الشيخ الأنصاري

منهج الشيخ الأنصاري “ره” في كتاب المكاسب / فضيلة الشيخ رشاد الأنصاري

الاجتهاد: قسّم الشيخ الأنصاري “ره” كتابه، تقسيما منهجياً مهماً على مقدمة وثلاثة أقسام، كان القسم الأول بياناً لما يحرم الاكتساب به، وأطلق على الثاني كتاب البيع، فيما أطلق على الثالث كتاب الخيارات، وقد يلاحظ الباحث منهجية دقيقة وتعريفات مهمة، وتفصيلاً دقيقا قد لا يلحظ في أكثر الكتب الفقه،

وقد استعمل طريقة في البحث تدل على ذكاء وألمعية، وهي أنه حينما يريد الدخول في بحث موضوع ما يدخل فيه على أساس منهج معين، قد يذكره في مقدمة البحث وقد لا يذكره، ولكنه يلتزم به في بحثه، وعلى أية حال فهو يسير في البحث طبقا لمنهجية معينة لا تقتضيه الرجوع إلى المرحلة التي اجتازها، نعم قد يذكر في بحثه مع مراعاة المرحلية – أي في المرحلة الواحدة.(1)

ويبدو من خلال النظر في مقدمة الكتاب أن مؤلفه كان حاضر الذهن محيطاً بجميع مسائل الفقه، عارفاً بها ، وهو فيه يقدم للقارئ هيكلاً عاماً لمسائله، مستمداً من حديث للإمام جعفر بن محمد الصادق(2) عليه السلام، يحدد فيه معايش العباد بقوله: ( جميع المعايش كلها من وجوه المعاملات فيما بينهم مما يكون لهم فيه المكاسب أربع جهات ويكون فيها حلال من جهة وحرام من جهة، فأول هذه الجهات الأربع: الولاية ثم التجارة ثم الصناعات ثم الإجارات، والفرض من الله تعالى على العباد(3) .

ويبدو أن الحديث السابق هو الذي أوحى للشيخ الأنصاري بتسمية كتابه بالمكاسب لأنه من خلاله ينطلق في ذكر مكاسبه ويمكن الاستنتاج أيضاً أن الكتاب شرح لأبعاد الحديث المذكور.

وعلى الرغم من صعوبة عبارة الشيخ ودقتها المتناهية التي دفعت إلى درسها وشرحها، فإن الباحث يكتشف من الكتاب عقلية علمية حق لمن قال عنها بأنها خلاصة جهود هذه المدرسة منذ تأسيسها وحتى زمن تأليف الكتاب(4).

فهو في مقدمته التي لم تتجاوز الأربع صفحات يلخص فيها الكتاب الذي يقع في ثلاثة أجزاء وناف كل جزء منها على الأربعمائة صفحة من الحجم الذي يصطلح عليه بين المصحفين بالوزيري، وقد طبع بحرف صغير بحيث أن الكتاب لو أعيد تحقيقه وفق مناهج التحقيق المتبعة لتضاعف حجمه مرات ومرات.

أما التلخيص فقد قام على أسس علمية فقهية مستمدة من حديث الإمام الصادق عليه السلام السابق الذكر، فبحث المكاسب يُدخَلُ إليه من بابين، باب جهات الحلال التي ينبغي العمل بها، وباب جهات الحرام التي ينبغي اجتنابها، ثم ينتقل إلى التفصيل فيبدأ بالولاية، والولاية عنده تنقسم على قسمين، ولاية ولاة العدل الذين أمر الله بولايتهم على الناس، وولاية ولاة الجور، وحكم الشارع في العمل معهما(5).

ثم ينتقل إلى القسم الثاني من حديث الإمام الصادق عليه السلام ، وهو التجارة، فيفسرها ويفصلها، فيذكر حلالها الذي يجوز الاتجار به مما فيه قوام العباد وقوام أمورهم في وجوه الصلاح الذي لا يقيمهم غيره ( مما يأكلون ويشربون ويلبسون وينكحون ويملكون ويستعملون من جميع المنافع التي لا يقيمهم غيرها، وكل شيء يكون لهم فيه الصلاح من جهة من الجهات فهذا كله حلال بيعه وشراؤه وإمساكه واستعماله وهبته وعاريته(6- 7)

ثم يبين القسم الثالث من الحديث ويفسر الإجارة بقوله ( فإجارة الإنسان نفسه ، أو ما يملك أو يلي أمره من قرابته أو دابته أو ثوبه بوجه من وجوه الحلال أو أرضه أو شيئا يملكه فيما ينتفع به من وجوه النافع أو العمل بنفسه وولده ومملوکه وأجيره من غير أن يكون وكيلاً للوالي أو والياً للوالي فلا بأس أن يكون أجيراً يؤجر نفسه أو ولده أو .. ، ثم يقول فهذه وجوه من وجوه الإجارات الحلال (8) ، وأما الحرام من الإجارة فما كان فيه مفسدة للعباد في كل ما يحرم أكله أو شربه أو بؤجر نفسه في صنعة ذلك الشيء، أو هدم المساجد أو قتل النفس التي حرم الله بغير حق.(9)

ثم ينتقل إلى القسم الرابع من الحديث وهو الصناعة فيفسره، ويبدأ بتعريفها وهي عنده ( كل ما يتعلم العباد أو يعلمون غيرهم من أصناف الصناعات (10) ، وهي مثل (الكتابة والحساب والتجارة والصباغة والبناء والحياكة والسراجة والخياطة وصنعة صنوف التصاوير ما لم يكن مثل الروحاني وأنواع صنوف الآلات التي يحتاج إليها العباد، منها منافعهم وبها قوامهم، وفيها بلغة جميع حوائجهم فهذا حلال تعلمه وتعليمه والعمل به وفيه لنفسه أو لغيره (11).

