الاجتهاد: انطلقت يوم امس السبت ((10 /12 /2022)) في رحاب العتبة الحسينية المقدسة فعاليات المؤتمر الدولي الثالث لاحياء تراث علماء كربلاء تحت عنوان الشيخ محمد تقي الشيرازي “فكر وقيادة” برعاية المتولي الشرعي للعتبة الحسينية المقدسة الشيخ عبد المهدي الكربلائي وحضور الامين العام للعتبة المقدسة وجمع من رجال الدين وشيوخ العشائر واكاديميين وباحثين من دول عدة.
واشار ممثل المرجعية الدينية العليا الشيخ عبد المهدي الكربلائي في كلمته التي القاها في افتتاح المؤتمر ان ” يأتي هذا المؤتمر ضمن سلسلة المؤتمرات العلمية لاحياء تراث علماء كربلاء وهذا المؤتمر الثالث المخصص لتحليل وكشف فكر سماحة آية الله الشيخ محمد تقي الشيرازي “قدس سره”
ولاشك ان هناك ضرورات عدة تقتضي منا ان نولي هذا التراث اهمية خاصة ومنها، انه ورد في الاثر عن الامام الجواد (عليه السلام) “”مَنْ تَكَفَّلَ بِأَيْتَامِ آلِ مُحَمَّدٍ الْمُنْقَطِعِينَ عَنْ إِمَامِهِمْ، الْمُتَحَيِّرِينَ فِي جَهْلِهِمْ، الْأُسَارَى فِي أَيْدِي شَيَاطِينِهِمْ وَ فِي أَيْدِي النَّوَاصِبِ مِنْ أَعْدَائِنَا، فَاسْتَنْقَذَهُمْ مِنْهُمْ وَ أَخْرَجَهُمْ مِنْ حَيْرَتِهِمْ، وَ قَهَرَ الشَّيَاطِينَ بِرَدِّ وَسَاوِسِهِمْ، وَ قَهَرَ النَّاصِبِينَ بِحُجَجِ رَبِّهِمْ وَ دَلَائِلِ أَئِمَّتِهِمْ، لِيَحْفَظُوا عَهْدَ اللَّهِ عَلَى الْعِبَادِ بِأَفْضَلِ الْمَوَانِعِ، بِأَكْثَرَ مِنْ فَضْلِ السَّمَاءِ عَلَى الْأَرْضِ وَ الْعَرْشِ وَ الْكُرْسِيِّ وَ الْحُجُبِ عَلَى السَّمَاءِ، وَ فَضْلُهُمْ عَلَى الْعِبَادِ كَفَضْلِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ عَلَى أَخْفَى كَوْكَبٍ فِي السَّمَاءِ” (1).
ويتضح من هذا الحديث مدى عظم وسمو نور الهداية الذي يقوم به علماء آل محمد (صلى الله عليه وآله).
والمقصود هنا من الايتام ليس الذي فقد اباه بل هم المؤمنون المنقطعون عن امامهم والمتكفل بهم كما ورد في عبارة الامام الجواد (عليه السلام) والمكتلفون هم العلماء العدول الذين يهدون ويرشدون هؤلاء المؤمنين ويقودونهم الى رضا الله تعالى.
وهذا الحديث يظهر فضل المعرفة ونور الهداية وسمو القيادة لهؤلاء العلماء الذين يتحتم علينا ان نعمل على احياء تراثهم وكشف كنوزهم المعرفية واستظهار قيادتهم الربانية للامة بحفظ تراث محمد وآله (صلى الله عليه وآله) الذين إئتمنوا هؤلاء العلماء على حلال الله وحرامه ومنهاج شريعته ولينتفع المؤمنون واهل العلم بتلك المعارف الربانية والتجارب القيادية للامة وتوجيهها نحو البوصلة الحياتية الصحيحة والراشدة”.
واضاف الكربلائي ان ” الامر الثاني يتعلق بالدروس المستنبطة من التأريخ اوصلتنا الى حقيقة مؤسفة وهو ان الكثير من الحوادث التاريخية المهمة ذات الصبغة العقائدية والانسانية والوطنية قد زيفها وحرفها المبطلون واصحاب الاهواء والمطامع الدنيوية،
ولابد من تثبيت وحفظ تلك الحوادث على وجهها الصحيح ومن هم قادتها الحقيقيون وماهي مواقفهم الحقة لنصون لاهل الحق حقوقهم ولنبصر اجيالنا بمواقف قادتهم وعظيم عطائهم لقيادة الامة على النهج القويم،
وكذلك فإن كل امة تعتز بتاريخ عظمائها وسيرة قادتها خصوصا اذا كانوا النموذج الاسمى والارقى في المعرفة الحقة والقيادة المثلى وتعتبر ذلك من دلائل حضارتها واصالتها وتميز دورها في تقدم الانسانية ولا يتأتى ذلك الا من خلال نفض الغبار عن عطاء قادتها المعرفي وحقائق ادوارهم الدينية والوطنية والانسانية،
والامر الرابع يختص بالابتلاءات والحوادث المتجددة على مر الازمنة والدهور تتطلب المعرفة الدقيقة والتفصيلية بما سار عليه علمائنا وفقهائنا خصوصا في الحوادث المصيرية والحساسة ونحتاج الى ان نقارن بين تلك الحوادث وما نتعرض له في كل زمان من تحديات ومصاعب قد يكون لها وجه شبه بتلك الحوادث وحتى نتجنب الوقوع في مخاطر جديدة غير محسوبة النتائج ومتاهات مضللة بسبب جهلنا بتفاصيل تلك الحوادث التي مر بها الماضون وما كان عليه كيفية مواجهة علمائنا لها ومعرفة تفاصيل التعامل معها
وبناء على ذلك فإننا قد نقع في محاذير ومخاطر كبيرة نتأسف لعدم الاستفادة من التجارب الماضية ومن هنا فعلينا ان نتمعن وندرس بدقة ونحلل تلك الرؤى والمواقف لتحليل رؤية حالية ومستقبلية تعطينا البصيرة الثاقبة والقرار الصائب تجاه هذه الاحداث”.
