خاص الاجتهاد: «ندوة علمیة بطهران تنافش.. كيف ينظر الإمام موسى الصدر إلى الإنسان؟» «الحرية تميّز الإنسان عن باقي المخلوقات / جميع المجتمعات البشرية يجب أن تتلاقى وتعمل بمختلف اتجاهاتها الدينية»
عندما يبدأ الحديث عن الإمام موسى الصدر فإنّه لا ينتهي، ولا لمحاضرة واحدة أو جلسة واحدة أن تتسع لعلمه، فقرابة الثلاث ساعات لم تتح الفرصة للمفكر الإيراني الدكتور أحمد باكتجي للإلمام بفكرة واحدة من أفكار الإمام موسى الصدر، لتنتهي المحاضرة وبقي الكثير من الحديث الذي لم يُقال والأسئلة التي لم تجد الإجابات.
مؤسسة الإمام موسى الصدر للثقافة والأبحاث بطهران وكعادتها في إقامة المُحاضرات العلمية، شهدت مساء اليوم الإثنين 2 أيار/ مايو محاضرة علميّة حول مكانة الإنسان وكرامته في أفكار الإمام موسى الصدر، تحدث خلالها المفكر أحمد باكتجي حول طبيعة الإنسان ومكانته والحالة الإنسانية في فلسفة الإمام الصدر، حيث أكد أنّه ومنذ أيام الفيلسوف كانط كان يتحدث عن ماهيّة الإنسان وأسباب وجوده وصراعه مع الدين، غير أنّ الإمام موسى الصدر تحدث عن الإنسانية الدينية حيث يؤكد أنّ ارتباط الإنسان بالله تعالى هو محور خلق الإنسان.
وأشار باكتجي خلال محاضرته إلى أنّ الإنسان في أفكار الإمام الصدر هو من مخلوقات الله، حيث أنّه لم يُخلق فقط لهذه الحياة، إنما هو إنسانٌ خالد، وصاحب حياة أبديّة، ويظهر هذا الشيء من خلال الإيمان بوجود يوم للحساب، حيث يؤكد باكتجي على أنّ المعنى الخاص للخلود عند الصدر يتلخص في نقطتين أساسيتين، أولهما الإشارة إلى أنّ الإنسان يعيش حياتين (الدنيا والآخرة)، أما النقطة الثانية فهي أنّ الإنسان مخلوق وهو من خلق الله تعالى وايجاده.
وأضاف باكتجي إنّ الإنسان كما يصفه الصدر مخلوق من روح وجسد، وهو ما اختلف فيه مع علماء الفلسة والكلام القدماء، مؤكداً أنّ الإنسان واحدٌ متكامل لا يمكن تقسيمه، كما أنّ البحث في أنّ الإنسان مخلوقٌ من جسدٍ وروح موجود في الفلسفة الإسلامية، غير أنّ ما يؤكده الصدر في هذا المجال أنّ الإنسان مخلوق من جسدٍ وروح بشكل متصل وليس بشكل منفصل، وهذا ما انفرد فيه الصدر عن بقيّة الفلاسفة والمفكرين.
أمتلاك الإنسان الخوف و الامل
وأضاف باكتجي إنّ الإنسان معجون بالخوف والأمل، فهو كائن مخلوق كما أنّه يمتلك الأمل دائماً، فعند الحديث عن الإنسان البدائي؛ فإنّه كان يعبد الشجر أو الكواكب أو الشمس… حيث كان مستعد لعبادة أي شيء، ونتج عن هذا الأمر وجود آلاف الأرباب والأديان والخرافات، وبعضها ما يزال موجود إلى الآن، وسبب هذا الشيء هو الخوف الذي يتملكه، كما أنّه السبب في عبادة عدد من الآلهة، غير أنّ هذا الخوف ليس دليلاً كافياً لتلك الأعمال.
أما الإنسان الجديد فما زال يتملكه الخوف والقلق، والناس كما يقول باكتجي نقلاً عن الصدر في عملٍ مستمر ودؤوب، فالإنسان القديم اتخذ آلهة مختلفة نتيجة الخوف، أما الإنسان الجديد فمازال يتملكه القلق ولكن بشكل مختلف، مضيفاً أنّ البشر بطبيعتهم يقبلون الدعوة الدينية لعبادة الله، وهي الفطرة التي فطر الله عليها كافة البشر، وهنا يجب دعوتهم إلى عبادة الله تعالى، وهنا يؤكد الصدر أنّ الدين هو الوسيلة الوحيدة للسعادة والنجاح، غير أنّ ما يشهده علمنا الحديث هو انتصار المؤسسات والعلامات التجارية على الإنسان، حيث إنتقل الإنسان إلى الهامش وأصبح غير مهم أبداً وذلك لصالح الشركات والمؤسسات الكبرى.