ثم ينتقل ليبيّن المُحرم من الصناعات التي إذا خرجت عن المقصد الذي جاز العمل بها بموجبه.

وبعد أن انتهى من تفصيل الحديث المذكور بالطريقة التي ذكرناها، ذکر حديثاً للإمام علي بن موسی الرضا(12) عليه السلام يذكر فيه ما يحل بيعه وشراؤه وهبته وعاريته(13)،

ثم يأتي بحديث يخص المعاملات عن الإمام الصادق عليه السلام أيضاً، ويختم بحديث نبوي شريف ( إن الله إذا حرم شيئاً حرم ثمنه)، وكأنه أراد أن يقول إن الأحاديث المذكورة لا تخرج عن النبع الأعظم الذي استقى منه أهل البيت عليهم السلام علمهم.

وفي ختام المقدمة يأخذ على من سبقه من الفقهاء في تقسيم المكاسب على محرم، و مکروه، ومباح، إذ يرى أن المكاسب فيها المستحب والواجب أيضاً ومثل للمستحب بالزراعة والرعي، ومثّل للواجب بالصناعة الواجبة كفايةً ، خصوصاً (14) إذا تعذر قيام الغير بها(14).

وهكذا يُلاحظ كيف أنه أوجز المعاملات جميعها حلالها وحرامها.

وعلى أساس هذه المقدمة يمكن أن يقرأ الكتاب ويقدر جهد مؤلفه و سبب احتفاء العلماء به، فهو بعد ذلك الإنجاز يفصل مباحث المكاسب تفصيلاً يكاد لا يستثني شيئا منها فيبدأ مباحثه بأنواع الاكتساب بالمحرم وهي عنده تنقسم على أنواع ولكنه لا يكتفي بسردها وإنما يذكرها ثم يذكر في طيها ما يرد فيها من مسائل .

 

الهوامش 

1- المكاسب / تحقيق لجنة إحياء تراث الشيخ الأعظم 1 : ۱۸ .
۲ – سادس أئمة أهل البيت ولد في المدينة المنورة سنة ۸۳ هـ /۷۰۲م، وتوفي فيها سنة 148هـ /765م، كان له تأثير كبير في فقهاء عصره وعلمائه كالإمام مالك وأبي حنيفة النعمان، وجابر بن حیان، وغيرهم، ينسب إليه المذهب الجعفري، ينظر في سيرته وأثره روضة الواعضين : ۲۰۷-۲۱۲، والإمام جعفر الصادق لعبد الحليم الجندي.
3- المكاسب ۱ : 7.
4 – محمد جواد مغنية ، الشيخ الأنصاري من خلال آراء الفقهاء والعظماء والباحثين : 185.
5- المكاسب ۱ : 7.
6- في اللغة هي الإعارة أو الاستعارة، وفي الاصطلاح هي إنشاء إباحة الانتفاع بعين بلا عوض، وهي من العقود المحتاجة إلى الإنجاب والقبول، وتقع بكل لفظ أدى المقصود عرفاً، بأية لغة كان، كقوله أعرتك الثوب أو أذنت لك الانتفاع به أو انتفع به، والقبول: کلما أفاد الرضا به من قول أو فعل، ولا يملك المستعير المنفعة،بل يباح له استيفاؤها بخلاف الإجارة/معجم المصطلحات الفقهية: 544.
7 – المكاسب 1 : 8 .
8- نفسه 1 : 9
9- نفسه
10- نفسه
11- ثامن أئمة أهل البيت “عليهم السلام” ولد في المدينة المنورة سنة 148هـ/765م واستشهد مسموما في خراسان سنة ۲۰۳هـ/۸۱۸ م، عاصر الرشيد والأمين والمأمون وقد عقد له المأمون ولاية العهد قبل أن ينقلب عليه ويسمه./ روضة الواعظين ۲۲۲ – 236.
12- المكاسب 1 : 10.
13 – المراد بالواجب الكفائي هو الواجب الذي يشغل ذمة جميع المكلفين ويسقط عن ذمة كل المكلفين إذا قام به شخص منهم.
14 – المكاسب 1 : 10.

المصدر: كتاب الشيخ مرتضى الأنصاري وآثاره العلمية ، لمؤلفه الشيخ رشاد الأنصاري

 

تحميل الكتاب

الشيخ الأنصاري

الشيخ مرتضى الأنصاري وآثاره العلمية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Slider by webdesign

Clicky