المقاتل

كتب المقاتل عند الشيعة .. دراسة نقدية / العلامة المحقق الشيخ علي دواني

الاجتهاد: سلّط المحقق دواني*“ره” في هذا البحث المختصر، الضوء على كتب المقاتل المشهورة والمعروفة والمؤلفة باللغة العربية أو الفارسية والبالغة ستّة عشر مؤلفاً؛ لدراستها وتحليلها، ومعرفة ما شابها من تحريف أو تبديل، وبيان ما فيها من غثّ أو سمين؛ ليصبح القارئ على علم ودراية بها على أقلّ التقادير.

مقدمة المترجم (الشيخ محمد الحلفي): إنّ فحوى هذا المقال هو دراسة نقديّة تحليليّة للكتب التي نقلت أحداث عاشوراء ومقتل الحسين “عليه السلام”، التي وُسِمت بكتب المقاتل عند الشيعة ـ سواء ما كُتب منها باللغة العربيّة أم باللغة الفارسيّة ـ وسيقتصر على ما هو مطبوع ومتداوَل بين الناس، ويعتقد الكاتب أنّ بعض هذه الكتب اعتراها التحريف والزيادة، وتمّ التلاعب والاختلاف في العديد من محتوياتها؛ فلذا يدعو الكاتب إلى ملاحظة الكيفيّة التي بدأت بها تلك الانحرافات في الظهور ومتى كان ذلك؟

وفي رأيه أنّ كثيراً من التحريفات والتلفيقات يعود منشأها إلى كتب المقاتل المطبوعة والمتداولة، وبعضها يعود إلى ما ينتجه قرّاء التعازي قليلو الخبرة والدراية، ومنها ما يعود إلى ما في كتبنا ولم يكن له أصل، وقد دُوِّن من قِبَل الأعداء المغرضين أو الأصدقاء الغافلين، أو ممّا جرى على الألسن واشتُهر بين الناس.

وممّا تجدر الإشارة إليه أيضاً أنّ الكاتب يعتقد أنّ هذا الموضوع واسع جداً ولا يمكن الإحاطة به بسهوله، بل يتطلّب وقتاً وجهداً كبيرين؛ فسيكون البحث مختصَراً، مسلّطاً الضوء على كتب المقاتل المشهورة والمعروفة والمؤلفة باللغة العربية أو الفارسية والبالغة ستّة عشر مؤلفاً؛ لدراستها وتحليلها، ومعرفة ما شابها من تحريف أو تبديل، وبيان ما فيها من غثّ أو سمين؛ ليصبح القارئ على علم ودراية بها على أقلّ التقادير.

يبدأ الكاتب بتناول كتب المقاتل من أقدمها تأريخاً ثمّ يتسلسل، فيقول موضّحاً:

1ـ مقتل أبي مخنف

يُعدّ مقتل أبي مخنف من أقدم المقاتل التي وصلت إلينا، وما جاء فيه قد ذكره الطبري في تاريخه أول الأمر، ثمّ نقل في المصادر اللاحقة.

وأبو مخنف من أصحاب الإمام جعفر الصادق “عليه السلام”، كوفيٌّ من كبار علماء التاريخ المتوفّى سنة 157 هجرية.

وصف المحدث المتتبع الكبير الحاج الشيخ عبّاس القمي مقتل أبي مخنف، فقال: (له كتب كثيرة في السير والتاريخ، ومن بينها: كتاب مقتل الحسين “عليه السلام”. يقول الفقير: إنّ مقتله لو كان في يدنا لكان في أقصى درجات الوثاقة والاعتبار، كما يتّضح ذلك من كلمات العلماء القدماء، ولكن للأسف الشديد، فإنّ أصل ذلك المقتل فُقِدَ بمرور الزمان، ولم يصل إلينا، حاله حال الكلبي[2] والمدائني[3] وأمثالهما، وأمّا هذا المقتل الذي بين أيدينا، والذي قد طُبع في آخر المجلد العاشر من كتاب البحار[4]، ونُسب إلى أبي مخنف، فهو ليس بمعتبر.

فالطبري أبو جعفر ينقل في تاريخه في باب مقتل الإمام الحسين “عليه السلام” الكثير من المطالب معتمِداً في ذلك على مقتل أبي مخنف.

وكلُّ مَن يقابل ما جاء منقولاً في تاريخ الطبري عن ذلك المقتل مع هذا المقتل المعروف المنسوب لأبي مخنف، يدرك ألاّ ربط ولا علاقة بينهما؛ ومِن هنا اتّضح أنّ هذا المقتل المعروف لأبي مخنف ساقط عن الاعتبار، ولا اعتماد على ما جاء فيه. والله العالم)[5].

المحدث القمي الذي يُعدّ الخبير القدير في معرفة المقاتل ، يقول في كتابه الآخر المسمى الكُنى والألقاب عند ترجمته لأبي مخنف: (أبو مخنف، لوط بن يحيى بن سعيد بن مخنف بن سليم الأزدي، شيخ أصحاب الأخبار بالكوفة ووجهه ـ كما عن جش ـ وتوفِّي سنة 157 هـ، يروي عن الصادق “عليه السلام”، ويروي عنه هشام الكلبي.

وجده مخنف بن سليم، صحابي شَهِدَ الجمل في أصحاب علي “عليه السلام” حاملاً راية الأزد، فاستشهد في تلك الوقعة سنة36 هـ، وكان أبو مخنف من أعاظم مؤرخي الشيعة، ومع اشتهار تشيّعه اعتمد عليه علماء السنّة في النقل عنه، كالطبري وابن الأثير وغيرهما، وليعلم أنّ لأبي مخنف كتباً كثيرة في التاريخ والسير، منها كتاب مقتل الحسين “عليه السلام” الذي نقل منه أعاظم العلماء المتقدمين واعتمدوا عليه، ولكن للأسف أنّه فُقِد ولا يوجد منه نسخة، وأما المقتل الذي بأيدينا ويُنسب إليه فليس له، بل ولا لأحدٍ من المؤرخين المعتمدين، ومَن أراد تصديق ذلك؛ فليقابل ما في هذا المقتل وما نقله الطبري وغيره عنه حتى يعلم ذلك، وقد بينت ذلك في نَفَس المهموم في طرماح بن عدي)[6].

وهكذا ذكَر المحدث القمي”ره” في آخر الفصل الثاني عشر عندما تطرّق إلى طرماح والنقول المختلفة في مسألة التحاقه بالإمام الحسين “عليه السلام”، فقال بعدما نقل ما رواه الطبري في ذلك: (يرى المؤلف أنّه يفهم من هذه الرواية التي ينقلها الطبري عن أبي مخنف أنّ الطرماح لم يكن من بين الشهداء؛ لأنه لمّا سمع خبر شهادة الإمام “عليه السلام” قفل راجعاً من موضعه، وفي هذا المقتل المشهور المنسوب لأبي مخنف، ينقل عن الطرماح قوله: كنت بين القتلى وقد أصبْتُ بجراحات، وإنْ أقسمتُ لكنت صادقاً، بأنني لم أكن أحلم، إنني رأيت عشرين فارساً جاؤوا …).

هذا، وقد تعرّض المرحوم الحاج الشيخ عبّاس القمي أيضاً إلى هذا المحدِّث والمؤرِّخ الأمينلوط بن يحيى بن سعيد الأزدي الغامدي وتعرض أيضا إلى مقتله الموجود حالياً وحكم عليه بأنه موضوع مختلَق في كتاب آخر له باللغة الفارسية الموسوم بـ تحفة الأحباب قائلاً: (وبالجملة هذا نفسه أبو مخنف صاحب المقتل المعروف، وهو من كبار المحدثين، وموضع اعتماد أرباب السير والتواريخ، وأصل مقتله في غاية الاعتبار، كما نُقل هكذا عن كبار العلماء السابقين، ويتّضح جلياً من جميع مؤلفاته، ولكن آه ويا للأسف! إنّ أصل مقتله الخالي من العيب لم يصل إلينا، وهذا المقتل الموجود المنسوب إليه الذي يحتوي على مطالب منكره لعله صنيعة المخالفين؛ لذا فهو ساقط عن الاعتبار ولا يمكن الاعتماد على ما فيه بأي نحوٍ فُرض)[7].

