الاجتهاد: إنطلقت مؤسسة دائرة المعارف الفقه الإسلامي طبقاً لمذهب أهل البيت(عليهم السلام) في طريق تحقيق أهدافها المرسومة والمدوّنة في نظامها الداخلي، وذلك من خلال فريق من علماء وأفاضل الحوزة العلمية الذين تجاوزوا مرحلة السطوح ليواصلوا دروسهم في البحث الخارج، وقد سخّروا أوقاتهم وجهودهم وخبراتهم في خدمة المؤسّسة وإنجاح برامجها، هذا بالإضافة إلى الكادر الفني الذي يتحمّل مسؤولية إخراج نتاجات المؤسّسة.
تعدّ مدينة قم المقدّسة أكبر مركز للعلوم الدينية في العالم فانّها تمتاز عن غيرها من حيث كثرة المدارس العلمية الزاخرة بآلاف من الطلبة المشتغلين بالدرس والبحث، ومن مختلف نقاط العالم، هذا بالاضافة إلى دور النشر ومؤسسات التحقيق سيّما في الفترة الأخيرة حيث شهدت قم المقدسة تطوّراً ملحوظاً في مراكزها العلمية من حيث الكم والكيف.
ونقدّم لكم في هذا العدد صورة إجمالية ومختصرة عن إحدى هذه المؤسسات التحقيقية وهي مؤسسة دائرة المعارف الفقهية طبقاً لمذهب أهل البيت (عليهم السلام) :
المنهج الموسوعي في التأليف:
لا ريب في أنّ كتابة الموسوعات العلمية بالمعنى الأخصّ أمر جديد نسبياً ، ولم يكن مألوفاً في السابق وإنّما ظهرت الحاجة إلى ما يعرف بالموسوعات أو دوائر المعارف بعد أن تراكمت المعرفة البشرية ، وتشعّبت فروعها وتخصّصاتها ، حتى إنّ العلم الواحد أصبح اليوم له فروع كثيرة جدّاً
وصار الإنسان عاجزاً عن الإطّلاع الكامل والتعمّق والإحاطة الكاملة إلاّ بجزءٍ محدودٍ منها . وقد عرف العصر الحديث عدّة أنواع مختلفة من الموسوعات ، فمنها ما يلمّ بنتائج العلوم والفنون ، ويعرض مجمل المعرفة والثقافة البشرية لجُمهور القرّاء والمثقّفين ولا يوغل في تتبّع دقائقها وتفاصيلها، ومنها ما يختصّ بطائفة معيّنة من العلوم أو الفنون المترابطة فيما بينها ، ومنها ما يركّز على فرع واحد من فروع المعرفة فيتضمّن خلاصة ما حوته البحوث والدراسات المفصّلة في ذلك الفرع .
وفي جميع الحالات يتم عرض المعلومات في الموسوعات باُسلوب واضح مبسّط وطريقة سلسلة خالية من التعقيد من خلال كلمات عنوانية تكون بمثابة رؤوس للموضوعات التي تحتويها الموسوعة ، ويتخذ منها القارئ مداخل ومفاتيح للمعلومات التي يريد الوصول إليها.
ويتّضح ممّا سبق أنّ ما تعورف عليه هو أنّ الموسوعة أيّاً كان نوعها، وأيّاً كان العلم الذي تختصّ به، لا تقدّم جديداً في المعرفة ، وليس فيها إضافة أو إبداع من حيث المضمون والمادة العلمية ، ولذلك لا يكاد يلمس المطالع فيها أي مجال للاجتهاد والآراء المستحدثة والأفكار المستجدة وأيضاً لا يحسّ القارىء بالابتكار والرأي الشخصي ، ولا تشكّل معرضاً للدراسات والمناقشات ، بل تقتصر وظيفتها على عرض ما هو ناجز ومتحقق بالفعل من نظريات وأفكار علمية ، وصياغتها وترتيبها على نحو يسهل معه استرجاعها على غير المختص ، ولا يعاني المراجع من أية صعوبة في فهم المطالب المودعة فيها .
وثمّة أمر تجدر الإشارة إليه، هو أنّ كثيراً من هذه الموسوعات لم تُؤلّف وتجمع من قِبل شخص واحد ، بل يساهم عادة في إعدادها وتدوينها مجموعة من ذوي الخبرة ، ولو أنّا نجد بعض هذه الموسوعات قد قامت بجهدٍ فردي ، وهذا وإن كان يدلّ على عبقرية وقابلية استثنائية إلاّ أنّ العمل الموسوعي الذي يبتني على الجهد المؤسّسي والمشاركة الجماعية سيكون أكثر دقّة وسيحالفه النجاح .
ولا يبعد أن يقال إنّ كل هذا الذي تقدّم ينطبق بطبيعة الحال على الموسوعة الفقهية ، سواء من حيث الحاجة إليها والأسباب الداعية لتأليفها ، أو من حيث المنهج الذي يخضع له عرض المعلومات فيها .
الحاجة إلى الموسوعة الفقهية
بدأ التفكير في إصدار موسوعة للفقه الإسلامي بمختلف مذاهبه منذ ما يقرب من نصف قرن ، مع تزايد الشعور بالصعوبات التي تمنع غير الاختصاصيين وغير المشتغلين بالفقه من الإفادة على الوجه الأكمل من التراث الفقهي ، ويمكن الإشارة إلى ثلاثٍ من هذه الصعوبات : ـ
أولاً :إنّ التراث الفقهي قد تضخّمت مباحثه وتراكمت كتبه ومراجعه عبر العصور حتى صارت كمّاً هائلاً لا يكفي العمر لاستيعابه والإحاطة به . فإنّ المكتبة الفقهية مليئة بالمؤلّفات والمصنّفات المختصرة والموسّعة ، لأنّ حركة التأليف لم تنقطع في يوم من الأيام وفي عصر من العصور ، فقد واصل الفقهاء ـ رغم الظروف الصعبة والمعاناة القاسية التي مرّ بها أكثرهم ـ تدوينهم للكتب والمصنّفات . هذا وإن لم يصلنا أغلب هذه المؤلّفات فقد تعرّض الكثير منها وللأسف الشديد إلى الضياع والتلف إلاّ أنّ ما وصلنا إلينا منها إلى الآن هو كمّ هائل وعظيم فإذن التفكير بكتابة موسوعة فقهيّة يكون طبيعياً بل أمراً حتميّاً لا بدّ منه .
