السبحاني

آية الله السبحاني: الحفاظ على خصوصية الحوزة ضرورة ملحة

خاص الاجتهاد: قال آية الله الشيخ جعفر السبحاني في حفل افتتاح العام الدراسي الجديد في الحوزات العلمية في إيران واجتماع أساتذة الحوزة العلمية في قم،

والذي عقد في قاعة اجتماعات مدرسة دار الشفاء للدراسات العليا، مستشهداً بآية كريمة من سورة الأنفال «وَمَا کَانَ ٱلۡمُؤۡمِنُونَ لِیَنفِرُواْ کَآفَّةࣰۚ فَلَوۡلَا نَفَرَ مِن کُلِّ فِرۡقَةࣲ مِّنۡهُمۡ طَآئِفَةࣱ لِّیَتَفَقَّهُواْ فِی ٱلدِّینِ وَلِیُنذِرُواْ قَوۡمَهُمۡ إِذَا رَجَعُوٓاْ إِلَیۡهِمۡ لَعَلَّهُمۡ یَحۡذَرُونَ»، وبأحاديث شريفة حول أهمية التفقه في الدين ومكانة الفقهاء، وقال: “إننا نجد في العالم نوعين من التعليم العالي؛ الأول هو التعليم الجامعي المنتشر في إيران ومصر وغيرهما من البلدان، والثاني هو التعليم الحوزوي الذي يمثل الدراسات الحوزوية.

وقال سماحته: إن هذين النوعين من التعليم، مع كونهما مُحترمين، إلا أنه يجب التفريق بين سماتهما كي نحافظ على هذه السمات التي ورثناها عن سلفنا. فالحوزات العلمية التي نشأت في عهد الإمام الصادق (عليه السلام) في المدينة المنورة ثم انتقلت إلى العراق وأماكن أخرى، لكل منها خصائصها التي تميزها وتجعلها محترمة في مكانها.

وأشار المرجع السبحاني إلى التمايز بين أساتذة التعليم الجامعي وأساتذة الحوزة العلمية، قائلاً: إن أستاذ الجامعة يتم تعيينه، بينما أستاذ الحوزة بعد الانتهاء من السطح الأول يختاره الطلاب بأنفسهم، وقد كان الأمر كذلك منذ البداية. أي أنه إذا أردنا الاستفادة من جميع الأساتذة، يجب علينا الحفاظ على هذه الميزة.

“يجب الإصرار على ميزة اختيار الأساتذة في الحوزة العلمية”

وقال المرجع السبحاني: “إن السطح الأول في الحوزة العلمية يتطلب أحياناً تعيين أساتذة محددين، ولكن بعد تجاوز هذه المرحلة، فإن اختيار الأستاذ يعود للطالب نفسه. وهذا التقليد متأصل في الحوزات العلمية منذ زمن بعيد. أما في الجامعات، فتعين الأساتذة هو القاعدة. وإذا أردنا الاستفادة من جميع الكفاءات العلمية في الحوزة، فعلينا الإصرار على هذا النظام الذي يترك للطالب حرية اختيار أستاذه.

وأشار آية الله السبحاني إلى أن المذاكرة والمطالعة المسبقة قبل الحصة الدراسية تمثل فارقًا جوهريًا بين النظام التعليمي في الحوزة العلمية والجامعة، موضحًا أن الإصرار على هذه المذاكرة المسبقة هو من سمات الحوزة العلمية، حيث يوصي الأساتذة الطلاب بدراسة المادة قبل الحصة وتحديد النقاط الغامضة فيها، وذلك لضمان فهم أعمق للمادة خلال الحصة الدراسية. وأكد سماحته على أهمية الحفاظ على هذه العادة التي تميز الحوزة العلمية.

وواصل آية الله السبحاني القول: الميزة الثالثة لهذا الأمر هي أنه حتى بعد مرور أسبوعين من التدريس، عندما تبدأ المناقشة الجماعية، فإن المباحثة بين شخصين أو مجموعة في هذا المجال يجب أن يستمر؛ لأن الآراء تختلف عندما يجتمعون، ولكل فرد رأي خاص به، وهكذا يبدأ روح الاجتهاد في النفوس بالانتعاش. عندما يقول أحدهم شيئًا ويقول الآخر شيئًا آخر، ويناقشان معًا، فإن هذا يؤدي إلى هذه النتيجة. وهذه الميزة كانت موجودة في الماضي وما زالت موجودة حتى الآن، وأنا ألفت النظر إلى هذه النقطة.