والخلاصة أنّ المقتل المعروف حالياً بمقتل أبي مخنف والمتداوَل بين أيدينا، والذي ينقل منه بعض الخطباء، موضوع ومختلَق، وقد نُسب إلى أبي مخنف، وفيه كثير من الحوادث والآثار المخالفة للواقع.

كان مقتل أبي مخنف الأصلي عند أبي جعفر محمد بن جرير الطبري المتوفّى سنة 310هـ، المؤرِّخ الكبير وصاحب كتاب تاريخ الطبري، وهو قد نقل منه أموراً كثيرة حول ما جرى في كربلاء، فما ذكَرَه الطبري في تاريخه منقولاً عن أبي مخنف هو المعتمد؛ لأن النسخة الأصليّة متوفرة لديه، وما يُنقل عن النسخة المتداوَلة فليس معتبراً.

فتجد المحدِّث القمي كلّ ما ينقله في كتابه نَفَس المهموم عن أبي مخنف ينقله ـ في الواقع ـ عن تاريخ الطبري؛ لأنّه لم يرَ كتاب أبي مخنف؛ لذا يوصل السند بالطبري.

وقال العلاّمة آغا بُزُرك الطهراني: (مقتل أبي عبد الله الحسين “عليه السلام” لأبي مخنف… طبع على الحجر في بمبي أيضاً مُنْضّّماً إلى المجلد العاشر من البحار في سنة 1287، أوله: حدثنا أبو المنذر هشام بن محمد بن السائب الكلبي …، ونسبته إليه مشهورة، لكن الظاهر أنّ فيه بعض الموضوعات، وقد حققه شيخنا النوري في اللؤلؤ والمرجان)[8].

2ـ أمالي الشيخ الصدوق

يُطلق على أمالي الشيخ الصدوق كذلك المجالس، وهو من مصادر المقاتل المتقدمة.

والشيخ الصدوق هو محمد بن علي بن بابويه القمي المتوفّى سنة 381 هجرية، وكتابه الأمالي شرح وبيان للأحاديث المعتبرة، التي قام الشيخ الصدوق بإملائها على العلماء والفضلاء من الشيعة في مدينة رَي ونيشابور وغيرهما من المناطق، وتبلغ 97 مجلساً، أملاها في أوقات مختلفة.

ويَذكر النجاشي أنّ الشيخ الصدوق قام بتأليف ما يقرب من ثلاثمائة كتاب، منها الأمالي. وقد قام الشيخ الصدوق في أماليه بتدوين بعض الحوادث التي جرت في كربلاء، وتفصيل الحديث حول مقاتل شهداء الطفّ؛ فصار ما نقله مصدراً مهماً للمقاتل اللاحقة، وقد نُقل عنه من دون توقف وتأمل.

ولمّا كان الشيخ الصدوق كبير محدثي الشيعة، وله باعٌ طويل في تحقيق المصادر والمآخذ، عَدّ كبارُ علمائنا ما ينقله معتبراً ولو كان غير مسند.

3ـ كتاب الإرشاد للشيخ المفيد

الشيخ المفيد: هو محمد بن محمد بن النعمان البغدادي، تلميذ الشيخ الصدوق، ومِن مفاخر الفقهاء والمتكلمين والعلماء البارزين للشيعة الإماميّة، توفّي سنة 413 هجرية. قام بتأليف وتصنيف الكثير من الكتب القيّمة في العلوم والفنون المختلفة، منها كتاب الإرشاد كتبَه في تاريخ الأئمة المعصومين “عليهم السلام”، فصار من زمان تأليفه وحتى اليوم مصدراً ومرجعاً للشيعة الإماميّة في معرفة تاريخ الأئمة الأطهار “عليهم السلام”، والسيرة الإجماليّة لتلك الذوات المقدسة. لقد بسط الشيخ المفيد الحديثَ في شرح أحوال الإمام الحسين “عليه السلام”، وتناوَلَ كذلك الحوادث التي جرت في كربلاء.

وعندما نأتي إلى المقاتل التي يذكرها الشيخ المفيد في خصوص كل واحد من الأئمة “عليهم السلام” في كتابه هذا، نجدها ذات مقبوليّة واعتبار لافتين.

4ـ الاحتجاج للشيخ الطبرسي

كتاب الاحتجاج للطبرسي، هو أيضاً من المصادر القيّمة في نقل المقاتل ، ومؤلفه هو أبو منصور أحمد بن أبي طالب الطبرسي، من أساتذة ابن شهرآشوب المازندراني، توفّي سنة 570 هجرية.

وكتاب الاحتجاج ـ كما يبدو من اسمه ـ مُعدٌّ لبيان الحجج والاستدلالات المتينة على أحقّيّة الأئمة الأطهار في قبال المخالفين لذلك، وفي أيِّ موضع تناول مقاتلهم عليهم السلام صار مصدراً للعلماء المتأخرين فيما ينقلونها عن تلك المقاتل .

ونتيجة لأهميّة كتاب الاحتجاج وعظمة مؤلفه؛ صارت مقاتل هذا الكتاب ذات اعتبار خاص.

5 ـ روضة الواعظين

روضة الواعظين كتاب معتبر من تأليف الشيخ الكبير أبي علي محمد بن حسن بن علي النيسابوري المعروف بالفَتّال النيسابوري، وهو من أساتذة ابن شهر آشوب المازندراني، توفي سنة 588 هجرية، فيُعدُّ من علماء أواسط القرن السادس الهجري.

وبما أنّ مطالب كتاب روضة الواعظين هي من نتاج عالم كبير ومحقق من علمائنا المدققين؛ صار مصدراً ومستنداً للعلماء الذين جاؤوا من بعده، ويعدّونه من المدارك والكتب المعتبرة في نقل المقتل.

6ـ اللهوف أو الملهوف لابن طاووس

اللهوف أو الملهوف في قتلى الطفوف، أو على قتلى الطفوف، كتابٌ صغير مختصر للسيّد رضي الدين عليّ بن طاووس الحلي المتوفّى سنة 664 هجرية، من علمائنا البارزين.

قام السيّد رضي الدين علي بن طاووس بتأليف هذا الكتاب ـ كما قيل ـ في أيام شبابه، مع هذا فهو يعدّ واحداً من المصادر المعتبرة والمهمة في تاريخ المقاتل .

يقول ابن طاووس في بداية كتابه: (ولولا امتثال أمر السنّة والكتاب في لبس شعار الجزع والمصاب؛ لأجل ما طُمس من أعلام الهداية وأُسّس من أركان الغواية، وتأسفاً على ما فاتنا من السعادة، وتلهفاً على امتثال تلك الشهادة، وإلاّ كنّا قد لبسنا لتلك النعمة الكبرى أثواب المسرّة والبشرى)[9].

وقيل: إنّ ذلك الكتاب وبمرور الزمن قد أدخلَتْ فيه بعضُ القضايا والأمور لم تكن من قِبَل السيّد رضي الدين. ويبقى احتمال أن تكون تلك الأمور تعود إلى السيّد رضي الدين نفسه؛ لأنّه كتب كتابه هذا في أوائل شبابه، ولم يكن حينها قد بلغ ما بلغه لاحقاً من القدرة العلميّة في تحقيق الأخبار والتاريخ والأحاديث، وبقي الكتاب على حاله تلك.

7ـ مثير الأحزان لابن نما الحلي

وهو من كتُب المقاتل المشهورة، من تأليف الشيخ نجم الدين جعفر بن محمد بن نما الحلي، أُستاذ العلاّمة الحلي، توفّي في سنة 645 هجرية، ولمّا كان مؤلّفه من علمائنا الكبار، فقد حاز الكتاب أهميّة خاصّة.

الكتاب مؤلَّف باللغة العربية، وهي لغة مؤلّفه، والاسم الكامل للكتاب هو: مثير الأحزان ومنير سُبُل الأشجان.

ومثير الأحزان هذا ظلَّ من المصادر الأساسيّة للعلماء والمؤرخين الذين كتبوا في تاريخ المقاتل .

في بداية الأمر أُلحِقَ الكتابُ بالمجلد العاشر من كتاب بحار الأنوار، لكنّه طُبع فيما بعد عدّة مرات بشكل مستقلّ.

