التعدي عن مورد النص

نظرية التعدي عن مورد النص عند الوحيد البهبهاني/ وفي المنصوري +pdf

الاجتهاد: إنّ نظرية التعدي عن مورد النص وإن كانت تبدو بدائية من خلال الأمثلة والتطبيقات التي ذكرها إلا أنّه تعدّ انجازاً مهماً وخروجاً على المألوف من منهج الفقهاء في طريقتهم في التعامل مع الفقه على طريقة المتن والشرح وبالتراتيبية المعروفة, وعدم نهجهم إلى (فقه النظرية) وتقييم أي نظرية لابد أن يخضع للظروف التي ظهرت فيها والأجواء العلمية التي نشأت فيها.

 إذا ألقينا نطرة سريعة على تاريخ الاجتهاد والاستنباط سوف نتعرف على السير التاريخي لهذه النظرية، فقد مر الاجتهاد الفقهي بعدة مراحل:

المرحلة الأولى: مرحلة النص، وتمتد هذه المرحلة من تاريخ بدايات الدعوة الإسلامية إلى تاريخ الغيبة الكبرى سنة ٢٢٩ هـ ، أي عصر تواجد المعصوم من النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى آخر الأئمّة الاثنا عشر عليهم السلام، ففي هذه المرحلة كان الفقه مجموعة من الأحاديث والمرويات قام بتدوينها مجموعة من الرواة، عرفت فيما بعد بالاصول الحديثية تلقوها من الإمام عليه السلام ، مباشرة أو بالواسطة القريبة، وأشهر هذه الأصول هي الأصول الأربعمائة التي ألفها أتباع الأئمة وتلامذتهم في زمانهم، خصوصاً زمان الإمامين الباقر (ت 114 هـ) ، والصادق (ت ١٤٨ه) ، فكانت هذه الأصول هي المرجع الأساس لمن بعدهم، وكانت هذه الأصول تحتوي مجموعة من الأحكام في الفقه والتفسير والأخلاق والعلوم الأخرى التي ألقاها الإمام عليه السلام ، على تلامذته.

المرحلة الثانية: مرحلة تدوين الفقه في أصول حديثية معروفة مبوبة طبق التبويب الفقهي المعمول به في كتب الفقه، وأبرز هذه الكتب هي الكتب الأربعة المعروفة، وهي «الکافي» للکليني ت ۲۳۹ ه-، و «من لایحضره الفقیه» للصدوق ت ۳۸۱ ه-، و «تهذیب الاحکام»، و «الاستبصار فیما اختلاف من الأخبار) للطوسی ت 460 ه-، فکان الفقه في بداية أمره محصوراً فی هذه الأصول الحديثية التى عليها المدار والمعول فى عملية التشريع عند الشيعة الإمامية.

المرحلة الثالثة: تدوین الفقه طبق نظام الفتوی وبیان الحکم الشرعي من دون تقييد بنقل الرواية بعينها بلفظها أو سندها، بل نشر تلك الروايات في المصنفات الفقهية وإظهارها على شكل فروع وفتاوى فقهية طبق التبويب المنهجی المعمول به فی کتب الفقه مع التقید الشدید بمضمون تلك الروايات، ونتجت من هذه المرحلة تصنيفات تعرف بالأصول المتلقاة، ومفاد هذا الاصطلاح أن تلك الأصول تلقاها الأصحاب بالقبول ودونوها في کتبهم الفقهیة في شکل فتاوی وفروع فقهیة، فبدل من أن تکون هذه الأصول مجرد أحادیث و روایات أصبحت قوانین وفروع فقهیة منثورة في تلك الكتب ومبوبة طبق التبويب الفقهي المعروف.

المرحلة الرابعة: في هذه المرحلة دخل الفقه إلى مرحلة الاستنباط والفت كتب الفقه طبق هذا المنهج، بتفريع الفروع على الأصول الذي حث أهل البيت على انتهاجه في معرفة الأحكام الشرعيّة واستنباطها من مصادرها الأصلية، فانتهض منهج الاستنباط من جديد على يد الشيخ ابن إدريس الحلي ت ٥٩٨ هـ في كتابه “السرائر” فأصبح فقه السرائر هو البداية والإنطلاقة لظهور فقه الاستنباط الذي انبنى على جملة من القواعد الأصولية والفقهية، وأكد ذلك في مقدمته حيث ذكر أن مصادر الحكم الشرعي أربعة وهي: «إما كتاب الله سبحانه أو سنة رسوله “صلى الله عليه وآله وسلم” المتواترة المتفق عليها أو الإجماع، فإذا فقدت الثلاثة فالمعتمد في المسائل الشرعيّة عند المحققين الباحثين عن مأخذ الشريعة التمسك بدليل العقل فيها، فإنها مبقاة عليه موكولة إليه”.

وبعد هذه النظرة السريعة والخاطفة تستطيع أن نتلمّس موقع ومکان (نظرية التعدي عن مورد النص) فهي بروحها ومضمونها قد بدأت في المرحلة الرابعة من مراحل الاستنباط، لكنها لم تكتمل أركانها بل حتى التصريح بأسمها يعدّ غير مألوفاً، بل تعدّ بدائية في مسالكها ولم تتوسع ذلك التوسع بحيث تعالج مسائل مستحدثة في عصر ابن ادريس الحلي، بل استفيد منها في قياس النظير بالنظير والشبه بالشبه على أساس الأولوية أو دليل الاعتبار في موارد محدودة يصاحبها الحذر والخوف من تهمة القياس.

