الخطيب الحسيني

الأُسس العلمية لإنشاء معاهد إعداد الخطباء الحسينيين

الاجتهاد: يتحدّث المقال عن الأسس العلمية التي ينبغي مراعاتها في إعداد الخطيب الحسيني، والتي تجعله قادراً على أداء رسالته المقدّسة.

في مقدمة المقال تطرّق الكاتب إلى أهمّية العلم في حياة الإنسان، وضرورة التخصّص في العلوم، وبيان أهميّة الخطابة ودور الخطيب فيها، واستعرض مجموعة من النصوص في ذلك.

ثمّ أشار إلى تاريخ المعاهد الحسينية، واستعرض جملة من المحاولات المتقدّمة لإنشاء معاهد إعداد الخطباء، والأسباب التي أدّت إلى فشلها.

بعد ذلك قسّم البحث إلى محورين: بحث في المحور الأول المفاهيم العامّة، فتطرق إلى معنى الأسس العلمية، والمراد من إعداد الخطيب الحسيني، وضرورة وجود المعاهد لإعداد الخطباء الحسينيين.

وفي المحور الثاني تطرق إلى الأسس العلمية التي ينبغي مراعاتها في إعداد الخطباء، فقسّمها إلى: أسس علمية متغيرة الموضوعات، وأسس علمية ثابتة، وبيّن أن التغيّر في الموضوعات إما زماني، أو مكاني، أو بلحاظ المخاطَب، أو بلحاظ نوع الخطاب.

ثمّ أوضح أنّ الأسس العلمية الثابتة على نوعين: أسس نابعة من العقل العملي، وأسس نابعة من العقل النظري. والأُولى هي: الأسس الأخلاقية، والأسس الفنّية. والثانية هي: أسس الاستقاء المعرفي، والعلوم التي ينبغي للخطيب أن يكون ملـمّاً بها، والمناهج الدراسية التي يحتاج إليها.

وختم المقال منوهاً بضرورة تهيئة الإمكانات المادية والمعنوية للخطيب، وأن يسير تحت مظلّة المرجعية الرشيدة ودعمها ومباركتها.

 

إطلالة سريعة على تاريخ معاهد الخطابة

من المعلوم أنّ العمل المؤسّسي بالنسبة للخطابة الحسينية بدأ متأخراً جداً، ولعلّه لم يسبق القرن المنصرم، فكان المنبر قبل تلك الحقبة ـ بغضّ النظر عن العلل والأسباب ـ يعتمد الجهود الفردية، والقابليات الشخصية المحضة، وفي أواسط القرن الماضي ظهرت محاولات جادّة لتأطير تلك الجهود الفردية بإطار مؤسّساتي، وبرز من تلك المحاولات:

أ ـ محاولة الشيخ محمد رضا المظفر(قدس سره)

وذلك من خلال جمعية (منتدى النشر) الدينية و(من قبل جملة من أعضائها الكفوئين، والذين أدركوا حاجة المنبر الحسيني إلى النهوض على مستوى يتناسب والتراث الفكري للشيعة، كما يرتفع بالمنبر عن الهبوط، وفي طليعة هؤلاء والمحرك الأوّل: الشيخ محمد بن شيخ الشريعة… واشترك في هذه المحاولة مع الشيخ المظفر، وشيخ الشريعة، كلّ من: الحجّة الراحل الشيخ عبد المهدي مطر، والشيخ محمد الحسين المظفر، والخطيب الجليل ـ خطيب الثورة العراقية ـ الشيخ محمد علي القسام، وجملة من الخطباء، منهم: الشيخ جواد القسام، والسيد جواد شبر، والشيخ مسلم الجابري، والسيد عبد الحسين الحجار، وكنت [والكلام للشيخ أحمد الوائلي] من ضمنهم وأنا صبيّ)[9].

ويرجع الشيخ الوائلي(رحمه الله) أسباب وأد تلك المحاولة في مهدها إلى:

1 ـ عدم نضوج تصوّر المشروع في نظر الكثير، لكي يحظى بالقبول، إذ لا يُكتفى بالتأييد فقط.

2 ـ كان ينبغي تهيئة الأجواء ـ خصوصاً في أوساط الخطباء ـ والتبليغ والإعلام عن المشروع بالطريقة التي لا تثير حساسية الآخرين.

3 ـ علاقة بعض القائمين على المشروع المتشنجة مع بعض الأوساط الدينية ذات الثقل الاجتماعي.

4 ـ لم يكن ينبغي أن يطرح المشروع على أنّه مؤسسة كبيرة، فكان العنوان أكبر من المعنون بمراتب كثيرة.

5 ـ وجود مقولات نشرها بعض المتحمِّسين للفكرة، تحت عناوين مدوّية مفادها: (تصحيح مسار المنبر)، أو (إبعاد الجهلة عنه)، أو غير ذلك؛ ممَّا أثار الطرف المناوئ[10].

