مؤتمر حقوق الأقليات الدينية فی العالم الاسلامی

إعلان مراكش لحقوق الأقليات الدينية .. مستجدات ونواقص

أصدر 300 شخصية من علماء المسلمين وممثلي الدول الإسلامية والطوائف الدينية والأديان عبر العالم، يوم أمس، “إعلان مراكش لحقوق الأقليات الدينية في العالم الإسلامي”، الذي دعا إلى المساواة بين جميع البشر بغض النظر عن الدين، باعتبار “أن الخالق كرّم الإنسان ومنحه حرية الاختيار”.

موقع الاجتهاد: دعا الإعلان علماء المسلمين إلى تأصيل مفهوم المواطنة لاستيعاب كل الأقليات،والمؤسسات العلمية إلى القيام بمراجعات شجاعة للمناهج الدراسية للتصدي للثقافة المأزومة التي تغذي الفتن والحروب والمسؤولين السياسيين إلى اتخاذ تدابير سياسية وقانونية لتوطيد أواصر التعايش المشترك.

كما دعا الإعلان المثقفين والمبدعين إلى تأسيس تيار مجتمعي عريض لإنصاف الأقليات الدينية، والطوائف الدينية إلى إعادة إحياء التعايش المشترك ومعالجة الصدمات التي لحقتها من الأحداث الأخيرة، وممثلي الطوائف إلى التصدي لازدراء الأديان وكل خطابات التحريض على الكراهية والعنصرية.

الباحث السياسي، الدكتور عبد الرحيم العلام، تفصح بنود “إعلان مراكش”، وحاول أن يضعه في “الميزان”، باستحضار إيجابياته ومستجداته، والكشف عن سلبياته ونواقصه، رغم تأكيده على أن “خطوة اللقاء وإصدار وثيقة تاريخية تبقى إيجابية في حد ذاتها”. وهذه هى ملاحظات العلام:

– يظهر من الوهلة الأولى أن الإعلان تحكمت فيه الأوضاع التي تعيشها العديد من المناطق التي تعرف أعمالا إرهابية، كما هو الحال في سوريا والعراق، فالإعلان إذن يناقش مسألة الأقليات غير المسلمة التي تعيش في “المجتمعات المسلمة”، كما يصفها، الأمر الذي يأتي كرد فعل على ما تقوم به “داعش” في العراق وسوريا حيال الأزديين والمسيحيين وغيرهم.

– ألحّ البيان على حرية الاختيار، وأورد الآية التي تنص على أنه [لا إكراه في الدين]، لكن لم يتم توضيح ما إذا كان الأمر يتعلق بالاختيار الأولي، أم يتجاوزه نحو حق المرء في التحول من دين إلى دين، لاسيما من الدين الإسلامي إلى أديان أخرى أو إلى اللادين.

ومعلوم أن المجلس العلمي الأعلى كان قد أصدر فتوى قبل سنوات توجب قتل المرتد عن الدين الإسلامي، فهل سيتراجع المجلس عن هذه الفتوى ويفسح المجال للحرية الدينية؟ وهل يستتبع ذلك دسترة مبدأ “حرية المعتقد” الذي رُفض أكثر من مرة؟ وهل القوانين المحلية ستساير هذا المنطق ويتم تنقيتها من كل العقوبات المسلطة على تصرفات هي من صميم الحرية الدينية؟

– تحدّث الإعلان عن “الأخوة في الإنسانية” وهذا أمر جيد، لأن الفقه الإسلامي خاصة لا يستعمل هذا التعبير وإنما يتحدث عن “الأخوة الدينية”، لكن هل يمكن إعمال مبدأ الأخوة الإنسانية مع جميع مواطني “المجتمعات المسلمة” أم سيقتصر على الذين هم غير مسلمين، في مقابل حرمان المسلمين من حق الاختيار في الدين والمذهب والعقيدة؟

ألا يتنافى هذا المبدأ مع “ثوابت الدولة” التي سبق لوزير الأوقاف نفسه أن أكد عليها في إحدى الدروس الحسنية، والتي لخصها في الدين الإسلامي، والعقيدة الأشعرية، والمذهب المالكي، والتصوف على طريقة الجنيد؟ كيف أن “لا أكراه في الدين” يصاحبه الإكراه في المذهب وفي طريقة التصوف؟

– يلاحظ على الإعلان أنه بقدر حمايته لحقوق الأقليات العرقية والدينية واللغوية، بقدر إغفاله الحديث عن الحرية داخل الدين الواحد، فهو لا يتحدث عن حرية التمذهب، وهذا ربما يعكس الواقع الذي تعيشه العديد من الدول التي لا زالت تمنع وجود العديد من المذاهب الإسلامية داخلها، وتلجأ إلى فرض المذهب الواحد.