ورأى هذا المرجع الديني أن قلة المواد الدراسية في الحوزات العلمية هي ميزة أخرى، وشدد على ذلك قائلًا: في الجامعات قد تكون المواد الدراسية كثيرة، ولكن في الحوزات يجب أن تكون المواد الدراسية أقل حتى يتمكن الطالب من فهم هذه المواد الدراسية بدقة. فإذا كانت المواد الدراسية خمسة أو ستة، فإنه يأخذ قليلًا من كل منها ولكن لا يهضمها.

“وأضاف سماحته: لابد وأن يكون هناك مادتين أو ثلاث مواد دراسية على الأقل ليتمكن الطالب من فهمها واستيعابها فهماً عميقاً. وقد كان الأمر كذلك في الماضي، وهذه المسألة ذات أهمية بالغة. لا يهمنا السطح الأول، بل المستوى العالي؛ أي أن يكون الطالب قادراً على فهم واستيعاب هاتين المادتين أو ثلاث مواد على الأكثر فهماً صحيحاً وعميقاً. وليس الفهم والاستيعاب وحسب، بل التذوق أيضاً. وهذه الصفة موجودة ليس فقط في الحوزات العلمية في قم والنجف، بل أيضاً في مصر حيث زرتها ووجدت أنهم يناقشون هذه المسائل أيضاً، وإن كانت هناك بعض الاختلافات.

وأشار إلى طبيعة الامتحانات التقييمية في الجامعات ومقارنتها بالامتحانات في الحوزة العلمية وقال: “يجب أن يكون الامتحان امتحان فهم، لا امتحان حافظة. فامتحان الحفظ هو امتحان للذاكرة، وكل طالب يتمتع بذاكرة قوية سينجح فيه، بينما يفشل الطالب الذي يتمتع بفهم عالٍ ولكنه يعاني من ضعف في الذاكرة. والحفظ أمر جيد، ولكن يجب أن يكون الامتحان يختبر الفهم. على سبيل المثال، في امتحانات الحوزة العلمية، يطلب من الطالب أن يشرح جزءًا من كتاب “الكفاية”، أو أن يترجم ويُشرح جزءًا من كتب “المكاسب” أو “الخيارات” أو “البيع”، وذلك لمعرفة مدى عمق فهمه للموضوع. يجب أن يكون امتحاننا امتحان فهم.

وأضاف المرجع السبحاني: في زمن المرحوم آية الله العظمى البروجردي كان هناك عدة ممتحنين، منهم المرحوم السيد داماد، والمرحوم السيد روح الله خرم آبادي، وبالإضافة إليهم المرحوم آية الله مرتضى آقا شيخ. كانوا يطلبون من الطالب أن يدرس جزءًا من كتاب الرسائل، ثم يشرحه لهم. يجب ألا يغيب عن الامتحان الجانب المتعلق بحفظ النصوص، ولكن الأهم هو امتحان الفهم للمعاني والمضامين.

وأوضح سماحته، مشيراً إلى الاختلاف في النتائج بين الحوزة العلمية والجامعة، قائلاً: “النقطة الأخيرة في الميزة السادسة هي أن الجامعة هدفها تخريج خريجين للعمل في مجال اجتماعي معين، كأن يكونوا معلمين أو أطباء وغيرهم، وهي وظائف محترمة وهامة للغاية؛ لأنهم يتحملون مسؤوليات اجتماعية كبيرة. أما الحوزة العلمية، فهدفها تخريج طلاب ليكونوا علماء دين أو دعاة أو مدرسين أو كتاب. يجب أن نأخذ هذا الأمر بعين الاعتبار. إذا أردنا أن تستمر الحوزة العلمية في أداء دورها وتربية مثل هؤلاء الأشخاص، يجب أن تواصل إنتاج علماء ودعاة ومدرسين وكتاب، تماماً كما فعلت في الماضي.

وقال دام ظله: “هذا رأي شخصي اعتمدت عليه من الماضي. لدي تاريخ طويل يمتد لسبعين عامًا مع الحوزة. إذا أردنا الحفاظ على قوة الحوزة وعلميتها، يجب علينا الحفاظ على هذه الصفات التي تجعل خريجي الحوزة معلمين ودعاة وباحثين وكتاب. هذا هو المسار الصحيح.”