8 ـ أخذ الثأر في أحوال المختار لابن نما الحلي

وهو من تأليف نجم الدين جعفر بن محمد بن نما الحلي أيضاً، شرح المؤلّف في هذا الكتاب ثورة المختار بن أبي عبيدة الثقفي وانتقامه من قتلة الإمام الحسين “عليه السلام” وشهداء كربلاء والأخذ بثأرهم. وهناك اسم آخر لهذا الكتاب هو: قرّة العين في أخذ ثأر الحسين “عليه السلام”.

وهذا الكتاب كذلك من المصادر التي يعتمد عليها العلماء المتأخرون. وقد حصل لبعض المؤلفين خلطٌ؛ فذهب إلى أنّ هذين الكتابين، هما من تأليف والد نجم الدين بن نما، يعني: نجيب الدين محمد بن نما الفقيه، أستاذ المحقق الحلي، وعلّة ذلك هي أنّ اسم والد محمد بن نما ـ نجم الدين ـ جعفر أيضاً.

9ـ كتاب كامل البهائي لعماد الدين الطبري

هذا الكتاب كتَبَه بالفارسية عماد الدين حسن بن علي بن محمد الطبري المعروف بـ عماد الدين الطبري من كبار علماء الشيعة في القرن السابع الهجري.

يقول صاحب روضات الجنّات: (عماد الدين الطبري في بعض مؤلفاته يشير إلى جملة من طرائف أحواله ولطائف أخباره، منها: قضية مناظرته مع أهل بروجرد في تنزيه الله تعالى من التشبه بالمخلوق، ومنها: أنّه بعدما ترك مدينة قمّ بأمر الوزير بهاء الدين صاحب ديوان شمس الدين محمد الجويني المشهور بـ صاحب ديوانـ وكان حاكم أصفهان ـ منتقلاً إلى أصفهان، وقضى هناك سبعة أشهر اجتمع حوله خلقٌ كثير من أصفهان، وشيراز، وابركوه، وبلاد آذربيجان، وأخذوا يقرأون عليه أنواع المعارف الربانيّة، وانتفع بوجوده السادة والكبار والوزراء)[10]،

من هنا يُعلم أنّ عماد الدين كان يعيش في أواسط المائة السابعة للهجرة، وهذا الأمر ذو أهميّة أيضاً في معرفة تاريخ الحوزة العلميّة في قمّ.

وقال المحدِّث القمّي في الفوائد الرضويّة: (الحسن بن علي بن محمد بن الحسن عماد الدين الطبري شيخ عالم، ماهر، خبير، مجرَّب، نحرير، متكلم جليل، محدِّث، نبيل، فاضل، علاّمة، معاصر للخواجة نصير الدين الطوسي والعلاّمة الحلي، صاحب كتُب شريفة في أصول المذهب، وتشييد قواعد الدين والفقه والحديث وغيرها مثل: …)

ثمّ ذكر أسماء 14كتاباً له ، وأضاف بأنّ بهاء الدين صاحب الديوان كان يوليه عناية فائقة؛ ولذا ألَّف كتباً باسمه، منها: أربعين البهائي في أفضليّة أمير المؤمنين “عليه السلام”،

ومنها: كامل البهائي في السقيفة، وذكر في مقدمته أنّه بعد أن صنّف كتاب مناقب الطاهرين وأمثاله في التولّي، لزم أن يشرع بالتبري أيضاً، ولذا شَرعَ بتأليف الكامل، وكلا الكتابين كالسيف والرمح في وجه المخالفين، وحجمه يزيد على الثلاثين ألف بيت[11].

طُبع الكامل في بمبي، ولكنّه نادر الوجود جداً، وعندما كنت في زيارة إلى تلك المدينة[12] عثرتُ على نسخة منه، ولكن للأسف لم تكن مصححة وغير جيّدة إلى درجة أنّ الاستفادة منها لغير المطّلع والخبير صعبةٌ جداً، لكن أصل ذلك الكتاب كان مفيداً جداً، وقد تمّ الفراغ منه سنة 675هجرية. واستغرق الشيخ في تأليفه اثنتي عشرة سنة، حتى تمكّن من جمعه.

نعم، ألّف في أثناء تلك المدة بعض الكتب الأُخرى.

ويعلم من محتوى الكتاب وحاله أنّ النسخ الأصليّة بالإضافة إلى كتب العلماء كانت موجودة لدى المؤلّف، مثل كتاب فعلت فلاتم[13] في المثالب، وهو من مصنّفات أبي جيش مظفر بن محمد الخراساني، أحد كبار متكلمي الشيعة والعارفين بالأخبار، ومِن تلامذة أبي سهل النوبختي.

كامل البهائي وكتاب الحاوية

يظهر أنّ لدى مؤلّف كتاب كامل البهائي كتاباً اسمه الحاوية في مثالب معاوية[14]، ومؤلّفه قاسم بن محمد بن أحمد المأموني السنّي…، وكان ينقل في الكامل كثيراً مما جاء في حاوية المأموني،

ومن ذلك قوله: (إنّ يزيد بعد شربه الخمر صبّ فضلته على رأس الإمام الحسين “عليه السلام”، فأخذت زوجته الرأس الشريف وغسلته بالماء وماء الورد، فرأت في تلك الليلة في عالم الرؤيا، فاطمة الزهراء عليها السلام، واعتذرت منها، ثمّ أمر يزيد بأخذ رأس الحسين “عليه السلام” وأهل بيته وأصحابه ونصبها على أبواب المدينة)[15].

ونقل أيضاً عن الحاوية كذلك «أنّ نساء أهل بيت النبوة ـ وهنّ في الأسر ـ كنَّ يخفين على البنين والبنات خبر استشهاد أهلهم في كربلاء وكنَّ يُسلينهم، ويعدنهم بأنّهم في سفر وسيرجعون يوماً ما، حتى جاءوا بهم إلى قصر يزيد، وذات ليلة استيقظت طفلة كان لها من العمر أربع سنوات وأخذتْ تبكي وتسأل: أين أبي؟

لقد رأيتُه الساعة في المنام، وكان قلقاً ومضطرباً جداً، فثارت النساء والأولاد وحدثت ضجّة وصَيْحة، وكان يزيد يغطّ في نوم عميق، فانتبه منزعجاً،

وسأل: ما الخبر؟ فأخبروه بما جرى، فأمر يزيد بإرسال رأس أبيها إليها، وليضعونه إلى جانبها، فأحضر أولئك الأشرار رأس المولى، ووضعوه إلى جانب تلك الطفلة ذات الأربع سنوات، فسألت: ما هذا؟ فقالوا لها: رأس أبيك؛ فخافت تلك الطفلة وصرخت، فمرضت، وفي تلك الأيام التحقت روحها بالرفيق الأعلى»[16].

وينقل من الحاوية في باب هلاك يزيد بأنّه في أحد الأيام أخذ يرقص وهو مخمور فأغمي عليه، وسقط إلى الأرض، فذهب إلى عذاب جهنم مخموراً.

وقيل أيضاً عن جماعة: إنّه خرج إلى الصيد مع جنوده وبطانته، فرأى غزالاً بالقرب منه، فذهب يتعقبها، فأمر الله الأرضَ أن تبتلعه، {فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الأَرْضَ}[17].

وقيل: لمّا رأوا البرص فيه، ثاروا عليه، فتمكّن من الفرار منهم، وسقط في بئر للنجاسة، وأغلق الناس عليه بوابة البئر، وهذه البئر مشهورة في دمشق[18].
فوائد أُخرى من كتاب كامل البهائي

هناك فوائد كثيرة تتحصّل من كتاب كامل البهائي، نودّ أن نشير إلى بعضها، ففي باب شهادة الإمام الحسن “عليه السلام” [19] يبيّن الكتاب تكرار سقي جعدةَ السمَّ للإمام “عليه السلام”، فمرّة وضعتْه في العسل الأبيض، وفي تلك المرّة ظهر على الإمام ألم السمّ، وأخذ يتقيّأ كثيراً، وعالج نفسه بالحليب المغلي، ومرّة ثانية، وضعت السمّ في شرابه، وقد استشفى “عليه السلام” بتراب قبر الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله، وفي المرّة الثالثة وضعت السمّ في الرطب، وقدّمتْه للإمام “عليه السلام”.

