الاجتهاد: على الرغم من أن بحث (التحولات الاجتماعية) كان منذ القدم محط اهتمام مفكرين كثيرين بدءً من ارسطو وافلاطون وانتهاءً بالمنظرين المتأخرين أمثال ماركس وماركوزه وآرنت. وفي هذا الصدد تم طرح طيف متنوع من النظريات.
ومع كل ذلك فان أهمية الموضوع وحساسيته تتطلب إعادة التأمل في هذه الظاهرة السياسية الهامة برؤية جديدة.
ولهذا نشاهد، رغم الكم الهائل من البحوث التي انجزت في مجال (التعرف على الثورات)، ثمة الكثير الذي لم يذكر بعد في هذا الصدد.
ولعلّ ابرز مصداق على هذا الزعم هو اندلاع الثورة الإسلامية في إيران التي دفعت العديد من كبار المفكرين إلى إعادة النظر في قناعاتهم واستنتاجاتهم السابقة.
وتكمن ضرورة إعادة النظر هذه في الصبغة الدينية لثورتنا، وكون الثورة الإسلامية فريدة من نوعها ومن الضروري أن تحتل موقعها المتميز في بحوث الثورات، لذا سنحاول في هذا البحث تقديم توزيع جديد للثورات يحاول التمييز بينها استناداً إلى أهداف الثوار.
وان بوسع مثل هذا التصنيف، جنباً إلى جنب التصنيفات المشابهة المبنية على أساس المعايير الفلسفية والتاريخية والاقتصادية والإنسانية والأخلاقية، أن يكون مفيداً في المزيد من التعريف بالثورة الإسلامية.
يمكن تصنيف الثورات في ضوء هذه الرؤية إلى ثلاث فئات:
الفئة الأولى: الثورات التي تتلخص أهدافها الرفيعة، في بلوغ المجتمع المتجانس الخالي من الفوارق الطبقية – المجتمع الذي تتجلى فيه المساواة الاقتصادية بشكل كامل -. وان التحولات الثورية التي شهدتها الدول الشيوعية يمكن درجها ضمن هذه الفئة.
الفئة الثانية: الثورات التي تلخصت أهدافها الرفيعة في إقامة مجتمع قائم على الحرية الفردية والرخاء الشخصي ورفض كل ما يتعارض مع هذه الحرية المطلقة العنان. وان المجتمعات التي يصطلح عليها بالليبرالية اجتازت مثل هذه العملية وهي الآن تسعى إلى تصدير سلعها الثقافية إلى الدول الأخرى في إطار الشعارات (الإنسانية).
الفئة الثالثة: الثورات التي تطمح إلى تربية (الإنسان الإلهي)، تلخص هدفها الرفيع في إقامة مجتمع التوحيد. ففي أمثال هذه الثورات لا يقتصر المعيار على تأمين المعيشة الدنيوية والرخاء العامة فقط، وانما يتمثل الدافع الرئيسي في استخدام هذه الوسيلة لتحقيق وضع أفضل وإسمى داخل المجتمع وهو تأسيس المجتمع الصالح والطاهر يتمكن الأفراد في ظله من السمو في مدارج تكاملهم المعنوي.
وان الثورة العظيمة التي فجرها الرسول الأعظم (ص) تعد نموذجاً رفيعاً لهذه الرؤية. وفي عصرنا الحاضر لدينا (الثورة الإسلامية الإيرانية) التي تعتبر فريدة من نوعها.
وعلى الرغم من إمكانية العثور على نماذج مركبة من الرؤيتين أو الثلاث اعلاه، غير أن ابرزها – في هذا البحث – ما سبق الإشارة إليه.
ومن أجل إدراك أفضل لهذا النوع من المعرفة لا مفر من ذكر الموضوعات التالية:
1 – الثورة في المفهوم الإسلامي لها تعريفها الخاص بها أصلاً. ولهذا بالذات وضع لها لفظاً خاصاً أيضاً. وكما نعلم أن مفهوم الثورة بمعنى (أحداث تغيير جذري) و(العودة) الذي كان متداولاً في القرن السابع عشر، يطرح بمثابة مصطلح شائع ومقبول في المجال السياسي ويتلخص معناه الاصطلاحي في (التغيير الشامل للحكومة أو الدولة واحلال محلها حاكم جديد أو الدولة الجديدة، باستخدام العنف).
