محمد بن سلمان عن دفع الضرر الأكبر بالضرر الأصغر: إن الشباب السعودى يسافر إلى أوروبا وأمريكا ويحضر مثل هذه الحفلات، ويمكن أن يأتى من السلوك ما يتنافى مع الإسلام تمامًا، وهذا ضرر كبير لا يمكن أن يقبله أو يتحمله أحد، فما الذى يحدث لو أقمنا الحفلات داخل المملكة وحضرها الشاب السعودى، ثم عاد لينام فى بيته وتحت عيون أهله، قد يكون هذا ضررًا أصغر، لكن فعليًا نحن دفعنا به ضررًا أكبر، وهو ما يقول به الإسلام ولا يرفضه أبداً !!!!
الاجتهاد
◄ ٩٥ % من أعضاء هيئة كبار العلماء كانوا حنابلة، والآن أصبح أقل من ٥ بالمائة.
◄ وضع 3 استراتيجيات فى التعامل مع رجال الدين الأولى عدم تحريم شىء مختلف عليه والثانية دفع الضرر الأكبر بالضرر الأصغر وأخيرًا الضروريات تبيح المحظورات
◄نسبة المتشددين بالسعودية وصلت إلى ١٠٪ فقط من ٦٠٪.. وخيّرت المتطرفين بين ترك أفكارهم والصمت التام وإما السجن بالقانون.
◄ «الإخوان» تسببت فى إفساد دين الناس.. وهيئة كبار العلماء بالسعودية تتنوع بين الحنابلة والحنفية والشافعية
◄ الأمير الشاب يعمل على «فرصة توسيع الإسلام» ويرفض نظرية أن «آل الشيخ» يملكون الكلمة و«آل سعود» يملكون السيف.
على هامش الزيارة التي قام بها ولي العهد السعودي محمد بن سلمان إلى القاهرة، رد على أسئلة الكثير من الصحفيين والإعلاميين المصريين في لقاء محدود جمعه بهم في منزل سفير الرياض في القاهرة.
يسرد الكاتب والصحفي ورئيس تحرير جريدة الدستور المصرية محمد الباز تفاصيل هذا اللقاء:
امتدت جلستنا مع الأمير محمد بن سلمان – مجموعة من رؤساء التحرير والكتاب والمفكرين والإعلاميين- لما يزيد على الساعتين ونصف الساعة تقريبًا.
رأى الأمير الشاب أن السعوديين لا يملكون ذكريات تربطهم ببلدهم، يقضون إجازاتهم خارجها طوال الوقت، يمكن أن يحدثك السعودى عن أيامه فى أوروبا وأمريكا، يعدد لك الأماكن التى زارها، والمتاحف التى تجول فيها، والشوارع التى أخذ لنفسه صورًا بها، لكنه لا يمكن أن يفعل ذلك مع شوارع السعودية وأماكنها، لا ذكريات ولا لحظات خاصة ولا ذاكرة مرئية يحتفظ بها أحد.
هل يقصد الأمير أن الشباب السعوديين كانوا يشعرون باغتراب فى بلدهم؟
أغلب الظن أنه كان يقصد ذلك، ولأجله تحرك، رأى البلد أولى بأهلها.
يقول: قررت باسم جيلى واسم الأجيال القادمة ألا نعيش خارج السعودية.. هذه بلدنا فلماذا لا نبنى حياتنا فيها؟
كان السؤال الأهم هو: كيف يعود بمن قرروا الخروج منها إليها مرة أخرى؟
يعترف الأمير أن الإسلام تم تشويهه فى أماكن كثيرة، لكن تم تشويهه داخل الممكلة العربية السعودية بشكل لا يحتمله أحد، ولا يقدر عليه أيضًا، ولذلك حدد نقطة البداية، إصلاح الدين لتنصلح الدنيا لأهلها ومن يعيشون فيها.
الوحدة الأساسية التى عمل عليها محمد بن سلمان كانت المواطن السعودى، وتساءل ما الذى يمكن أن يؤثر فى حياة هذا المواطن؟
الإجابة الواضحة التى تراءت أمامه هى أن تكون هناك قضية حقيقية يؤمن بها هذا المواطن، ثم تكون هناك مصلحة حقيقية أيضًا، تمسه وتمس حياته.
قرر الأمير الشاب أن يتحرك؟
حمل أفكاره وذهب إلى الشيوخ الذين يحملون الدين على ظهورهم فأثقلهم، وكان طبيعيًا أن يثقلوا به الناس.
يقول: قررت أن أدخل الحرب ليس من أجل العالم، ولكن من أجل السعودية ومستقبلها.
قناعته الأولى أن ما يفعله وما يفعله جيله من الشباب وما يقوم به السعوديون جميعًا متطابق تمامًا مع الإسلام، لكن الأمر يحتاج إلى مزيد من الحوار.