ولأجل الترويح عن النفس وتغيير الأجواء ذهب الإمام الحسن “عليه السلام” إلى الموصل، فقدّم معاوية بضعة دنانير لرجل من أهل التصوّف أعمى البصيرة، وبعدما قدّم له الدنانير أعطاه عكّازاً لها زجٌّ مسموم[20]،

فجاء إلى الإمام “عليه السلام” مظهراً له المحبة، وبحجة أنّه يريد تقبيل يد الإمام أوغل طرفَ العكّاز في ظهر قدم الإمام “عليه السلام” واتّكأ عليها بكل ما يمتلك من قوة، فأراد الناس قتلَ الصوفي، فمنعهم الإمام، وذهب من هناك قاصداً دمشق، فأمر عبد الله بن عبّاس أن تُضرب عنقه في الطريق.

ونقل الكيفيّة التي وضعتْ فيها جعدة برادة ألماس في إناء الإمام الحسن “عليه السلام”؛ واستشهاده نتيجة ذلك، سلام الله عليه.

وهكذا في الفصل الستّين، وبعد شهادة الإمام الحسن “عليه السلام”م يأتي على ذكر كيفيّة قتل معاوية لعائشة؛ لأنّ (معاوية سافر إلى مكّة، وكان يريد أخذ البيعة من الناس لولده يزيد، وحينها أرسلتْ إليه عائشة تهدّده؛ لقتله أخاها محمد بن أبي بكر،

وقالت له: إنّك قتلت أخي، وتريد أن تأخذ البيعة لولدك يزيد؟! فعَمِدَ إلى بئر فاحتفرها وملأها بالكلسالنورة، ومدّ عليها من السجّاد الغالي الثمن، ووضع كرسياً عليها، ودعاها وقت الصلاة وأرسل إليها: بأنّه يتوقع من أُم المؤمنين أن تحضر عنده لتزيده شرفاً بقدومها،

وبعد الصلاة أقبلت ومعها غلام هندي على حمار مصري، فاستقبلها معاوية بحفاوة، وأشار عليها أن تجلس على ذلك الكرسي، وما كادت أن تجلس حتى انهار بها داخل ذلك البئر، وفي تلك الحال أمر معاوية فوراً بقتل الغلام والحمار، ورميهما في تلك البئر أيضاً ومساواة الأرض. ووقع الناس في الاختلاف، فمِن قائل يقول: إنّها عادت إلى المدينة، ومِن قائل يقول: قصدتْ شطر اليمن.

وكان الإمام الحسين “عليه السلام” عالماً بما جرى، وكذلك بعض خواص معاوية؛ فلذا سلّم الإمام الحسين “عليه السلام” ميراثها إلى ذويها.

ويُنقل أيضاً أنّ أمير المؤمنين “عليه السلام” لمّا توجّه إلى معركة صفين كان يحمل معه أربعين منّاً من الطحين، ولمّا عاد كان قد تبقّى منه الكثير»[21].

ويُنقل من الحاوية للمأموني أنّه لما وصل خبر مقتل الإمام علي “عليه السلام” إلى معاوية، كان متّكئاً فاستقام في مجلسه، وكانت له جارية تغنيه، وكانت تخفي إيمانها، فاستدعاها، وقال: يا جارية، غنِّ؛ اليوم قرّة عيني! فقالت الجارية: ما الخبر السعيد الذي وصلك اليوم؟ فقال معاوية: يقولون: قُتِل عليُّ بن أبي طالب. فقالت الجارية: لا غنّيتُ بعد اليوم أبداً. فأمر بضربها بالسياط ضرباً مبرِّحاً حتى صاحت: كفوا عنّي، وأنشدت أشعاراً تقول فيها:

وكنّا قبل مهلكه زماناً              نرى نجوى رسول الله فينا

ألا أبلغ معاوية بن حرب            فلا قرّت عيون الشامتينا

أفي شهر الصيام فجعتمونا      بخير الناس طراً أجمعينا

فلا ولله لا أنسى علياً             وطول صلاته في الراكعينا

فلا تفخر معاوية بن حربٍ         فإنّ بقية الخلفاء فينا

فقد علمت قريش حيث كانت    بأنّك شرّهم حسباً وديناً

فسحب معاوية عموداً كان إلى جانبه، وضرب تلك المرأة المؤمنة على رأسها، فمضت شهيدة رحمة الله عليها.

وفي باب شهادة الإمام الحسين “عليه السلام” وأسر أهل بيته، ينقل عنه الشيخ عبّاس القمي، قوله: (أخرج اللعناء رأس الحسين “عليه السلام” من الكوفة؛ خوفاً من القبائل العربية أن تثور عليهم، والرأس معهم فيستلبونه منهم؛ لذا لم يسلكوا الطريق الرئيس، وإنما سلكوا طريقاً جانبياً، وتنكَّبوا الطرق حذراً من ذلك،

ولمّا اقتربوا من قبيلة طلبوا منها العلف لدوابهم، وأخبروهم بأنّ معهم رؤوس بعض الخوارج يحملونها للأمير، واستمروا على هذا النحو وبهذه الحجة حتى بلغوا بعلبك، فأمر القاسم بن الربيع الذي كان والياً هناك بتزيين المدينة، وأدخلوا الرأس مع آلاف الدفوف والطبول والمزامير، ولمّا علم أهل المدينة أنّه رأس الحسين “عليه السلام”، خرج نصف المدينة وأحرقوا الأعلام ومعالم الزينة والفرح، واستمرت الفتنة لأيام.

وهرب أولئك اللعناء الذين كان معهم رأس الحسين “عليه السلام” متخفين، حتى وصلوا مرزين، وهي أول مدينة من مدن الشام، وكان حاكمها يومئذٍ من قِبل يزيد هو الملعون نصر بن عتبة، فأظهر الفرح والاستبشار، وزيّن البلد، وقضى الجميع تلك الليلة بالرقص، فتلبّدت السماء بغيوم سوداء، وأخذت ترعد وتبرق، وأُحرقت الزينة بأجمعها، فقال عمر بن سعد وشمر لعنهما الله: إن هؤلاء قوم أهل نحس وشؤم.

ثم توجّهوا من هناك حتى وصلوا ميافارقين، وحينها اختصم كبار المدينة فيما بينهم، كل واحد يريد دخول الرأس من بابه؛ لأنّه عقد الزينة فرحاً به، فوقع بينهم قتال، وقتل الآلاف من الطرفين.

وبقي كلاب الكوفة أولئك في تلك المدينة عشرة أيام، ومنها انتقلوا إلى مدينة إيذار، ومنها إلى نصيبين.

قال: منصور بن الياس: رفعوا أكثر من ألف علم استقبالاً لرأس الحسين “عليه السلام”، وكان رأس الحسين معه، فأراد أن يدخل المدينة، لكن فرسه لم يأتمر بأمره، وجاءوه بعدّة أفراس، ولكن لا فائدة، فبينما هم كذلك سقط رأس الحسين “عليه السلام” فجأة من أعلى الرمح، وكان إبراهيم الموصلي في القوم، فحمل الرأس بحذرٍ وحيطة، ولما علم أنّه رأس الحسين “عليه السلام” أخذ يعاتب الناس ويلومهم بشدّة على فعلتهم وقَتْل الشاميين له، وأخرجوا الرأس خارج المدينة، وراحوا ينثرون المال على الناس بما لا يمكن توضيحه.

في اليوم الثالث ثار التراب والغبار حتى أظلمت الدنيا، فساء الخلقُ الظنَ بهم، وقالوا: إن لم تذهبوا من هنا نقتلكم؛ فذهب اللعناء من هناك إلى مدينة شبديز، فتعاهد الناس أنْ لا يعطوهم علفاً ولا طعاماً، ولا يحترمونهم، وإذا اقتضى الأمر يقاتلونهم.

ولمّا علم الكوفيون بهذا الحال تحركوا من هناك، فتعقّبهم الشبديزيون وهم يلعنونهم حتى بلغوا جانب الفرات، وبعدها أخذوا يتنقلون من قرية إلى أُخرى، حتى وصلوا على مقربة من أربعة فراسخ عن دمشق، وفي كل قرية هناك كان الناس يقدمون لهم الهدايا.

