الاجتهاد: تناول الباحث في هذه الدراسة إثبات مشروعية الاعتكاف في جميع المساجد وعدم محدوديته بمساجد خاصّة.. كما أنّه عالج الأخبار الدالة على تخصيصه بالمساجد الأربعة أو المسجد الجامع من الناحيتين السندية والدلالية.
تمهيد: إنّ الاعتكافَ من العبادات المستحبة في الإسلام، والرسول الأكرم بعد ما جاء إلى المدينة قد اعتكف في شهر رمضان في العشر الأول ثمّ اعتكف في الثانية في العشر الوسطى ثمّ اعتكف في الثالثة في العشر الأواخر ثمّ لم يزل (ص) يعتكف في العشر الأواخر (2). والإُمة الإسلامية اقتدت برسول الله (ص) في إتيان هذه العبادة طيلة الزمان، وعلماء الإسلام قد ذكروا الأحكام المختصّة بالاعتكاف في كتبهم على اختلاف مشاربهم الفقهية. التعريف: الاعتكاف لغةً: هو اللبث، قال ابن الاثير (3): «الاعتكاف والعكوف هو الاقامة على الشيء وبالمكان ولزومهما. يقال: عكف يعكف ويعْكِفُ عكوفاً فهو عاكف واعتكف يعتكِف اعتكافاً فهو معتكِف. ومنه قيل لمن لازم المسجد وأقام على العبادة فيه عاكف ومعتكف. وشرعاً: هو اللبث في المسجد على وجه خاص بقصد القربة (4). وقد عرّف بغير ما ذكر. والغرض من ذلك هو الكشف عن حقيقة الاعتكاف في الجملة كما في سائر التعريفات. الأقوال في مكان الاعتكاف: أجمع علماء المسلمين على أنّ الاعتكاف لا يصح إلا في المسجد (5)، إلا أنّهم اختلفوا في تحديده أقوال: أ ـ أقوال فقهاء الجمهور: اختلف فقهاء السنّة في مكان الاعتكاف على عدّة أقوال: القول الأوّل: صحة كونه في كلّ مسجد، وبه قال مالك (6) والشافعي (7) والثوري (8) وأبو قلابة وابن عينية وداود الطبري وابن المنذر (9). القول الثاني: اشتراط كونه في مسجد جماعة، وبه قال طائفة، وروي ذلك عن عبدالله بن مسعود وإبراهيم النخعي وسعيد بن جبير وعروة بن الزبير (10). ونقل أبو جعفر الطحاوي عن الأوزاعي قال: «لا اعتكاف ولا جمعة إلا في مسجد جماعة» (11). وقال الشيخ الطوسي: قال أهل العراق: «الاعتكاف جائز في كلّ مسجد يصلّى فيه جماعة» (12). وقال علم الهدى: «إنّ أبا حنيفة وأصحابه يقولون: يجوز الاعتكاف في كلّ مسجد جماعة» (13). وقال السرخسي: «روى الحسن عن أبي حنيفة قال: كلّ مسجد له إمام ومؤذّن معلوم وتصلّى فيه الصلوات الخمس بالجماعة فإنّه يعتكف فيه» (14). القول الثالث: اشتراط كونه في المسجد الجامع، نقل الشيخ الطوسي عن الزهري أنّه قال: «لا يصحّ الاعتكاف إلا في جامع أي جامع كان، وبه قالت عائشة» (15). ونقل هذا القول ابن حزم الأندلسي (16) عن ابن جُريج عن عطاء. وكذلك نقل العلامة عن أحمد بن حنبل أنّه قال: «لا يجوز الاعتكاف إلا في مسجد يجمّع فيه» (17). القول الرابع: اشتراط كونه في المسجد الحرام أو مسجد النبي (ص) أو المسجد الأقصى. قال الجصاص الرازي: «روى إبراهيم النخعي أنّ حذيفة قال: لا اعتكاف إلا في ثلاثة مساجد: المسجد الحرام والمسجد الأقصى ومسجد النبي (ص)» (18). وقال ابن رشد الأندلسي: «وأمّا المواضع التي فيها يكون الاعتكاف فإنّهم اختلفوا فيها، فقال قوم: لا اعتكاف إلا في المساجد الثلاثة: بيت الله الحرام وبيت المقدس ومسجد النبي عليه الصلاة والسلام. وبه قال حذيفة وسعيد بن المسيب» (19). القول الخامس: اشتراط كونه في المسجد الحرام ومسجد النبي (ص)، قال ابن حزم الأندلسي: «قالت طائفة: لا اعتكاف إلا في مسجد مكة ومسجد المدينة فقط» (20). القول السادس: اشتراط كونه في مسجد النبي (ص)، روى هذا القول ابن حزم عن قتادة (21). ب ـ اقوال فقهاء الإمامية: القول الأوّل: ما اختاره ابن أبي عقيل العماني، وهو صحة الاعتكاف في المساجد كلّها وأفضلها المسجد الحرام ومسجد الرسول (ص) ومسجد الكوفة ومساجد الجماعات في سائر الأمصار، كما نقل عنه الفاضل الآبي (22) والعلامة (23). وهذا هو الأقوى. ويدلّ عليه الكتاب والسنة: أمّا الكتاب: فقوله تعالى: { وَلاَ تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ } (24) يقتضي صحة الاعتكاف في كلّ مسجد ؛ إذ لفظ المساجد في الآية جمع محلّى باللام وهو يفيد العموم كما تقرر في اُصول الفقه، فيكون من ألفاظ العموم، وحينئذٍ يشمل جميع الأفراد التي يصلح للانطباق عليها هذا العنوان، ولعدم ما يصلح للتخصيص (25) ولأصالة عدم المعهود فيتعيّن العمل به. المناقشة: إنّ لفظ المساجد في الآية ينبئ عن الجنس لا عن الاستغراق، كما قال به علم الهدى (26) وأبو المكارم بن زهرة (27) ؛ فعليه لا يصحّ الاستدلال بها على المطلوب. الجواب: إنّها مردودة من وجوه: الأوّل: إنّ هذه دعوى بلا دليل. الثاني: إنّ الجمع المحلّى باللام حقيقة في العموم عند المشهور من الاُصوليين وإرادة الجنس منه مجاز (28) وإرادة المجاز محتاجة إلى القرينة، وهي مفقودة في المقام. الوجه الثالث: إنّ إرادة الجنس من لفظ المساجد خلاف التبادر ؛ اذ الاستغراق ينسبق الى الذهن. الوجه الرابع: قد صرّح جماعة من علماء الفريقين بأنّ لفظ المساجد في الآية يدلّ على العموم، وفيما يلي نذكر كلماتهم مفصّلاً كشواهد على تلك الدعوى. أقوال المفسّرين من أهل السنّة في تفسير الآية: 1 ـ الحسين بن المسعود البغوي ( المتوفى سنة 566 هـ ) بعد ما ذكر الآية ومعنى الاعتكاف لغةً وشرعاً قال: «وهو سنّة، ولا يجوز في غير المسجد، ويجوز في جميع المساجد» (29). 