانون من الاضطرابات النفسية، كما تقول الإحصاءات الأممية.
وحذّر من أن الاضطرابات النفسية تدفع عددًا كبيرًا من الناس في العالم إلى الانتحار، فبحسب التقديرات العالمية، شهد عام 2021م 727.000 عملية انتحار.
وأضاف: بين ضحايا الاضطرابات النفسية الملايين الذين يقعون في فخ إدمان المخدرات، هذه الآفة الفتاكة المدمرة، التي تعاني منها مختلف المجتمعات.
ولفت إلى أن الوعي بمشكلات الصحة النفسية على الصعيد الاجتماعي لا يزال متدنيًا، وفي معظم الأوساط يعتبر المرض النفسي وصمة، مما يدفع للتكتم عليه من قبل الفرد والأسرة، ويتعامل معه ا لناس وكأنه عيب أو عار، لذلك لا يكون هناك سعي للعلاج المناسب، عبر المستشفيات والعيادات المتخصصة في الأمراض النفسية.
وتابع: عند البعض تختلق للمرض النفسي تفسيرات وهمية كالحسد، وإصابة العين، وعمل السحر، ومسّ الجن، ويستغل الدجالون والنصابون هذا الجهل للإثراء غير المشروع على حساب ضحاياهم.
وبيّن أن حالات القلق والاكتئاب، ومشاعر الإحباط، وانفصام الشخصية، تتزايد أرقامها في مختلف المجتمعات الإنسانية المعاصرة، بسبب تصاعد وتيرة تطورات الحياة، وما تفرزه من تحديات وأزمات، تجعل كثيرًا من الناس وخاصة من الشباب والفتيات، يشعرون بالعجز والإحباط، وعدم القدرة على مواجهة التحدي.
وتابع: وهناك الحروب الطاحنة التي تدور رحاها في أكثر من بقعة من هذا العالم، والنزاعات السياسية، وضغوط الحياة الاقتصادية التي تعاني منها كثير من الشعوب، كل ذلك أنتج هذه الرقعة الواسعة من انتشار الأمراض والأزمات النفسية.
وشدد على أن التعاليم الدينية تدفع إلى التخلص من المشاعر والنزعات السلبية تجاه الآخرين، كالحسد والحقد والضغينة وسوء الظن، وهي أرضية نشوء معظم الأزمات النفسية في العلاقات الاجتماعية. كما تدعو التوجيهات الدينية إلى خلق العفو والصفح والتسامح، إشاعة للأجواء الإيجابية في الوسط الاجتماعي.
وتابع: إن الأبحاث العلمية المعاصرة تؤكد على دور الدين والإيمان في تعزيز صحة الإنسان النفسية، والتي تنعكس على صحته الجسمية.
واستشهد بقوله تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي أَنزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَّعَ إِيمَانِهِمْ﴾، مشيرًا إلى أن السكينة من السكون في مقابل الحركة والاضطراب، وهي الطمأنينة والاستقرار النفسي، يستنزلها الإنسان المؤمن من الله تعالى، وبها يتجذر إيمانه ويزداد.