الاجتهاد: بعد أن انتهينا من ذكر خمسة وثلاثين رواية اسُتدل بها على ولاية الفقيه العامة أو المطلقة لا بأس أن نتطرق إلى عدة نقاط تفيدنا في دراسة ولاية الفقيه وأحكام الدولة الإسلامية في الفقه الشيعي.
النقطة الأولى: بيان مراحل تطور ولاية الفقيه تاريخياً،
يمكن تقسيم الأدوار التي شهدتها فكرة ولايةِ الفقيه إلى خمس مراحل، هذه المراحل الخمس قد ذكرت في مقدمة كتاب رسائل في ولاية الفقيه [1] ، وأيضاً هذه المراحل الخمس أشار إلى أربع منها الشيخ محسن كديور [2] ولم يذكر الخامسة، والخامسة هي عصر حضور المعصومين”عليهم السلام” لأنه كان بصدد بيان نظرية ولاية الفقيه في عصر الغيبة لا في عصر الحضور، إذاً يمكن الجمع بين التقسيمين، نذكر أيضاً الأدوار والمراحل التي مرت بها فكرة ولاية الفقيه.
المرحلة الأولى عصر حضور المعصومين”عليهم السلام” ويمتد من بعثة النبي إلى سنة 329 هجرية وهي سنة نهاية الغيبة الصغرى وبداية الغيبة الكبرى.
المرحلة الثانية عصر الغيبة الكبرى إلى ظهور الدولة الصفوية يعني إلى القرن العاشر الهجري وبالسنوات تحديداً من سنة 329 هجرية إلى سنة 907 هجرية،
في هذه المرحلة تطرق الفقهاء إلى ثلاثة أمور من شؤون الفقيه:
الأمر الأوّل: إقامة الصلوات السياسية الجامعة كصلاة الجمعة والعيدين.
الأمر الثاني: التدخل في الشؤون المالية كالزكاة والخمس.
الأمر الثالث: إقامة العدل وإجراء الحدود والتعزيرات.
طبعاً بالنسبة إلى المرحلة الأولى عصر حضور المعصومين”عليهم السلام” لو رجعنا إلى التاريخ والروايات لوجدنا أنها تشير إلى ثلاثة أمور أيضاً:
الأمر الأوّل: جواز ولزوم الحكومة الدينية في جميع العصور ومنها عصر الغيبة.
الأمر الثاني: الشروط التي يجب توفرها في الحاكم.
الأمر الثالث: حدود صلاحيات الحاكم، هذا بالإضافة إلى المفاهيم التي عالجتها روايات المعصومينl في الموضوعات التالية، (العلماء رواة أحاديثنا)، (الفقهاء خلفائي)، (العلماء بالله).
المرحلة الثالثة هي مرحلة العصر الصفوي إلى عهد المشروطة أيام القاجاريين وإذا أردنا تحديدها بالسنوات من سنة 907 هجرية إلى سنة 1148 هجرية، طبعاً هذا الكتاب المقدمة القيمة فيه رسائل في ولاية الفقيه يذكر نص كلمات الأعلام يعني في كل عصر كلمات العلماء، طبعاً إذا رجعنا إلى كلمات الفقهاء في هذا العصر نجد أنها تتضمن النقاط الثلاث التالية:
الأمر الأوّل: ماهية القيادة في عصر الغيبة.
الأمر الثاني: تبيين الأدلة.
الأمر الثالث: حدود صلاحيات الفقيه العادل.
طبعاً هذا العصر الثالث هنا أوّل من طرح ولاية الفقيه بشكل صريح هو المحقق الكركي& (المتوفى سنة 940 هجرية)، وهذا نص كلامه لأنه أوّل من طرح ومن بعده المحقق الأردبيلي صاحب مجمع الفائدة والبرهان طبعاً من بعده مباشرةً الشهيد الثاني”ره”، قال [3] في زمان الغيبة النائب العام وهو المستجمع لشرائط الفتوى والحكم وإنما سمي نائباً عاماً لأنه منصوب على وجه كلي بقولهم (انظروا إلى من كان منكم) إلى أن يقول ولا يخفى أن الحاكم حيث أطلق لا يراد به إلا الفقيه الجامع للشرائط هناك عبارة أصرح للمحقق الكركي”ره” في احدى رسائله الفقهية[4]
يقول: وهو أوّل من طرح ولاية الفقيه العامة بشكل صريح ـ لا يقال الفقيه منصوب للحكم والاقتداء والصلاة خارج عنها لأنا نقول هذا في غاية السقوط لأن الفقيه منصوب من قبلهم حاكماً في جميع الأمور الشرعية.
