الاجتهاد: شهدت مدينة النجف الأشرف، اليوم الثلاثاء، افتتاح مدرسة البادكوبي التي عمّرها سماحة المرجع الأعلى السيد السيستاني “دام ظله”.
وتزامن افتتاح المدرسة الواقعة في شارع الإمام زين العابدين عليه السلام في النجف الأشرف، مع ولادة السيدة زينب عليها السلام.
وفيما يلي كلمة مكتب المرجع الأعلى في مراس افتتاح مدرسة البادكوبي في النجف الأشرف:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خير خلقه محمد وآله الطيبين الطاهرين الغر الميامين.
السلام على أصحاب السماحة والفضيلة الحضور الكرام ورحمة الله وبركاته
وبعد: فإنه يسعدنا ويشرفنا أن نلتقي بكم مرة أخرى في هذا الحفل البهيج في ذكرى ولادة سيدتنا ومولاتنا زينب الكبرى (عليها السلام) لافتتاح مدرسة أخرى من مدارس النجف الأشرف التابعة للحوزة العلمية المقدسة بعد إعادة تشييدها على أروع طراز.
يقول بعض المؤرخين إنه لا يستبعد أن يكون تاريخ إقامة المدارس في النجف الأشرف قديماً جداً متزامناً مع تأسيس الحوزة العلمية فيها عندما هاجر اليها شيخ الطائفة الطوسي (رضوان الله عليه) ولكن حيث لم يتم الاهتمام بتعمير ما شيّد منها في العصور القديمة عند تعرضها للخراب والاندثار ذابت بين البيوت وأصبحت أراضيها من الأملاك المشاعة بين الناس فلا يعرف عنها أحد شيئاً.
وهناك شواهد في كلمات المؤرخين على وجود العديد من المدارس في الازمنة السابقة ومنها ما ورد كلام الرحالة ابن بطوطة الذي زار النجف الأشرف عام 737 هـ حيث نصّ على أن بإزاء قبر مولانا أمير المؤمنين (ع) عدد من (المدارس والزوايا والخوانق معمورة على أحسن عمارة وحيطانها بالقاشاني). وعدّ زين العابدين الشيرواني (إحدى المدارس) في عداد ما أسسه السلطان محمد خدابنده وابنه أبو سعيد من أبنية وعمارات في النجف الأشرف.
والغرض أن هذه المدينة العلمية كانت زاخرة بالمدارس ولكن ذهب واضمحل الكثير منها ولا يعرف لها اسم ولا رسم.
ولعل من أقدم المدارس الضاربة في القِدَم التي لا زال لها اسم ورسم هو ما يعرف بالمدرسة السليمية، فقد ذكر الشيخ جعفر محبوبه رحمه الله أنها مدرسة المقداد السيوري المتوفى عام 826هـ ، وقد ورد ذكر مدرسته في ختام نسخة نفيسة من مصباح المتهجد للشيخ الطوسي قدس سره مستنسخة عام 832، وبالنظر الى أن أحد المحسنين وهو سليم خان الشيرازي قام بتعميرها عام 1250هـ عرفت لاحقاً باسم المدرسة السليمية، ومساحة المدرسة صغيرة جداً حيث لا تتجاوز مائة متر مربع، وموقعها في مقابل مسجد الصاغة في السوق الكبير، بالقرب من شارع الإمام زين العابدين (ع)، وقد تعرضت للتجاوز والخراب حتى لم تعد قابلة للاستفادة فتصدى ديوان الوقف الشيعي لإعادة تشييدها ولكن لم يتم ذلك حتى تكفل بالأمر مكتب المرجعية العليا فبناها في ثلاثة طوابق تشتمل على أربعة عشرة غرفة مع خدمات كاملة، علماً أنه كان هناك رغبة ملحة في توسعتها بضم بعض الأراضي المجاورة اليها ولكن ـ وللأسف ـ لم يتحقق ذلك، وقد طال العمل فيها سنة كاملة وانتهى قبل عدة أشهر و تم افتتاحها وإسكان بعض طلاب العلوم الدينية فيها ولله الحمد.