وعلى الرغم من أن هذا المفهوم اكتسب ابعاداً جديدة بمرور الوقت بنحو بتنا نشهد اليوم طيفاً واسعاً ومتنوعاً من نظريات الثورة(1)،غير أنه لابد من الاعتراف – لدى التقييم – أن كل هذه النظريات عاجزة عن تقديم توضيح وتفسير شامل للثورة الإسلامية.
ذلك أن مقولة الثورة في الرؤية الإسلامية لها تعريفها الخاص يختلف من حيث المضمون مع التعاريف المشابهة.
فعلى الرغم من أن كلمة (الثورة) لم ترد في المنظومة الإسلامية بمعناها السياسي، غير أن مصطلح (الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) يدل بشكل واضح وصريح على هذا المعنى.
إذ أن هذا المصطلح يشمل كافة اشكال التغيير الاجتماعي وصوره بدءً من الاصلاح وانتهاءً بالثورة، ويحتوي على ثلاثة مكونات أساسية(2):
الأول: البعد الهدفي للثورة الذي يعود إلى المبدأ السامي (الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر).
وعلى هذا الأساس فان الهدف المشروع الوحيد للإقدام على الثورة يتمثل في (تنظيم شؤون المجتمع بما يتناسب وينسجم مع السيرة النبوية وقيمها). وإذا ما تم تجريد الثورة من هذا البعد المعنوي حينها لا تعد الثورة إسلامية.(3)
الثاني: البعد المادي للثورة والذي يتجلى في مناهضة الثورات للحكّام الظلمة، ويطلق عليه في المصطلح الشائع بالعنف.
الثالث: البعد المعرفي للثورة الذي يعود إلى (توعية الجماهير الثورية). وهذا يعني أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ينبغي أن يتم بوعي، وإذا ما تمت ممارسة هذا التحرك بناءً على وعي كاذب أو جهل فحينها لا يمكن اعتباره (ثورة إسلامية)(4).
ومع الأخذ بنظر الاعتبار ما ذكر آنفاً، يمكن أن تعريف (الثورة) على النحو الآتي:
الثورة عبارة عن (أمر بالمعروف ونهي عن المنكر تقوم به جماهير واعية تنتفض بإرادتها وخيارها، بصورة جماعية وفي وقت واحد، ضد السلطان أو الملك أو الهيئة الحاكمة الظالمة، خلال مرحلة خاصة، من أجل أحداث تغيير في البنى والمؤسسات، والقيم السائدة، وبتعبير أفضل: احياء سنن رسول الله واماتت البدع والتصدي للتحريف والمنكرات، تحت قيادة شخص تتوافر فيه الشرائط، ويتحقق ذلك بوسيلة العنف)(5).
وبهذا النحو يتضح بأن (الثورة الإسلامية) تمتاز عن بقية الثورات من حيث المضمون وإلى حد ما في الأسلوب، وان ما يطرح تحت عنوان (البعد الهدفي للثورة) يشير إلى هذا الجانب.
2 – الثورة الإسلامية الإيرانية في هذا البحث لا تقتصر على المرحلة التاريخية الممتدة ما بين 1963 إلى 1979، بل تشمل مرحلة الدولة وتأسيس الجمهورية الإسلامية.
لذا فان محاولة تجزأة تطورات الساحة الإيرانية إلى مرحلة الثورة ومرحلة الدولة يبدو غير صحيح، لأنه تترتب عليه تداعيات سيئة وان من مساوئ هذه التجزأة أنها تقود إلى تصور يفيد بأن التطلعات أو الأهداف والأسلوب والمبادئ التي تكون موضع قبول مرحلة الدولة متباينة عن مرحلة الثورة.
في حين أن الفكر الإسلامي لا يحتمل مثل هذا الاستدلال، ويؤمن بضرورة متابعة القيم والأهداف والتطلعات الثورية في مرحلة تأسيس الدولة أيضاً، ومن هذا الناحية فان المرحلتين متداخلتين وبتعبير أفضل: ان مرحلة التأسيس تشكل مرحلة التحقق العملي للأهداف الثورية. ولهذا حرصنا في هذا البحث لفت الانظار إلى مجموعة أهداف الثورة في إطار منظومة واحدة.