ثانياً :صعوبة اللغة وأساليب التعبير التي يستخدمها الفقهاء بالنسبة للمثقّف العادي لبعدها عن العصر من ناحية ، ولاستعمالهم فيها مصطلحات ذات دلالات علمية محددة لا يعرفها إلاّ المشتغلون بالفقه ، ولسلوكهم منهج الاختصار والتركيز في الكتابة غالباً بحيث تصبح عباراتهم أحياناً رموزاً مغلقة لا يفهمها إلاّ المتخصّصون .
ثالثاً :صعوبة استدعاء المعلومات من المراجع الفقهية ، فكثير من المسائل تتجاذبها أبواب شتّى في الفقه ولا يعرف مظانّ بحثها مَنْ ليست له خبرة وممارسة طويلة في الفقه .
هذه الاُمور مجتمعة كانت وراء بروز فكرة الموسوعة الفقهية ، وهي التي حملت بعض المهتمين بالفقه الإسلامي على التفكير من الاستفادة من الطريقة الموسوعية في التأليف لتجديد صياغة الفقه الإسلامي ، و إعادة سبكه وعرضه عرضاً شاملاً يجمع بين الدقة والوضوح وسهولة الترتيب .
وقد جاءت المطالبة بتنفيذ هذا المشروع من خارج العالم الإسلامي أولاً ، بعد أن أخذ الفقه الإسلامي يلفت إليه أنظار بعض الحقوقيين الغربيين ، ففي أوائل الخمسينيّات عقدت جامعة باريس مؤتمراً للفقه الإسلامي أوصى المؤتمرون في ختامه بضرورة إصدار موسوعة للفقه الإسلامي تصاغ فيها الأحكام والنظريات الحقوقية الإسلامية في مصنّف جامع مرتّب على غرار الموسوعات القانونية الحديثة .
ونظراً لما يتطلّبه هذا العمل من جهود لا تتّسع لها طاقة الأفراد ، ومـا يحتاجه من إمكانات مالية كبيرة وفنية ضخمة ، فقد أدرك المهتمون بتنفيذه أنّه لا سبيل إليه إلاّ بتظافر جهود عدد كبير من العلماء والباحثين والمفكّرين ، تسندهم إمكانات الهيئات والمؤسّسات والمراكز أو الحكومات والدول .
وفي ظلّ هذا الإدراك ظهرت أُولى المحاولات لتنفيذ هذا المشروع الهامّ بعد بضع سنوات . . بدأت في جامعة دمشق وبوشر العمل فيها فترة من الزمن ثم انتقلت بعد ذلك وذلك إبّان قيام الوحدة بين مصر وسوريا إلى وزارة الأوقاف المصرية التي أطلقت على المشروع اسم ( موسوعة جمال عبدالناصر )، وقد صدر أول أجزاء هذه الموسوعة سنة 1386هـ ، وبلغ ماصدر منها خمسة عشر جزءاً لم يتجاوز حرف الهمزة . ثمّ توقّف إصدار الأجزاء الاُخرى ، وهذه المحاولة تعتبر الاُولى من نوعها ولها قصب السبق في هذا المضمار وإن كانت لا تخلو من بعض نقاط الضعف وهي حالة طبيعة لمشروع بهذا المستوى .
وإلى جـانب موسوعـة جمــال عبدالناصر قامت محاولة أُخرى في مصر في أوائل الستّينيّات قامت بها (جمعية الدراسات الإسلامية بالقاهرة)بإشراف العالم المصري المعروف الشيخ محمّد أبو زهرة وذلك باسم (موسوعة الفقه الإسلامي )، وقد صدر منها جزءان فقط يبدأ أولهما بكلمة ( آل ) وينتهي ثانيهما بكلمة (إثبات) ، وذلك في وقت مقارب لصدور أول أجزاء موسوعة جمال عبدالناصر.
ومن الجدير بالتنويه أنّ كلتا هاتين الموسوعتين قد اعتمدتا منهج المقارنة بين المذاهب الفقهية الإسلامية المعروفة ومن بينها الفقه الشيعي الإمامي ، غير أنّه من الملاحظ أنّ عرض أحكام ونظريات هذا الفقه قد جاء في كلتا الموسوعتين بشكل لا يعكس حقيقته ولا يناسب ما له من مكانة وأهمية ، ولعلّ عذر القائمين على إصدار الموسوعتين المذكورتين أنّهم ليسوا من أهل الاختصاص والخبرة بهذا الفقه ، ولم يتيسّر لهم الاطلاع على مصادره ومراجعه كاملةً . ولم يستعينوا بالمراكز العلمية الشيعيّة لإسعافهم في ذلك .
وفي سنة 1967متبنّت حكومة الكويت مشروع الموسوعة الفقهية ، وبعد سنوات من التريّث والتحضير صدر أول أجزاء هذه الموسوعة ، وبلغ ما صدر منها ما يزيد على عشرين جزءاً .
ورغم ما تتميز به الموسوعة الكويتية من نضج منهجي بالقياس إلى الموسوعتين السابقتين ؛ فإنّها قد انفردت عنهما ـ ومع بالغ الأسف ـ بتجاهلها المطلق لفقه أهل البيت (عليهم السلام) حيث لم ترد فيها أ يّة إشارة إلى هذا الفقه . لا إلى نظرياته ولا إلى آراء فقهائه ، وهذا خلاف رسالة العلم ويعتبر عيباً ستراتيجيّاً سيّما ونحن نعيش في زمن أحوج ما نكون فيه إلى رفض التعصّب الطائفي الأعمى ، وتوحيد الصفّ الإسلامي ، وأدنى مستويات الوحدة الإسلامية هو الانفتاح على فقه المذاهب الإسلامية كافة ، ونأمل من القائمين على هذا المشروع أن يتلافوا هذا الأمر ويتداركوه في الطبعات القادمة أو في مشاريع اُخرى أكثر تكاملاً وشموليّة .
ونظراً إلى ما يتمتّع به فقه أهل البيت من أصالةٍ وعمق وهذا ما تثبته الأدلة ، فبأدنى مراجعة إلى بعض ما كتب في هذا الفقه ومقارنته بما هو موجود لدى المذاهب الإسلامية الاُخرى تحسّ بالعمق والدقّة والتطوّر الكبير الذي امتاز به هذا الفقه دون سواه ، فمن غير الانصاف إغفال وإهمال مثل هذا الجزء العظيم من التراث من دون عناية بجمعه ولمّ شتاته وعرضه للأجيال .