وظلوا على باب المدينة ثلاثة أيام حتى يزيّنوا المدينة بكل ما لديهم من الحُلي والرياش والزينة بشكل لم يرَه أحد من قَبْل،

وخرج ما يقرب من خمسمائة ألف ما بين رجل وامرأة، والدفوف بأيديهم، وخرج أمراء القوم، ومعهم الطبول والأبواق والدفوف، وراح الرجال والشباب والنساء يرقصون على أصوات الدفوف والطبول والربابات، وكانت بعض النساء قد خضبن أيديهنَّ وأرجلهنَّ، واكتحلنَ، وارتدينَ ثياب الفرح، وذلك في يوم الأربعاء السادس عشر من ربيع الأول.

ولمّا أشرقت الشمس، أدخلوا الرؤوس إلى البلد؛ ولكثرة الخلق وصلوا إلى بيت يزيد لعنه الله وقت الزوال، وكان يزيد قد اعتلى عرشه، وهو تخت مرصع، وزيّن القصر والمجلس بأنواع الزينة، ووضع كراسي الذهب والفضة عن اليمين وعن الشمال، وجاء الحجاب،

وأقبل كبار اللعناء بالرؤوس نحو يزيد، فسألهم عن الأحوال، فأجاب اللعناء: أنقذنا دولة الأمير من تدمير آل أبي تراب لها، وقصّوا عليه الحكاية، ووضعوا بين يديه رؤوس أولاد النبي صلى الله عليه وآله.

وفي هذه الأيام الستّة والستّين التي كان فيها أهل البيت في يد الكفّار لم يستطع أحدٌ أن يسلّمَ عليهم، وهم كذلك إلى أن انبرى للإمام زين العابدين شيخ، وقال له: الحمد لله الذي قتَلكم … وقيل أيضاً: إنّ أُم كلثوم أُخت الإمام الحسين “عليه السلام” قد توفّيت في دمشق»[22].

كتاب كامل البهائي في نظر المحدِّث القمّي

بمناسبة البحث عن هذا المقتل، وأعني به كتاب كامل البهائي لعماد الدين الطبري، الذي يعود جزء منه بطبيعة الحال إلى أحداث كربلاء، رغبت أن أبيّن قيمة الكتاب ومحتواه الرائع بقلم المحدِّث الخبير والمتخصص في هذا الفنّ المرحوم الحاج الشيخ عبّاس القمّي، حتى يتمّ التعرّف أكثر على هذا الكتاب، ويطّلع القرّاء كذلك على بعض مطالبه.

وقبل ذلك ولأجل الاطّلاع أكثر لا بد من الرجوع إلى الكتاب نفسه، فكتاب كامل البهائي قد طبع للمرة الثانية قبل بضع وعشرين سنة في طهران؛ إذ جُعِل المجلدان مجلداً واحداً، ولكنّ هذه الطبعة لم تكن بالشكل المرغوب والمطلوب، وكانت بحاجة أن يقوم واحد أو أكثر من أهل الفن بتقويمها ومراجعتها ومقابلتها مع النسخ الخطيّة، وتصحيحها.

إنّ المحدِّث القمي في آخر حديثه عن هذه المطالب التي نقلها عن الكتاب ـ وأشرنا إليها آنفاً ـ وعند بيان حال المؤلّف، قال: (والله العالم؛ لأن هذه المطالب فقط ذكرت في هذا الكتاب.

بالطبع مؤلّف الكتاب عنده كتُب من السابقين لا يمكننا اليوم أن نجدها، ولعلّ تلك المطالب صحيحة تماماً، وتؤيدها ظواهر الأمور أيضاً؛ ولذا من الأفضل عند النقل نقول عماد الدين الطبري العالم الكبير في كتاب كامل البهائي).

تمّ نقل أسماء بعض الأماكن التي مرّوا فيها بأسرى أهل البيت في الطريق من العراق وصولاً إلى الشام، بعضها حتى في زمننا المعاصر اليوم غير خافية، وبعضها قيل: إنّها بُدّلتْ وتَغيرت أسماؤها، ولعل بعضها قد اشتبه بها،

مثلاً: لعله وقع اشتباه في مدينة بعلبك بالموصل، ومرزين أيضاً غير معروفة، ولم تثبت في المرصد، وأما شبديز فقد عُبِّر عنها في المراصد بلفظ شبداز ويقال لها أيضاً: شبديز، وهو قصـر كبير من أبنية المتوكّل في سامراء، ويحتمل أن يكون هناك في السابق محل بذاك الاسم.

والأستاذ الفقيد العلاّمة الخبير في الكتب ومصنّفيها الشيخ آقا بُزُرك الطهراني، قال في كتابه الذريعة متناولاً كتاب الكامل: (كامل البهائي فارسي في الإمامة وشرح ما جرى بعد الرسول صلى الله عليه وآله في السقيفة؛ ولذا يسمى بـكامل السقيفة أيضاً، للشيخ عماد الدين الحسن بن علي بن محمد بن علي الطبري. وفى النسخة المطبوعة بُدِّل جدُه علي الطبري بالحسن[23].

قال في الرياض: هو كتاب كبير في مجلدين، والمتداول منه المجلد الأول، وهو في أحوال أمير المؤمنين وإثبات إمامته وإبطال غيره، والمجلد الثاني في أحوال باقي الأئمة، وقد رأيت منه نسخة تامّة بكاشان عند كلانتر تلك البلدة، وأُخرى باسترآباد في كتب المولى حسين الأردبيلي، ويوجد أيضاً نسخة عتيقة عند المولى ذو الفقار، ونسخة تامّة في أصفهان عند الميرزا أشرف بن الميرزا حسيب)[24].

ثمّ يقول العلاّمة الطهراني: (الميرزا أشرف هو صاحب فضائل السادات المطبوع، وقد كانت عنده النسخة بتمامها، وينقل عنها في كتابه… ونسخة الرضوية المكتوبة في 974 هـ مطابق مع المطبوع، ونسخة فيالمجلس: 2077 غير مؤرّخة ترجع إلى القرن الثامن، ساقط الأول والآخر)[25].

ثمّ يشير العلاّمة الطهراني فيما بعد تحت عنوان كامل السقيفة إلى الكتاب أيضاً، ويقول: «هو نفسه الكتاب المعروف بـكامل البهائي، ويشتهر بأسماء أُخرى مثل:لوامع السقيفة وأحوال السقيفة» [26].

10ـ كشف الغمّة في معرفة الأئمة للإربلي

وهو من الكتب المؤلَّفة باللغة العربية ويقع في مجلدين، مؤلّفه بهاء الدين علي بن عيسى الإربلي من مدينة إربل بالقرب من الموصل في شمال العراق، ولد في عائلة كردية كانت تتخذ التشيع مذهباً لها، وكان رجلاً عالماً، أقام في بغداد مدّةً، ورحل عن هذه الدنيا في سنة 693 من الهجرة.

قام الإربلي بتأليف هذا الكتاب في المعصومين الأربعة عشر، ولمّا كان ذلك في زمان سقوط دولة العبّاسيين، وحينها لم يكن يتملك الشيعةَ من الخوف ما كان يتملكهم سابقاً بسبب المتعصبين؛

لذا توسع في البحث حول أمير المؤمنين “عليه السلام” أكثر من المعصومين الآخرين، بحيث إنّه كتب فقط في خصوص أمير المؤمنين 400 صفحة من المجلد الأول، في حين أنّه كان يأتي بروايات العامّة في خصوص كل واحد من المعصومين الأربعة عشر، وبعدها يأتي بروايات الشيعة حتى يكون الاستدلال بها محكماً في مواجهة الخصوم.

وفي بيانه أحوال الإمام أبي عبد الله الحسين “عليه السلام” وثورته ومجيئه إلى كربلاء، واستشهاده وأصحابه الأوفياء، جاء ببعض المطالب من كتُب العامّة؛ لأنّ السنّة لا يعيرون أهميّة لما ينقله الشيعة من الحوادث التي حصلت في استشهاد خامس أهل العبا، وهو إنّما قام بذلك لإلزام الخصم.

وعلى كل حال، فقد صار الكتاب أحد المصادر والكتب التي يعتمد عليها العلماء فيما يتعلّق بالمقدار الذي نقله في كتابه حول مقتل الإمام الشهيد “عليه السلام”. وأخباره صحيحة ومقبولة، لم يرد فيها شيءٌ غير لائق أو باطل.