وأضاف باكتجي إنّ الإنسان مخلوق من جسد وروح، ویجب حفظهما وتقویتهما، ويظهر هذا الأمر جليّاً في سلوك وتصرفات الإمام موسى الصدر أثناء تواجده في لبنان وحواره مع مختلف التيارات والأديان الموجودة هناك، حيث يؤكد الإمام الصدر أنّ الإنسان بمفرده لا يستطيع إنجاز أيِّ عمل لكن المجموعة يمكنها الوصول إلى أهدافها، وهنا يتحدث الصدر كما يقول باكتجي عن كافة المجتمعات وليس المجتمع الإسلامي فحسب.
التمدن والحضارة في أفكار الإمام الصدر
وفي موضوعٍ آخر يؤكد باكتجي على أنّ التمدن والحضارة في أفكار الإمام الصدر تأتي بمعنا أنّ جميع المجتمعات البشرية يجب أن تتلاقى فيما بينها وتعمل سويةً بمختلف اتجاهاتها الدينية، ويمكن ملاحظة هذا الأمر بشكل واقعي من خلال الممارسات والمساعي التي كان يقوم بها الصدر للإصلاح بين المسلمين والمسيحيين في لبنان إبان الحرب الأهلية، فالتمدن على هذا الأساس ينبع من الذهنية الداخلية للإنسان كالأخلاق والمعرفة وما ينتج عنها من سلوك.
وتابع باكتجي: الإنسان القديم اعتمد في حياته على تجاربه الشخصیة واعتبرت هذه التجارب بمثابة ذاكرة له يستفيد منها، غير أنّ الإنسان الحديث أو الجديد بات يستفيد أكثر من تجارب الآخرين، ويمكن مشاهدة هذا الأمر لدى الثوار الإيرانيين إبان ثورتهم الإسلامية التي أطاحت بحكم الشاه، ومن ثمّ قدموا تجاربهم للبشرية جمعاء.
مكانة الإنسان في الإسلام
وفي بحثٍ مختلف تحدث باكتجي حول مكانة الإنسان في الإسلام من وجهة نظر الإمام الصدر، فالإنسان يختص بخواصٍ ميّزه الله بها عن كافة المخلوقات، فهو وكما يقول الصدر كائن حر موجود وله هدف، ويختلف مع الآخرين من حيث الحرية، كما أنّه يتأثر بالطبيعة وبقية العوامل الاجتماعية، كما أنّه كائن إجتماعي، وأخيراً فهو مخلوقٌ من قبل الله وخلقت الأرض لأجله، وجميع ما ذكر يؤثر في شخصية الإنسان وأفكاره ومعتقداته.
وفي تفصيل أكبر لما ورد سابقاً يقول باكتجي إنّ الحرية يمكن تقسيمها إلى عدّة أقسام أو يمكن رؤيتها من عدّة جوانب، فالإنسان يعشق الحرية كما أنّها مسئلة إرادة واختيار، بالأضافة لأنها إنكارٌ للآلهة الدنيويون (كفرعون) وهو أصلٌ في الحرية، وأخيراً الإنسان حرٌّ في اختياراته، غير أنّ هذه الحرية لا تعني أنّه قادرٌ على فعل ما يشاء، وهنا يختلف مع الله تعالى فالله حر وقادر غير أنّ الإنسان حرٌّ وغير قادر، على سبيل المثال جميع البشر يريدون أن يصلوا إلى مكانٍ أو مرتبةٍ أفضل غير أنهم ليسوا قادرين على فعل ذلك.
المعرفةو إرتباط الإنسان ببقيّة الموجودات
وبناءً على ذلك كما يقول باكتجي فإنّ حب النفس موجود في الإنسان، غير أنّ الإفراط بهذا يؤدي إلى الغرور، كما أنّ حب الوطن والتعاون مع الآخرين في بنائه موجودٌ أيضاً لدى الجميع، لكن الإفراط فيه يؤدي للوصول إلى العنصریة.
وفي الموضوع ذاته؛ فإنّ الإنسان كما يقول باكتجي متأثرٌ بالمجتمع والمحيط الذي يعيش به خلال حياته اليومية، حيث أنّ الإنسان إذا لم يتأثر بالطبيعة ويؤثر بها فهو إنسانٌ ميت.
وحول التعايش بين الجميع يقول باكتجي نقلاً عن الصدر إننا نعيش على الأرض وليس في السماء، ولهذا يجب على جميع البشر والمجتمعات أن تتعايش فيما بينها، وضرورة الإنتباه والتوجه إلى ما يجري في بقيّة المجتمعات، فالإنسان يرتبط ببقيّة المجتمعات والموجودات عن طريق المعرفة، كما أنّ هذا الإرتباط ارتباط وجودي أيضاً.
وأخيراً ختم باكتجي حديثه بكيفية تعامل الإنسان مع الإنسان حيث يؤكد باكتجي نقلاً عن الصدر أنّ الإنسان موجود إجتماعي، ويتعامل مع أخيه الإنسان من خلال أبعاد إجتماعية، غير أنّ الصدر يحذر من العزلة والإنطواء، فالإنسان خليفة الله في الأرض ويجب عليه عبادة الله و بناء الأرض معتمداً على القوة والقدرة التي منحه إيّاها الله.