3 – إن الماهية الأصلية لهذا البحث تتجلى في التعرف على (نقاط الضعف). بمعنى أن الكاتب يسعى من خلال قبول المبدأ المذكور في النقطة الثانية، إلى التعريف بالأهداف التي قامت الثورة من أجلها بشكل واضح وشفاف حسبما وردت على لسان الإمام الخميني، وبالتالي توعية المسؤولين بمسؤولياتهم الخطيرة، والشعب بموقعه الرفيع القائم على مبدأ الحيلولة دون بروز أي انحراف في مواصلة مسيرة الثورة.
ومن البديهي أن الوعي يشكل الشرط الأول للعمل الصالح، وان ذكر هذا الأمر يمكن أن يكون مجدياً للجميع. طبعاً أن التقسيم الحالي لا يمكن طرحه بمثابة النموذج الوحيد، فربما يتحقق الهدف أعلاه عن طريق تقديم نماذج أخرى أيضاً، وفي هذه الحالة يمكن تناولها بالبحث والتمحيص بمثابة مكملة لهذا البحث.
4 – مع الأخذ بنظر الاعتبار تعريفنا للثورة، يتضح بأن (القيادة) تضطلع بدور رئيسي في الثورة. وبناء على هذا تم اعتماد منهج هذا البحث بنحو بوسعه أن يكون مؤثراً وفاعلاً في تبيين أهداف الثورة.
وفي هذا الصدد وضمن اعتماد توجه وصفي – تركيبي ازاء (الثورة الإسلامية)، وضعنا نصب أعيننا مجموعة خطابات الإمام الخميني، وسعينا من خلال عرض تركيب مناسب لآراء سماحته إلى تحقيق هدفين عامين:
الأول: التذكير بالأهداف الأصلية للثورة على لسان الإمام الخميني (قدس سره).
الثاني: تشخيص (ضروريات) السياسية التنفيذية للجمهورية الإسلامية والشعب الإيراني من أجل التسريع في مسرة أعمار البلد في العقود القادمة.
وعليه سنحاول فيما يلي شرح أهداف الثورة الإسلامية في المجالات الثلاثة:
الثقافة التربوية، والاقتصادية، والسياسية.
الف – الأهداف الثقافية – التربوية
تشكل الأهداف الثقافية – التربوية أبرز مجالات التأمل الفكري للثوار. ومن هذه الناحية فان الثورة الإسلامية متأثرة تماماً بالمنظومة الثقافية الإسلامية انطلاقاً من أن الإسلام يطرح نفسه بصفته دين صانع للإنسان.
وعلى هذا الأساس وضع الإمام الخميني (تربية الإنسان الصالح) في طليعة اهتماماته الثورية، إذ يقول بكل وضوح:
(إن الضرر الذي يلحقه الإنسان غير المهذب بالمجتمعات، لن يلحقه أي شيطان وحيوان وكائن آخر. وان الفائدة التي يقدمها الإنسان المهذب إلى المجتمعات لا تتسنى لأي من الملائكة وأي كائن آخر.. إن أساس العالم قائم على تربية الإنسان)(6).
ولهذا نرى الأهداف الثورية للإمام الخميني تكتسب في الغالبة صبغة تربوية يمكن تناولها في جانبين:
1 – البعد الشخصي
تربية اشخاص يتسمون بالوعي والتقوى. يقول الشهيد مرتضى مطهري في توضيح هذا البعد من إبعاد الثورة الإسلامية: إن المعنويات شكلت أحد الأركان الحقيقية لهذه الثورة وتعتبر اكسير الحياة بالنسبة للإنسان.
لذا فان تحقق المجتمع الإسلامي الذي تتجلى فيه القيم الإلهية تماماً مرهون بتربية اشخاص يتحلون بالآداب والقيم الإسلامية.(7)
بعبارة أخرى، ان (حكومة الصالحين) من هذه الناحية، هي الحكومة التي يتسم رجالها بالتحلي بالإيمان الإلهي وضعت تهذيب النفس في طليعة اهتماماتها، وحرصت على سيادة القيم الإلهية في البلاد بشكل كامل بحيث لا يرى فيها أي أثر للغرور والأنانية وطغيان الرغبات الفردية.