ومن المدارس التي شيدت في الربع الأول من القرن الثالث عشر الهجري مدرستنا هذه المعروفة بـ (مدرسة البادكوبي) حيث ذكر المؤرخون أن بعض أهل الخير وهو الحاج علي نقي البادكوبي (رحمه الله) قد أقام هذه المدرسة في حدود سنة 1325 هـ عندما زار النجف الأشرف ومكث فيها مدة تقرب من سنة. وكانت ذات طابق واحد بثمانية وعشرين غرفة فقط. وفي عام 1383 هـ هدمت الحكومة ما يقارب النصف من المدرسة عندما أحدثت شارع الإمام زين العابدين (ع) فلم يبق من غرفها الا ستة عشرة غرفة وبقي بعض الطلاب يسكنونها وهي على تلك الحال، ثم آل أمرها الى الخراب التام وهجرها أهل العلم عقوداً من الزمن.
وعند تصدي فضيلة العلامة السيد علاء الموسوي (دام عزه) لرئاسة ديوان الوقف الشيعي رصد مبلغاً لإعادة بناء هذه المدرسة على المساحة المتبقية منها، وقد بدأ العمل في المشروع في أواخر الشهر العاشر من عام الفين وعشرين ميلادية واستمر لما يقرب من أربعة أعوام ولمّا يكتمل البناء، وقد نفذ المبلغ المخصص له.
وفي أواخر الشهر الثامن من عام الفين وأربعة وعشرين ميلادية تسلم مكتب المرجعية الدينية العليا ما أنجز من البناء بغرض تكميله، وعهد بالمهمة الى فريق هندسي متخصص، فأجرى على المشيدات القائمة جملة من التغييرات الضرورية، ولم يتيسر إجراء مزيد منها لكي يجعل المبنى أقرب الى طراز مدارس النجف الأشرف التقليدية، نعم قد أضفى عليها لمسة تراثيةمميزة.
ويشتمل هذا المبنى على سبعة وخمسين غرفة في ثلاثة طوابق بالإضافة الى مدرس كبير وقاعة واسعة للاجتماعات وخدمات كاملة من المطبخ والمطعم والمرافق الصحية والمصاعد الكهربائية والمكيفات وغير ذلك.
ونأمل أن تزخر هذه المدرسة المباركة في مستقبل الأيام بطلاب العلم المشتغلين المتخلقين بأخلاق أهل البيت (عليهم السلام) ولا سيما من المهاجرين من بلاد آذربايجان ويتخرج منها الكثير من العلماء العاملين ممن يتباهى بعلمهم وورعهم وخدمتهم للشريعة المقدسة.
ليكونوا خير خلف لأسلافهم من أعلام النجف الأشرف الذين انحدروا من تلك البلاد العزيزة التي يفخر أهاليها بأنهم من أتباع أهل البيت (عليهم السلام).
وممن ينبغي أن يذكر هنا من أولئك الأعلام بإجلال وإكبار العلمان الجليلان أحدهما آية الله السيد حسين الحسيني البادكوبي المتوفى عام 1358 الذي كان عمدة تخصصه في العلوم العقلية ومن أبرز تلامذته مرجع الطائفة السيد الخوئي والمفسر الشهير السيد الطباطبائي صاحب الميزان، والآخر آية الله الشيخ صدرا البادكوبي المتوفى عام 1392الذي كان متخصصاً في العلوم العقلية والنقلية وتلمذ لديه أجيال من طلاب العلم في النجف الأشرف ومن أشهر تلامذته الشهيد السيد محمد باقر الصدر (رضوان الله عليهم جميعاً).
وختاماً لا بد من تقديم الشكر والتقدير لكل من ساهم في إنجاز هذا المشروع الديني والعلمي الرائع ونخص بالذكر منهم أعضاء الفريق الهندسي ـ الذين قاموا من قبل بتشييد المدرسة السليمية ـ سائلين الله تعالى أن يجزل لهم الأجر والثواب.
مكتب السيد السيستاني ـ النجف الأشرف في الثامن والعشرين من شهر ربيع الآخر عام 1447 هـ
الاجتهاد موقع فقهي

