المرحلة الرابعة العصر القاجاري إلى قيام الثورة الإسلامية، يعني بالسنوات من سنة 1193 هجرية إلى سنة 1399 هجرية قمرية.
المرحلة الخامسة عصر الثورة الإسلامية في إيران من سنة 1399 هجرية قمرية يعني سنة 1979م إلى يومنا هذا، وهذه سنة نضج الفكر الشيعي فيما يتعلق بشؤون الدولة الإسلامية لأن الإمام الخميني طرح ولاية الفقيه المطلقة
وفي هذا العصر طرحت خمس نظريات بالإضافة إلى نظرية ولاية الفقيه المطلقة، يعني المجموع ست نظريات، وهذا ما يقودنا إلى النقطة الثانية في الخاتمة وهي دراسة النقطة الثانية نظريات الدولة في الفقه الشيعي وهي تسع نظريات ستة منها نشأت وذكرت قرب قيام الثورة الإسلامية أو بعد انتصار الثورة الإسلامية في إيران والنظريات التسع [5] كما يلي:
النظرية الأولى: نظرية الحسبة أو السلطنة المشروعة والمراد بها أن للفقيه ولاية على الأمور الحسبية فقط ولم تثبت له الولاية العامة على الشؤون السياسية للمسلمين، لكن الشؤون العامة إذا وصلت في أمر من الأمور بحيث لا يرضى الشارع بتركها فإن للفقيه ولاية عليها من جهة الحسبة.
النظرية الثانية: الولاية التعيينية العامة للفقهاء والمراد بها الولاية العامة للفقيه الجامع للشرائط وأن هذه الولاية تعيينية أي أن الله قد نصب الفقيه للتصدي للشؤون العامة للمسلمين، طبعاً هذه النظرية أوّل من أشار إليها المحقق الكركي& وأوّل من طرحها بشكل مفصل واستدل عليها الشيخ أحمد النراقيî في كتابه عوائد الأيام.
النظرية الثالثة: الولاية التعيينية العامة لشورى مراجع التقليد، هذه النظرية طرحها السيد محمد الشيرازي ولم يطرحها أحد غيره من العلماء، لكنها وردت أيضاً في الدستور قبل تعديله فإن الدستور الإيراني قد طرح سنة 1358 هجري شمسي عند انتصار الثورة وصوت الناس عليه، ثم أمر الإمام الخميني”ره” قبل شهر من وفاته بتعديله وقد عدل الدستور سنة 1368 هجرية،
في الدستور القديم هناك إشارة إلى أن القيادة إما أن تكون فردية وإما أن تكون جماعية، تتألف من ثلاثة فقهاء أو خمسة فقهاء، فإما أن يقود البلد الإسلامي فقيه واحد وإما أن يقود البلد الإسلامي شورى من الفقهاء وكان الدستور الإيراني ينص على أن الولي الفقيه لابد أن يكون مرجعاً لكنه عدل في أواخر أيام الإمام الخمين”ره” وشكلت لجنة بدراسة التعديلات وكان سكرتير مجلس الخبراء القيادة سماحة آية الله العظمى الشيخ لطف الله الصافي الگلبايگاني وكان رئيس مجلس الخبراء القيادة آية الله الشيخ علي المشكيني”ره” وحذف شرط المرجعية واكتفوا بأن يكون الولي الفقيه مجتهداً مطلقاً جامعاً للشرائط، وحذف أيضاً القيادة الجماعية
وعند التصويت على ولي الفقيه كان السيد الخامنئي يرى القيادة الجماعية وكان الشيخ الرفسنجاني”ره” يرى القيادة الجماعية لكن الشيخ الرفسنجاني في نفس هذه الجلسة ذكر أن الإمام الخميني لم يكن يميل إلى القيادة الجماعية وكان يرى القيادة الفردية، وصوت مجلس الخبراء على القيادة الفردية ورفض القيادة الجماعية وحصل التصويت على سماحة السيد الخامنئي وأكثر مجلس الخبراء صوتوا للسيد الخامنئي ومن لم يصوت وهو واحد منهم كانوا يرون القيادة الجماعية، ثم بعد ذلك صدر الدستور لأن كان التصويت أيام التعديلات فحذف منه القيادة الجماعية.