2 ـ القاضي البيضاوي ( المتوفى سنة 685 هـ ) بعد بيان بعض المطالب حول الآية قال: «فيه دليل على أنّ الاعتكاف يكون في المسجد، ولا يختصّ بمسجد دون مسجد» (30). 3 ـ محمّد بن جزّي الاندلسي ( المتوفى سنة 741 هـ ) بعد ذكر الآية قال: «{ فِي الْمَسَاجِدِ } دليل على جواز الاعتكاف في كلّ مسجد خلافاً لمن قال: لا اعتكاف إلا في المسجد الحرام و مسجد المدينة وبيت المقدّس» (31). 4 ـ أبو حيان الاندلسي ( المتوفى سنة 745 هـ ) بعد نقل الآية وبعض المطالب في البين قال: والظاهر من قوله: «{ فِي الْمَسَاجِدِ } انّه لا يختصّ الاعتكاف بمسجد، بل كلّ مسجد هو محلّ الاعتكاف» (32). 5 ـ محمّد بن ثناء الله المظهري بعد نقل الآية قال: «إطلاقه يدلّ على أنّه يجوز الاعتكاف في كلّ مسجد، ولا يختصّ بالمسجد الحرام ومسجد النبي (ص) أو المساجد الثلاثة ولا بمسجد الجمعة» (33). 6 ـ إسماعيل الحقي البروسوي قال: «لفظ المساجد يدلّ على جواز الاعتكاف في كلّ مسجد إلا أنّ المسجد الجامع أفضل حتى لا يحتاج الى الخروج الى الجمعة» (34). 7 ـ الراغب الاصفهاني نقل عن جمال الدين القاسمي ( المتوفى سنة 1322 هـ ) إنّه قال: «ظاهر ذكر المساجد يقتضي جواز الاعتكاف في كلّ مسجد» (35). أقوال فقهاء الجمهور حول الآية: 1 ـ مالك بن أنس ( المتوفى سنة 179 هـ ) قال: «الأمر عندنا الذي لا اختلاف فيه إنّه لا يكره الاعتكاف في كلّ مسجد يُجمَّع (36) فيه ولا أراه كره الاعتكاف في المساجد التي لا يجمّع فيها إلا كراهية أن يخرج المعتكف من مسجده الذي اعتكف فيه الى الجمعة أو يدعها فإنّ كان مسجداً لا يجمع فيه الجمعة ولا يجب على صاحبه اتيان الجمعة في مسجد سواه فإنّي لا أرى بأساً بالاعتكاف فيه لأن الله تبارك وتعالى قال: { وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ } فعمّ الله المساجد كلّها، ولم يخصّ شيئاً منها، ثم قال: فمن هنالك جاز له أنْ يعتكف في المساجد التي لا يجمَّع فيها الجمعة» (37). 2 ـ الشافعي ( المتوفى سنة 204 هـ ) نقل عنه فخر الدين الرازي إنّه قال: «يجوز الاعتكاف في جميع المساجد إلا أنّ المسجد الجامع أفضل حتى لا يحتاج إلى الخروج لصلاة الجمعة احتجاجاً بقوله تعالى: { وَلاَ تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ }، وهو عام يتناول كلّ المساجد» (38). 3 ـ أحمد بن حنبل ( المتوفى سنة 241 هـ ) روى عنه علاء الدين البغدادي جواز الاعتكاف في سائر المساجد ؛ لعموم قوله تعالى { وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ } إلا أنّ المسجد الجامع أفضل حتى لا يحتاج إلى الخروج من معتكفه لصلاة الجمعة (39). 4 ـ الجصّاص الرازي ( المتوفّى سنة 370 هـ ) بعد ما ذكر الآية وعدّة أقوال في مكان الاعتكاف قال: «ظاهر قوله { وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ } يبيح الاعتكاف في سائر المساجد ؛ لعموم اللفظ، ومن اقتصر به على بعضها فعليه باقامة الدلالة، وتخصيصه بمساجد الجماعات لا دلالة عليه، كما إنّ تخصيص من خصّه بمساجد الانبياء لما لم يكن عليه دليل سقط اعتباره» (40). 5 ـ ابن حزم الاندلسي ( المتوفى سنة 456 هـ ذهب ) إلى جواز الاعتكاف في كلّ مسجد محتجاً بعموم قولى تعالى { وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ } وعدم ما يصلح لتخصيصه (41). 6 ـ محمد علي السايس ـ بعد ذكر الآية ونقل الاقوال في محلّ الاعتكاف ـ قال: «وظاهر الآية عدم التفرقة بين المساجد ؛ إذ قال: { وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ } ففهم منها أنّ الاعتكاف يكون في المساجد وتعيين أحدها يحتاج الى دليل» (42). أقوال عدّة من فقهاء الإمامية حول الآية: 1 ـ الحسن بن أبي عقيل العماني، نقل عنه الفاضل الآبي صحّة الاعتكاف في المساجد كلّها متمسّكاً بقوله تعالى { وَلاَ تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ } (43). 2 ـ الشهيد الأول ( المستشهد سنة 786 هـ ) صرّح بعمومية الآية في جميع المساجد (44). 3 ـ الفاضل المقداد ( المتوفى سنة 826 هـ ) (45) صرّح بأنّ ظاهر المساجد العموم ؛ لأنّه جمع معرّف باللام، وبه قال جملة من الفقهاء وبعض أصحابنا الامامية. 