وأيضاً نظراً إلى ما يتميز به فقه أهل البيت (عليهم السلام) من حيوية وقدرة على الاستجابة لحاجات وضرورات التشريع فإنّ هذا الفقه له القابلية على حلّ مشكلات العصر الايدلوجية والتنفيذية فلم يتوقّف ولم يجمد على عصر معيّن أو في حدود أبحاث مخصوصة ، بل انّه قابل للتطوّر ومواكبة الزمن وذلك يعود إلى سرٍّ فيه وهو فتح باب الاجتهاد، فلم يوصد الباب أمام الإبداع والتجديد، هذا ومع أخذ الواقع الذي تعيشه البشرية وما يمرّ به العالم الإسلامي من إحساس بضرورة طرح البديل الإسلامي عوضاً عن الايدلوجية الغربية والأنظمة الوضعية، فإنّ الحاجة تشتدّ يوماً بعد يوم إلى سدّ الفراغ الكبير الذي تركته الموسوعات السابقة ، والمبادرة إلى إصدار موسوعة فقهية خاصة بمذهب أهل البيت (عليهم السلام) تُصاغ فيها أحكامه ونظريّاته صياغة موسوعية عصرية تجعله في متناول الراغبين في الاطلاع عليه والإفادة منه .
ولا شك أنّ قائد الاُمّة الإسلامية المعظّم سماحة آية اللّه السيد علي الحسيني الخامنئي « دام ظلّه » ، بوصفه وليّ الأمر المؤتمن على فقه أهل البيت (عليهم السلام) ، هو الجهة التي يُتطلّع إليها لرعاية مثل هذا المشروع وتوجيهه الوجهة التي تصل به إلى الغاية المنشودة.
من أجل ذلك ارتأى ( دام ظله ) تشكيل مؤسسة خاصة تأخذ على عاتقها القيام بهذه المسؤولية الضخمة ، والعمل لتحقيق جملة من الأهداف الفقهية الأُخرى التي تتطلّبها المرحلة الراهنة من تطوير الفكر الفقهي وتحديثه ، وتجديد مناهج طرحه وتدوينه باللغة العصرية ، وعهد بها إلى فقيه من فقهاء الحوزة العلمية وأحد أساتذتها المحققين الكبار آية اللّه السيد محمود الهاشمي .
وإليكم نصّ القرار الذي أصدره سماحة ولي أمر المسلمين حضرة آية اللّه السيّد علي الخامنئي( دام ظلّه ) :
حضرت حجة الإسلام والمسلمين العالم المحترم الجليل
السيد محمود الهاشمي دام مؤيداً
من الواضح والجليّ لأهل التحقيق أنّ كنز الفقه الإسلاميّ القيِّم المطابق لتعاليم مدرسة أهل البيت (عليهم السلام) أحد أغنى وأثرى الكنوز الذي ورثته الثقافة والحضارة الإسلاميّة ، حيث قدَّم مئات الآثار العلميّة والفنيّة ـ التي تحتلُّ كلُّ واحدة منها مكاناً بارزاً ـ للعالَم الإسلاميّ والبشريّة جمعاء ، وبهذا أغنت وطوّرت مكتبات العلوم الإسلاميّة .
إِنّ أسلافنا الصالحين بجهادهم المنقطع النظير رغم الظروف العسيرة ، وقلّة الإمكانات ، أثرى كلٌّ منهم هذا التراث القيِّم بما أ لّفُوه من كتب .
وفي الوقت الذي يتوق فيه العالَم الإسلاميّ ، ومعه جميع المراكز والحوزات العلمية في العالَم ، إلى التعرُّف والاطّلاع على جميع علوم ومسائل و خبايا الفقه لمدرسة أهل البيت (عليهم السلام) ، نفتقر نحن إلى موسوعة تشمل جميع الأبواب والمؤلَّفات في هذا الرَّحب الواسع .
ونظراً للاُمنية التي ظلَّت تراودني منذ أمد بعيد لتنظيم و إعداد دائرة معارف للفقه الإسلاميّ طبقاً لمذهب أهل البيت (عليهم السلام) ، اُنيط بحضرتكم باعتباركم الوجه اللاّمع في العلم والعمل ، ولما تتمتّعون به ـ وللّه الحمد ـ من منزلة رفيعة في الفقه والعلوم المرتبطة به ، مسؤولية تأسيس وإدارة مؤسّسة تأخذ على عاتقها إعداد وتنظيم دائرة المعارف المذكورة ، لتتمكّنوا وبالتعاون مع العلماء الأجلاّء وفضلاء الحوزات العلميّة من إنجاز هذه الخدمة الخالدة للعَالم الإسلاميّ في الوقت المناسب .
سائلاً المولى تعالى أن يوفّقكم لذلك
علي الحسيني الخامنئي
2 / 11 / 1369 هجري شمسي
وعلى أساس هذا الحكم، وبعد انعقاد جلسات متعدّدة مع العلماء وأهل المشورة ، تشكّلت النواة الاُولى لـ مؤسسة دائرة المعارف الفقه الإسلامي طبق مذهب أهل البيت (عليهم السلام) .
وبعد ذلكجرت مناقشاتومباحثات كثيرة حتى تمّ تنظيم وتدوين البنية الأساسية والخطوط العريضة التي تنطلق المؤسسة من خلالها لتبدأ عملها وتمارس نشاطها ، ومن ثمّ تشكّلت الأقسام التي تمثّل الهيكل الأولي العام للمؤسّسة .
وبتوفيقٍ من اللّه (عزوجل) وإرشادات قائد الجمهورية الإسلامية وإشراف رئيس المؤسّسة وتوجيهاته اُنجزت خطوات مهمّة في سبيل تحقيق وأداء هذه المسؤولية ذات الشأن الخطير .
وما نهدف إليه ونتوخّاه من تقريرنا هذا هو تعريف الحوزات العلمية والفقهاء والمفكّرين والمحقّقين في عالمنا الإسلامي على الهيكل العامّ والتشكيلات الأساسية للمؤسّسة وعرض صورة إجمالية عن إنجازاتها منذ ولادتها إلى هذا الحين ، ممّا يسهّل عليهم إتحافنا باقتراحاتهم البنّاءة ونظراتهم الثاقبة التي تنير الطريق لمؤسّستنا لتستمر في أداء رسالتها الإلهيّة المقدّسة .
