حتى-لا-يقع- الطلاق

قراءة في كتاب “حتى لا يقع الطلاق” لسماحة الشيخ عبدالله اليوسف

الاجتهاد: صدر كتاب “حتى لا يقع الطلاق” للمفكر الإسلامي سماحة الشيخ الدكتور عبد الله أحمد اليوسف، ضمن إصدارات دار بسطة حسن للنشر والتوزيع سنة 2021م. والكتاب في الأصل محاضرة لسماحة الشيخ الدكتور اليوسف ألقيت في 14 من شهر رمضان المبارك 1442هـــ الموافق ل 19 شهر أبريل 2021م بمدينة سيهات.. / قراءة: السيد عبد الحميد الحسني -المغرب(*) 

حجم الكتاب 98 صفحة توزّعت على المقدّمة وخمسة أبواب إلى جانب خاتمة على شكل مستخلصات وملاحظات.

وقد عنون المؤلف اليوسف الأبواب الخمسة لمقاربة ظاهرة الطلاق في المجتمعات العربية بـ:

الباب الأوّل: أبغض الحلال إلى الله.

الباب الثاني: الطلاق في أرقام.

الباب الثالث: أهم أسباب الطلاق

الباب الرابع: حتى لا يقع الطلاق

الباب الخامس: إرشادات لما بعد الطلاق

استهل المؤلف كتابه بالآية الشريفة 229 من سورة البقرة، لعلاقتها بموضوع دراسته التي ألمح الشيخ الدكتور اليوسف في مقدمة كتابه أن: “هذه الأوراق المختصرة محاولة بسيطة لتسليط الضوء على ظاهرة الطلاق مع بيان أسبابها وكيفية معالجتها بهدف التقليل منها قدر الإمكان للحفاظ على كيان العائلة والأسرة من التفكك والضياع، وضمان ديمومة الحياة الزوجية واستمرارها.”[1].

حلال مع وقف التنفيذ

وقد تناول الباحث في الباب الأوّل جملة من الروايات والنصوص الحديثية المروية عن النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) بخصوص كراهة الطلاق في الأصل وعدم محبوبيته، كما لفت الانتباه لأهداف الزواج المطلوبة والتي تنتفي بوقوع الطلاق.

وفي هذا المستوى تناول الشيخ الدكتور اليوسف بالعرض والتنويه على أن كراهة الطلاق ترتفع بعذر شرعي، مما يتطلّب الانتباه بخصوص ذلك من قبل الزيجات..

مجتمع مهدد بالطلاق

في الباب الثاني اتجه المؤلف نحو توسيع دائرة المقاربة من خلال أبعاد واقع هذه المسألة بالتطرق إلى إحصائيات رسمية خاصة بظاهرة الطلاق في المملكة العربية السعودية بمختلف أشكاله (الطلاق، الخلع، الفسخ) إلى جانب تصنيف الاحصائيات من حيث نسبة وقوع الطلاق من نسبة الزواج عموما و أيضا النسب سنويا و كذا بحسب مدة الزواج و التي أظهرت أن 60% من حالات الطلاق في المجتمع السعودي تقع في السنة الأولى من الزواج ، ناهيك عن مؤشرات ظاهرة الطلاق التي تدق ناقوس الخطر بالنسبة لسلامة المجتمع، حيث يلاحظ المؤلف الشيخ الدكتور عبد الله اليوسف أن “هذه الأرقام والإحصائيات عن عدد صكوك الطلاق في المجتمع السعودي تشير بوضوح إلى ارتفاع مؤشر الطلاق في المجتمع، وهو الأمر الذي يستدعي عمل دراسات تخصصية لمناقشة هذه الظاهرة المقلقة، وإيجاد الحلول الناجعة للتقليل منها.”[2].

هكذا تنشأ فكرة الطلاق!؟

تأسيسا على هذا الواقع المخيف، ذهب المؤلف نحو عرض أهم أسباب الطلاق، واستهل الباب الثالث من الكتاب بالقول: “أسباب الطلاق متنوعة وعديدة، وقد تختلف من حالة إلى أخرى، يعني الآن لو سألنا كل إنسان طلق امرأته عن سبب طلاق امرأته؟، قد يكون العذر أو السبب مختلفاً من حالة إلى أخرى، لكن هناك حالات يشترك فيها أغلب المطلقين، حيث سجلت عشرة أسباب للطلاق، طبعاً أسباب الطلاق عديدة وكثيرة، ويمكن للباحث أن يتحدث عن أكثر من ثلاثين سبباً للطلاق، لكن ما هي أهم الأسباب؟”[3].