وأشار إلى ضعف الحوزة العلمية في مجال الدعوة والتبليغ وضرورة الاهتمام به: “لا شك أن الحوزة تطورت بعد الثورة الإسلامية في إيران، وتم تدعيم فروع لم تكن موجودة سابقًا، خاصة في مجال التفسير والعقيدة. ولكن هناك جانب ضعف وهو جانب المبلغ. لدينا نقص في المبلغين على مستوى عالٍ. هل يوجد الآن من أمثال الفلاسفة السابقين مثل الراشد والمحقق والتربتي والبرقعي والاشراقي؟

“وأضاف سماحته: هنا قلت للسيد الأعرافي مرارًا وتكرارًا: يجب أن تأخذوا مسألة تربية المبلغ على محمل الجد. بعد أن يصل الطالب إلى السطح العالي، يجب تقييم ميوله؛ هل يميل إلى العمل الأكاديمي أم إلى التبليغ أم إلى الاجتهاد؟ فباب الاجتهاد مفتوح، ولكن يجب وضع برنامج خاص للمبلغين. يجب أن يكون حافظًا لنهج البلاغه والقرآن، وأن يكون على دراية بتاريخ الإسلام ومشكلات المجتمع وحلولها، وأن يكون قادراً على إيصال هذه المعرفة للناس.”

وأكد على أهمية المنبر في توجيه المجتمع، وقال أن الثورة الإسلامية التي قادها الإمام الخميني لم تنجح لولا دور المنبرين في توجيه الناس نحو الإمام. وأكد على أهمية تربية المبلغين، مشيرًا إلى الحاجة إلى برامج تدريبية خاصة ومعلمين متخصصين وتدريبات عملية. واستذكر أنه في الماضي، كان طلاب العلم يتدربون على الخطابة في حجراتهم يوم الجمعة، ودعا إلى تعميم هذه الممارسة وتأسيسها على أسس علمية.

وأضاف الأستاذ السبحاني قائلاً: يصلني كتابات من بعض الأشخاص، غالبًا ما تتناول قضايا معاصرة وجديدة. هذا الجانب جيد بشرط أن يكون هؤلاء الأشخاص متقنين للقضايا الأساسية الثابتة في ديننا، أي تلك القضايا المستمدة من الكتاب والسنة وتعاليم العلماء. فبدون ترسيخ هذه الأسس، لن تستفيد القضايا المعاصرة هؤلاء الأشخاص، بل قد تضرهم. حتى قراءة بعض الرسائل قد تكون مفيدة وأخرى لا، فبعضها يركز على القضايا الجديدة ويتجاهل الأساسيات الدينية التي يجب أن تكون متينة أولاً حتى يمكن مواجهة التحديات المعاصرة. هذا ما أود أن أشير إليه.

وذكر سماحته، مُشيرًا إلى تاريخ تأسيس الحوزات العلمية، أن إعادة تأسيس حوزة قم العلمية في عام ١٣٠١ هجري شمسي الموافق ١٣٤٠ هجري قمري في شهر رجب، قد وضع اللبنة الأولى لها؛ إلا أنه كان لهذه الحوزة بركات عظيمة في تلك الفترة. ففي النظام السابق الذي جاء بعد الأب والابن (البهلوي)، كان هدفهما هو تغريب المجتمع واتباع نهج الغرب، وكان الشيء الوحيد القادر على إنقاذ هذه السفينة هو حوزة قم العلمية. ففي شهر محرم، كانت القطارات تذهب إلى الجنوب والشمال، وكان هؤلاء الدعاة والمبلغين هم القادرون على الحفاظ على هذا الدين في هذا البلد. وعندما سمعوا نداء الإمام، لبى أغلبية الشعب هذا النداء؛ وعندما كان من المقرر أن نصوت على الجمهورية الإسلامية، صوّت ٩٩٪ أو ٩٨٪ أو أكثر قليلاً. فلماذا؟ هذا كله من بركات الحوزة العلمية.

واستطرد قائلا: “إن حافظ الدين لدى أغلب الناس، سواء داخل إيران أو خارجها كانت حوزة قم العلمية. ومع كل الاحترام لحوزة النجف الأشرف التي نعتبر جميعًا فرعًا منها، فإن حوزة قم كانت الرائدة في هذا الجانب، والجميع يعلم أنه يجب علينا حماية هذه الحوزة بكل ما أوتينا من قوة، وأن نسلم البلد إلى صاحب الزمان عجل الله فرجه الشريف بنفس الطريقة أو بطريقة أفضل.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Slider by webdesign

Clicky