من المفاهيم الخاطئة أن كفالة اليتيم تقتصر على الاهتمام المادي به فقط، ولكن الإسلام يرتقي بهذه المهمة من دركات الماديات والحسيات إلى درجات المعنويات والمعاملة السامية، فيأمر بإصلاحهم، ويحض على مخالطتهم وإشراكهم في المجتمع، لأن العزلة لها آثارها الخطيرة على نفسية الطفل، خاصة إذا كان يعاني من هذه الحساسية التي يعاني منها من فقد أحب الناس إليه. بقلم: أمينة الكومي
الاجتهاد: الله ولي الضعفاء والمستضعفين، ولي البشر، وولي الايتام، فهو راعي الجميع..ووصى الله في جميع الديانات على الأيتام، فاليتيم كفل له الإسلام حقوقا سبق بها كل الدساتير الأرضية، حيث تميز الإسلام بإعطاء عناية خاصة لليتامى وحفظ حقوقهم، وأمر بالإحسان إليهم بكافة أنواع الإحسان، بل ورتب على ذلك الأجر والثواب.
وتتمثل عناية الإسلام باليتيم في التوصيات النبوية التي توليه عناية واهتمام فائقين، وإعالته حتى يستغني، والعمل على إدخال السرور على قلبه، مع مراعاة مشاعره وعواطفه، وقد رتب “صل الله عليه وسلم” على الإحسان إلى اليتيم وعدا بالأجر العظيم، ذلك أن طبيعة الإنسان ربما تستنكف أن تشغل نفسها بيتيم، فأن علم الشخص أن في إعالته لهذا اليتيم أجرًا وثوابًا ومقابلا مكافئا، يكون أدعى للحرص على المسارعة إلى هذا الخير.
ومن ضمن التوجيهات النبوية قول الرسول “صل الله عليه وسلم”، “خير بيت في المسلمين بيت فيه يتيم يحسن إليه” و”من عال يتيما حتى يستغني عنه أوجب الله له بذلك الجنة”؛ فأي اهتمام بعد هذا الكرم النبوي الذي يجعل خيرية بيوت المسلمين مرتبطة بالإحسان إلى اليتيم، وأي من الناس يرفض هذا الوعد الإلهي الذي أوجب الله فيه الجنة لكافل اليتيم.
كما حدد الرسول “صل الله عليه وسلم” مكان كافل اليتيم في الجنة وقال: “إن في الجنة دارا يقال لها دار الفرح، لا يدخلها إلا من فرح يتامى المؤمنين”، فالجزاء من جنس العمل، ودار الفرح في الجنة لمن فرح اليتيم في دار الدنيا، بل إن كفالة اليتيم تساوي العمل في طاعة الله والأمور العظام في الإسلام، مثل القيام والصيام والجهاد في سبيل الله، حيث قال “صل الله عليه وسلم”: “ومن عال ثلاثة أيتام كان كمن قام ليله، وصام نهاره، وغدا وراح شاهرا سيفه في سبيل الله”.
وتتجلى العناية بكفالة اليتيم أيضًا في الأديان السابقة قبل الرسالة المحمدية، فقد سأل موسى نبي الله ربه: “ما جزاء من كفل يتيما؟”، فأوحى إليه الله عز وجل: “أظله في ظل عرشي يوم القيامة”، وتتضح هذه العناية في أبهى صورها في هذا التنافس الشريف الذي أنزل الله فيه قرآنا يتلى إلى يوم القيامة، في التنافس على كفالة مريم ابنة عمران، هذا التنافس الذي يدل على عظم وفضل ما يتنافسون علي، حيث يقول تعالى: {وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلاَمَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ}.
الطفل اليتيم غالبا ما يعاني من حساسية مفرطة في تفسير تصرفات الآخرين تجاهه، نظرا لاضطرابات الطبع التي تتولد لديه جراء ما يعانيه، وهذه التصرفات تتجه للعالم الخارجي الذي كثيرًا ما يكون سلبيًّا في تعامله مع نفسية اليتيم، فيكون الزجر والعنف والقسوة، لذا كانت عناية الإسلام بنفسية اليتيم، والتلطف في معاملته كبيرة، فقال تعالى: {فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلاَ تَقْهَرْ}، وكيفية كفالة اليتيم تكون كالتالي:-
كافل اليتيم يجب أن يدرك أن عمله يختلف عن الصدقة والزكاة، حيث إن كفالة اليتيم تحتاج منه لمتابعة ومراقبة ونصح واهتمام، وهذا يعود بنتائج إيجابية على نفسيته، ويساعده في أن يصبح إنسانًا سويًّا، ومن المفاهيم الخاطئة أن كفالة اليتيم تقتصر على الاهتمام المادي به فقط، ولكن الإسلام يرتقي بهذه المهمة من دركات الماديات والحسيات إلى درجات المعنويات والمعاملة السامية، فيأمر بإصلاحهم، ويحض على مخالطتهم وإشراكهم في المجتمع، لأن العزلة لها آثارها الخطيرة على نفسية الطفل، خاصة إذا كان يعاني من هذه الحساسية التي يعاني منها من فقد أحب الناس إليه.
وقال تعالى {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلاَحٌ لَّهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ وَاللّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ وَلَوْ شَاء اللّهُ لأعْنَتَكُمْ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ }، وفي آية اخرى {لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ}، وليعلم كافل اليتيم أن إكرام اليتيم يكون بقدر مخالطته للمجتمع واندماجه فيه.
المصدر: CSR Egypt