إذاً النظرية الثالثة ترى أن القيادة للمجموع، مجموع الفقهاء وليس للفقيه الفرد وثانياً ترى أن الولاية لمجموع الفقهاء ولاية تعينية يعني أن الله قد نصبهم لذلك لا أن الولاية انتخابية كما يراها الشيخ المنتظري.
النظرية الرابعة: الولاية التعيينية المطلقة للفقهاء وهي نظرية الإمام الخميني”ره” فهو يرى أن الولاية تعيينية وليست انتخابية أي أن الفقيه منصوب من قبل الله وليس منتخب من قبل الناس وثانياً يرى أن الولاية مطلقة أي أنه في الشؤون السياسية والأمور العامة يثبت للفقيه جميع ما يثبت للإمام المعصوم”عليه السلام” وليس المراد الكمالات المعنوية للإمام المعصوم أو ولاية المعصوم الأنفسية على النفوس والأموال والأعراض فإنها لا تدخل فيما يتعلق بالشؤون العامة وأحكام الدولة الإسلامية، المراد أنه في خصوص الشؤون العامة وإدارة البلد الإسلامي كل ما يثبت للإمام المعصوم”عليه السلام” يثبت للفقيه الجامع لشرائط الفتوى.
النظرية الخامسة: طبعاً هذه النظريات الأربعة الأولى تشترك في شيء وهي التعيين يعني الأولى تقول إن الله عين الفقيه للأمور الحسبية كلها تقول بالنصب والتعيين بخلاف النظريات الخمس الأخر كلها تقول بالانتخاب، النظريات الأربع الأوّل تقول بالتعيين، النظرية الأولى الفقيه معين بخصوص الأمور الحسبية النظرية الثانية الولاية العامة الفقيه معين في الشؤون العامة النظرية الثالثة مجموع الفقهاء قد عينوا في الأمور العامة، لأن شورى المراجع ترى أن المجموع تثبت لهم الولاية العامة وليست الولاية المطلقة، النظرية الرابعة الفقيه معين في مطلق ما يثبت للمعصوم”عليهم السلام”، النظرية الخامسة إلى التاسعة كلها تشترك في الانتخاب يعني الناس تنتخب.
النظرية الخامسة: الدولة المشروطة بإذن ونظارة الفقهاء وهي نظرية الميرزا النائيني& والمراد بها إن الناس والأمة لها أن تمارس دورها الاجتماعي والسياسي ولكن نفوذ أمرها يتوقف على إشراف الفقيه الجامع للشرائط والميرزا النائيني”ره” يرى أن للفقيه ولاية على الأمور الحسبية فهو يرى أن الناس إذا قرروا شيئاً ولم تنص الشريعة عليه أو هو في نطاق المساحات المباحة والعامة، فهنا لا يترك الناس سدى ولابد للفقيه أن يبدي وجهة نظره، إذاً الناس تنتخب وتبدي رأيها لكن رأيها لا ينفذ إلا بإشراف الفقيه الجامع للشرائط، لذلك يقول ينعقد المجلس النيابي ويكفي أن يوجد فيه ثلاثة من الفقهاء لضمان صحة عملهم شرعاً.
النظرية السادسة: نظرية السيد الشهيد الصدر”ره” أواخر أيام حياته وهي نظرية خلافة الأمة وإشراف المرجعية، هذه النظرية طرحها الشهيد الصدر في كتابه الإسلام يقود الحياة
والشهيد الصدر له ثلاث نظريات، ففي أوّل أيام حياته كان يرى نظرية الشورى وطرحها في كتابه الأسس الإسلامية وهي الأسس التي كتبها كمذكرات داخلية لحزب الدعوة الإسلامية ثم بعد ذلك عدل عن نظرية الشورى ـ وبالمناسبة السيد محمد حسين الطباطبائي”ره” صاحب الميزان أيضاً يرى الشورى [6]
النظرية الثانية للشهيد الصدر”ره” نظرية ولاية الفقيه العامة وقد طرحها في كتابين، الفتاوى الواضحة وهي الرسالة العملية ومنهاج الصالحين وهي تعليقته على منهاج الصالحين للسيد محسن الحكيم”ره”،
وأما النظرية الأخيرة خلافة الأمة وإشراف المرجعية طرحها في حلقتين من حلقات كتابه الإسلام يقود الحياة، الحلقة الأولى والحلقة الرابعة، الحلقة الأولى لمحة تمهيدية عن دستور الجمهورية الإسلامية في إيران والحلقة الرابعة من كتاب الإسلام يقود الحياة.