في حديثه عن أهم الخلفيات و الأسباب إزاء الطلاق أورد المؤلف الشيخ الدكتور اليوسف عشرة نقاط ذات علاقة بالخلفيات المعرفية و الاجتماعية و الاقتصادية و التربوية و الأخلاقية و السلوكية و الفنية، فإذا بالثقافة الزوجية تكون أهم مقوّمات منظومة الزواج في المجتمع ، وهو ما سيتجلّى في الأبواب اللاحقة، زد على ذلك مستوى التصوّر والمقاربة لماهية الزواج في كل أبعاده و علاقاته و مسؤولياته و أهدافه ممّا يجعل مقاربة ظاهرة الطلاق أكثر تدقيقًا وتعمّقًا ، بناءًا على الدقة والالتفات إلى حيثيات الحياة الزوجية وهو مجال منهجي متشابك لأنه متولّد من رحم الإرادات المتدافعة في حقل هذه الحياة خصوصا في ظل المجتمع الرقمي و ما أنتجه من تعقيدات و انحرافات و شكوك، بالإضافة لتدافع الأجيال و سطوة بعض الآباء على تفاصيل حياة أبنائهم حتى بعد الزواج.

فالواقع المتضخم بالملذات والكماليات زاد ظروف المعاش صعوبة وجعل الحياة الزوجية أكثر حساسيةً وتكلفاً، كل هذه المعطيات وغيرها نبّه عليها المؤلف فيما يتصل بمسألة الطلاق، حيث ركز على معاينة أهم صور واقع الطلاق وتصحيح الأخطاء والقراءات المتداولة من جهة، ومن جهة أخرى كشفت مقاربته لأهم الأسباب وعي المقبلين على الزواج بأهمية اكتشاف المشروع والإحاطة به وبأهدافه و مخاطر فشله وإخفاقات التعامل مع متغيراته في ظل التحديات الثقافية والاجتماعية المعاصرة.

حتى يتراجعا عن الطلاق:

وقد بيّن الشيخ الدكتور عبد الله اليوسف في مختلف فقرات الباب الرابع الذي يعتبر مركز ثقل أوراق هذه الدراسة المختصرة حول ظاهرة الطلاق، سبل و طرق تفادي الإنجرار أو الوقوع في شرك الطلاق ، حيث رسم المؤلف أهم معالم خريطة الطريق التي من شأنها مساعدة الزوجين و الأقارب و أعيان المجتمع “حتى لا يقع الطلاق”، و بدأ ذلك كله بالقول: “و علينا معرفة العوامل التي تمنع حدوثه، وعلاج دوافعه وأسبابه، ومعالجة أي مشكلة تحدث بين الزوجين بحكمة وحنكة، فأكثر المشاكل والخلافات الزوجية يمكن معالجتها وحلها بالحوار والتفاهم، ومنع الوصول إلى مرحلة الانفصال والطلاق.”[4].

من بين أهم القواعد الذهبية للزوجين التي انتهى إليها في هذا الباب المؤلف هي صور مقابلة لأهم الأسباب التي تؤدي إلى تحول الحياة الزوجية إلى جحيم، والأهم في هذا الباب هو التأصيل الشرعي لكل قاعدة والحث على رفع مستوى الوعي الثقافي وتنمية السلوك الإيجابي والتسامح والنهوض بالمسؤولية الزوجية والأسرية من خلال أداء الحقوق والواجبات وتطوير الحياة الزوجية بما يزيد العلاقة بين الزوجين أكثر مودة ورحمة..

ما بعد الطّلاق: الواقعية والإحسان

ومن أهم الإشكاليات التي تناولها المؤلف بكل لباقة وصراحة وموضوعية في آخر باب من الكتاب هي واقعية ونجاعة الطّلاق في بعض الحالات المعقدة، حيث أشار إلى أن هذه المرحلة تأتي بعد إنسداد كل سبل الإصلاح و العلاج، مناقشا ماهية الطلاق عند المسيحيين و لدى المسلمين ، حيث اعتبر ما بعد وقوع الطلاق بمثابة الجزء الثاني للمشاكل مما يستدعي معرفة أهم القواعد التي تهدئ النفوس لتسلم لواقع الحال بعدما لم يصلا للصلح و الاستمرار في العلاقة الزوجية،

في هذا الباب الخامس والأخير من الكتاب، ناقش المرحلة الصعبة والحساسة المتمثلة فيما بعد الطّلاق نقاشا بدأ فقهيا ثم ثقافيا ليمتد في الابعاد الأخلاقية و التربوية و الاجتماعية على ضوء أساس مهم و هو عنوان الإحسان الذي يتسع لعلاج كل آثار وقوع الطلاق و الذي يمثل أمرا إلهيا حدد أن الطّلاق في الإسلام يكون على أساس الإحسان و ليس التعسف و المكر و الإيذاء من كلا الزوجين،

كما أن القواعد التسعة التي ذكرها المؤلف حددت مواطن الخلل التي تنتج مشاكل ما بعد الطّلاق، و طرح من خلالها العلاجات السليمة للأبعاد النفسية والأخلاقية والاجتماعية و الاقتصادية و أسس لرؤية منفتحة على المستقبل و أرسى معالم ثقافة الحياة الجديدة و وعي المسؤوليات التي تترتب عليها حقوق و واجبات.