ولأجل ما تقدّم من أسباب، لم يُكتب لتلك المحاولة النجاح، فوُلدت ميّتة.

ب ـ محاولة السيد الشهيد آية الله العظمى محمد باقر الصدر(قدس سره)

وهي محاولةٌ جادّةٌ، وخطوةُ عظيمةٌ ـ لو كُتِب لها النجاح ـ فقد كانت بحقّ محاولةً تأسيسيةً تأصيليةً لجعل الخطابة الحسينية مؤسّسة فاعلة، لها قواعد وأصول راسخة، وقد نُقل عن الشيخ الوائلي شخصياً أنَّ السيد الشهيد الصدر(قدس سره) خاطبه قائلاً:( إنّ لك عليَّ الأُمور التالية، وعليك أن تحرّك مشروع العمل المؤسّسي للخطباء)[11]، وكأنَّه(قدس سره) استشعر ضرورة العمل المؤسّسي للمنبر ولا بدّيته.

وأمَّا الأُمور المفصلية التي تعهّد بها السيد الشهيد الصدر(قدس سره) لجعل الخطابة الحسينية مؤسّسة فاعلة فهي:

1 ـ دمج خطباء المنبر الحسيني بالحوزة العلمية مادّياً، وروحياً، وعلمياً، فقال(قدس سره) في ذلك:( أنا مستعدٌّ لأن أتعامل مع خطباء المنبر كما أتعامل مع طلاب الحوزة، سواء من جانب توفير رواتب، أم رعاية روحية، أم رعاية علمية)[12]، ويكفي مؤسّسة المنبر ـ إذا ارتبطت بالمرجعية في هذه الجوانب الثلاثة ـ قوةً وتماسكاً وثباتاً.

2 ـ العمل على إيجاد صيغةٍ لضمان العيش الكريم للخطباء حتى أيام عجزهم أو كبرهم إكراماً لهم، والعمل على إيجاد مؤسّسةٍ مركزيّةٍ لهم تعمل تحت ظلّ المرجعية، وتُعنى أيضاً بوضع مناهجَ موحدةٍ لهم[13].

ولكن هذا المشروع الرائع لم يرَ النور أيضاً بسبب الوضع السياسي المتوتّر الذي عاشته المنطقة ككل، والعراق على وجه الخصوص، في ظلّ سلطة نظام حزب البعث المقبور، واستشهاد السيد الصدر(قدس سره).

ج ـ محاولة جمعية التوعية في البحرين

كانت المحاولة في سبعينيات القرن المنصرم، وقد عزا مَن أرَّخ لتلك المحاولة سبب الفشل إلى الإشاعات التي أُثيرت ضدّها، وبأنَّها محاولة لإملاء محاضرات وأفكار جاهزة على الخطباء[14].

ويبدو أنَّ أحد أهمّ القواسم المشتركة في فشل جميع تلك المحاولات المتقدّمة هو عدم الاستقرار السياسي في المنطقة إبّان تلك الحقبة، ومحاولات السلطات المناوئة إجهاض مثل هكذا محاولات ـ ولو بالخفاء ـ عبر وسائل يظهر منها خلاف ذلك، ولا ننسى هنا أساليب النظام البعثي المقبور في محاربته للشعائر الحسينية بصورةٍ عامّة، وللمنبر وكلّ ما يمتّ له بصلة بصورةٍ خاصّة[15] وبأساليب غاية في الخبث.

د ـ المحاولة الرابعة: النقابة العالمية للخطباء والمبلغين

وهو ما اقترحه الشيخ الكرباسي، إذ قال في تعريفها:( هي مؤسّسة اجتماعية دينية ثقافية مستقلّة، غير منتمية إلى جهاتٍ رسميّةٍ أو شبه رسميّة، تسعى إلى تطوير المؤسّسة الخطابية بالطرق الحضارية، وحماية الخطيب ـ بغضّ النظر عن انتماءاته الدينية أو السياسية ـ بالوسائل المشروعة والمتاحة)[16].

وفكرة النقابة تكاد تتجّه صوب الأُمور الإدارية والتنظيمية حفظاً لحقوق الخطيب ورعايةً له، وإن كانت أحدى الخدمات المقدمة لأعضاء النقابة هي فتح معهدٍ للخطابة، لكنّ المقترح ورد مجملاً بلا أدنى تفاصيل، على أنَّ فكرة النقابة لم ترَ النور أيضاً[17].
 

بقلم: د. الشيخ محمد الكروي القيسي

 

 تحميل المقالة:

الأُسس العلمية لإنشاء معاهد إعداد الخطباء الحسينيين

 

تحميل العدد الـ26 من مجلة الإصلاح الحسيني

 مجلة الإصلاح الحسيني العدد 26

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Slider by webdesign

Clicky