الهيكل العام للمؤسّسة
بيّن النظام الأساسي لـ مؤسسة دائرة المعارف الفقه الإسلامي طبقاً لمذهب أهل البيت (عليهم السلام) أركان المؤسّسة كما يلي :
أ ـ المؤسّس ورئاسة المؤسّسة :
يعتبر قائد الجمهورية الإسلامية آية اللّه السيد علي الخامنئي (دام ظلّه) هو المؤسس والمشرف على نشاط مؤسّسة دائرة المعارف الفقه الإسلامية وفقاً لمذهب أهل البيت (عليهم السلام) ، فإليه يرجع ترسيم المسار الذي تسلكه المؤسسة في أعمالها ، وتعيين رئاسة المؤسسة ، والموافقة على أعضاء الهيئة العلمية الذين يتمّ اختيارهم من قِبل رئاسة المؤسّسة ، وتوسعة المؤسّسة أو انحلالها ، وتغيير البنود التي يتضمّنها النظام الداخلي .
ب ـ رئيس المؤسّسة :
باختيارٍ من قائد الثورة الإسلامية تمّ تعيين رئاسة المؤسّسة ، وبالإضافة إلى إدارة شؤون المؤسّسة اُنيطت مهمّة رئاسة الهيئة العلمية والهيئة الإدارية بشخص رئيس المؤسّسة أيضاً .
مضافاً إلى ذلك ، فإنّ الإشراف الكامل على نشاط المؤسّسة على الصعيد العلمي والفني والإداري والمالي وإقالة وتنصيب أعضاء الهيئة الإدارية واستحداث وحذف بعض الأقسام في المؤسّسة من شؤون رئاسة المؤسّسة ، علماً أنّ رئاسة المؤسّسة قد اُسندت لسماحة آية اللّه السيد محمود الهاشمي على أساس الحكم الصادر عن قائد الثورة الإسلامية (دام ظلّه) .
ج ـ الهيئة العلمية :
من الركائز الأساسية لمؤسّسة دائرة المعارف الفقه الإسلامي وفقاً لمذهب أهل البيت (عليهم السلام) الهيئة العلمية المؤلّفة من أحد عشر عضواً من الفقهاء والمجتهدين ، ويُعدّ إشراف هؤلاء العلماء على النشاط العلمي والفقهي للمؤسّسة ضامناً لصحّة منهجها وحسن اختيارها للمصادر والمباني المعتمدة .
ومن المهام التي تنهض بها الهيئة العلمية عرض منهج علمي تخصّصي يوفّق بين توجيهات قائد الثورة الإسلامية ، وكلّ ما من شأنه أن يرفع من مستوى المؤسّسة ويحقّق أهدافها ، والإشراف على جميع النشاطات العلمية والمناهج المعتمدة والبرامج المعدّة ، وتقديم الاقتراحات والاُطروحات ، وذلك من أجل تطوير المؤسّسة وإغناء برامجها وتعجيل مسيرها التكاملي .
د ـ الهيئة الإدارية :
تتقوّم الهيئة الإدارية برئيس المؤسّسة ومعاون الرئيس ومدراء الأقسام العلمية ومدير قسم الخدمات ، وتقع على هذه الهيئة مسؤولية إعداد البرامج العلمية للمؤسّسة والسعي في تنفيذها وإجرائها .
ويمكن إجمال نشاط هذه الهيئة باُمورٍ أهمّها :
أ ـ وضع المخطط العام لتأليف «دائرة المعارف» وتعيين مراحل هذا المخطط الرئيسية والجزئية .
ب ـ المناقشة العلمية الدقيقة والشاملة للمواد والقواعد الفنية المتعلّقة بإعداد البحوث والموضوعات الفقهية .
ج ـ عقد الجلسات والمؤتمرات العلمية وتشكيل لجان للبحث والمناقشة في إطار البرامج العامة للمؤسّسة .
د ـ الإشراف المباشر على تنفيذ هذه البرامج وإجرائها على الوجه الأكمل .
ه ـ القسم العلمي : يدار القسم العلمي من قِبل الهيئة الإدارية ، ويتحمّل هذا القسم مسؤولية الإشراف والرعاية العلمية على مجاميع التحقيق والبرامج العلمية ، وكذلك تقييم النتائج العلمية التي تتوصّل لها مجامع التحقيق .
ويتضمّن هذا القسم المكتبة والإرشيف والأجهزة الكومبيوترية التي تتناسب مع النشاط العلمي للمؤسّسة .
ويتحمّل هذا القسم مسؤولية ربط المؤسّسة علمياً وثقافياً بالمؤسّسات والمراكز العلمية في عالمنا الإسلامي الكبير ، من أجل تبادل الخبرات والتعاون الجادّ والمثمر ، وتجنّب الوقوع في تكرار المشاريع التي اُنجزت أو هي قيد الإنجاز ، وبذلك يتمّ التعاون بين المؤسّسات العلمية من خلال التعرّف على مناهج التحقيق المتّبعة في كلّ منها .
وبما أنّ الهدفالأساس الذي تتوخّاه المؤسّسة هو ترتيب وتدوين دائرة معارف طبقاً لمذهب أهل البيت (عليهم السلام) ، ونشرها في جميع بقاع العالم الإسلامي ، بل وفي جميع الأوساط العالمية وبمختلف اللغات ، لذلك كان استحداث وحدة للترجمة والنشر ضرورة ملحّة لتوسعة آفاق العمل في هذه المؤسّسة .
هذه هي الأقسام التي تشكّل الهيكل العامّ للمؤسّسة ، وقد شرعت بأعمالها منذ تأسيسها ، ولا تزال تواصل نشاطها الذي نعمد إلى كشف بعض جوانبه في هذا التعريف الإجمالي .
مركز الغدير الإسلامي:
بتكليف من قائد الثورة الإسلامية سماحة آية اللّه السيّد الخامنئي (دام ظلّه) المؤسّس والمشرف على مؤسّسة دائرة المعارف تمّ إيجاد مركز الغدير الإسلامي من قِبل سماحة آية اللّه السيّد محمود الهاشمي ، والمهمّة التي أخذها المركز على عاتقه هي الدفاع عن محتوى التشيّع وتاريخه المشرق .