ويقول بن سلمان: قلت لمن تحدثت معهم من رجال الدين أنا لدىّ ثلاث حجج، سأضعها أمامكم، ويمكن أن نتناقش حولها، يمكن أن تحل لنا معضلات كثيرة.
الحجة الأولى هى أنه لا يجب أن نقول إن شيئا ما حرام، طالما أنه مختلف عليه، فطالما أن هناك فقهاء يقولون أن الشىء الفلانى حرام، وهناك فقهاء آخرين يقولون إن الشىء نفسه حلال، فلا يمكن أن نقر بأنه حرام مطلق، ونحرمه على الناس، وهناك خلاف.
ضرب محمد بن سلمان هنا مثلًا بالغناء، فهناك فقهاء يقولون إنه حرام بشكل مطلق، وهناك من بين الفقهاء من يقول بعكس ذلك، بل يرونه حلالًا، فلا يجب أن نضع أنفسنا فى الغرفة المظلمة الضيقة ونقول إنه حرام، ثم نمضى تاركين الناس فى ضيق من أمرهم.
الحجة الثانية هى أن الدين الصحيح يقول بدفع الضرر الأكبر بالضرر الأصغر، فإذا كان هناك ضرر واضح أمامنا ونعرف أنه يمثل كارثة، ولدينا ضرر نعرف أنه أصغر منه، ولن يضرنا كثيرًا، فيمكن أن نفعله من منطلق أننا ندفع عن أنفسنا ما يمكن اعتباره كارثة كاملة.
المثال الواضح على استخدام هذه الحجة- كما ساقه محمد بن سلمان- كان الحفلات الغنائية التى بدأت فى المملكة العربية السعودية منذ أشهر.
قال لمن رفضوا تنظيم هذه الحفلات إن الشباب السعودى يسافر إلى أوروبا وأمريكا ويحضر مثل هذه الحفلات، ويمكن أن يأتى من السلوك ما يتنافى مع الإسلام تمامًا، وهذا ضرر كبير لا يمكن أن يقبله أو يتحمله أحد، فما الذى يحدث لو أقمنا الحفلات داخل المملكة وحضرها الشاب السعودى، ثم عاد لينام فى بيته وتحت عيون أهله، قد يكون هذا ضررًا أصغر، لكن فعليًا نحن دفعنا به ضررًا أكبر، وهو ما يقول به الإسلام ولا يرفضه أبدًا.
الحجة الثالثة وهى قاعدة شرعية تقول إن الضرورات تبيح المحظورات، فإذا كان هناك محظور فى الحياة، لكن هناك ضرورة تغلب هذا المحظور، فلا بد أن يستجيب الدين، وليس هناك ضرورة أكبر من أن يتم الحفاظ على الشباب السعودى وصيانته.
يستند محمد بن سلمان إلى حياة النبى، صلى الله عليه وسلم، فى استيعاب الآخرين الذين يختلفون معه، يقول: السيرة النبوية تحمل لنا أخبارًا عن النبى العظيم، صلى الله عليه وسلم، الذى كانت له زوجة يهودية وأخرى مسيحية، وكان له جار يهودى لا يتوقف عن إلحاق الأذى به، لكن النبى، صلى الله عليه وسلم، كان يحسن إليه فى مقابل الإساءة، هكذا كان النبى، وهكذا كان فعله، فلماذا لا نتآسى به، لماذا نتعامل معه وكأنه لم يفعل ذلك من الأساس؟
ويضيف : عرفنا من سيرة النبى، صلى الله عليه وسلم، أنه كان يسابق السيدة عائشة، فى البداية كانت تسبقه، ولما كبرت قليلا كان يسبقها هو، داعبها بذلك، ثم أنه جاء لها بفرقة من الأحباش كانت ترقص وتغنى فى ساحة المسجد، وكان النبى يستمع إلى غنائها، وإلى جواره السيدة عائشة، بل إنه كان يحملها لترى الفرقة وهى ترقص، فما الذى جعلنا نطمس كل هذا من سيرة النبى؟، ما الذى جعل البعض يخفيه ويهيل عليه التراب، ويجعلنا نخاصمه ونخاف منه.
فكرة تجديد الخطاب الدينى
عندما كان يتناقش مع رجال الدين فى مسألة الحفلات الغنائية التى كانوا يرفضونها، سألهم عن السبب، فقالوا: فيها اختلاط، والاختلاط حرام.
سألهم عن حجتهم الدينية فى تحريم الاختلاط.
قالوا: الاختلاط يكون سببًا فى وقوع مفاسد لا قِبل للناس بها.