واوضح الامر الخامس بقوله ان ” التوعية بدور المرجعيات الدينية سواء اكانت في وظائفها الاساسية من بيان الاحكام الشرعية وهدي الناس الى صلاحهم او كانت في مجال حفظ هويتهم الدينية وانتمائهم الوطني وصون حرياتهم، وممارسة حقوقهم وحفظ سيادة بلادهم واستقلالها كل ذلك اصبح في عصرنا هذا من ضرورات الحياة التي تحدد مصير الامة حاضرا ومستقبلا
فنجد لدى مرجعياتنا الدينية السابقة ومنها مرجعية آية الله الشيخ محمد تقي الشيرازي والمرجعيات اللاحقة واخرها مرجعية السيد علي الحسيني السيستاني تقارب في الرؤى والخطط الموضوعة لتحقيق الاهداف الجوهرية في حياة الامة والمتمثلة بحفظ الهوية الاسلامية والانتماء الوطني وتحصيل الحقوق وحمايتها وحفظ السلم المجتمعي والتعايش المبني على الاحترام المتبادل بين مكونات المجتمع والحرص على تحقيق العدالة الاجتماعية للعراقيين جميعا والحث على التحلي بالمواطنة الصالحة وبناء نظام سياسي يحقق الاهداف في التعبير عن ارادة الشعب وحفظ وحدته الوطنية وترسم لها مسارا راشدا وصالحا لممارسة حقوقه وصلاح امره وتجنيبه ويلات الفتن والنزاعات الداخلية التي تضعف كيان الدولة والمجتمع وتفتك بمكوناته وتهدر طاقاته وثرواته”.
من جانبه اشار الامين العام للعتبة الحسينية المقدسة الاستاذ حسن رشيد العبايجي في كلمته الى ان ” احياء تراث علمائنا وقادتنا من المراجع العظام يعني احياء تراث الامة ومجدها وعزتها وكرامتها ومن عمالقة مراجعياتنا الزعيم الروحي العلامة الشيخ محمد تقي الشيرازي هذا الرجل العملاق الذي ولد في مدينة شيراز وقاد الثورة العراقية الكبرى ثورة العشرين وقد اعطى الدين والمذهب الاولوية القصوى في حياته وكرس كل جهوده وسخر كل امكانياته المادية وضحى بنفسه واولاده في سبيل الدفاع عن الدين بعيدا عن الانتماءات العرقية والمذهبية ودعا جاهدا الى رص الصفوف ونبذ الفتنة والدفاع عن الدين والوطن والمقدسات وقاد الثورة بتلك الشجاعة النادرة وكان مع كل تلك المسؤوليات يحمل في قلبه هموم الناس ويلبي احتياجاتهم
وكانت حالة فريدة بشجاعته وتقواه وزهده وكماله وورعه وقيادته لقد بزغ نجمه في سماء مشرقة بالنجوم وبيت يزهو ويفخر بالاعلام واصبح الشيخ محمد تقي الشيرازي المرجع الاعلى في كربلاء في مرحلة حاسمة من تاريخ العراق
ولعل الجانب السياسي قد طغى على كل من كتب عن الشيرازي بقيادته لثورة العشرين والدور العظيم الذي قام به في توجيه الثوار ورسم مسارات الثورة وتعبئتها ورفع معنوياتها وكل الجوانب الاخرى لهذا العالم الفذ كانت ايضا زاخرة بالعطاء فقد تميز بصفات وخصال نادرة في تاريخ الرجال وبالاضافة الى عمله كان نموذجا للانسان المسلم لذي يقتدي بأئمة اهل البيت (عليهم السلام) في السر والعلن وقرن العلم في حياته بالعمل، وان ما قيل بحقه من قبل المؤرخين والشخصيات السياسية والدينية والوطنية التي عاصرته من اقوال كأنها تصف الشمس في رابعة النهار”.
—
(1) 1. الإحتجاج على أهل اللجاج: 1 / 17، لأحمد بن علي الطبرسي، المتوفى سنة: 588 هجرية، الطبعة الأولى سنة: 1403 هجرية، مشهد/ايران.