الاجتهاد: برعاية المرجع الديني سماحة آية الله السيد السيستاني دام ظله تم في يوم امس عصرا ببركة يوم المباهلة الكريم 24 ذي الحجة لهذا العام افتتاح مدرسة المحقق الأصولي الكبير الشيخ حسين الحلي (قده) في النجف الاشرف. وتقع المدرسة اول نزولك من جسر ثورة العشرين الفرع الثاني مقابل محطة الوقود منطقة الحنانة.
تقع مدرسة آية الله المحقق الشيخ حسين الحلي للعلوم الدينية في واجهة (حي الحسين) في النجف الأشرف، وقد شيدت على أرض تبرّع بها العلامة الشيخ محمد رضا شبيب الساعدي طاب ثراه ـ وإن تمّ تعويض عدد من ورثته بقسم من قيمتها ـ وتبلغ مساحتها 1300 متر مربع وتشتمل على أربعة طوابق وتزيد مساحة البناء فيها على 5000 متر مربع، وهي تحتوي على 85 غرفة لسكن الطلبة وأربع قاعات للدرس، ومكتبة وقاعة متعددة الأغراض، وحديقة داخلية وشرفة استراحة، ومختلف المرافق الضرورية.
وقد أمر سماحة السيد (دام ظله) أن تسمى باسم آية الله المحقق الشيخ حسين الحلي قدس سره، وتم افتتاحها في 24 شهر ذي الحجة 1439 هـ ، ومما ورد في كلمة الافتتاح:
(في هذا اليوم المبارك (يوم المباهلة) العظيم نجتمع هنا لافتتاح هذه المدرسة المباركة التي شيّدها سيدنا المرجع الديني الأعلى على قطعة أرض كانت داراً للعلاّمة المرحوم الشيخ محمد رضا الشيخ شبيب الساعدي (رحمه الله) حيثُ قدّمها لسماحته لهذا الغرض. وقد ارتأى سيّدنا (دام ظلّه) أن يسمّي المدرسة المشيّدة عليها باسم أحد اعلام الحوزة العلمية الكبار وهو استاذه العظيم آية الله العظمى الشيخ حسين الحلّي قدس سره إعلاءً لشأنه وتخليداً لذكره ووفاءً لبعض جهوده الكبيرة في خدمة العلم وأهله، كما بنى من قبل مدارس بأسماء جمع آخر من أعلام النجف الأشرف كـ(نجم الأئمة الاسترابادي) و( آية الله المحقق الشيخ محمد جواد البلاغي) ويجري العمل في هذه الايام لتكميل المدرسة المظفرية باسم العلمين الجليلين الآيتين (الشيخ محمد حسن والشيخ محمد رضا المظفّر).
والشيخ حسين الحلّي وما أدراك ما الشيخ حسين الحلّي؟ ذلك العالم المحقّق الفقيه الأصولي الذي كان يحظى بمكانة مميّزة عند أستاذه المحقّق النائيني (قدّس سرّه)، ويعرف عظمته اهل الفضل والعلم وإن عاش مغموراً عند عامة الناس، وقد أخذ على عاتقه مهمّة تربية الطلاب في الحوزة العلمية عقوداً من الزمن، وصرف في ذلك معظم عمره الشريف فتخرّج من مجلس درسه العشرات من المجتهدين وكبار الفضلاء، وترك تراثاً علمياً ضخماً لا يزال معظمه مخطوطاً، وقد طبع منه بأمر سيدنا المرجع الاعلى موسوعته الاصولية في اثني عشر مجلداً كما طبع من قبل بعض تراثه الفقهي وهو (شرح العروة الوثقى) بقلم العلامة الشيخ حسن سعيد و(بحوث فقهية ) بقلم العلامة الشهيد السيد عز الدين بحر العلوم.
لقد كان الشيخ الحلي مثالاً للورع والتقوى والبعد عن مظاهر الحياة الدنيا، وقد أعرض عن التصدّي للمرجعية الدينية بالرغم من إصرار العديد من أهل الحل والعقد عليه بذلك ولكنّه رفض الاستجابة لهم رفضاً قاطعاً. لقد عاش (رضوان الله عليه) حياة زُهدٍ وتقشّفٍ، وبيته الصغير المتواضع جدّاً في أحد أزقّة شارع الرسول (ص) شاهد على ذلك. ولكن قدّر الله تعالى أن يتصدّى تلميذه سيّدنا المرجع الأعلى لبناء هذا الصرح الشامخ مدرسةً علميةً راقية باسمه السامي، تُذكّر الناس جيلاً بعد جيل بمكانة هذا الفقيه العظيم والعالم الربّاني.
ولد الشيخ حسين بن الشيخ علي بن حسين بن حمود الحلّي النجفي سنة 1309 هـ، في مدينة النجف الأشرف، ويرجع نَسبه إلى عشيرة العيفار من قبيلة طفيل، والده الشيخ علي بن حسين الحلي المتوفي (سنة 1344 هـ) من العلماء، هاجر إلى النجف في شبابه وأقام في مدرسة الشيخ مهدي (المهدية) وكان من أئمة الجماعة في صحن الإمام علي عليه السلام .
والشيخ حسين الحلّي من ابرز اساتذة الحوزة العلمية في زمان الامام السيد محسن الحكيم واستاذ الفقهاء ومنهم المرجع الديني آية الله السيد علي الحسيني السيستاني دام ظله وقد اجازه بالاجتهاد في العقد الثالث من عمره الشريف.
لازم الشيخ حسين الحلّي التدريس منذ كان يواصل دراسته، وكان يلقي درسه في مرحلة السطح العالي، وكان يحضر درسه ثُلَّة من الطلبة، وكان له طريقة فنّية في التدريس، وهي أنّه عندما يشرع في البحث يتناول المسألة الفقهية أو الأُصولية، فيقلِّب فيها وجوه النظر، ويبيّن أقوال العلماء المؤيّدين والمفنِّدين، ثمّ يناقش بعض الأقوال التي تستحق المناقشة على ضوء الأدلّة، وكان من طريقته في البحث أنّه لا يذكر رأيه الصريح في المسألة المبحوث عنها، وعندما ينتهي من إلقاء بحثه يجتمع طلاّبه حوله، فيسألونه عن رأيه في المسألة فكان يجيبهم بقوله: هذا عملكم.
فكان من عادته عدم ذكر رأيه الصريح في المسألة المبحوث عنها، تاركاً ذلك لطلابه مشجعاً إياهم على النظر والبحث والاعتماد على ملكاتهم العلمية في استخراج رأيه في المسألة أو استخراج الرأي الصحيح الذي يرتؤونه مشفوعاً بالأدلة العلمية من الآيات والروايات والأصول والسيرة والأدلة الأخرى، زارعا فيهم روح التدقيق و التحقيق ودقة الملاحظة في استنباط الأحكام بصورة علمية دقيقة من أدلتها المقررة.
تقرير : فضيلة الشيخ ميثاق الحلي