4 ـ الفاضل الكاظمي ( المتوفى سنة 1065 هـ ) بعد ما ذكر الآية وعدّة مطالب قال: «مقتضى الآية جواز الاعتكاف في كلّ مسجد، كما يقتضيه عموم المساجد وإنّه لا يختصّ به مسجد دون مسجد، وبه اخذ جماعة من أصحابنا وجماعة من العامة» (46). 5 ـ شيخنا العلامة الاشتهاردي (رحمهالله) صرّح بأنّ اطلاق الآية يقتضي جواز الاعتكاف في كلّ مسجد سواء صلّى فيه معصوم أم لا وسواء صلّى فيه صلاة الجمعة أو لا وسواء صلّى فيه صلاة جماعة أو لا وسواء سمي مسجداً جامعاً ام لا، ثم بعد ذكر عدة مطالب قال: «لا إشكال في عموم الحكم في جميع المساجد فعلى المدّعي للخصوص إثباته، هذا هو المستفاد من الآية» (47). المناقشة: إنّ اللام في لفظ المساجد للعهد، كما قال به العلامة (48) فحينئذٍ لا يدّل على المطلوب ؛ اذ لفظ المساجد منصرف إلى خصوص المعهودين منها عند الخطاب. الجواب: إنّها مردودة من وجوه: الوجه الأوّل: إنّ القول بانصراف لفظ المساجد في الآية إلى خصوص المعهودين منها دعوى بلا دليل ؛ اذ الانصراف محتاج إلى سبب، وهو مفقود فيما نحن فيه. الوجه الثاني: إنّ لفظ المساجد في الآية يفيد العموم، كما تقدم وبه صرّح جماعة من علماء الفريقين. وقد صرّح المولى فتح الله القاساني من مفسّري الامامية بأنّ لفظ المساجد ظاهر في العموم ؛ لأنه جمع معرّف باللام، وقال به جماعة من فقهاء العامة وبعض أصحابنا (49). الوجه الثالث: لو سلّمنا نزول الآية في مورد قسم خاص من المساجد لما ضرّ بالاستدلال بعمومها ؛ اذ العبرة بعموم اللفظ لا بخصوصية المورد والمسلّم عند الأصحاب: إنّ خصوص المورد لا يخصّص عموم الوارد، وأحكام الدين إنّما شرّعت على نهج القضايا الحقيقية لا على نحو القضايا الخارجية، وعمل الصحابة والتابعين والعلماء على العمومات الواردة على أسباب خاصة بحيث يظهر منهم الاجماع عليه، كما لا يخفى ذلك على من تتبّع الآثار وكلام الأخيار (50). ويؤيّد هذا ما رواه الطبري باسناده عن قتادة قال: «كان الرجل إذا خرج من المسجد وهو معتكف ولقى امرأته باشرها إن شاء فنهاهم الله بقوله: { وَلاَ تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ } عن ذلك وأخبرهم أنّ ذلك لا يصلح حتى يقضي اعتكافه» (51). فقد تبيّن مما حققّناه عمومية الآية لصحة الاعتكاف في جميع المساجد. وأمّا السنة: فهي ما رواه المحقق الحلي عن جامع أحمد بن أبي نصر البزنطي عن داود بن حصين عن أبي عبد الله (ع) قال: «لا اعتكاف إلا بصوم وفي مسجد المصر الذي أنت فيه» (52). البحث الدلالي: إنّ دلالة هذا الخبر على المدّعى أظهر من أنْ تنكر ؛ إذ هو شامل للمسجد الذي يجمّع فيه وغيره (53). البحث السندي: الحديث ليس مرسلاً، كما يخيّل، بل هو مسند إذ اسناد المحقّق إلى جامع البزنطي مذكور في إجازات العلماء، وقد صرّح به جماعة من الأعلام، منهم: الشيخ الحر العاملي ـ بعد ما ذكر الكتب المعتمدة التي نقل منها في كتابه ( وسائل الشيعة ) ـ قال: «إنّا نروي الكتب المذكورة وغيرها عن جماعة» (54) ثم ذكر أسماء مشايخه وطرقه معنعناً إلى الشهيد الثاني مفصّلاً، ثم قال في موضع آخر: «وبالأسانيد عن الشهيد الثاني عن شيخه الفاضل علي ابن عبد العالي العاملي الميسي عن الشيخ شمس الدين محمد بن داود المؤذّن العاملي الجزيني عن الشيخ ضياء الدين علي بن الشهيد محمد بن مكي العاملي عن والده عن الشيخ فخر الدين محمد ولد الشيخ العلامة جمال الدين الحسن بن يوسف بن المطّهر الحلّي عن والده عن شيخه المحقّق نجم الدين أبي القاسم جعفر بن الحسن بن سعيد الحلّي عن السيد الجليل شمس الدين فخّار بن معد الموسوي عن الشيخ الفقيه أبي الفضل شاذان بن جبرئيل القمي عن الشيخ عماد الدين محمد بن أبي القاسم الطبري عن الشيخ أبي علي بن الشيخ الجليل أبي جعفر محمّد بن الحسن الطوسي عن والده» (55). واسناد المحقّق الى الشيخ الطوسي موثّق، كما صرّح به العلامة المجلسي (56) وطريق الشيخ إلى جامع البزنطي مذكور في فهرسته حيث قال في شأن أحمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي: «له من الكتب. كتاب الجامع وذكر أحد طرقه اليه ثم قال: «وأخبرنا به أبو الحسين بن أبي جيد عن محمد بن الحسن الصفّار عن أحمد بن محمد بن عيسى ومحمد بن عبد الحميد العطّار جميعاً عن أحمد بن محمد بن أبي نصر» (57). وإسناد الشيخ الى جامع البزنطي صحيح ؛ إذ أبو الحسين علي بن أحمد بن أبي جيد القمي ثقة ؛ لأنّه من مشايخ النجاشي، وقد وثقّهم بالتوثيق العام في فهرسته (58). ومحمد بن حسن الصفّار أيضاً ثقة، كما في فهرست النجاشي (59). وأحمد بن محمد بن عيسى الأشعري القمي وثقّه الشيخ الطوسي في رجاله (60). وأحمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي لا خلاف في وثاقته عند علماء علم الرجال. وداود بن حصين ثقة، كما صرّح به النجاشي في فهرسته (61) مضافاً الى ذلك انّه قد عبّر عن هذه الرواية بالموثقة (62) وبالمعتبرة