وقد اُلحق هذا المركز بالمؤسّسة كقسم من أقسامها ، واضعاً أهدافه المذكورة على رأس قائمة نشاطه وأعماله ويتكوّن هذا القسم من مجموعة من المحقّقين والمفكّرين الإسلاميّين الواعين ، وقد أصدر المركز بهذا الصدد عدّة إصدارات ، وهو يتبنّى في الوقت الحاضر مشروعاً مهمّاً ذلك هو تحقيق كتاب الغدير للعلاّمة الأميني (رحمه الله) الذي سيصدر قريباً بعونه تعالى مشفوعاً بتحقيقه القيّم .
وقد أفتح المركز أخيراً مكتباً له في بيروت ، يعكس نشاطات وإصدارات المركز ونتاجات مؤسّسة دائرة المعارف بشكل عام .
مجلة فقه أهل البيت :
وقد قامت المؤسّسة أخيراً بافتتاح قسم لإصدار مجلة فصلية تحمل اسم مجلة «فقه أهل البيت (عليهم السلام) » وقد بوشر العمل بإصدارها باللغة الفارسية ثمّ العربية وسيتم إصدارها إن شاء اللّه تعالى باللغة الإنكليزية وسائر اللغات الحيّة الاُخرى ، والهدف من هذه المجلة هو تقديم الأبحاث الفقهيّة المستجدة بين يدى المختصّين ، كما أنّها تحمل بين طيّاتها مشاريع فقهيّة واقتراحات من أجل تطوير الفقه بحيث يتناسب والمرحلة التي نعيشها اليوم .
منجزات المؤسّسة:
قامت المؤسّسة بالأعمال والفعاليات التالية الخاصّة بدائرة المعارف :
أ ـ معجم المصطلحات الفقهية :
وهو أوّل الأعمال العلمية التي شرعت بها المؤسّسة ، وقد تمّ بالفعل إعداد قائمةأوّليةبجميعالألفاظ والمصطلحات الفقهية الأصلية والفرعية ، ويجري الآن مراجعتها وتدقيقها . حيث قام عدد من المحقّقين باستخراج هذه المصطلحات من عشرات الكتب الفقهيّة المتعدّدة وتمّ ضبطها وتسجيلها خلال مدّة من الزمن ، وقد جمع عدّة آلاف من هذه المصطلحات من كافّة الأبواب الفقهيّة المختلفة .
ب ـ معجم فقه الجواهر :
ملخّص وفهرس لكتاب (جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام)مرتّب ألفبائيّاً على الطريقة الموسوعية ويجري إعداده ليكون أساساً لدائرة المعارف ، وهو يحقّق أهدافاً ثلاثة :
1 ـ الدلالة على مواطن المعلومات والمسائل الفقهية الواردة في كتاب الجواهر بالجزء والصفحة لتسهيل مراجعتها في الكتاب . وهذا هو الغرض العامّ من كل فهرس .
2 ـ تحديد ما يرتبط بكل مصطلح وعنوان فقهي من أحكام ومعلومات فقهية وجمعها من مواضعها المتفرّقة في الكتاب وترتيبها ترتيباً منهجياً مقارباً لمنهج البحث الموسوعي . والغرض من ذلك وضع مخطّط أولي منهجي لكل بحث من أبحاث الموسوعة وتحديد إطاره العام .
3 ـ الوقوف على الآراء والاتّجاهات الفقهية في كلّ مسألة من المسائل المطروحة في الكتاب بما في ذلك رأي صاحب الكتاب ، وفي أي كتاب ذكرها أصحابها من كتبهم ومؤلّفاتهم ، الأمر الذي يجعل من المعجم دليلاً لهداية المحقّقين وكتّاب بحوث الموسوعة إلى الآراء المختلفة حول كلّ مسألة ، ويوفّر عليهم جهوداً وأوقاتاً كبيرة .
وقد تمّ لحدّ الآن إعداد القسم الأكبر منه ، ونأمل الفراغ ممّا تبقّى خلال فترة قليلة إن شاء اللّه تعالى .
ج ـ الفهرس الموضوعي :
وهو فهرس تفصيلي لكتاب جواهر الكلام ، والهدف من هذا الفهرس هو تفكيك وتحليل أبحاث الكتاب واستخراج الآراء والمتبنّيات والتعرّف على أدلّة كلّ منها والإشارة إلى النكات الدقيق فيها حتى يكون ضؤاً كاشفاً ينير الطريق أمام المحقّقين والباحثين في معرفة مسائل هذا الكتاب ومحل وجودها من خلال الإشارة إلى المسألة ومكان وجودها في الجزء والصفحة .
والمنهج المتّبع عملياً في هذا الفهرس هو : متابعة البحث في كل مسألة من المسائل الواردة في كتاب الجواهر من خلال ثلاثة عناصر :
أ ـ ما يدّعيه صاحب الجواهر فيها وما يختاره من الآراء والنظريات .
ب ـ آراء وأقوال الفقهاء الآخرين التي ينقلها صاحب الكتاب .
جـ ـ أدلّة المسألة ومشخّصاتها وكذلك الأدلّة التي وردت في الكتاب ومناقشتها .
بالإضافة إلى ذكر العناوين المشتركة بين المسألة وغيرها من المسائل التي وقعت مورداً للبحث تحت عنوان المسألة ، وذلك لتيسير الأبحاث الفقهية المشتركة وجعلها في متناول أيدي الباحثين والمحقّقين .
ومن مشخّصات هذا الفهرس الدقيقة اشتماله على الأبحاث المذكورة استطراداً إلى جانب كلّ مسألة بحيث صار من الممكن الإحاطة بالأبحاث المشتركة والاستطرادية المبثوثة في ثنايا الكتاب وذلك من خلال الاستعانة بجهاز الكمبيوتر .
كما أنّ هذا الفهرس يحتوي على إشارة إلى المصطلحات الواردة في كل فقرة والمصطلحات ذات الصلة لغرض جمعها فيما بعد جمعاً فنّياً .
والفوائد المترتّبة على فهرس كتاب الجواهر الذي يعتبر النموذج الأكمل للفقه الشيعي كثيرة منها :
1 ـ جمع وترتيب آراء صاحب الجواهر الفقهية في مجموعة مرتّبة على غرار دوائر المعارف الحديثة .
2 ـ تنظيم المسائل الفقهية المبثوثة في كتاب جواهر الكلام على أساس حروف المعجم مشفوعةً بنظريات وآراء الفقهاء مضافاً إلى رأي صاحب الجواهر .