طبعاً يوجد فارق بين نظرية الميرزا النائيني”ره” ونظرية السيد الشهيد الصدر”ره” ولكن يوجد بينهما تشابه كبير جداً، طبعاً هذه النظرية للسيد الشهيد هي مزج بين نظريته الأولى الشورى وعبّر عنها خلافة الأمة وبين نظريته الثانية ولاية الفقيه العامة عبّر عنها إشراف المرجعية.
هناك سعة وضيق بين نظرية الميرزا النائيني والسيد الشهيد الصدر، بالنسبة إلى نظرية السيد الشهيد يرى أن الفتوى والقضاء هذا من شؤون الفقيه ولا دخل للناس فيه بخلاف الشؤون التنفيذية والإجرائية والتشريعية فإنها إلى الناس، طبعاً لتفاصيل الفارق بين النظريتين يمكن مراجعة كتاب نظريات الدولة في الفقه الشيعي.
النظرية السابعة: الولاية الانتخابية المقيدة للفقيه وهي نظرية الشيخ المنتظري وقد طرحها في كتابه الذي درّسه خلال ست سنوات وطبع في أربع مجلدات تحت عنوان دراسات في ولاية الفقيه وأحكام الدولة الإسلامية، وكتبت بشكل أوضح في تلخيص هذه المجلدات الأربعة الذي طبع في أواخر أيام الشيخ المنتظري تحت عنوان نظام الحكم في الإسلام.
أمّا الشيخ المنتظري”ره” يرى أن الولاية للفقيه وليست للناس، ولكن فعلية هذه الولاية تتوقف على انتخاب الناس، بخلاف النظرية الخامسة والسادسة قد يفهم منها أن الولاية إلى الناس وبالنسبة إلى نظرية الميرزا النائيني”ره” واضح أنه يرى أن الولاية إلى الفقيه في خصوص الأمور الحسبية وليست الولاية للناس ولكن في نظرية السيد الشهيد الصدر”ره” خلافة الأمة وإشراف المرجعية قد يفهم منها أن هناك نحو ولاية إلى الناس ولكن دور المرجعية دور الإشراف وليس دور الأمور التنفيذية والإجرائية والحكومة.
أما بالنسبة إلى النظرية السابعة الولاية الانتخابية المقيدة للفقيه فهي ترى أن الولاية للفقيه ولكن فعلية ولايته تتوقف على انتخاب الناس له وقبول الناس للفقيه.
النظرية الثامنة: الدولة الانتخابية الإسلامية: هذه النظرية لها ثلاث تقارير كلها تصب في أن المدار على انتخاب الناس لكن في إطار الأمة الإسلامية في إطار الإسلام، التقرير الأوّل تقرير الشهيد الصدر في كتابه الأسس الذي ركز على الشورى، التقرير الثاني للشيخ محمد جواد مغنية”ره” في كتابه الخميني والدولة الإسلامية،
التقرير الثالث للشيخ محمد مهدي شمس الدين في عدة من كتبه ككتابه نظام الحكم والإدارة في الإسلام، كتابه في الاجتماع السياسي الإسلامي، كتابه أهلية المرأة لتولي السلطة إلى آخره، طرح نظريته وهي ولاية الأمة على نفسها، أنكر ولاية الفقيه العامة فضلاً عن المطلقة
وقال ولاية الفقيه في خصوص الفتوى والقضاء والأمور الحسبية وأما في الشؤون العامة فالأمة لها ولايتها على نفسها ولم يذكر حتى إشراف الفقيه، الشهيد الصدر والشيخ محمد جواد مغنية ذكرا إشراف الفقيه، الشيخ شمس الدين ما ذكر إشراف الفقيه يقول الفقيه في القضاء والفتوى أما الشأن العام فهو للناس ولكن ضمن إطار الدولة الإسلامية، طبعاً الغريب أن الشيخ محمد مهدي شمس الدين يرى أن الدول الغربية مشروعة لأن الأمة عملت ولايتها ويرى أن الدولة الإسلامية قد يكون حاكمها أصلاً غير مسلم لأن الأمة يكفي أن تعمل ولايتها ولذلك هو يرى مشروعية الدولة المدنية وهذه من المشكلات جداً.