ويستحق مثل هذا الموضوع التأمل من هذه الناحية وهي أن المذاهب والرؤى غير الإلهية اهملت موضوع تربية الإنسان الخطير، وهيمنت في العادة القضايا الاقتصادية والسياسية و… على اهتماماتها وتحركاتها الثورية بشكل خاطئ ومنحرف، في وقت اعتبر الإمام الخميني (قدس سره) المبدأ الأساسي متمثلاً في تحول الأشخاص وتغييرهم، إذ يقول بكل وضوح:
(إن العبادات جميعها ليست أكثر من وسيلة… انها قوى كامنة وان عقل الإنسان هو الذي يترجمها عملياً على صعيد الواقع ليصبح المرء إنساناً… يصبح إنساناً إلهياً.)(8).
2 – البعد الاجتماعي: إيجاد مجتمع التوحيد
المعنوية من وجهة نظر الإمام الخميني لا تقتصر على باطن الأفراد، وليست الأمر بنحو أن القوى الباطنية هي التي ترشد الأفراد إلى الاعتدال والسلامة، بل أن الأمر أبعد من ذلك حيث ينبغي لنسيم المعنوية ان يهب على جميع المناحي الاجتماعية ومن أجل ذلك ينبغي متابعة (تبليغ) الأصول الإسلامية، وفي الوقت نفسه سيادة ثقافة الدعوة إلى (القيم الإسلامية السامية)، في أوساط كافة الفئات الاجتماعية.
ولهذا توجّه الإمام الخميني إلى عامة الناس أولاً، واوضح الوظيفة الإلهية لهؤلاء الناس، ومن ثم توجه بخطابه إلى المؤسسات التربوية المختلفة واحدة واحدة موضحاً مسؤولياتها ومذكّراً بها.
وبشكل عام يمكن تقسيم الأهداف التربوية للإمام الخميني إلى المجموعات التالية:
المجموعة الأولى: الأهداف العامة
أولاً – سيادة روحية الإخلاص في المجتمع إزاء مصير الأفراد
(الرسول الأعظم كان يتألم لعدم استعداد الناس للتربية، وكان الله تبارك وتعالى يصبره على ذلك.. وعليه ينبغي لكل إنسان أن يتأسف لأولئك الذين لا يقتدون بالإسلام وينضمون إلى ركب الإنسانية)(9).
إن قواعد (الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) في المجتمع الإسلامي قد شييدت على هذا الأساس، ولهذا لا يستطيع الأفراد في المجتمع الإسلامي أن يكونوا لاإباليين إزاء مصير الآخرين، لذا فهم يهبون لإنقاذهم من الضلالة بوحي من (الإخلاص) وليس (الطمع) أو (الحقد)، وممارسة ما يصطلح عليه بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. وان توافر مثل هذه الروحية تقود المجتمع الهدفي للقبول بالمبدأ الآخر وهو تحمل (المسؤولية الاجتماعية) تجاه هداية المجتمع.
ثانياً – التحلي بالمسؤولية الاجتماعية
من جملة الملاحظات التي تثير التأمل في كلام الإمام الخميني هي أن سماحته لم يعتبر أياً من المراكز والمؤسسات الخاصة، وحدها المسؤولية والمعنية بتربية الناس أبداً. وإنما يحاول من خلال اشارته إلى نشاط ورسالة كل واحد من هذه المراكز والمؤسسات، التذكير بضرورة تضامن وتآزر جهود كل من أبناء الشعب والحكومة على طريق اصلاح ثقافة المجتمع وتلافي النواقص في هذا المجال.
فعلى سبيل المثال، كان سماحته يؤكد على مسؤولية المدارس في تربية التلاميذ تربية صحيحة(10)، غير أنه لم يكن يكتفي بذلك وكان يوجّه خطابه إلى الآباء والأمهات وأفراد الأسرة ويذكّرهم بمسؤولياتهم الشرعية بهذا الصدد(11).
إضافة إلى كل ذلك كان يدعو المؤسسات الاجتماعية الأخرى إلى ضرورة صيانة هذا الجيل من المفاسد والبلايا الاجتماعية. وعليه فان المجتمع الهادف هو الذي يشعر افراده بالمسؤولية ازاء مصير كافة أبناء الشعب.
