خاص الاجتهاد: أكد حجة الإسلام والمسلمين الشيخ علي الخياط، في الجزء الثاني من خطابه في منتدى الحوار بين الأديان بالفاتيكان، على ضرورة توافر شروط وخصائص معينة في المعلم من منظور الإسلام، أبرزها وجود دافع صحيح.
وأوضح سماحته أن نوعية الدافع والهدف لدى المعلم تؤثر بشكل كبير على أدائه، مشدداً على ضرورة أن يكون لدى المعلم نية خالصة وأهداف سامية.
وقال أن الهدف الأساسي من التعليم هو رضا الله تعالى، مبينًا أن طرق رضا الله كثيرة ومتنوعة. ومن أبرز هذه الطرق نشر العلم والمعرفة الصحيحين في المجتمع، ومساعدة الآخرين، وإصلاح ما فيه من فساد، والقدوة الحسنة، والوصول إلى الأجر والثواب في الآخرة.
أهمية التواضع العلمي
وأكد مدير حوزة خراسان العلمية على أهمية التواضع العلمي والابتعاد عن المبالغة في الادعاءات العلمية كأحد أهم صفات المعلم الناجح من وجهة نظر الإسلام. وأوضح أن ادعاء المعلم بأنه قد بلغ أقصى درجات العلم في مجال معين يدل على افتقاره إلى الصدق أو أنه يعاني من جهل مركب. فوفقًا للإسلام، فإن من يدعي الكمال في العلم يكون في الواقع أجهل الناس. ثم إن ادعاء العلم المطلق يدل على وجود خلل معرفي أو شخصي في المعلم. وأوضح أن مثل هذا الادعاء يعيق عملية التعليم والتعلّم، حيث أنه يعكس عدم مرونة المعلم وعجزه عن تقبل التغيرات والتطورات العلمية المستمرة. فالعلم، بحكم طبيعته، ديناميكي ومتجدد، ولا يمكن لأي شخص أن يكون على دراية بكل جديد فيه.
وأضاف سماحته أن أفضل نهج للمعلم من منظور الإسلام هو الاعتراف الدائم بوجود احتمال الخطأ أو النقص في علمه. كما يجب عليه ألا يتردد في الاعتراف بعدم معرفته لما لا يعرفه، والاستفادة من الفرص المتاحة للبحث عن الإجابات الصحيحة.
التطابق بين العلم والعمل
وأشار مدير حوزة خراسان العلمية إلى سمة أخرى أساسية في التعلم المثالي من المنظور الإسلامي، وهي التطابق بين العلم والعمل. بمعنى آخر، إذا لم يكن المعلم مؤمناً ملتزماً علمياً بمعرفته، وكان سلوكه يتعارض مع علمه، فإنه لا يستطيع تحقيق تعلم مثالي. وذكر مثالاً على ذلك قائلاً: إن الأستاذ الذي يعلّم تلاميذه أضرار المخدرات على جسم الإنسان، ولكنه مدمن لهذه المواد، فإنه لا يمكنه أن يكون قدوة حسنة. وقد أشار القرآن الكريم إلى أن الأشخاص الذين يتناقض قولهم مع فعلهم، فهم عرضة للمساءلة، مؤكداً الشيخ خياط أن التناقض بين القول والفعل يمكن أن يهدد أساس العلم. ذلك لأن العلم بدون عمل، من وجهة نظر الإسلام، قد يثبط عزيمة أفراد المجتمع عن طلب العلم، وينتهي الأمر بالتراجع في تطوير العلم ونشره، ولذلك يجب الحذر في هذا الشأن.
أهمية فهم حساسية وتأثر المراهق والشاب من قبل المربين والمعلمين
واشار فضيلته على ضرورة ضبط نوعية ومستوى التواصل مع المتعلمين، وقال: إن المعلم والمربي يجب أن يضبط نوعية ومستوى تفاعله مع المتعلّم بشكل مناسب حتى يتم تحقيق أهداف التعليم. ومن أهم الأمور التي يجب على المربي مراعاتها تجاه المتعلم فهم حساسية وتأثر المراهق والشاب بشكل كبير، مشيراً إلى أهمية مراعاة المتغيرات المؤثرة في نوعية التواصل بين المربي والمتعلم، وذكر أن من أهم هذه المتغيرات، من منظور إسلامي، هي الخبرات السابقة ومستوى الذكاء والفهم لدى المتعلم. فقد أوصى الإسلام بأن يُراعى في عرض المعلومات العلمية مستوى فهم المستمع ومعارفه، لأن عدم التناسب بين المعرفة المقدمة ومستوى فهم المتعلم قد يؤدي إلى فشل عملية التعلم، وقد يترتب على ذلك آثار سلبية مثل تراجع الدافعية والثقة بالنفس، وزيادة القلق والتوتر، ونقص التفاعل والمشاركة في المناقشات العلمية.
كما أشار حجة الإسلام والمسلمين اخياط إلى أن من الأمور الهامة التي يجب على المربين مراعاتها تجاه المتعلمين، من وجهة نظر الإسلام، هي المحبة والصبر وعدم الغضب. وأكد أن محبة المعلم واهتمامه بتلاميذه يمكن أن يشجعهم على التعلم ويزيد من حماسهم له، وأن محبة المعلمين لطلابهم تساهم بشكل كبير في رفع مستوى التحصيل الدراسي. مشيراً إلى دراسات علمية، قال إن الطلاب الذين يشعرون بمحبة معلميهم ودعمهم يحققون نتائج أفضل أكاديمياً، وذلك لشعورهم بالأمان والقيمة. وأضاف أن محبة المعلم للطالب لا تقتصر على خلق بيئة تعليمية إيجابية، بل تساهم أيضاً في بناء الثقة بالنفس وتطوير المهارات الاجتماعية وحل المشكلات السلوكية لدى الطلاب.
وحول أهمية أن يكون المربون على دراية بأحدث التطورات في مجال تخصصهم، قال حجة الإسلام والمسلمين خياط: إن الإسلام يحث على تجديد المعرفة وعدم الاكتفاء بالمعرفة القديمة.
وأضاف أن على المربي أن يحدد احتياجات المتعلم بدقة وأن يختار الاستراتيجيات التعليمية المناسبة، وأن يعمل على تهيئة بيئة تعليمية محفزة، وأن يقوم بتقييم مستمر لعملية التعلم، وذلك لتحقيق الأهداف التعليمية. كما سماحته إلى أهمية الطرق التعليمية النشطة والتحاورية والمشاركة فيها، مؤكداً أنها من أفضل طرق التدريس.
وأضاف أن الحوار والمشاركة في هذه الطرق ليسا مقدمة للتعليم بل جزءًا منه، حيث يدفعان المتعلم إلى اكتشاف المعلومة بنفسه. وذكر أن هذه الطرق لا تقتصر على تنمية تفكير المتعلم ومهاراته الاجتماعية والتواصلية وزيادة ثقته بنفسه، بل تساهم أيضًا في تطوير المعلم نفسه، حيث تفتح الحوارات آفاقًا جديدة من المعرفة والحلول العلمية.