في تنقيح مباني العروة (63). فتحصّل مما حققناه: إنّ للمحقق الحلي اسناداً صحيحاً إلى جامع البزنطي وأنّ رواية داود بن الحصين المروية في كتاب المعتبر صحيحة السند واضحة الدلالة لا نقاش فيها. ويستفاد أيضاً من صحيحة عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (ع) قال: «ليس للمعتكف أنْ يخرج من المسجد إلا الى الجمعة أو جنازة أو غائط» (64) جواز الاعتكاف في المسجد الذي لا يُجمَّع فيه ؛ لانّه يجوز للمعتكف أن يخرج من المسجد الى صلاة الجمعة، والمسجد الذي لا يُجمَّع فيه يشمل جميع المساجد الا المسجد الحرام ومسجد النبي (ص) ومسجد الكوفة والبصرة والمسجد الجامع ؛ إذ يجمّع في هذه المساجد يوم الجمعة (65). القول الثاني: ما اختاره علم الهدى والشيخ الطوسي وابن زهرة والطبرسي وابن إدريس والعلامة وغيرهم (66) وهو: إنّ الاعتكاف لا ينعقد إلا في أحد المساجد الأربعة: المسجد الحرام ومسجد النبي (ص) ومسجد الكوفة ومسجد البصرة، وقال العلامة: «هذا هو المشهور بين علمائنا» (67). واستدلّ على ذلك (68) بما رواه الصدوق في الصحيح عن عمر بن يزيد قال: قلت لأبي عبد الله (ع): ما تقول في الاعتكاف ببغداد في بعض مساجدها ؟ قال: «لا تعتكف إلا في مسجد جماعة قد صلّى فيه إمام عدل جماعة، ولا بأس بأنْ يعتكف في مسجد الكوفة والبصرة ومسجد المدينة ومسجد مكة» (69). وفيه مناقشة من وجوه: الوجه الأوّل: إنّ صدر الخبر يحتمل وروده تقية ؛ إذ أنّ عدّة من أهل السنّة قائلون بهذا القول كما تقدّم أوّل البحث. الوجه الثاني: لو سلّمنا أنّ الخبر يرد تقية لكنا نقول: إنّه غير دالّ على مطلوب المستدلّ، بل ربّما دلّ على خلافه ؛ إذ كون المراد بالإمام العدل هو المعصوم (ع) غير ظاهر، ولا أقلّ من الإجمال، والظاهر أنّ المراد بالعدل ما يقابل الجور، فيشمل غير المعصوم ممن يصلح للقدوة، كالشاهد العدل، ولا يتبادر إلى الذهن من الإمام العدل عند الإطلاق إلا مَن يصلح الاقتداء به في الجماعة في قبال من لا يصلح للقدوة. الوجه الثالث: إنّ قوله (ع): «لا بأس أن يعتكف في مسجد الكوفة…» الحديث لا يدلّ على حصر الاعتكاف في المساجد الاربعة، بل يدلّ على جوازه فيها ؛ لأنّ المتبادر إلى الذهن من لفظ «لا بأس» هو الجواز، كما هو الظاهر في سائر الاخبار. فعلى ما ذكر إنّ دلالة هذا الخبر على حصر الاعتكاف في المساجد الأربعة قاصرة عن إفادة المدّعى، ولا تدلّ على دعوى أصحاب القول الثاني. واستدلّ أيضاً على هذا القول بمرسلة المفيد (70) قال: قد روي أنّه لا يكون ـ أي الإعتكاف ـ إلا في مسجد جمّع فيه نبي أو وصي نبي، قال: وهي أربعة مساجد: المسجد الحرام جمع فيه رسول الله (ص) ومسجد المدينة جمع فيه رسول الله (ص) أيضاً و أمير المؤمنين (ع) ومسجد الكوفة جمع فيه أمير المؤمنين (ع) ومسجد البصرة جمع فيه أمير المؤمنين (ع)، وهي مردودة بالارسال. وأيضاً احتجّ علم الهدى والشيخ الطوسي وابن زهرة وابن إدريس على الحكم المذكور باجماع الفرقة (71). وفيه مناقشة من وجوه: الوجه الأوّل: إنّ هذا الاجماع ممنوع في موضع النزاع ولا يسمع دعواه، كما قال المحقق: «احتجاج الشيخ بإجماع الفرقة لا نعرفه ويلزم ذلك من عرف إجماعهم عليه، وكيف يكون إجماعاً والأخبار على خلافه والأعيان من فضلاء الأصحاب قائلون بضدّه ؟!» (72). وكذلك صرّح الشهيد الأول والسيد محمد العاملي والفاضل السبزواري والمحقّق النراقي بعدم الاجماع في هذا الموضع (73). وقال السيد الحكيم في هذا المضمار: «إجماع الخلاف والتبيان والانتصار والغنية وغيرها المحكي على اعتبار كونه في أحد المساجد الأربعة لا مجال للاعتماد عليه مع تحقّق الخلاف ووضوحه» (74). الوجه الثاني: إنّ هذا الاجماع المدّعى منقول، وقد ثبت عند المحقّقين إنّه ليس بحجّة. الوجه الثالث: إنّ هذا الاجماع مستند المدرك، كما صرّح به الشيخ حيث قال: «لا يصحّ الاعتكاف إلا في أربعة مساجد: المسجد الحرام ومسجد النبي (ص) ومسجد الكوفة ومسجد البصرة» ثم بعد ذكر أقوال عدّة من علماء الجمهور قال: «دليلنا: إنّ ما اعتبرناه من البقاع لا خلاف إنّه يصحّ الاعتكاف فيه وينعقد، وما قالوه ليس على انعقاد الاعتكاف فيه دليل، وأيضاً إجماع الفرقة على ذلك وأخبارهم متواترة به، ذكرنا طرفاً منها في الكتاب الكبير» (75) والاجماع مستند المدرك ليس بحجّة. واستدلّ العلامة وفخر المحققين والفاضل المقداد على هذا القول أيضاً بأنّ الاعتكاف عبادة شرعية لا تستفاد إلا من جهة الشرع، ولم يثبت اعتكاف النبي (ص) والأئمة (عليهم السلام) إلا في المساجد الاربعة، فيجب الوقوف فيها على موضع الوفاق والاقتصار عليه (76). وفيه نظر من وجهين: الوجه الأوّل: إنّ الاقتصار على المتفّق عليه إنّما يلزم إذا لم توجد دلالة على ما زاد عليه، والدلالة هاهنا موجودة وهي ما