المجموعة الثانية: الأهداف الخاصة بالمؤسسات التربوية – الثقافية
طبعاً أن الإمام الخميني أكثر واقعية من أن يوكل أمر خطير نظير تربية الأفراد إلى الاحاسيس الباطنية للأشخاص فحسب. ومن هنا كان يوجه خطابه لكل مؤسسة من المؤسسات التربوية ويلفت انظار المسؤولين عنها إلى طبيعة نشاطاتها وخطورة مسؤولياتهم.
وأن ما نريد التأكيد عليه هنا ليست السبل العملية، بل المبادئ العامة الحاكمة على كافة المؤسسات التي تعكس في النهاية التوجهات الهادفة للمؤسسات التربوية في المجتمع الإسلامي، التوجهات التي تتضمن الأصول التالية:
الأصل الأول: صلاح المسؤولين عن الشؤون التربوية
إن كلاً من الحوزة، والجامعة، والإذاعة، والتلفزيون، والمطبوعات والمؤسسات التربوية الأخرى، يمكن أن تكون نافعة ومؤثرة إذا ما كانت (صالحة) في المقام الأول.
ولهذا فان توافر المؤسسات الصالحة تعد من جملة إسمى تطلعات الإمام الخميني:
(إن الإضرار التي لحقت ببلادنا بسبب الجامعة والفيضية لم تلحق بها من جهات أخرى. فلابد لكل من هاتين المؤسستين أن تتحلى بالتهذيب، وان يتكاتف ويتآزر علماء الإسلام واساتذة الجامعات فيما بينهم)(12).
الأصل الثاني: تحقيق الانسجام التام بين كافة المؤسسات (لا سيما الحوزة والجامعة)
من أجل تحقيق هدف واحد
كان الإمام الخميني يؤكد كثيراً على ضرورة التنسيق والانسجام بين المؤسسات التربوية من أجل بلوغ هذا الهدف المقدس، وكثيراً ما كان يلفت الانظار إلى هذا الأصل الهام كلما سنحت الفرصة واقتضى الأمر ذلك:
«أدعو الجامعيين والشباب المثابرين الأعزاء، إلى توثيق أواصر المودة والتفاهم مع علماء الدين وطلبة العلوم الإسلامية والعمل على ثباتها واستحكامها، وأن يحذروا دسائس ومؤامرات العدو الغدار»(13).
ويقول في مكان آخر:
«من اللازم أن يكون ثمة احترام متبادل فيما بين الشرائح الروحانية والجامعية المحترمة. ولا بد لهم من التحلي بالحيطة والحذر إزاء الإعلام السيئ والمغرض الذي استهدفها طوال القرون الأخيرة في محاولة لإستغلال الفرقة بين هذه الشرائح لتحقيق أهدفه»(14).
الأصل الثالث: الجمع بين التدين والتخصص في كافة المؤسسات
إن مقام التربية إنما يختص بالمعلمين المتخصصين والذين يتحلون بالالتزام والتعهد تجاه الأهداف السامية لهذه الرسالة الخطيرة، ولهذا كان سماحة الإمام الخميني يوصي كثيراً بضرورة إناطة هذه المهمة إلى الذين يتحلون بالمواصفات أعلاه وإذا ما جاء اليوم الذي يتحلى فيه كافة المسؤولين الاجتماعيين بالتدين والتخصص، ففي هذه الحالة يبدو أن تحقق المجتمع الإسلامي في مستويات متقدمة أمر ممكن ومتيسر:
(إننا نريد الإنسان الجامعي لا المعلم أو الطالب الجامعي، ينبغي للجامعة أن تخرج إنساناً… المهم هو أن الذي يتخرج من الجامعة يجب أن يعي بأن الدولة هي التي أنفقت عليه كي يتسنى له إكمال دراسته، وينبغي له خدمة بلده)(15).
(إننا لا نعارض التخصص، ولا نعارض العلم، وإنما نعارض الخضوع والتذلل للأجانب… إننا نريد أن يتربى في الجامعة اخصائيون يكونوا في خدمة أبناء شعبهم.)(16).