وقد توسع في مباحث الاستنباط من أتی بعد ابن ادریس خصوصاً العلامة الحلي ت726 هـ فاهتم كثيراً في علم الأصول ووضع مصنفات عدة، إلا أن نظرية التعدي عن مورد النص لم تبرز بالشكل المطلوب.

المرحلة الخامسة: وظل الأمر على هذا الحال بالنسبة لهذه النظرية إلى أن روج لها وأعطاها ذلك الاهتمام الوحيد البهبهاني “ت ١٢٠٦ هـ” فأكد عليها وكرر الحديث عنها في كتابيه (الفوائد الحائرية) و(مصابيح الظلام في شرح مفاتيح الشرائع)، فهو الوحيد الذي روج لها بهذا الشكل وأعطاها هذا القدر من الاهتمام ونظر لها، خصوصاً وهو زعيم المدرسة الأصولية في قبال المدرسة الأخبارية التي ترفض مثل هكذا نظرية جملة وتفصيلاً.

لکن هذه النظریه منیت بانتکاسة من بعد الوحید البهبهانی، و نقصد بالانتكاسة أنها ظلت حبيسة في مكانها ولم تول ذاك الاهتمام الذي حظيت به نظريات علم الأصول ووسائل الاستنباط الأخرى. ويخال لي أن سبب ذلك يعود إلى تأثيرات الصراع الأصولي الأخباري على مثل هكذا نظريات، فإن المدرسة الأصولية من بعد الوحيد البهبهانى بحاجة إلى نفي الاستعارة من أصول فقه أهل السنة في إستنباط الأحكام الشرعية، التهمة التي كانت تتعكر عليها المدرسة الأخبارية في رفض مباني المدرسة الأصولية والتشهير بها، فحذفت من أبحاثها هذه النظرية باعتبارها شبيهة بالقياس من حيث الشكل وإن كانت تختلف عنه من حيث الضمون.

خلاصة البحث

في بحثنا لنظرية التعدي عن مورد النص عند الوحيد البهبهاني استخلصنا النتائج التالية:
1- أهمية التعدي من المنصوص عليه إلى غير المنصوص, ودوره في عملية استنباط الحكم الشرعي, بل إنّ جوهر الاجتهاد يمكن في هذه العملية, فإنّه ليس من الصعوبة من التعرف على حكم المنصوص عليه من خلال فحص النصوص متناً وسنداً لكنه من الصعب بمكان التعرف على حكم المسكوت الذي لم ينص عليه الشارع, بل إنّ أساس الفقه قائم على التعدّي إلى غير المنصوص, خصوصاً وإن هذه المسائل تتجدد يوماً بعد يوم.

2- إنّ التعدي عن مورد النص ليس أمراً اعتباطياً لا يقوم على أساس, بل هناك طرق وآليات مشروعة لاستكشاف تلك الأحكام, فإنّه لا يمكن لعلاج أحكام غير المنصوص عليه من دون التعرّف على هذه الآليات, وهذه الآليات: الاجماع والقياس المنصوص العلة واتحاد طريق المسألتين وتحقيق المناط وتنقيح المناط والغاء الفارق أو الغاء الخصوصية وعموم المنزلة وعموم البدلية وعموم المشابهة وقياس الأولوية والقاعدة الفقهية. ويقابل هذه الآليات المشروعة آليات غير مشروعة وهي: القياس وتخريج المناط والمناسة والاخالة.

3- إنّ التعدي إلى غير المنصوص سلاح ذو حدّين وتتجلى براعة الفقيه وملكته الفقهية في التمييز بين التعدّيات المشروعة والتعدّيات غير المشروعة.
4- إنّ نظرية التعدي إلى غير المنصوص عليه وإن كانت تبدو بدائية من خلال الأمثلة والتطبيقات التي ذكرها إلا أنّه تعدّ انجازاً مهماً وخروجاً على المألوف من منهج الفقهاء في طريقتهم في التعامل مع الفقه على طريقة المتن والشرح وبالتراتيبية المعروفة, وعدم نهجهم إلى (فقه النظرية), وتقييم أي نظرية لابد أن يخضع للظروف التي ظهرت فيها والأجواء العلمية التي نشأت فيها.

5- يمكن الاستعانة بهذه النظرية لدخول إلى فضاء أوسع في الفقه الاسلامي باعتباره فقهاً يعالج جميع مسائل الحياة, وعدم الاقتصار على مسائل ورثناها من الأجيال السابقة كانت تخص اسلوب ونمط عيشهم, أمّا اليوم في ظل تطور النظم يمكن لنظرية التعدي إلى غير المنصوص من علاج كثير من المسائل الكبرى التي هي مورد ابتلاء المكلفين في العصر الراهن, والدخول بها إلى فقه المسائل المستحدثة من أوسع أبوابها.

محتويات البحث

ملخص البحث
تاريخ نظرية التعدي عن مورد النص
أهمية التعدي إلى غير المنصوص عليه
أنواع غير المنصوص عليه
التمييز بين التعدي المشروع والتعدي غير المشروع
التعدي إلى غير المنصوص شائع في منهج الفقهاء
وسائل استكشاف حكم غير المنصوص عليه المشروعة
علاقة النظرية بفقه المستحدثات:
أ – نظرية العقود المستحدثة
ب- نظریة الالتزام العامة
ج- نظرية الحوادث الطارئة
د- نظرية الإثراء بلا سبب مشروع يوجب الالتزام
ه- نظرية المصلحة ووجوب حفظ النظام
و- نظرية العرف
المصادر

الأستاذ وفي المنصوري
الأستاذ وفي المنصوري

تحميل البحث

 التعدي عن مورد النص

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Slider by webdesign

Clicky