يقول محمد بن سلمان: قلت لهم أنتم بذلك تنتزعون سلطة الله على الأرض، تقدرون أنه ستحدث مفاسد، رغم أنه يمكن ألا تحدث، ثم أنه لو حدثت فإن الله وحده هو الذى يحاسب الناس على أعمالهم، لماذا تصادرون ما هو حق لله وتمارسونه وكأنكم وكلاؤه على الأرض؟
وقال: هناك من يريد أن يفرض سطوته على الناس من المهد إلى اللحد.. رغم أن الله أرحب من هذا بكثير، ويعذر الناس، فأنت يمكن أن تؤدى الصلوات الخمس، وتلتزم بتعاليم الإسلام، ويمكن أن تخطئ، لكن رحمة الله اقتضت أن يغفر لك ذنوبك، بل إن الله يحب عبده الذى يقع فى الذنوب ثم يطلب الصفح منه، لكن يبدو أن هناك من يريد تعطيل قوانين الله فى الأرض.
كما قال: لقد خضت هذه المعركة الصعبة لأن مصلحة الشعب السعودى تقتضى ذلك، احتياجات الناس كانت ملحة ولا بد من الاستجابة لها، ثم إن العالم كله يحتاج إلى ذلك، لأنه فى حاجة لمن يبنى لا من يخرب، والإسلام دين جاء بالأساس ليبنى، فلماذا نسجنه فى غرفة ضيقة، ونجعل الناس تخاف منه، الدين أبوابه واسعة، لكن هناك من يريد تضييقها، ومرن جدا لكن هناك من يريد أن يجعله جافًا، ومن لديه أى حد أدنى من المنطق أو العقل لا بد أن يقر بذلك.
وعن الأثر الذى جنته السعودية من وراء هذه الثورة الدينية التى ما كان لأحد أن يتخيل وقوعها على الأرض السعودية؟
يقول: لو تحدثنا بالأرقام سنجد أننا وقبل أن نبدأ مشروعنا الإصلاحى فى المملكة كان لدينا ما يقرب من ٦٠ بالمائة متشددون، و٤٠ بالمائة وسطيون، وكان المتشددون يفرضون سطوتهم ووجهة نظرهم طوال الوقت، الآن الوضع تغير كثيرًا، ويمكن أن تقول إن لدينا ١٠ بالمائة فقط متشددون، وما يقرب من ٥٠ بالمائة وسطيين، والنسبة الباقية يمكن أن تقول إنها دخلت إلى مساحة من يمكن تسميتهم تنويرين.
وصفته لمحاصرة المتشددين
كان يتم الحوار مع المتشدد، ويتم تخييره، فإما أن يدخل فى حوار هادئ حول أفكاره ليقتنع بالطرح الجديد، أو يصمت تمامًا، ومن يرفض كان يتم التعامل معه بالقانون.
ستقول إن ما جرى مع المتشددين يخالف مبدأ الحرية نفسه، فكيف يتم تخيير شخص ما بين أن يقتنع بفكرة معينة حتى لو كانت تنويرية أو أن يصمت تمامًا؟
التشدد نفسه ضد الحياة، ولا يجب أن يسمح لهؤلاء أن يحكموا هذه الحياة لأنهم ببساطة يخربونها، وما فعله محمد بن سلمان يشير إلى أنه كان يحرر المواطنين من سطوة من صادروا حياتهم، كان يسترد حقوق مواطنيه ممن أرادوا أن يصيغوا حياتهم على مزاجهم الخاص، وهو مزاج يتعارض تمامًا مع صحيح الدين.
إجراءات أخرى
تعرفون هيئة كبار العلماء فى السعودية، وتعرفون ما الذى كانت عليه من سطوة ونفوذ على حياة الناس وسلوكهم الشخصى وشكل تدينهم، لكن ما لم نكن نعرفه بدقة أن ٩٥ بالمائة من أعضاء هيئة كبار العلماء كانوا حنابلة، الآن وبعد الحوار الفكرى الذى صاغ كل شىء فى السعودية أصبح أقل من ٥ بالمائة من علماء الهيئة فقط حنابلة، الـ٩٥ بالمائة تفرقوا على المذاهب الفقهية الأخرى، فأصبح منها مالكيون وشافعيون وحنفيون، وهو تنوع له دور كبير فى إثراء الآراء وتنوع الأفكار.
ويقول نحن ندين بالإسلام الوسطى، نستمد الأحكام من القرآن والسنة، ونؤمن بأن الفقهاء الأربعة الكبار لهم احترامهم وتقديرهم، لكن باب الاجتهاد مفتوح إلى يوم الدين، لأننا دون الاجتهاد لا نستطيع أن نعيش فى هذا العالم الذى يتغير ويتطور بمعدلات سريعة، ولا بد أن يكون لدينا ما نقدمه لهذا العالم، فليس منطقيًا أن نعيش عالة عليه طول الوقت.
نقلا عن جريدة الدستور ” باختصار”