11ـ روضة الشهداء للكاشفي السبزواري

ألَّف هذا الكتاب الملاّ حسين الكاشفي السبزواري المتوفّى في حدود سنة 911 هجرية، وأسماه روضة الشهداء، وهو باللغة الفارسيّة، ويشتمل على شرح لأحوال الإمام الحسن والحسين عليهما السلام، وبعض أولادهما وذريتهما.

والملاّ حسين الكاشفي كان معاصراً لعبد الرحمن الجامي، وابن صفي الدين علي، عديل الجامي.

وكان الملاّ حسين من أهل سبزوار الذين كانوا جميعاً شيعة، والجامي كان يسكن في هرات التي كان سكنتها جميعاً من أهل السنّة؛ لهذا كان الملاّ حسين يتردد بين هاتين المدينتين، ويرتقي المنبر فيهما، وكان يعمل بالتقية؛ من هنا لم يكتب كتابه روضة الشهداء بالنهج الشيعي بشكل كامل؛ ولذا لم يكن من الكتب المعتبرة في المقاتل .

ويعتقد بعض الناس أن عبارة روضه خوان بالفارسيّة التي تعني قراءة العزاء قد أخذت من اسم هذا الكتاب، بمعنى: أنّ هذا الكتاب يُقرأ على المنبر، والناس يقولون: فلان قرأ الروضة، وبمرور الأيام وتقادم الزمان أُطلق هذا اللفظ على جميع أهل المنبر.

12ـ الجزء العاشر من البحار

خُصّص المجلد العاشر من كتاب بحار الأنوار للعلاّمة المجلسي لسيرة وأحوال الإمام أبي عبد الله الحسين “عليه السلام”، وصار يُعرف بـ عاشر البحار.

لقد قام العلاّمة المجلسي المتوفّى سنة1110هجرية، بتأليف هذا المجلد مستفيداً من المصادر نفسها التي اعتمدها في المجلدات الأُخرى، وقد فصّل الكلام في مقتل الإمام “عليه السلام” وأحداث كربلاء.

عاشر البحار، حاله حال المجلدات الأُخرى لهذا الكتاب المبارك فيه غثٌّ وسمين، ولكنّه بحسب المجموع من الكتب المهمة في مقتل ذلك الإمام المظلوم.

13ـ جلاء العيون للعلاّمة المجلسي

كتاب جلاء العيون من مؤلفات العلاّمة المجلسي في تاريخ المعصومين الأربعة عشر ألَّفه باللغة الفارسيّة، وأورد فيه ما يراه ضرورياً من حياة المعصومين عليهم السلام بلغة سهلة، وفي قسم وفياتهم عليهم السلام لاسيما شهادة الإمام الحسين “عليه السلام”، جاء على ذكر بعض الحوادث والوقائع التي تعدّ من المصادر المهمة في المقاتل .

14ـ نَفَس المهموم

نَفَس المهموم آخر وأفضل وأشهر المقاتل الشيعيّة الموجودة، وهو من تأليف المحدِّث المتتبع المحقق الحاج الشيخ عبّاس القمّيH.

قام هذا المحدِّث الكبير بتأليف هذا الكتاب في سنة 1335هجرية، حينما كان يعيش في جوار الإمام الثامن علي بن موسى الرضا “عليه السلام”، على ما ذَكَر ذلك في نهاية الكتاب. وقد طُبع هذا الكتاب مرّات عديدة.

لقد وفّقت ـ ولله الحمد ـ أن أكتب في السيرة المضيئة لهذا المحقق الكبير، فكانت عبارة عن مجلدين كبيرين، فالشيخ عبّاس القمّي صنّف وألّف أكثر من ثمانين مجلداً في العلوم والفنون الإسلاميّة، وفي الأبواب والمجالات المختلفة من قبيل: التاريخ والحديث، والدراية والرجال، والأدب والأخلاق، والكلام والأدعية والزيارات وغيرها.

وهو بالإضافة إلى كل ذلك كان خطيباً وواعظاً قلَّ أن توجد مواعظٌ مثل مواعظه، وفي نقل الأحاديث، ومقاتل الأئمة الأطهار، وخصوصاً مقتل سيد الشهداء أبي عبد الله الحسين “عليه السلام”، كان خرّيت هذه الصناعة، وخبير هذا الفن بلا منازع.

فبما يمتلكه المحقق القمّي من سابقة عريضة في مطالعة كل المصادر الإسلاميّة؛ الشيعيّة منها والسنّية حول سيرة وحياة الإمام الحسين “عليه السلام”، وأحداث كربلاء، وارتقائه المنبر لسنوات مديدة، يحكي فيها للعامّ والخاصّ تلك الأحداث المؤلمة لنهضة الإمام الحسين “عليه السلام”، وبما يمتلك من علم واطلاع في هذا المجال، قام بتأليف كتابه نَفَس المهموم.

نفس المهموم كان باللغة العربية وبطريقة المحدِّث القمّي في النثر. ذكر في ديباجة كتابه المصادر التي اعتمدها في تدوين الكتاب، وذكر مؤلّفيها بما يليق بهم من الألقاب.

والمصادر التي اعتمدها المحقق القمّي خبير المقاتل وأحداث كربلاء، والتي كانت موضع اهتمامه، هي:

أـ إرشاد المفيد.

ب ـ الملهوف أو اللهوف للسيد ابن طاووس.

ج ـ تاريخ الطبري.

دـ تاريخ الكامل لابن الأثير.

هـ مقاتل الطالبيين لأبي الفرج الأصفهاني.

وـ مروج الذهب للمسعودي.

زـ تذكرة الخواص لسبط ابن الجوزي.

ح ـ مطالب السؤول لمحمد بن طلحة الشافعي.

ط ـ كشف الغمّة لعلي بن عيسى الإربلي.

ي ـ العقد الفريد لأحمد بن محمد بن عبد ربه الأندلسي.

ك ـ الاحتجاج للطبرسي.

ل ـ المناقب لابن شهر آشوب.

م ـ روضة الواعظين للفتّال النيسابوري.

ن ـ مثير الأحزان لابن نما الحلي.

س ـ كامل البهائي لعماد الدين الطبري.

ع ـ روضة الصفاي لمحمد خاوند شاه.

ف ـ تسلية المجالس للسيد محمد بن أبي طالب المولوي الحائري.

ثمّ يقول بعد ذلك: وأنقلُ كذلك من مقاتل أُخرى، مثل: مقتل السيّد محمد الموسوي بواسطة المجلد العاشر من البحار، ومِن مقتل الكلبي بواسطة تذكرة السبط، ومِن تاريخ الطبري، ومِن مقتل أبي مخنف الأزدي بواسطة الطبري.

والعجيب أنّ المحدِّث القمّي لم يذكر عاشر البحار أي المجلد العاشر من كتاب بحار الأنوار للعلاّمة المجلسي ضمن مصادره، وربما نسيه؛ لأنّه نقل مطالب كثيرة منه من دون الاستناد إلى كتاب آخر. وفي الحقيقة أنّ أحد مجلدات بحار الأنوار يعتبر لوحده مصدراً مهماً في نقل أحداث كربلاء.

إنّ المحدِّث القمّي وجد أنّ عمدّة المطالب المتعلقة بأحداث كربلاء في هذه الكتب هي من آثار علماء الشيعة والسنّة، فلو أنّه جعلها أساس بحثه في تلك الحادثة المؤلمة لكان ذلك جيداً،

فهو قام بنقل المطالب المعتبرة منها في مواضعها، وأحياناً تكون محلاً للنقض أو الإبرام، بحيث تتضح قدرة وسيطرة هذا المحدِّث القدير على مقاتل شهداء كربلاء، وتشخيص صحة وسقم ما ورد من روايات في أحداثها، في كتابه نَفَس المهموم.

إنّ المرحوم الحاج الشيخ عبّاس القمّي في ختام ذكره للمصادر يقول في تعبيره عن أصحابها: (أعبِّرُ عن السيّد ابن طاووس بـ السيّد، وعن ابن أثير الجوزي بـ الجوزي، وعن محمد بن جرير الطبري بـالطبري، وعن أبي مخنف بـالأزدي.