وقد تمّ الفراغ وللّه الحمد من تحقيق كتاب الجواهر وفهرسته التفصيلية ، وسيصدر المجلّد الأوّل في القريب العاجل وبصورته الجديدة حيث تمتاز هذه الطبعة للجواهر بعدّة امتيازات منها المحافظة على متن وعبارات الكتاب كما هي وفي الوقت نفسه تمّ فصل المدّعيات واختيارات المؤلّف على حدة وتشخيص الأقوال وفصلها عن الاستدلالات والمناقشات بطريقة فنّية دقيقة ، مع عرض المطالب بشكل مرتّب ومرقّم ، ومع توضيحات في بعض الموارد اللازمة ، وميّزت هذه الإضافات عن أصل المتن مراعاة للأمانة والدقّة العلمية ، وإكمالاً للفائدة تمّ تعيين لجنة علمية أخذت على عاتقها استخراج النصوص والآيات والروايات الواردة في الكتاب . هذا وقد اُخرج الكتاب بأحدث طريقة وبأروع صورة بحيث يصلح أن يكون منهجاً دراسياً في الحوزات العلمية .
د ـ مكتبة دائرة المعارف وقسم الكومبيوتر : بالنظر لأهمّية توفير كافة المراجع والكتب التي يحتاجها المحقّقون وكتّاب بحوث الموسوعة فقد اهتمّت المؤسّسة منذ بداية تشكيلها بإنشاء مكتبة موسوعية شاملة لجميع المراجع والكتب الخاصّة بعلم الفقه وسائر العلوم الاُخرى ذات الصلة الوثيقة بعلم الفقه ، كعلم الاُصول وعلم الحديث وعلم الرجال والفلسفة والتاريخ . . بالإضافة إلى ألوان الثقافة الإسلامية الاُخرى وكتب اللغة وفنون الثقافة الحديثة وكلّ ما يمكن أن يكون في معرض الحاجة للمحقّقين .
وقد بلغ تعداد ما تحويه مكتبة المؤسّسة لحد الآن حوالي عشرة آلاف كتاب ، ونحن مستمرّون في مدّها بالمزيد ممّا يصدر أو يتوفّر في الأسواق من كتب . وقد تمّ أيضاً تصوير جملة من الكتب الفقهيّة المخطوطة والتي تعتبر مصادر هامّة يحتاجها المحقّقون .
كما أنّه اُنشىء قسم خاص بالكمبيوتر في المؤسّسة يحتوي على أجهزة متطوّرة لخزن المعلومات والفهارس الفقهية التي تنظّمها المؤسّسة بواسطة محقّقيها ، وكذلك لطبع الآثار والأعمال العلمية التي يتمّ إنجازها .
برامج المؤسّسة المستقبلية:
إنطلقت مؤسسة دائرة المعارف للفقه الإسلامي طبقاً لمذهب أهل البيت (عليهم السلام) في طريق تحقيق أهدافها المرسومة والمدوّنة في نظامها الداخلي ، وذلك من خلال فريق من علماء وأفاضل الحوزة العلمية الذين تجاوزوا مرحلة السطوح ليواصلوا دروسهم في البحث الخارج ، وقد سخّروا أوقاتهم وجهودهم وخبراتهم في خدمة المؤسّسة وإنجاح برامجها ، فجزاهم اللّه خير الجزاء ، هذا بالإضافة إلى الكادر الفني الذي يتحمّل مسؤولية إخراج نتاجات المؤسّسة بأفضل صورة .
ويمكننا أن نجمل أهداف المؤسّسة بعدّة محاور :
أ ـ إيجاد دائرة معارف مستوعبة لجميع جوانب الفقه الشيعي على غرار دوائر المعارف العصرية المعروفة .
ب ـ تحقيق وكتابة الموضوعات التي ترتبط بنحو من الأنحاء بالفقه الشيعي مثل : تأريخ الفقه الإسلامي ، فقهاء الإسلام الكبار ، بحوث الاقتصاد الإسلامي ، الفقه المقارن ، بحث المسائل التي هي محل ابتلاء المجتمع ، تهيئة قاموس فقهي ومعجم لآيات الأحكام والروايات .
ج ـ تحقيق وطبع ونشر المنابع الفقهية المهمة .
وبناءً على هذه الأهداف التي يكون بعضها موضوعات دائمة ومستمرّة في المجتمع البشري ، نأمل أن تحصل هذه الرسالة الإلهيّة الخطيرة التي ستحقّق خدمات عظمى في عالم التشيّع على ثمرتها ، وتدخل السرور على قلب إمام العصر والزمان ( عجّل اللّه تعالى فرجه الشريف ) ، وكل ذلك بتوفيق من اللّه وبركة دعاء إمام العصر (عج) وتوجيهات قائد الثورة الإسلامية آية اللّه السيّد الخامنئي حفظه اللّه تعالى وجهود آية اللّه السيّد محمود الهاشمي ودعم المراجع العظام والمجتهدين الأعلام وعلماء الحوزة العلمية والمحقّقين والأساتذة .
د ـ كما أنّ المؤسّسة تنوي القيام بمشروع علمي كبير وهو تهيئة وإعداد منهج دراسي جديد لطلبة العلوم الدينية يناظر المنهج الأكاديمي ، وتمّ دراسة التصوّرات الأوّلية للمشروع ، وقد تمّ إعداد بعض نماذج هذا المشروع وسيتمّ إراءته من خلال صفحات المجلة الفصلية «فقه أهل البيت (عليهم السلام) » وتسعى المؤسّسة الآن لتشكيل لجنة على مستوى رفيع للإشراف على هذا العمل الهامّ .
مؤتمر مؤسسة دائرة المعارف:
الموسوعة الفقهية ليست كأيّ أثر علمي أو كتاب يؤلّفه صاحبه ويكون مسؤولاً عمّا يرد فيه من معلومات وأفكار ، وإنّما هو عمل علمي ضخم يراد تقديمه باسم الشيعة الإمامية إلى العالم وللأجيال القادمة ليعرّفهم بما عند الشيعة من تراث فقهي ، وعلى هذا لا بدّ من أخذ رأي فقهاء الشيعة وأساتذة حوزاتهم فيما ينبغي أن يتوفّر في هذا العمل العلمي الخطير من خصائص ومواصفات ، سواء من حيث المحتويات والموضوعات أو من حيث المنهج وطريقة العرض .
ومن أجل هذا الهدف ارتأت المؤسّسة عقد مؤتمر علمي تدعو فيه العلماء وأهل الرأي والنظر في الاُمور الفقهية لبحث ومناقشة مختلف الجوانب العلمية والفنّية لهذا المشروع الجبّار ، واقتراح الحلول للمشكلات والصعوبات التي تعترضه ، وإرساء قواعد المنهج الذي ينبغي تدوين الموسوعة على طبقه.