النظرية التاسعة: وكالة مالك المشاع الشخصيين وهو آية الله الشيخ مهدي الحائري ابن مؤسس الحوزة الشيخ عبد الكريم الحائري”ره” وهو يشترك في نظريته مع أخيه الشيخ مرتضى الحائري”ره” في الوكالة فيرى أن الدولة وكيل للشعب ووكيل للأمة ويختلفان في جواز ولزوم الوكالة فالشيخ مرتضى الحائري”ره” يرى أن الوكالة لازمة فلذلك لابد من إدخال هذه الوكالة ضمن عقد لازم وأخوه الشيخ مهدي الحائري”ره” يرى أن الوكالة جائزة ففي أي لحظة يمكن للحاكم الإسلامي أن يرفض هذه الوكالة ويمكن للأمة أن تلغي هذه الوكالة،
هذه النظرية مؤلفة من ركنين:
الركن الأوّل: ملكية المواطنين الشخصية للمشاع.
الركن الثاني: وكالة الدولة من قبل المواطنين.
طبعاً هذه النظرية لم يقول بها أحد غيره كما أنه ولاية الأمة على نفسها لم يقول بها أحد غير شيخ شمس الدين بهذا العنوان، لبيان هذه النظرية بشكل موجز ومختصر بالنسبة إلى الركن الأوّل يقول الناس الذين سكنوا على الأرض لهم ملكيتان، ملكية خاصة وملكية عامة، الملكية الخاصة للأرض التي اشتروها وتملكوها فهذه ملكية خاصة في أمر جزئي ومعين وهي خصوص الأرض التي اشتروها وتملكوها أو ورثوها وتوجد لهم ملكية أخرى هذه الملكية عامة لأرض الدولة التي سكنوها وهذه الملكية عامة لأرضٍ مشاع وليست لأرضٍ شخصية ومعينة مثلا أي دولة من الدول فيها صحاري فيها براري فيها غابات، فهو يقول الناس المواطنون سكان البلد يملكون هذه الأراضي لكن ملكهم على نحو الإشاعة لا على نحو التعيين.
المقدمة الثانية يعلم الناس أنه في الاجتماع العام يحتاجون إلى الدفاع عن أراضيهم يعلمون أنهم بحاجة إلى توفير الأمن، لذلك يوكلون شخصاً للقيام بشؤون الدولة فيصير مصدر مشروعية الدولة ليس هو الوكالة مصدر مشروعية الدولة يعني مصدر نفوذ تصرفات الناس هو ملكيتهم الشخصية بنحو الإشاعة، هذا هو مصدر المشروعية، ولكن الحاكم مصدر مشروعيته هو الوكالة كونه وكيل على الناس، إذاً هذه الوكالة قد تفهم من نظرية الشيخ شمس الدين نظرية ولاية الأمة على نفسها وهكذا بالنسبة إلى نظرية الشيخ النائيني، ولكن بالنسبة إلى ملكية المشاع هذا لا يفهم إلا في نظرية الشيخ مهدي الحائري.
النقطة الثالثة الفارق بين ولاية الفقيه على أمور الحسبة وولاية الفقيه العامة وولاية الفقيه المطلقة وهذا بحث جداً هام، أوّلاً نتطرق إلى الولاية على الحسبة.
من يرى ولاية الفقيه على خصوص الحسبة يرى أنه لا يوجد دليل شرعي يُثبت نصب الفقهاء من قبل الشارع المقدس للولاية على الشؤون العامة والتصدي لإدارة المجتمع، وفي الحسبة يوجد قولان:
القول الأوّل الحسبة بالمعنى الواسع، فهذا القول يرى أن للفقهاء ولاية وسلطنة في الأمور الحسبية أي الأمور التي لا يرضى الشارع بتركها في أية ظروف وخارج هذه المساحة الأمور الحسبية الأمور التي يحتسبها الشارع على نفسه ولا يرضى الدين بتركها ليس للفقهاء ولا لغير الفقهاء أي سلطة وأي ولاية، ومن أبرز القائلين بها الميرزا النائيني& وأستاذنا الميرزا جواد التبريزي.
وأما القول الثاني جواز تصرف الفقيه، فهذا القول لا يرى أن للفقيه ولاية على الأمور الحسبية فهو يُنكر ثبوت ولاية الفقيه لمطلق الأمور الحسبية، لكنه يرى أن هناك قدر متيقن في الأمور الحسبية، وهو أنه إذا جاز التصرف فيها فالقدر المتيقن من جواز التصرف هو للفقيه الجامع للشرائط، فالفقيه يتصرف بمقدار الضرورة فقط وليست له مساحة أزيد من مقدار رفع الضرورة، ومن أبرز القائلين بهذا القول صاحب الكفاية الشيخ محمد كاظم الخراساني”ره”، والسيد محسن الحكيم”ره” [7] ، ومن القائلين أيضاً السيد أحمد الخوانساري”ره”([8] ، ومن القائلين بهذا المقدار السيد أبو القاسم الخوئي”ره” [9] .