والسبب في تعبيري عن أبي مخنف بالأزدي ولا أقول: أبو مخنف؛ حتى لا يتبادر إلى الأذهان أنّه أبو مخنف نفسه الذي طُبع مقتله في المجلد العاشر من كتاب البحار؛ لأنّه قد ثبت عندي أنّ هذا الكتاب الملحق بالمجلد العاشر للبحار ليس هو مقتل أبي مخنف المعروف؛

لأنّ أبا مخنف لوط بن يحيى بن سعيد بن مخنف الأزدي الغامدي شيخ المؤرخين، من أهل الكوفة، ومِن وجوههم اللامعة، وما ينقله موضع اهتمام واعتبار واطمئنان. وكان من أصحاب الإمام الصادق “عليه السلام”، وأبوه كان من أصحاب أمير المؤمنين والحسن الحسين عليهم السلام.

ولأبي مخنف كتُبٌ كثيرة في التاريخ والسيرة من بينها كتاب مقتل الإمام الحسين “عليه السلام” الذي نقل عنه أعاظم العلماء المتقدمين واعتمدوا عليه، وكلّ مَن يراجع تاريخ الطبري سيعلم أنّ أكثر ما نقله في مقتل الإمام الحسين “عليه السلام”، بل كلّ ما نقله قد أخذه من أبي مخنف.

وعندما نتأمل في هذا المقتل المطبوع المنسوب له ونقيسه مع ما نقله عنه الطبري في تاريخ يتّضح أنّ هذا المقتل ليس لأبي مخنف ولا لغيره من المؤرخين المعتمدين؛ وبناءً على ذلك؛ فأنا لا أعتمد على ما جاء فقط في مقتل أبي مخنف المطبوع هذا.

وكتَبَ المحقق القمّي كذلك حول كتابه هذا، وذكر بأنّه قد جعله على مقدمة وخمسة أبواب وخاتمة، وسمّاه نَفَس المهموم في مصيبة سيدنا الحسين المظلوم.

فمقدمة الكتاب في ولادة أبي عبد الله “عليه السلام”، ويشتمل كل باب من أبوابه على عدّة فصول، وأمّا خاتمة الكتاب، فكانت في أحوال التوّابين، وثورة المختار وانتقامه من قتلة شهداء كربلاء.

وكان المحدِّث القمّي ينقل في كتابه هذا من كتُبِ مهمة أُخرى للشيعة والسنّة ويصرّح بأسمائها ـ بشكل مباشر أو بالواسطة ، ومِن خلالها استقى تلك المعلومات حول شخصيّة أبي عبد الله الحسين “عليه السلام” وأبيه وأمه عليهما السلام وشهداء كربلاء.

وينقل نتائج ومجريات تلك الواقعة الأليمة من كتب تبدو أحياناً أنّها لا ربط لها بواقعة كربلاء، مثل: تهذيب الكلام للتفتازاني، والآثار الباقية لأبي ريحان البيروني، وحياة الحيوان للدميري، والكامل للمبرِّد، وبشارة المصطفى لعماد الدين الطبري، وأمالي الشيخ الصدوق والشيخ الطوسي، ومواليد ووفيات ابن خشّاب البغدادي، والصواعق المحرقة لابن حجر المكّي، والمصباح للكفعمي، وشرح نهج البلاغة لابن ابي الحديد المعتزلي، ونور الأبصار للشبلنجي، وتاريخ الخميس للديار بكري، والخرائج والجرائح للرواندي، وروضة الشهداء للملا حسين الكاشفي، والأخبار الطوال للدينوري، وإثبات الوصية للمسعودي، ودعوات الرواندي، ورحلة ابن بطوطة المغربي، والكافي لثقة الإسلام الكليني، ودعائم الإسلام لأبي حنيفة الشيعي، والمحاسن للبرقي، وتاريخ الإسلام للذهبي، وتاريخ ابن الوردي، وخطط وآثار المقريزي، وكامل الزيارة لابن قولويه القمّي، وعقود الجمان للسيوطي، وتاريخ الخلفاء للسيوطي، وأمالي المفيد، وتقريب ابن حجر العسقلاني، ومدينة المعاجز للسيد هاشم البحراني، ومزار محمد بن المشهدي، ومزار الشيخ المفيد، ومزار الشهيد الأول، ومصباح الزائر للسيد ابن طاووس، ومقتل الشيخ فخر الدين الطريحي، وتنزيه الأنبياء للسيّد المرتضى، والغارات للثقفي، ومنهج المقال للاسترآبادي، وتعليقة الوحيد البهبهاني، والشيخ المفيد، ورجال الكشّي، وقمقام فرهاد ميرزا، وأُسد الغابة لابن الأثير، وجلاء العيون للسيّد عبد الله شبَّر، ومعاني الأخبار للشيخ الصدوق، ودرّة العلاّمة بحر العلوم، وبصائر الدرجات لمحمد بن حسن الصفّار، وإعلام الورى للطبرسي، وتاريخ الجنابذي، وعمدة الطالب لابن داود الحسني، وسر السلسلة العلويّة لأبي نصـر البخاري، والعثمانيّة للجاحظ، وأخبار الدول للقرباني، ومعالم الدين لأبي طاهر محمد بن حسن البرسي، ومصباح المتهجد للشيخ الطوسي، وإقبال السيّد ابن طاووس، وينابيع المودّة للشيخ سليمان الحنفي، وبتر الملذات لعبد الفتّاح الأصفهاني، وسيرة ابن هشام.

لقد استفاد المحدِّث القمّي من جميع هذه المصادر قبل سبعين سنة، ولم تكن متيسرة بما هي عليه اليوم، وإن وجدت فتكون طباعتها غير جيدة، وكان ينقل منها في كتابه نَفَس المهموم عند الحاجة وفي المواضع المناسبة، ومِن هنا قد يدرك الإنسان مقدار همّة المحدِّث الكبير المرحوم الحاج الشيخ عبّاس القمّي.

هذا المحدِّث الكبير في الفصل الثاني من الباب الأول لكتابه نَفَس المهموم ينقل أربعين حديثاً معتبراً ومسنَداً حول وقائع كربلاء وفضائل ومناقب سيد الشهداء أبي عبد الله الحسين “عليه السلام”.

الحديث الأول ينقله عن أستاذه العلاّمة المتتبع الحاج ميرزا حسين النوري، إلى إبراهيم بن هاشم القمّي، وهو أول مَن نشر أحاديث محدِّثي شيعة الكوفة في قمّ، يروي عن الريان بن شبيب الذي يشير فيه الإمام علي بن موسى الرضا إلى مطالب مهمّة حول شهادة أبي عبد الله الحسين قالها له.

والخلاصة: إنّ المحدِّث القمّي لم يترك شيئاً يتعلق بواقعة كربلاء لم يذكره في مقتله، وقد نزّهه عن كلّ التحريفات التي كانت شائعة في المقاتل الأُخرى أو على الألسن، فترك لنا مقتلاً معتبَراً بأسانيد قيّمة، فكان بحقّ أفضل وأنفس آثاره. فما يُنقل من ذلك الكتاب معتبَر ومسنَد.

ونَفَس المهموم بحاجة إلى إعادة طباعة تليق بمكانته، فطباعته الحالية لا تناسب قيمته وأهميته. ولهذا الكتاب ترجمتان إلى اللغة الفارسية: إحداهما قام بها العلاّمة الفقيد المرحوم الحاج ميرزا حسن الشعراني، والثانية باسم در كربلاء جه كذشت؟، أي ماذا حدث في كربلاء؟، بقلم المرحوم الشيخ محمد باقر الكمرأي،

وكلا الترجمتين لم يتناسبا مع مقاصد المحدِّث القمّي من هذا الكتاب، وإذا تمّت ترجمته بلغةٍ سهلةٍ دون حشو وزوائد ـ كما حصل في الترجمتين السابقتين ـ لأحتلّ مكانته المناسبة، وهذا لا يتمّ إلاّ عن طريق كاتب ماهر متمرِّس ذي خبرة عالية، لا من أولئك الذين لا يدركون عمق هذا المصنَّف النفيس، ويشرّقون ويغربون ولا ينالون من ذلك إلا التعب والعناء والمشقّة.

15ـ نفثة المصدور فيما يتجدد بحزن يوم العاشور

وهو كتاب مختصر، ألّفه المحدِّث الفقيد الحاج الشيخ عبّاس القمّي في المقتل، وألحقه بكتابه نَفَس المهموم.

يتكوّن هذا الكتاب من أحدَ عشرَ فصلاً وخاتمة بهذا الترتيب:

الفصل الأول: في بعض مناقب الإمام الحسين “عليه السلام”.