وإيماناً بضرورة مشاركة أصحاب الاختصاص وذوي الخبرة في العلوم الفقهيّة والتأليف الموسوعي في إرساء قواعد المنهج العلمي السليم لمشروع تدوين دائرة معارف فقهيّة عصرية جامعة تعكس بصورة دقيقة ، وبطريقة ميسّرة ، التراث الفقهي العظيم المذخور في مؤلّفات علماء مدرسة أهل البيت (عليهم السلام) وتجعله في متناول الراغبين في الاطّلاع عليه والإفادة منه.
ومن أجل دراسة الخيارات المنهجية التي أفرزتها التجارب الموسوعية الحديثة في العالم الإسلامي ، وبحث مختلف القضايا والمشكلات العلمية والمنهجية التي يواجهها العمل الموسوعي الفقهي الذي تكوّنت من أجل الإعداد له وتنفيذه مؤسّسة دائرة معارف الفقه الإسلامي بأمر من ولي أمر المسلمين قائد الجمهورية الإسلامية المعظّم آية اللّه السيد علي الخامنئي (دام ظلّه) سعت هذه المؤسّسة لعقد مؤتمرها العلمي الأوّل تحت شعار : «في سبيل موسوعة فقهيّة حديثة طبقاً لمذهب أهل البيت (عليهم السلام) »في الفترة من الحادي والعشرين إلى الثاني والعشرين من شهر شعبان 1414هـ ق الموافق للرابع عشر والخامس عشر من بهمن 1372هـ . ش ، والثالث والرابع من شباط 1994م.
وقد انعقد المؤتمر الأوّل في مدينة قم المقدّسة باعتبارها أكبر مركز للعلوم والمعارف الإسلامية . وشارك في المؤتمر عدد كبير من الفضلاء والعلماء وفي مقدّمتهم كبار الفقهاء والمجتهدين ، وقد دعي إلى المؤتمر أيضاً مجموعة من أساتذة الجامعات والخبراء المتخصّصين ، وأيضاً حضر عدد من كبار المسؤولين في الجمهورية الإسلامية ، وافتتح المؤتمر بتلاوة من آي الذكر الحكيم ، وتُلي بيان سماحة ولي أمر المسلمين آية اللّه السيّد علي الخامنئي حفظه اللّه ، وقد حدّد فيها مسؤولية الفقهاء والرسالة التي ينبغي أن ينهض بها الفقه اليوم .
فقد دعا سماحته إلى البحث في ثلاثة مجالات ، الأوّل : في كيفية التعريف بفقه أهل البيت (عليهم السلام) بشكل يتناسب مع مستوى العصر ، وبطريقة منطقية وبمنهجية علمية ، وعرض هذا الفقه على المراكز العالمية والحقوقية من أجل الاستفادة من النظريات الراقية في الفقه .
والمجال الثاني : هو كيفيّة الاستفادة من التراث الفقهي الضخم ، فهذا الرصيد الهائل من التحقيقات والآراء العلمية الدقيقة التي دوّنت وتمّ تمحيصها من قِبل كبار العلماء والمحقّقين لا بدّ وأن ينتفع منه بأقصى درجة ممكنة والمجال الثالث الذي يجب البحث فيه هو كيفية تطوير الفقه واستثارة ما فيه من قدرة عظيمة .
وقد أوردنا النصّ الكامل للرسالة التي وجّهها سماحته إلى المؤتمر في هذا العدد من مجلّتنا . ثمّ بدأ المؤتمر أعماله وقد اُلقيت مجموعة من المقالات القيّمة من قِبل العلماء الأعلام والآيات العِظام كما قدّم ثلّة من المفكّرين جملة من الأبحاث والمقالات العلمية تدور حول الخلفية التاريخية لتدوين الموسوعات بشكل عام والموسوعات الفقهيّة بنحو أخصّ وكذلك دارت بعض المقالات حول المنهجية المقترحة لتدوين الموسوعة ، وقد أدلى المؤتمرون باقتراحاتهم البنّاءة فيما يخصّ تدوين دائرة المعارف من حيث المادة الفقهية ومستوى الخطاب فيها وكذلك بعض النكات الفنية .
وأهمّ الموضوعات التي تمّ بحثها في هذا المؤتمر هي :
أوّلاً ـ محتويات دائرة المعارف :
1 ـ الإطار الزمني لدائرة المعارف ، هل هو محدّد بآراء الفقهاء السابقين مطلقاً أو إلى عصر معين ، أم يشمل آراء الأحياء والمعاصرين أيضاً ؟ وعلى كلا التقديرين ، ما هو معيار الفقيه الذي تلتزم الموسوعة بتسجيل رأيه ؟
2 ـ هل أنّ الموضوعات والبحوث ، يقتصر فيها على الفقه وحده ، أم تشمل العلوم ذات الصلة الوثيقة به أيضاً ، كعلم اُصول الفقه ، والقواعد الفقهيّة ، وعلوم الحديث ؟ وعلى فرض شمولها لهذه العلوم أو لبعضها ، فبأي مقدار وعلى أيّ مستوى ؟ مستوى البحث التفصيلي ، أم على مستوى تعريف المصطلحات فقط .
3 ـ احتواء دائرة المعارف أو إهمالها للوقائع المستجدة أو المسائل المستحدثة التي لم ترد في مصادر التشريع الإسلامي ولم يبحثها فقهاؤنا السابقون وهي على صنفين :
أحدهما :مسائل ذات موضوعات مشخّصة لا يحتاج الفقيه في فهمها إلى خبرة علمية أو فنيّة خاصّة : مثل أوارق اليانصيب ، وترقيع الجلد .
والآخر :مسائل يعتمد الفقيه في تشخيص موضوعاتها على العلوم الطبيعية والاجتماعية والاقتصادية كبعض المسائل الطبّية والفلكية والاقتصادية .
4 ـ إحتواء دائرة المعارف أو إهمالها للأبواب والمسائل الفقهية الخارجة عن دائرة الابتلاء ، لاتّصالها بأوضاع اجتماعية أو معيشية بائدة ، كأحكام استرقاق العبيد وعتقهم ونكاحهم وبيعهم ، وأحكام تحليل الإماء وغير ذلك .