وهذا الأمر يتعارض مع “صحيفة المدينة” نفسها التي جعلها إعلان مراكش مرجعا له، والتي تنص على حرية التدين وليس حرية الدين فقط. جاء في الإعلان: إن “صحيفة المدينة” تضمنت بنودها كثيرا من مبادئ المواطنة التعاقدية كحرية التدين وحرية التنقل والتملك ومبدأ التكافل العام ومبدأ الدفاع المشترك، ومبدأ العدالة والمساواة أمام القانون”.

– من الأمور المستجدة في إعلام مراكش أنه لأول مرة تقريبا في وثيقة صادرة عن مؤسسات دينية رسمية، يتم استعمال تعبير “البلدان ذات الأغلبية المسلمة”، بدل الحديث عن البلدان الإسلامية، وهذا أمر مستحسن، وإن كان الإعلان لا يزال يتحدث عن “المجتمعات المسلمة” و”الديار الإسلامية” بصرف النظر عن التمايز الديني الحاصل فيها.

كما أن الإعلان وإن كان يحتفي بـ “ميثاق الأمم المتحدة ولواحقه كإعلان حقوق الإنسان” إلا أنه يصر على ضرورة “مراعاة النظام العام”، وهذا من شأنه نسف الروح التقدمية للإعلان، لأن “اصطلاح النظام العام” فضفاض ويحتمل عدة تأويلات؛ منها تأويل “داعش” وأخواتها، ربما كان الأجدر تحديد معنى “النظام العام”، أو سحبه من نص الإعلان لرفع الالتباس.

– تَميّز الإعلان أيضا بتنصيصه على عدة مفاهيم معاصرة من قبيل: “مبدأ المواطنة الذي يستوعب مختلف الانتمـاءات”، “تحقيق المواطنة التعاقدية”، كما طالب بـ”القيام بمراجعات شجاعة ومسؤولة للمناهج الدراسية للتصدي لإخلال الثقافة المأزومة التي تولد التطرف والعدوانية، وتغذي الحروب والفتن، وتمزق وحدة المجتمعات”.

لكن هل ستشرع المؤسسات الرسمية الموقعة على البيان في تنزيل هذا المطلب؛، ومنها وزارة الأوقاف المغربية التي تتضمّن الكتب الصادرة عنها فتاوى تعارض الحرية الدينية؟ وهل سيتم تنقيح الكتب المدرسية من عشرات النصوص التي تدعو إلى التحريض والكراهية؟

– من الأمور الايجابية في الإعلان أنه دعا الطوائف الدينية (المقصود بها غالبا الشيعة والسنة) التي “يجمعها نسيج وطني واحد إلى معالجة صدمات الذاكرة الناشئة من التركيز على وقائع انتقائية متبادلة، ونسيان قرون من العيش المشترك على أرض واحدة”.

وهنا يلح الإعلان، ربما، على تناسي الصراعات الطائفية التي عرفتها المجتمعات المسلمة، ويدعوها إلى ما يمكن وصفه بـ”فقدان الذاكرة الجماعية” حيال ما حصل في التاريخ من أعمال حزينة، من أجل ما أسماه الإعلان “إعادة بناء الماضي بإحياء تراث العيش المشترك، ومد جسور الثقة بعيدا عن الجور والإقصاء والعنف”.

– غير أن الإعلان انتهى إلى جملة ربما كان من الأفضل ألاّ يتضمّنها، نظرا لتاريخها السلبي، وحمولاتها الملتبسة، حيث طالب “الإعلان” ممثلي مختلف الملل والديانات والطوائف بـ”التصدي لكافة أشكال ازدراء الأديان وإهانة المقدسات وكل خطابات التحريض على الكراهية والعنصرية”.

فما معنى ” ازدراء الأديان”؟ هل يدخل فيها العملية النقدية التي تنصب على طروحات بعض الأديان؟ وما معنى “إهانة المقدسات”، هل يدخل فيها انتقاد رجال الدين والمؤسسات الدينية كما يحدث مع النشطاء الذي ينتقدون “لجان الأمر بالمعروف”؟

خلاصة

عموما،يمكن القول إن إعلان مراكش تضمن الكثير من الإيجابيات بخصوص العلاقة مع الأقلية غير المسلمة في البلدان ذات الأغلبية المسلمة،لكنه لم يتطرق إلى مسألة الحرية الدينية داخل الدين الإسلامي نفسه،باستثناء دعوته إلى التسامح بين الطوائف الدينية التي فرضها التاريخ، كما تضمّن رُزمة من المصطلحات والمفاهيم المعاصرة، لكن يظل السؤال مطروحا حول إمكانية تنزيلها على أرض الواقع من قِبل الموقعين أنفسهم.

المصدر: هسبريس

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Slider by webdesign

Clicky