وأذكر نص كلام السيد الخوئي”ره” وهو واضح وبيانه بليغ في أنه ينكر حتى الولاية على الأمور الحسبية بل يرى جواز التصرف يعني إذا كانت هناك ضرورة للتصرف فالقدر المتيقن من جواز التصرف هو للفقيه،
يقول السيد الخوئي:[10] لم تثبت الولاية للفقهاء في زمان الغيبة بدليل أن الولاية تختص بالنبي| والأئمة”عليهم السلام” وما تثبته الروايات للفقيه أمران، نفوذ قضائه وحجية فتواه وليس لهم حق التصرف في أموال القاصرين وغيرهم والذي هو من شؤون الولاية إلا في الأمور الحسبية، حيث للفقيه ولاية في هذه المساحة لكن ليس بالمعنى المدعى يعني أن للفقيه ولاية على الأمور الحسبية بشكل عام، لكن ليس بالمعنى المدعى بل بمعنى نفوذ تصرفاته أو تصرفات وكيله وأيضا انعزال الوكيل بموت الفقيه وهو من باب الأخذ بالقدر المتيقن، إلى أن يقول فالقدر المتيقن هم من يرضى المالك الحقيقي بتصرفهم وهم الفقهاء الجامعيين للشرائط وعليه ما يثبت للفقيه هو جواز التصرف لا الولاية،
إذاً لابد أن ندقق إذا قلنا مثلاً الميرزا النائيني يرى ولاية الفقيه من جهة الحسبة السيد الخوئي والسيد الحكيم يرى الولاية من جهة الحسبة فما هو المقصود، هل المقصود الولاية على الأمور الحسبية بشكل عام؟
كما يراه الشيخ الميرزا النائيني”ره” والشيخ الميرزا جواد التبريزي”ره” أو لا المراد جواز التصرف الذي هو القدر المتيقن من صحة جواز التصرف في الأمور الحسبية كما يراها السيد الحكيم”ره” والسيد الخوئي”ره”.
من القائلين بالحسبة بالولاية من جهة الحسبة ويمكن عنونتها أيضاً بهذا العنوان في ذلك الزمان أنه السلطنة المشروعة يعني أيام صاحب البحار كانوا يقولون الولاية للفقيه بالشؤون الحسبية ويستعين بالعرف ذوو الشوكة وهم السلاطين الذين كان عندهم شوكة يستعينون بها لخدمة الإسلام، من القائلين بالولاية من جهة الحسبة العلّامة المجلسي”ره” والميرزا القمي”ره” في رسالة الإرشاد وهو أحد قوليه وله قول آخر يرى ولاية الفقيه العامة، السيد محمد الفشاركي”ره” والشيخ فضل الله النوري”ره” والشيخ عبد الكريم الحائري”ره” وتلميذه المقرر بحثه الشيخ محمد علي الآراكي”ره” [11] ، أيضاً من القائلين بالحسبة، يمكن مراجعة رأي الشيخ الآراكي[12] ، هذا تمام الكلام في النظرية الأولى الحسبة.
النظرية الثانية نظرية ولاية الفقيه المطلقة ـ طبعاً نظرية الحسبة[13] ـ النظرية الثانية الولاية العامة[14] طبعاً من القائلين بالولاية العامة الأسماء التالية فقهاء أكابر من القائلين بالولاية العامة، من القائلين بها صاحب الجواهر الشيخ محمد حسن النجفي[15] [16] [17]، والسيد حسين البروجردي[18] ، طبعاً السيد البروجردي يرى ولاية الفقيه العامة من جهة الدليل العقلي ويرى أن الروايات إرشاد إلى الدليل العقلي، ومن القائلين بها السيد محمد رضا الگلبايگاني”ره” [19] ، طبعاً الإمام الخميني+ أشار إلى الولاية العامة والولاية المطلقة، الولاية العامة طرحها السيد الإمام. [20] [21] [22]
طبعاً المراد بالولاية العامة أن للفقيه ولاية وسلطنة في كل أمر عام يخص الدولة الإسلامية ولكن الفقيه ليس له أن يتصرف خارج إطار الأحكام الأولية والأحكام الثانوية فهو محصور ومحدود في حدود الأحكام الأولية والثانوية، بخلاف ولاية الفقيه المطلقة وهي النظرية الثالثة التي يقول بها السيد الإمام نذكر خمس خصائص إلى ولاية الفقيه المطلقة، الثلاث الأوّل تشترك فيها الولاية العامة والولاية المطلقة في الخصيصة الرابعة والخامسة تفترق ولاية الفقيه المطلقة عن الولاية العامة.