قدّمناها من الكتاب والسنّة. الوجه الثاني: لعلّ اقتصارهم على المساجد الأربعة لكونها أفضل أو صدفةً، فلا دلالة فيه على عدم جواز التعدي، واعتكافهم في المساجد الأربعة لا يمنع من غيرها، والفعل لا يفيد تخصيص العام أصلاً لعدم المنافاة. وبالجملة ـ على ما حققناه ـ: لا دليل على حصر الاعتكاف في المساجد الأربعة إلا الإجماع المنقول الذي هو مستند المدرك، وهو كما ترى ليس بحجّة مع ذهاب فضلاء الأصحاب إلى خلافه، والقول بحصر صحّة الاعتكاف في المساجد الأربعة يلزم تخصيص الأكثر في عموم الآية، وهو قبيح مستهجن عند المحققين من الاُصوليين ويوجب حرمان حلّ المسلمين من هذه العبادة العظيمة. القول الثالث: ذهب الشيخ الصدوق (77) إلى عدم جواز الاعتكاف الا في خمسة مساجد: المسجد الحرام ومسجد الرسول (ص) ومسجد الكوفة ومسجد المدائن ومسجد البصرة، وكذلك نقل العلامة (78) عن والد الصدوق علي بن بابويه عدم جواز الاعتكاف الا في المسجد الحرام ومسجد الرسول (ص) ومسجد الكوفة ومسجد المدائن محتجّين باشتراط صلاة نبّي أو إمام فيه جمعةً، وقد جمّع النبي (ص) بمكة والمدينة، وأمير المؤمنين (ع) في هذه المساجد الثلاثة. المناقشة: فيما ما يدلّ على الحصر، مضافاً إلى أنّ اشتراط صلاة نبي أو إمام في محل الاعتكاف جمعةً هذا أوّل البحث، ودعوى بلا دليل. القول الرابع: ما اختاره الشيخ المفيد والمحقق والشهيد الأول والمحقق الكركي والشهيد الثاني (79) وغيرهم وهو: إنّ الاعتكاف لا يصحّ إلا في المسجد الجامع. وهذا مذهب المشهور من المتأخّرين ومتأخّري المتأخرين. واستدلّوا عليه بعدّة أخبار: الأوّل: ما رواه الكليني والشيخ الصدوق في الصحيح عن الحلبي عن أبي عبد الله (ع) أنه قال: «لا اعتكاف الا بصوم في المسجد الجامع»(80). الثاني: ما رواه الصدوق في الصحيح عن البزنطي عن داود بن سرحان عن أبي عبد الله (ع) قال: «لا أرى الاعتكاف إلا في المسجد الحرام أو مسجد الرسول (ص) أو في مسجد الجامع…» (81) الحديث. الثالث: ما رواه الشيخ في الموثّق عن أبي الصباح الكناني عن أبي عبدالله (ع) قال: سئل عن الاعتكاف في رمضان في العشر قال: «إنّ عليّاً (ع) كان يقول: لا أرى الاعتكاف إلا في المسجد الحرام أو في مسجد الرسول أو في مسجد جامع» (82). الرابع: ما رواه الشيخ باسناده عن علي بن عمران عن أبي عبد الله عن أبيه قال: «المعتكف يعتكف في المسجد الجامع» (83). وفيه مناقشة من وجهين: الوجه الأوّل: إنّ هذه الأخبار صدرت تقيّةً كما صرّح به المحدّث البحراني (84) ؛ حيث إنّ جماعة من علماء السنّة قائلون بهذه المقالة. الوجه الثاني: لو سلّمنا أنّ هذه الاخبار لم ترد تقيّة لكن نقول: إنّها تحمل على الأفضلية، كما حمل ابن أبي عقيل العماني الروايات الواردة بالتعيين على الأفضلية وكما حمل الشيخ الحر العاملي أيضاً والمحقق السبزواري والمحقق الخوئي (85) الأخبار الدالة على اشتراط الاعتكاف في أحد المساجد الأربعة على الفضل والكمال، وتلك الأحاديث تجري مجرى قول النبي (ص): «لا صلاة لجار المسجد إلا في مسجده» (86) أي لا صلاة كاملةً، وقوله (ص): «لا صدقة وذو رحم محتاج» (87) أي لا صدقة كاملةً وقوله (ص): «لا صلاة لمن لا يصلّي في المسجد مع المسلمين إلا من علّة» (88) أي لا صلاة كاملةً. والمراد من هذه الأخبار أنّه لا اعتكاف كاملاً إلا في المسجد الجامع أو أحد المساجد المذكورة، ولا يلزم من نفي الكمال نفي الحقيقة والماهية. وما يقال من أنّ أقرب المجاز إلى نفي الحقيقة هو نفي الصحّة فيتعيّن الحمل عليه لما تقرر في محله من وجوب مراعاة أقرب المجازات، مندفع بأنّ حمل النفي هنا على نفي الكمال متعيّن جمعاً بين الأدلّة ؛ لأنا اذا عملنا بعموم قوله تعالى { وَلاَ تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ } (89) وخبر جامع البزنطي وصحيحة عبد الله بن سنان تحمل هذه الأخبار على الأفضلية، فيكون معمولاً بها، وأمّا لو عملنا بتلك الأحاديث فقط لبقي عموم الآية وخبر جامع البزنطي وصحيحة عبد الله بن سنان مطروحةً، والجمع مهما أمكن أولى من الطرح، كما ثبت في محلّه، مضافاً إلى ذلك إنّ نفي الكمال أولى عملاً بأصالة الصحة. مزيد توضيح: إنّ القصر بالنفي والاستثناء من أساليب المبالغة في المعنى في محاورات البلغاء كقوله: «ما المرء إلا بأصغريه لسانه وقلبه» وكقوله: «لا سيف إلا ذو الفقار ولا فتى إلا علي» كما صُرّح به (90) وأئمتنّا (عليهم السلام) هم أفصح فصحاء العرب وقد تكلّموا على طريقتهم وبتلك العبارات حرضوا المؤمنين على اكتساب الحظ الأوفر والثواب الأكثر بالاعتكاف في هذه المساجد (91) لزيادة حرمتها وفضلها وشرفها على غيرها. ويدلّ على ذلك أخبار كثيرة: منها: ما رواه الشيخ الطوسي باسناده عن الرضا (ع) عن ابيه عن آبائه (عليهم السلام) عن أمير