وفي هذا الصدد يوضح سماحة الإمام الخميني: (من الضروري تواجد عناصر حزب الله، المتعلمين والمتدينين، في كافة ميادين الثورة، غير أن المؤسسات التربوية تحظى بالأولوية نظراً لأهميتها.)(17).
الهوامش
1 – للإطلاع على خلفية هذا البحث، يراجع:
– هانا آرنت، الثورة، ترجمة عزت الله فولادوند، طهران، الخوارزمي، 1361.
– بيتر كارل ورت، الثورة، ترجمه ابو الفضل صادق بور، طهران، زوار، 1348.
– ارسطو، السياسة، ترجمة حميد عنايت، طهران، ج4، 1364.
2 – من جملة البحوث التي انجزت في هذا المجال والتي تعتبر من الأسس المبدئية لبحث الثورة، يمكن الإشارة إلى المؤلفات التالية:
– مرتضى مطهري، حول الثورة الإسلامية، طهران، صدرا، 1368.
– ابو الفضل عزتي، الإسلام الثوري والثورة الإسلامية، طهران، الهدى.
– عباس علي عميد زنجاني، الثورة الإسلامية وجذورها، طهران، الكتاب السياسي، 1367.
– جلال الدين فارسي، الثورة التكاملية: إسلام طهران.
3 – استنبط ذلك من مقولة سيد الشهداء الإمام الحسين: (لم أخرج أشراً ولا بطراً، ولا مفسداً ولا ظالماً، وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي رسول الله، أريد أن آمر بالمعروف، وأنهى عن المنكر، وأسير بسيرة جدي). الخوارزمي، مقتل الحسين (ع)، ج1، ص88.
4 – يشار إلى أن التصور الشيعي في هذا المجال يعد أكثر ثورية مقارنة بالتصور السني، إذ أن ثمة من الفقهاء السنة من يحرم الثورة. في حين أن الشيعة ليس فقط يعتبرون النهوض ضد الحاكم غير الإلهي جائزاً وإنما من الواجبات. وفي هذا الصدد يمكن الرجوع إلى فتاوى علماء الفريقين في باب (الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) بالنسبة للحكام.
5 – جديربالذكر أن ثمة بحث في هذا الشأن يقوم بإعداده السيد محمد رضا حاتمي، يحمل عنوان: (نظرية الثورة من وجهة نظر الإسلام)، مكرس لدراسة كل من التصور الشيعي والسني حول (الجواز الشرعي للثورة). ويرى المؤلف أن المصطلح المعادل للثورة في الثقافة الإسلامية يتمثل في (الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر).
6 – صحيفة الامام، ج14,
7 – انظر: مرتضى مطهري، حول الجمهورية الإسلامية، صدرا.
8 – الإمام الخميني، تفسير سورة الحمد.
9 – صحيفة الامام، ج19.
10 – الإمام الخميني: (إن دور الأسرة، لا سيما الأم بالنسبة للأطفال، والأب بالنسبة للأحداث واليافعين، في غاية الحساسية. وإذا ما تربى الأبناء بما يليق في احضان الأمهات ورعاية الآباء المتدينين، وتعلموا بشكل صحيح وارسلوا إلى المدارس، فان مهمة المعلمين ستكون أسهل). (صحيفة الإمام، ج15).
11 – الإمام الخميني: (المعلم تودع لديه أمانة تختلف عن كل الامانات، حيث يودع لديه الإنسان كأمانة… فلابد لكم من تربية وتعليم هذه الأمانات المودعة لديكم. واعلموا بأن أهمية التربية تفوق أهمية التعليم.). (صحيفة الإمام، ج14).
12 – صحيفة الإمام، ج14.
13 – وصية الإمام الخميني السياسية – الإلهية، منشورات وزارة الثقافة والإرشاد.
14 – صحيفة الإمام، ج2.
15 – المصدر السابق، ج13.
16 – المصدر السابق، ج14.
17 – الإمام الخميني: (لابد لكم من الالتفات إلى أنه يجب أن لا يخرج من هذه المنظمة الإسلامية الملتزمة ولا حتى شخص واحد، إلا إذا ما ارتكب مخالفة وهذا آمر آخر ولا يوجد فرق بينه وبين الآخرين.). (صحيفة الإمام، ج21).
المصدر: موقع الامام الخميني