الخصيصة الأولى [23]
الأمر الأوّل التقيد بالأمور العامة والحكومية والسياسية فهي غير ناظرة إلى الأمور المعنوية للمعصوم”عليهم السلام”.
الأمر الثاني التقيد بمصلحة المجتمع الإسلامي يعني الفقيه ليس له أن يتخذ قرار خارج إطار مصلحة المجتمع الإسلامي.
الأمر الثالث عدم التقيد بالأمور الحسبية بل ولاية الفقيه أوسع من الأمور الحسبية، هذه الأمور الثلاثة تشترك فيها نظرية ولاية الفقيه العامة وولاية الفقيه المطلقة.
الأمر الرابع عدم التقيد بحدود الأحكام الفرعية الإلهية الأولية والثانوية، بل ولاية الفقيه يعني للفقيه أن يعطل حكم أولي أو حكم ثانوي كما أن الإمام المعصوم”عليهم السلام” قد يعطل الصلاة أو الصوم لمصلحة، فالفقيه له ذلك، السيد الإمام يرى أن الفقيه له هذه الصلاحية التي عند المعصوم”عليهم السلام”.
الأمر الخامس عدم التقيد بالقوانين البشرية والتي من جملتها الدستور، يعني الفقيه فوق الدستور بينما الولاية العامة الفقيه تحت الدستور تحت القوانين.
السيد الإمام له هذه العبارة، طبعاً السيد الخامنئي القى في أحد خطب الجمعة كلمة عن ولاية الفقيه وتطرق إلى ولاية الفقيه العامة، السيد الإمام أصدر بيان تعقيب على خطبة السيد الخامنئي يقول له ولاية الفقيه ليست عامة فقط بل مطلقة يعني الفقيه فوق الحكم الأولي طبعاً هذا ينسجم مع الرواية المروية في أصول الكافي عن الإمام الباقر”عليه السلام” وهي صحيحة السند، (بني الإسلام على خمس، الصلاة والصوم والحج والزكاة والولاية ولم يناد بشيء كما نودي بالولاية) [24] ، بعض الروايات لأنها أصلهم أو الأمور الأربعة ترجع إليها وأصلاً هي ما قيمتها من دون الولاية، ما قيمة الصلاة والصوم والحج والزكاة بدون الولاية.
السيد الإمام هكذا يقول: [25] إن الولاية المطلقة للفقهاء هي الولاية التي جعلها الله تعالى للنبي الأكرم| والأئمة”عليهم السلام” وهي من أهم الأحكام الإلهية وتتقدم على جميع الأحكام الإلهية وإن صلاحيات الحكومة لا تنحصر في حدود الأحكام الإلهية ـ هذا رد على السيد الخامنئي حينما تطرق إلى الولاية العامة ـ وإن صلاحيات الحكومة لا تنحصر في حدود الأحكام الإلهية وإن الحكومة هي واحد من الأحكام الأولية وهي مقدم على كافة الأحكام الفرعية حتى الصلاة والصوم والحج وإن الحكومة تستطيع أن تلغي من طرف واحد الاتفاقات الشرعية التي أبرمتها مع الشعب إذا ما كانت تلك الاتفاقات مخالفة لمصلحة البلد والإسلام وتستطيع الحكومة أن تمنع أي أمر سواء كان عبادياً أو غير عبادي إذا ما كان حصوله مخالفاً للمصالح وما دام كذلك وهذا من صلاحيات الحكومة وتوجد أيضاً مسائل أهم من ذلك، هذا تمام الكلام في بيان الفارق بين ولاية الفقيه على الحسبة وبين ولاية الفقيه العامة في إطار الأحكام الأولية والثانوية وفي ولاية الفقيه المطلقة التي هي أوسع من الأحكام الأولية والثانوية.