الفصل الثاني: في شجاعة الإمام الحسين “عليه السلام”.

الفصل الثالث: في مدح أصحاب الإمام الحسين “عليه السلام” والتعريف ببعضهم.

الفصل الرابع: في التحاق الحرِّ بن يزيد الرياحي بالإمام الحسين “عليه السلام”.

الفصل الخامس: في القصيدة اللاميّة للكُمَيت الأسدي، التي يمدح فيها ستّة من أبطال كربلاء ومِن قبيلة بني أسد.

الفصل السادس: في عطش محمد بن الحنفية بن أمير المؤمنين في معركة صفين بعد الحملة المؤثّرة في الأعداء، وعطش عليِّ الأكبر في يوم عاشور بعد حملته على الأعداء، ومعنى ذلك العطش وعلته.

الفصل السابع: في مواساة عليّ “عليه السلام” للنبي صلى الله عليه وآله في أيام الحصار في شعب أبي طالب، ومواساة أبي الفضل في يوم عاشوراء لأخيه أبي عبد الله الحسين عليه السلام.

الفصل الثامن: تنبّؤ النبي صلى الله عليه وآله في ما يتعلّق بشهادة عمّار بن ياسر، وبيان أحوال أمير المؤمنين “عليه السلام” بعد شهادة عمّار، ومقايستها مع حال الإمام الحسين “عليه السلام” بعد شهادة أبي الفضل العبّاس “عليه السلام”.

الفصل التاسع: موقف النبي صلى الله عليه وآله مع ابنة حاتم الطائي بعد أن جاؤوا بها أسيرة، وأُسر نساء وبنات أهل البيت بعد واقعة الطفّ.

الفصل العاشر: حول الحسن المثنى الجريح الوحيد الذي نجا من واقعة كربلاء، وتزوّج فاطمة بنت عمّه الإمام الحسين “عليه السلام”، والردّ على أبي الفرج الأصفهاني فيما ذهب إليه في كتابه مقاتل الطالبيين حول هذه المسألة.

الفصل الحادي عشر: يتعلق بالحديث عن ضريح يقع على جبل يدعى جوش على مشارف مدينة حلب يُعتقد أنّه لسِقْط من أطفال الإمام الحسين “عليه السلام” كان قد سَقَط ودُفن هناك.

خاتمة الكتاب: وكانت في بعض النصائح الكافية والشافية والضروريّة والنافعة جداً لأهل المنبر.

المحدِّث الكبير الشيخ القمّي بعد تأليفه نَفَس المهموم، تذكَّر بعض المطالب التي لها ارتباط بالإمام الحسين “عليه السلام” ومقتله وأحداث كربلاء، ولم يدرجها في كتابه نَفَس المهموم، فأتى على ذكرها هنا في هذا الكتاب.

والاطّلاع على هذه المطالب مفيد ونافع جداً بالنسبة لأهل المنبر، بل لأهل التحقيق في حوادث كربلاء والنهضة الحسيّنيّة؛ لأنّها غاية في الأهميّة.

إنّ نقل هذه المطالب له القيمة والأهميّة العالية؛ لأنّها كُتبَِتْ بقلم المحدِّث المرحوم الحاج الشيخ عبّاس القمّي وإن لم يذكر مصدرها، فكيف إذا قام أحدُ المحققين بتوثيق مطالب هذا الكتاب وعزوها إلى مصادرها الأصليّة، مع ترجمته ترجمة واضحة وسلسة؛ لينتفع به المتحدِّثين بالفارسيّة.

16ـ منتهى الآمال للشيخ عبّاس القمّي

كتاب منتهى الآمال للمحدِّث الكبير الحاج والمؤرخ الخبير والمتتبع البصير في تاريخ حياة المعصومين الأربعة عشر عليهم السلام الشيخ عبّاس القمّي، ويعدّ واحداً من أفضل المصنَّفات والآثار الفكريّة لذلك العالِم الجليل.

قام الشيخ عبّاس القمّي”ره” بتأليف هذا الكتاب باللغة الفارسية في تاريخ الأئمة الأربعة عشر سنة 1350هـ، وكان له من العمر 56 سنة، وذلك بعد تأليفه وتصنيفه لما يقارب مِن80 كتاباً آخر.

منتهى الآمال ـ وبعد مرور خمسة وستين سنة على تأليفه ـ ما يزال من أفضل وأشمل الكتب المؤلَّفة في حياة الأئمة المعصومين عليهم السلام. يتحدث المؤلّفw في هذا الكتاب حول كلّ واحد منهم، ويتطرّق إلى وفاته وشهادته؛ بحيث إنّه لو جُمع ما نقله عن وفياتهم وشهادتهم بنحو مستقلّ لكان كتاباً رائعاً في مقاتلهم “عليهم السلام”.

مقتل الإمام الحسين “عليه السلام” الذي جاء في هذا الكتاب بقطع وزيري وخط بتعليق طاهر بخط تبريزي وطباعة الإسلامية بلغت صفحاته 123 صفحة، بحيث لو تم طباعته بحروف مطبعية لبلغ 300 صفحة وكان مقتلاً مفصلاً ومعتبراً.

إنّ ما كتبه الشيخ من كتابات، كـ نَفَس المهموم فهي من الكتب المعتبرة والمحققة عنده. وفي الحقيقة يمكننا القول: إنّ المحدِّث القمّي بمقاتله تلك التي خطّتها يده غطّى جوانب مهمة وكثيرة من أحداث كربلاء ومقاتل الأئمة الأطهار، والكتب التي أُلفت بعد المقاتل التي ألّفها المحدِّث القمّي صار أكثر اعتمادها على كتاباته وما ينقله سواء ذكر الكتّاب ذلك وأظهروه أم أخفوه، كما هو المعتاد عند أهل الدنيا وعديمي المروة.

 

الهوامش

المؤرخ والباحث الإسلامي الكبير، ممن أتحف المكتبة الإسلامية بتأليفاته وآثاره القيمة 

[1] أصل المقال بحث ألقاه العلاّمة سماحة حجة الإسلام والمسلمين علي الدواني في مؤتمر… ثم راجعه ووثّقه المؤلِّف نفسه.

[2] محمد بن سائب الكلبي المتوفّي سنة 204 هجرية، وعُرف بأنه أبو التاريخ الإسلامي، وله ما يقارب المائة مؤلَّف.

[3] أبو الحسن علي بن محمد المدائني البصري، من كبار المؤرخين القدماء، توفّي في بغداد سنة 225 هجرية

[4] حسب الطبعة القديمة من بحار الأنوار ذات القطع الكبير الرحلي التي تتكوّن من 25 مجلداً.

[5] القمّي، عبّاس، هدية الأحباب في المعروفين بالكنى والألقاب، ترجمة أبي مخنف.

[6] القمّي، عبّاس، الكنى والألقاب: ج1، ص155.

[7] القمّي، عبّاس، تحفة الأحباب في نوادرآثارالأصحاب: ص299.

[8] الطهراني، آغا بُزُرك، الذريعة: ج22، ص27.

[9] ابن طاووس، رضي الدين، اللهوف في قتلى الطفوف: ص 6.

[10] الخوانساري، محمد باقر، روضات الجنات:ج2، ص 264.

[11] البيت باصطلاح الكتّاب خمسون حرفاً، وهو بسطر واحد عادة.

[12] كان ذلك سنة 1329 هجرية.

[13] عيوب وقبائح أعداء أهل البيت عليهم السلام.

[14] وهو كتاب مؤلف باللغة الفارسية.

[15]كامل البهائي: ص385.

[16] المصدر نفسه.

[17] القصص: 81.

[18] كامل البهائي: ص381.

[19] المصدر نفسه: ص454.

[20] الزج: طرف مدبّب كطرف الرمح.

[21] المصدر نفسه: ص418.

[22] القمّي، عبّاس، الفوائد الرضوية: ج1 ص112ـ 116.

[23] يعني: كتب في الطبعة الأُولى يوجد حسن بن علي بن محمد بن حسن الطبري، والمراد من جده الجد الثاني له.

[24] الذريعة: ج17، ص252.

[25] المصدر نفسه: ص253

[26] المصدر نفسه: ص255.

 

المصدر: مجلة الإصلاح الحسيني، العدد الثاني.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Slider by webdesign

Clicky