المؤمنين (ع) أنّه قال: «أربعة من قصور الجنة في الدنيا: المسجد الحرام ومسجد الرسول ومسجد بيت المقدس ومسجد الكوفة» (92). ومنها: ما رواه الصدوق باسناده عن أبي حمزة الثمالي عن أبي جعفر (ع) قال: «المساجد الأربعة: المسجد الحرام ومسجد الرسول (ص) ومسجد بيت المقدس ومسجد الكوفة، يا أبا حمزة الفريضة فيها تعدل حجةً، والنافلة تعدل عمرةً» (93). ومنها: ما رواه الشيخ الصدوق ( باب الثلاثة ) مرفوعاً إلى الإمام أمير المؤمنين (ع) أنّه قال: «لا تشدّ الرحال إلا الى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام ومسجد رسول الله (ص) ومسجد الكوفة» (94). ومنها: الخبر المروي عن النبي (ص) أنّه قال: «الصلاة في مسجدي كألف صلاة في غيره إلا المسجد الحرام فإنّ الصلاة في المسجد الحرام تعدل ألف صلاة في مسجدي» (95). ومنها: الخبر المروي عن رسول الله (ص) أنّه قال: «ما بين منبري وبيتي روضة من رياض الجنّة، ومنبري على ترعة من ترع الجنّة وصلاة في مسجدي تعدل عشرة آلاف صلاة فيما سواه من المساجد إلا المسجد الحرام» (96) الحديث. ومنها: ما رواه الصدوق باسناده عن الأصبغ بن نباتة، أنّ أمير المؤمنين (ع) قال: «يا أهل الكوفة لقد حباكم الله عزّ وجلّ بما لم يحب به أحداً من فضل مصلاكم بيت آدم وبيت نوح وبيت إدريس ومصلى إبراهيم الخليل ومصلّى أخي الخضر ومصلاي وإنّ مسجدكم هذا لأحد المساجد الأربعة التي اختارها الله عزّ وجّل لأهلها» (97) الحديث. ومنها: ما رواه ابن قولويه باسناده عن الأصبغ بن نباتة عن أمير المؤمنين (ع) قال: «النافلة في هذا المسجد ـ أي: مسجد الكوفة ـ تعدل عمرة مع النبي (ص) والفريضة تعدل حجّة مع النبي (ص) وقد صلّى فيه ألف نبي وألف وصّي» (98). ومنها: ما رواه الصدوق باسناده عن المفضل بن عمر عن أبي عبد الله (ع) قال: «صلاة في مسجد الكوفة تعدل ألف صلاة في غيره من المساجد» (99). ومنها: ما رواه الصدوق باسناده عن السكوني عن جعفر بن محمد ÷ عن آبائه (عليهم السلام) عن علي (ع): قال: «صلاة في بيت المقدس ألف صلاة، وصلاة في مسجد الأعظم مئة صلاة» (100) الحديث. ووزان الأخبار الدالة على اشتراط الاعتكاف في أحد المساجد الأربعة أو المسجد الجامع وزان قول الامام الصادق (ع): «لا اعتكاف إلا في العشرين من شهر رمضان» (101) الحديث، وكلّها على وتيرة واحدة، ولم يقل أحد من الأصحاب بأنّ الاعتكاف لا يجوز في غير العشرين من شهر رمضان، بل أفتوا بأفضلية ذلك. وملخّص الكلام في الختام: إنّ الأخبار الواردة في تعيين محلّ الاعتكاف على عدة طوائف: منها: ما يدلّ على جواز إيقاعه في كلّ مسجد، كصحيحتي جامع البزنطي وعبد الله بن سنان المتقدّمين. ومنها: ما جعل الاعتبار فيها بأحد المساجد الأربعة، كمرسلة المفيد وصحيحة عمر بن زيد، لكن الاُولى مردودة بالارسال والثانية قاصرة الدلالة، كما تقدم. ومنها: ما يدل على أنّ محلّ الاعتكاف هو المسجد الجامع، كصحيحتي الحلبي وداود بن سرحان وغيرهما مما مر. ومنها: ما يستفاد منها اعتبار عنوان مسجد الجماعة، كصحيحة عبد الله ابن سنان عن أبي عبد الله (ع) في حديث قال: «لا يصلح العكوف في غيرها ـ أي مكة ـ إلا ان يكون في مسجد رسول الله (ص) أو في مسجد من مساجد الجماعة» (102). وصحيحة الحلبي عن أبي عبد الله (ع) قال: سئل عن الاعتكاف قال: «لا يصلح الاعتكاف إلا في المسجد الحرام أو مسجد الرسول (ص) أو مسجد الكوفة أو مسجد جماعة، وتصوم ما دمت معتكفاً» (103). وموثقة يحيى بن أبي العلاء الرازي عن أبي عبد الله (ع) قال: «لا يكون اعتكاف إلا في مسجد جماعة» (104). وهذه الأخبار كما ترى بينها تعارض، وصحيحتا جامع البرنطي وعبد الله بن سنان توافقان الكتاب العزيز، فيتعيّن العمل بها ؛ ولأنّ موافقة الكتاب اُول المرجحات المنصوصة، أمّا بقية الروايات فهي موافقة لمذهب الجمهور (105) والخبر الموافق للجمهور ليس بحجّة عند تعارض الأخبار ؛ لقول الامام الكاظم (ع):«خذ بما خالف القوم وما وافق القوم فاجتنبه» (106). هذا، ويمكن أن يقال: إنّ الاخبار الدالة على إنّ محل الاعتكاف هو المسجد الحرام أو مسجد النبي (ص) أو مسجد الكوفة أو مسجد البصرة أو المسجد الجامع تحمل على الاستحباب والافضلية جمعاً بين الأدلة ؛ اذ الجمع مهما أمكن أولى من الطرح، كما ثبت في محلّه. نتيجة البحث: إنّ الاعتكاف في جميع المساجد صحيح، والأخبار الدالّة على تخصيصه بالمساجد الأربعة أو المسجد الجامع تُحمل على التقية أو الأفضلية. وهذه النتيجة التي توصّلنا إليها تصلح حلاً للمشكلة الموجودة في زماننا هذا، إذ أنّه بعد انتصار الثورة الاسلامية في ايران فإنّ كثيراً من المؤمنين والمؤمنات يعتكفون في المساجد الجامعة في مناطقهم في الأيام البيض من شهر رجب كلّ سنة، والمساجد الجامعة لا تسع أعدادهم الغفيرة.