الخاتمة:

ختم المؤلف كتابه بمستخلصات وملاحظات في مختلف المستويات الثقافية والفقهية، التربوية والاجتماعية والاقتصادية و الإعلامية ، كخطوة استباقية في بناء تصور و وعي يقوم على المعرفة الفقهية و النباهة الاجتماعية و المسؤولية الوالدية قبل الزواج ،

فالمستخلصات و الملاحظات الستة تناولت مختلف فروع الدراسة الذي وقف فيها المؤلف على الأسباب و المشاكل و العلاجات و القواعد المهمة حتى لا يقع الطلاق و كذا قواعد التهدئة لما بعد وقوع الطلاق، وفي ذلك دلالة على قيمة هذه الأوراق على الرغم من أنها جاءت مختصرة لكنها وضعت عدة نقاط على حروف الحياة الزوجية من جهة و كذا قيمة الإحسان في متغيرات هذه الحياة الخاصة سواءا قبل أو بعد وقوع الطلاق.

أهم ما يمكن توصيف به هذا الإصدار الجديد و الفريد في طبيعة موضوعه و نسق عرضه و تحليله من قبل المفكر الإسلامي الشيخ الدكتور عبد الله أحمد اليوسف، أنه دليل إضافي في مجال التنمية الاجتماعية و الثقافة الأسرية و إدارة الحياة الزوجية، كونه قارب أهم الثغرات في واقع الزواج ليس بالمملكة العربية السعودية فقط و إنما في كل المجال العربي و الإسلامي، مما يستدعي التوصية بإستثمار الخطوط العريضة بالكتاب للقيام بدراسات سوسيولوجية و نفسانية و قانونية و تربوية بمنهج وصفي تحليلي نقدي بناء على عينات خاصة، ما من شأنه تقريب صور الظاهرة و تركيز المسؤوليات و استشراف التحديات و خلق تصورات مهمة في صناعة الوعي و الرشد لدى الأفراد و المجتمعات..

منتهى هذه القراءة، نثمن هذه الدراسة الهامة في ظل مجتمعاتنا المهددة بالانحرافات و المشاكل و صراع الإرادات و المصالح و التخلف في الثقافة بشتى حقولها، لأن الأبواب الخمسة جاءت متناسقة و متكاملة بما أضفاه المؤلف من لمسات ممتازة في البعد المنهجي من خلال مقاربة الظاهرة في أسبابها و علاجاتها وفق رؤية و معرفة علمية ثقافية اجتماعية عامة و معرفة فقهية معاصرة، مما يعكس لدى القارئ تصورا جديدا و وعيا متقدما حول مستقبل نواة الصحة المجتمعية و سنام الرشدين الفردي و الاجتماعي،

فما جادت به أنامل المؤلف الشيخ الدكتور اليوسف استنطق واقعا إجتماعيا قلقاً من فشل هذه الرابطة الاجتماعية الأصيلة و المركزية في تحقيق أهدافها، وأزاح الستار عن صور التخلف في فقه الزواج و التربية و الإدارة و العلاقات و المسؤوليات و الحقوق و الواجبات، واستطاع أن يبعث نفسا جديدا في الإصلاح و أملا سليما في الإحسان،

و بالتالي كان الشيخ الدكتور عبد الله اليوسف موفقا إلى حد كبير في إبراز أبعاد و خلفيات ظاهرة الطّلاق، وسبل فك المآزق القائمة بين الزوجين و ما يتصل بهما في إطار نوع من الموضوعية العلمية و الواقعية ضروري و استراتيجي في بعث وعي جديد بمبادئ العلاقة الزوجية الناجحة، وذلك حتى يتسنى للمجتمع نهضته وتطوره.

(*) السيد عبد الحميد الحسني -المغرب

[1] الكتاب، ص9-10.

[2] نفس المصدر ص 21.

[3] نفس المصدر، ص22.

[4] نفس المصدر ص 39

 

المصدر: مركز آفاق للدراسات والبحوث

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Slider by webdesign

Clicky