طبعاً النقطة الرابعة قد يقال إن الإمام الخميني مدظله مرّ بأربعة مراحل في نظريته:
المرحلة الأولى طبعاً ذكرها الشيخ محسن كديور [26] ، نحن لا نتفق معه ولكن هو ذكر المراحل.
المرحلة الأولى كان يرى الدولة المشروطة مع إشراف الفقيه وهذا ما ذكره في كتابه كشف الأسرار.
المرحلة الثانية الولاية التعينية العامة للفقهاء وهذا ما ذكره في كتابه
المرحلة الثالثة الجمهورية الإسلامية مع إشراف الفقيه وهذا ما ذكره في حواراته
المرحلة الرابعة الولاية التعينية المطلقة للفقهاء وهذا رأي السيد الإمام بعد انتصار الثورة الإسلامية في إيران.
والصحيح أن السيد الإمام الخميني كانت له نظرية واحدة فقط وهي نظرية ولاية الفقيه المطلقة منذ أيام كشف الأسرار إلى رحلته المباركة وما ذكره الشيخ محسن كديور خلط بين الخطاب السياسي وبين المباني الفقهية [27] قال إن هناك خلط بين المباني وبين الخطاب السياسية والآراء تؤخذ من المباني، آراء السيد الإمام تأخذها من كتابه البيع ومن كتابه ولاية الفقيه ولا تأخذها من خطاباته السياسية التي يراعي فيها الظروف العامة دائماً.
الهوامش
[1] رسائل في ولاية الفقيه، طبع حديقة الكتاب التابع لمركز الأعلام الإسلامي في مكتب تبليغات، ج1، ص19.
[2] نظريات الدولة في الفقه الشيعي، الشيخ محسن كديور، . ج1، ص19
[3] جامع المقاصد، المحقق الثاني (المحقق الكركي)، ج11، ص276.
[4] رسائل المحقق الكركي، المحقق الثاني (المحقق الكركي)، ج1، ص153.
[5] نظريات الدولة في الفقه الشيعي، الشيخ محسن كديور، . ج1، ص71 إلى نهاية الكتاب
[6] طبعاً صاحب الميزان طرح في الميزان وله كتاب خاص عن نظام الحكم ترجمه آية الله الشيخ محمد مهدي الآصفي& أيضاً طرح الشورى فيه.
[7] نهج الفقاهة، الحكيم، السيد محسن، ج1، ص300.
[8] جامع المدارك، الخوانساري، السيد أحمد، ج3، ص100.
[9] مصباح الفقاهة، الخوئي، السيد أبوالقاسم، ج5، ص52.
[10] التنقيح في شرح العروة الوثقى، الخوئي، السيد أبوالقاسم، ج1، ص424.
[11] المرجع الكبير كان في أيام السيد الگلبيگانيë.
[12] كتاب البيع، الخميني، السيد روح الله، ج2، ص13 الي 24.
[13] نظريات الدولة في الفقه الشيعي، الشيخ محسن كديور، . ج1، ص47 إلى 95 و113
[14] نظريات الدولة في الفقه الشيعي، الشيخ محسن كديور، . ج1، ص113
[15] جواهر الكلام، النجفي الجواهري، الشيخ محمد حسن، ج21، ص359.
[16] جواهر الكلام، النجفي الجواهري، الشيخ محمد حسن، ج21، ص398.
[17] جواهر الكلام، النجفي الجواهري، الشيخ محمد حسن، ج22، ص155.
[18] البدر الزاهر في صلاة الجمعة والمسافر، المنتظري، الشيخ حسين علي، ج1، ص57.
[19] الهداية إلى من له الولاية، السيد محمد رضا الگلبايگاني، .ج1، ص46 و47
[20] كتاب البيع، الخميني، السيد روح الله، ج2، ص472.
[21] كتاب الرسائل، ج2، ص119.
[22] تهذيب الأصول، السبزواري، السيد عبد الأعلى، ج2، ص149.
[23] كتاب البيع، الخميني، السيد روح الله، ج2، ص122الي 139.
[24] الكافي- ط الاسلامية، الشيخ الكليني، ج2، ص18.
[25] صحیفه نور، خمینی، روح الله، ج20، ص170.
[26] نظريات الدولة في الفقه الشيعي، الشيخ محسن کدیور، ص164، في الحاشية.
[27] نظريات الدولة في الفقه الشيعي، الشيخ محسن کدیور، ج1، ص10.
المصدر: بحث الققه لسماحة الأستاذ الشيخ عبدالله الدقاق بتاريخ 1439/04/14