الحوزويات

الحوزويات والدخول في سلك الدراسة الدينية

يجمع علماء الشيعة على حق المرأة في الاجتهاد، أي تمكنها من استنباط المسائل الفقهية من المصادر الأساسية للتشريع، غير أن ذلك الإمكان قلّما انعكس واقعاً لأسباب متعلقة بصعوبة حيازة ملكة الاجتهاد وما تعنيه من سنوات طويلة قد تزيد عن ربع قرن من الدراسة، إضافة إلى إجماع معظم مراجع الشيعة على ضرورة أن يكون المرجع ذكراً.  بقلم: محمد مهدي عيسى

موقع الاجتهاد: قد يبدأ الالتباس من العنوان، من المصطلح الذي يصعب الاتفاق عليه أو تحديده بدقة. هل هنّ: حوزويات، نساء دين، عالمات دين، مبلّغات؟ لكن هذا ليس ذا شأن، ما دامت هذه الفئة مشغولة بمشروعها الديني الذي يتخطى المسميات، بل حتّى الأوطان والحدود المرسومة على المقاس.
إن ألفة هذه الحالة، دونها الكثير من التخطي لصورة رجل الدين المنطبعة في أذهاننا. فلا هنَّ يلبسن العمائم والجلابيب، ولا هنّ يطوّلن ذقونهن ويحففن شواربهن، ولا حتى يملكن أصواتاً عريضة منبرية، وإنّما هنَّ نساء عاديات بكل ما في كلمة “عاديات” من بساطة.

رغم ذلك فإن الحوزويات، ولنتفق على هذا الاسم، يختلفن اختلافاً كبيراً من حيث أوضاعهن الاجتماعية والاقتصادية وخلفياتهن العلمية ودوافعهن للدخول في سلك الدراسة الدينية. على أنّ الحوزة حدّدت أهدافها “المطلوب من الطالبات هو تحصيل المعارف الإسلامية الصحيحة وتبليغها في الميدان من خلال الندوات في الجامعات والبلديات والسجون، التدريس، مجالس العزاء، والكتابة”،

تقول رلى شعيب المسؤولة عن ملف التسجيل في حوزة السيدة الزهراء، التابعة لجامعة المصطفى العالمية. تستأنف رلى القول لتوضح كيف أنّ الحوزة ساهمت في إذكاء ريادة المرأة لا حدها، حيث خرجت من مظلتها العديد من الإعلاميات والباحثات والمؤلفات.

لكن هل الحوزة حكر على فئة محددة من النساء؟ لا، تقول رلى، وإنما “هناك بعض الشروط كأن تكون قد أنهت الثانوية العامة، وألّا يتجاوز عمرها الـ 28 سنة، وأن تخضع لمقابلة شفهية واختباران بالذكاء المنطقي والذكاء اللغوي، إضافة إلى شرط تقيّدها بلبس الزيّ الشرعي خلال الدراسة وموافقة أهلها أو زوجها على ذلك”.

لا يختلف النظام الحوزوي الحديث كثيراً عن النظام الجامعي، من حيث تقسيم الدراسة إلى مراحل والمراحل إلى سنوات والسنوات إلى فصول. ولا من حيث طبيعة الاختبار أو حتى الانتقال من مرحلة إلى مرحلة. لكنّ الأولوية غالباً للعلوم الحوزوية، حتى عند الحوزويات اللواتي خضن تجربة المزاوجة بين الحوزة والجامعة “العلوم الدينية هو العلم الحقيقي، وباقي العلوم يجب أن تصب في العلوم الحقيقية.

وكل ما تقدمنا في العلوم الحوزوية نجد كيف أن العلوم الدينية شاملة كل العلوم الأخرى”، تقول فاطمة عبد الله، التي تدرس الماجيستر الحوزوي في علم الكلام والفلسفة، والتي كانت قد نالت في وقت سابق إجازة في علم الأحياء من الجامعة اللبنانية. مع ذلك تؤكد فاطمة أهمية الدراسة الجامعية للحوزويات “فتجربة الحوزويات الجامعية أغنى، وفي مجال ما يفترض أن تبدع أكثر من غيرها”.

لكن الدراسة الحوزوية رتبت على فاطمة مسؤوليات أكبر من تلك التي رتبتها الجامعة، فوجدت نفسها على حين غرة ممثّلة للحوزة والحوزويات وهذا ما ألقى عليها المزيد من العبء والمحاذير، فصارت مقصداً للسائلين عن مسائل دينية وأخلاقية، بل وحتى استشارات نفسية ظنّاً منهم بأنّ عليها أن تلمّ بكل هذه العلوم.

تشاطر ناديا حامد فاطمة الهدف من دخول الحوزة. الاثنتان دخلتا الحوزة رغبةً باكتساب العلوم والمعارف الدينية، لكن مع الوقت، أحسّتا بضرورة أن تبلغا هذه المعارف وألّا تستأثرا بها. بدأت ناديا بسماع أشرطة المحاضرات الدينية والتعلم عن بعد عبر المراسلة بسبب استقرارها في كندا. بعد ذلك ستعود ناديا إلى لبنان لتنال الماجستير في علوم القرآن والماجستير في الفقه والأصول. ونتيجةً للحاجة إلى المبلغات في كندا، ونتيجةً لطلاقتها في تحدّث اللغة الانجليزية، عادت ناديا لتبلّغ الدين الإسلامي في مناسبات ومناطق عدة في كندا.

لم تجد ناديا الأربعينية وربّة العائلة والجدّة في الآن نفسه مانعاً في ذلك كله من إتمام دراستها والتحضير لمرحلة الدكتوراه في الفقه والأصول، لإيمانها بضرورة حيازة الحوزوية على قدر عالٍ من المعارف لما تشكله من مرجعية للعديد من النساء المؤمنات. إن التبليغ بحسب ناديا يفترض امتلاك المبلّغ وفرة في العلوم الدينية، لكن ذلك ليس كافياً “فالمبلّغ يجب أن يمتلك أساليب استقطابية وقدرة على إظهار الدين بشكل مشرق وبشكل مرن، وإلّا فإن الناس ستنفر منه”.

يجمع علماء الشيعة على حق المرأة في الاجتهاد، أي تمكنها من استنباط المسائل الفقهية من المصادر الأساسية للتشريع، غير أن ذلك الإمكان قلّما انعكس واقعاً لأسباب متعلقة بصعوبة حيازة ملكة الاجتهاد وما تعنيه من سنوات طويلة قد تزيد عن ربع قرن من الدراسة، إضافة إلى إجماع معظم مراجع الشيعة على ضرورة أن يكون المرجع ذكراً.

 

المصدر: شباب بتصرف قليل

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Slider by webdesign

Clicky