|
المصادر:
(1) عضو الهيئة العلمية في جامعة پيام نور .
(2) وسائل الشيعة ( الحرّ العاملي ) 7 : 397 .
(3) النهاية ( الطوسي ) 3 : 284 .
39999(4) مسالك الافهام إلى آيات الاحكام ( الشهيد الثاني ) 1 : 349 .
(5) جواهر الكلام ( المحقق النجفي ) 17 : 170 .
(6) الموّطأ ( الامام مالك ) 1 : 313 .
(7) الاُمّ ( الامام الشافعي ) 2 : 152 .
(8) بداية المجتهد ( ابن رشد ) 1 : 314 .
(9) البحر المحيط ( أبي حيان الأندلسي ) 2 : 221 .
(10) أحكام القرآن ( الجصاص الرازي ) 1 : 302 .
(11) مختصر اختلاف الفقهاء ( الطحاوي ) 2 : 48 .
(12) التبيان ( الطوسي ) 2 : 137 .
(13) الانتصار ( السيد المرتضى ) : 20 .
(14) المبسوط (السرخسي ) 3 : 115 .
(15) الخلاف ( الطوسي ) 2 : 233 .
(16) المحلى ( ابن حزم الأندلسي ) 3 : 438 .
(17) منتهى المطلب ( العلامة الحلي ) 9 : 492 .
(18) احكام القرآن ( الجصاص ) 1 : 242 .
(19) بداية المجتهد ( ابن رشد ) 1 : 314 .
(20) المحلى ( ابن حزم ) 3 : 438 .
(21) المصدر السابق .
(22) كشف الرموز ( الفاضل الآبي ) 1 : 317 .
(23) مختلف الشيعة ( العلامة الحلي ) 3 : 440 .
(24) البقرة : 187 .
(25) سيأتي أن ما استدل به من الأخبار والإجماع على التخصيص لا يصلح لذلك .
(26) الانتصار ( السيد المرتضى ) : 200 .
(27) غنية النزوع ( ابن زهرة ) : 146 .
(28) مختلف الشيعة ( العلامة الحلي ) 3 : 460 .
(29) تفسير معالم التنزيل ( البغوي ) 1 : 231 .
(30) تفسير أنوار التنزيل ( البيضاوي ) 1 : 220 .
(31) تفسير التسهيل لعلوم التنزيل ( ابن جزي ) 1 : 112 .
(32) تفسير البحر المحيط ( أبي حيان الاندلسي ) 2 : 221 .
(33) تفسير المظهري ( المولوي الياني ) 1 : 208 .
(34) تفسير روح البيان ( البروسوي ) 1 : 301 .
(35) تفسير محاسن التأويل ( القاسمي ) 2 : 48 .
(36) جَمَّعَ النـاس تجميعاً : شهدوا الجمعة وقضـوا الصلاة فيهـا . تاج العروس ( الزبيدي ) 20 : 469 .
(37) الموّطأ ( الامام مالك ) 1 : 313 .
(38) تفسير مفاتيح الغيب ( الفخر الرازي ) 5 : 276 .
(39) تفسير لُباب التأويل في معاني التنزيل ( الخازن ) 1 : 118 .
(40) أحكام القرآن ( الجصاص ) 1 : 243 .
(41) المحلّى بالآثار ( ابن حزم الاندلسي ) 3 : 428 .
(42) تفسير آيات الأحكام ( السايس ): 94 .
(43) كشف الرموز ( الفاضل الآبي ) 1 : 317 .
(44) غاية المراد ( الشهيد الأول ) 1 : 349 .
(45) كنز العرفان ( المقداد السيوري ) 1 : 216 .
(46) مسالك الافهام الى آيات الاحكام ( الكاظمي ) : 350 .
(47) مدارك العروة ( الاشتهاردي ) 21 : 420 .
(48) تذكرة الفقهاء ( العلامة الحلي ) 6 : 247 .
(49) تفسير منهج الصادقين ( القاساني ) 1 : 407 .
(50) انظر : قوانين الاُصول ( القمي ) : 303 .
(51) جامع البيان ( الطبري ) 2 : 105 .
(52) المعتبر ( المحقق الحلي ) 2 : 733 .
(53) غاية المراد ( الشهيد الأول ) 1 : 347 .
(54) خاتمة الوسائل ( الحر العاملي ) 20 : 51 .
(55) المصدر السابق : 53 .
(56) بحار الأنوار ( المجلسي ) 107 : 157 .
(57) الفهرست ( الطوسي ) : 19 .
(58) رجال النجاشي ( النجاشي ) : 388 .
(59) المصدر السابق : 354 .
(60) الفهرست ( الطوسي ) : 366 .
(61) رجال النجاشي ( النجاشي ) : 159 .
(62) رياض المسائل ( الطباطبائي ) 5 : 519 . مستمسك العروة ( الحكيم ) 8 : 546 .
(63) تنقيح مباني العروة ( الصوم ) : 233 .
(64) وسائل الشيعة ( الحرّ العاملي ) 7 : 409 .