5 ـ الفتاوى والآراء الشاذّة والمهجورة فعلاً ، هل تذكر إلى جانب الآراء الرائجة والمعمول بها فعلاً أم يقتصر على الأخيرة قط ؟
6 ـ فقه مذاهب أهل السُنّة ، هل يقارن بفقه أهل البيت (عليهم السلام) في دائرة المعارف ، أم يغفل ذكره بالكامل ، أم يشار إليه في المسائل التي لا يلتقي مذهب أهل البيت (عليهم السلام) فيها مع أيّ من مذاهبه واتّجاهاته ؟
7 ـ المقارنة مع القانون الوضعي أو الإشارة إليه في الموضوعات والمسائل التي بحثها من الفقه الإسلامي ، وبيان نقاط الاختلاف والاكتفاء فيها ، أو إهمال ذلك كليّاً .
8 ـ تراجم الأئمّة (عليهم السلام) وأعلام الفقهاء الذين يرد ذكرهم في دائرة المعارف ، والتعريف بشخصياتهم ومكانتهم وآثارهم العلمية ، ومكان ذلك من نفس الموسوعة أو خارجها .
ثانياً ـ الإطار العام ومنهج التأليف :
1 ـ هيكل دائرة المعارف أو إطارها العامّ الذي تُعرض فيه المطالب والمعلومات ، هل هو الإطار التقليدي الذي صنّفت فيه المسائل والأحكام الفقهية ضمن أبوابها المعروفة ، أم هو الإطار المعجمي الألفبائي الذي هو عبارة عن المصطلحات والألفاظ الفقهية العنوانية مرتّبة ترتيباً الفبائياً ، أم هو إطار ثالث بين هذا وذاك ؟
وعلى فرض اختيار الإطار المعجمي الذي هو الإطار المتّبع في دوائر المعارف الحديثة ، فما هو ضابط هذا الإطار ، وما هي حدوده ؟
2 ـ على فرض اختيار الإطار المعجمي الألفبائي لدائرة المعارف كيف تُعالج مشكلة ارتباط الكثير من المسائل الفقهية بأكثر من عنوان أو مصطلح فقهي ؟ الأمر الذي يفرض تكرارها بلا طائل ويؤدّي بالتالي إلى تضخّم حجم دائرة المعارف ، وذلك من قبيل مسألة اشتراط القدرة على تسليم الثمن في البيع بالنسبة إلى مصطلحات : بيع ، ثمن ، تسليم ، قدرة .
3 ـ الهيكل الفني الذي ينتظم كل بحث من بحوث دائرة المعارف بشكل عام والمحاور الأساسية التي يتشكّل منها البحث وطريقة تنظيم عناصره وفقراته وعناوينه الداخلية .
4 ـ مصادر المادة العلمية لدائرة المعارف ، هل يدخل فيها جميع ما ألّفه الفقهاء من كتب ورسائل فقهية أو يمكن حصرها ـ على أساس ضوابط وشروط معيّنة في الكتاب والكاتب ـ في طائفة محدّدة . وما هو السبيل الأفضل لاستخلاص المعلومات من المصادر ، هل تترك هذه المهمّة للكاتب ، أم لا بدّ من اتّخاذ خطوات عملية محدّدة يعتمد الكاتب على نتائجها ؟
5 ـ هل توجد مدارس أو اتجاهات متميّزة في الفقه الشيعي يمكن تصنيف الفقهاء على أساسها ونسبة الآراء الفقهية إليها ؟
6 ـ طريقة بيان المسألة الفقهية وعرض الاتّجاهات والآراء فيها ، هل يعتمد في ذلك على ما ينقله أو يدّعيه الفقهاء في مؤلّفاتهم من إجماع أو شهرة ، أم ينبغي استقراء الآراء وتتبّعها في مظانّها المعتبرة ثمّ تصنيفها على فرض تعدّدها أو اختلافها إلى اتّجاهات موافقة ومخالفة؟
7 ـ وهل من اللازم أن يتمّ استعراض الآراء في إطار تاريخي ، أو ليس من اللازم ذلك ؟
8 ـ الاُسلوب اللغوي الذي ينبغي أن تكتب به موضوعات دائرة المعارف ، وطريقة البحث العلمي فيها ، المناسبة لطبيعتها الوصفية وللمستوى الثقافي لقرّائها ، والمقدار الواجب الاكتفاء به من التفصيلات والتعليلات والأدلّة ، وكيفيةتحاشي ما يعتمد الخوض فيه من جميع ذلك على كفاءة ومقدرة علمية عالية لا يملكها إلاّ المختصّون .
9 ـ المنهج الواجب اتّباعه في تعريف المصطلحات الفقهيّة التي تعنون بها الأبحاث ، هل يجب عرض المعنى الاصطلاحي في إطار تاريخي بمعنى تتبّع تطوّره وتغيّر معانيه من عصر إلى آخر ، أم يُكتفى بذكر المعنى الذي استقرّ عليه استعمال الفقهاء فقط ؟
وهل يلزم مقارنة المصطلح بما يشابهه أو يتّصل به من المصطلحات الاُخرى بهدف تمييزه عنها ؟
10 ـ ضوابط نقل وتوثيق الآراء والنصوص في دائرة المعارف والموضع المناسب للتوثيق : في المتن ، في الهامش ، في آخر البحث .
جدير بالذكر أنّ المؤسّسة لديها تصوّرات أولية عن كامل الموضوعات والبحوث المدرجةأعلاه ، وهي تأمل ترشيدها وتنضيجها وبحث ودراسة برامج المؤسّسة الفعلية والمستقبليّة ، من خلال آراء وملاحظات المشتركين في المؤتمر.
وقد عرضت جملة من النماذج لنشاطات وإنتاجات المحقّقين في مؤسّسة دائرة المعارف وفي ضمنها عدّة نماذج من معجم الجواهر وكذلك نماذج من الفهرست الموضوعي ، وقد تمّ مناقشة بعضها .
وقد أنهى المؤتمر أعماله بعد خلاصة للنتائج التي تمّ التوصّل إليها ، والتي نأمل أن يكون لها أثر بالغ على مسيرة العمل في المؤسّسة إن شاء اللّه تعالى .
هذا وسيتمّ عقد مؤتمر آخر لدراسة الانجازات التي تمّ إكمالها لحدّ الآن لتقييمها وتنضيجها ، ومن ناحية اُخرى سيتمّ تقديم نماذج من الموسوعة الفقهيّة بعون اللّه وتسديده
المصدر: hawzah.net