(65) يستشعر من كلام شيخنا العلامة الاشتهاردي في مدارك العروة 21 : 431 الميل إلى قول اِبن أبي عقيل العماني لو لا الاجماع على خلافه ، حيث قال بعد ذكر عدة مطالب : « لو لا خوف الاجماع بعد العماني لكان القول بكفاية مطلق المساجد ولو لم يصلّ فيها جماعةً اصلاً ، في غاية المتانة والجودة لموافقته لإطلاق الآية وبعض الرواية وأقربيتّه الى الاعتبار ؛ فإنّ الاعتكاف عبادة مجعولة مستقلة برأسها واختصاصها بالمساجد المذكورة يوجب عدم وصول أكثر المسلمين في غالب البلاد والأمصار إلى ثواب هذه العبادة المرغبّ فيها إلا بشدّ الرحال وتعب الرجال مع أنّهم (عليهم السلام) لم ينبهّوا على ذلك مع كونه مورداً للحاجة إلى البيان وما يعمّ به البلوى » وقال أيضاً في موضع آخر 21 : 432 : « ولئن وجدت بعد العماني من يفتي بكفاية مطلق المسجد لكنت ثانيه فالأحوط عدم الاكتفاء به لكن يكفي كونه مسجد جماعة بمعنى أنّه يصلّى فيه الجماعة مطلقاً بلا اشكال » ثم قال بعد اسطر : « إنّه لا فرق على ما ذكرنا بين المساجد من حيث العموم والخصوص ، كمسجد القبيلة والسوق وغيرها ، بل المناط تحقق صلاة الجماعة الصحيحة في الجملة » وكذلك الفقيه السيد محمد الشيرازي في كتاب الفقه مبحث محل الاعتكاف بعد ما ذكر أقوال فقهاء الإمامية فيه استظهر في الختام كفاية كلّ مسجد صلّى فيه إمام عدل للاعتكاف .
(66) الانتصـار ( السيـد المـرتضـى ) : 200 . المبسـوط ( الطـوسـي ) 1 : 289 . الخـلاف ( الطوسي ) 2 : 233 . غنية النزوع ( ابن زهرة ) : 146 . مجمع البيان ( الطبرسي ) 1 : 505 . السرائر ( ابن ادريس ) 1 : 421 . مختلف الشيعة ( العلامة الحلي ) 3 : 440.
(67) منتهى المطلب ( العلامة الحلي ) 9 : 491 .
(68) مختلف الشيعة ( العلامة الحلي ) 3 : 441 .
(69) الفقيه ( الصدوق ) 2 : 184 .
(70) المقنعة ( المفيد ) : 363 .
(71) الانتصـار ( السيـد المرتضى ) : 363 . الخلاف ( الطوسي ) 2 : 227 و 233 . التبيان ( الطوسي ) 2 : 135 . غنية النزوع ( ابن زهرة ) : 146 . السرائر ( ابن ادريس ) 1 : 421 .
(72) المعتبر ( المحقق الحلي ) 2 : 732 .
(73) غاية المراد ( الشهيد الأول ) 1 : 351 . مدارك الاحكام ( السيد العاملي ) 6 : 325 . ذخيرة المعاد ( السبزواري ) : 540 . مستند الشيعة ( النراقي ) 10 : 552 .
(74) مستمسك العروة ( الحكيم ) 8 : 549 .
(75) الخلاف ( الطوسي ) 2 : 233 ، م 102 .
(79) المقنعة ( المفيد ) : 363 . شرائع الإسلام ( المحقق الحلي ) 1 : 216 . المختصر النافع ( المحقق الحلي ) : 73 . المعتبر ( المحقق الحلي ) . الدروس الشرعية ( الشهيد الأول ) 1 : 298 . جامع المقاصد ( الكركي ) 3 : 98 . الروضة البهية ( الشهيد الثاني ) 2 : 150.
(80) فروع الكافي ( الكليني ) 4 : 176 . الفقيه ( الصدوق ) 2 : 184.
(81) المصدر السابق : 185.
(82) التهذيب ( الطوسي ) 4 : 290 ، ح 17.
(83) التهذيب ( الطوسي ) 4 : 290 .
(84) الحدائق ( المحدّث البحراني ) 13 : 468 .
(85) وسائل الشيعة ( الحر العاملي ) 7 : 403 . ذخيرة المعاد ( السبزواري ) : 540 . المستند في شرح العروة الوثقى (الخوئي) 2 : 354 .
(86) الوسائل ( الحرّ العاملي ) 3 : 478 .
(87) المصدر السابق 6 : 264 .
(88) تهذيب الأحكام ( الطوسي ) 6 : 241 .
(89) البقرة : 187 .
(90) جواهر البلاغة ( الهاشمي ) : 184 .
(91) إنّ علم الهدى في ( الانتصار : 201 ) بعد ما ذهب إلى عدم انعقاد الاعتكاف إلا في أحد المساجد الأربعة والاستدلال على ذلك الحكم بالاجماع قال : « ويجوز أنْ يكون وجه تخصيص هذه المساجد الاربعة لتأكيد حرمتها وفضلها وشرفها على غيرها » .
(92) الأمالي ( الصدوق ) : 369 .
(93) الفقيه ( الصدوق ) 1 : 229 .
(94) الخصال ( الصدوق ) 1 : 161 .
(95) الفقيه ( الصدوق ) 1 : 228 .
(96) وسائل الشيعة ( الحر العاملي ) 3 : 543 .
(97) الأمالي ( الصدوق ) : 228 .
(98) كامل الزيارات ( ابن قولويه ) : 28 .
(99) ثواب الأعمال ( الصدوق ) : 56 .
(100) المصدر السابق .
(101) الكافي ( الكليني ) 4 : 174 .
(102) تهذيب الاحكام ( الطوسي ) 4 : 293 .
(103) فروع الكافي ( الكليني ) 4 : 176 .
(104) الاستبصار ( الطوسي ) 2 : 127 .
(105) إنّ بعض الجمهور على اشتراط كون الاعتكاف في مسجد جماعة ، وبعضهم على اشتراط كونه في المسجد الجامع ، وبعضهم على صحته في المسجد الحرام أو مسجد النبي (ص) أو المسجد الاقصى ، وبعضهم على صحته في المسجد الحرام أو مسجد النبي (ص) فقط ، كما تقدم مفصّلاً .
(106) وسائل الشيعة ( الحرّ العاملي ) 18 : 58 .
الشيخ علي السعيدي؛ مجلة فقه اهل البيت ع. ( مشروعية الاعتكاف في جميع المساجد )