خاص الاجتهاد: أكد حجة الإسلام والمسلمين الشيخ علي خياط في الجزء الأول من خطابه الذي ألقاه في هيئة الحوار بين الأديان بالفاتيكان على أن موضوع التعلّم والتعليم، وعموماً التعليم، يعد من أهم المواضيع وأكثرها شمولية في تاريخ حياة البشر.
وأضاف قائلاً: تستمر الحوارات حول أسس وماهية التعليم ومعرفته ومنهجياته، والتغيرات التي طرأت على فلسفات التعليم وطرق التدريس والفهم العلمي لعملية التعلّم هي الأسباب الرئيسية لاستمرار النقاشات المتعلقة بالتعليم
وأوضح أن التعلم في المجتمعات البدائية كان يعتمد بشكل كبير على الطرق الشفوية والتقاليد، حيث كانت القصص والأقوال الشفوية والأنشطة العملية هي الوسائل الرئيسية للتعليم ونقل العلم. إلا أنه مع بداية العصور القديمة، بدأت المؤسسات التعليمية مثل الأكاديميات اليونانية والمدارس الهندية والصينية في تطوير طرق تعليمية أكثر تنظيماً مثل السؤال والجواب والمناقشات الفلسفية وتحليل النصوص التي كانت شائعة في تلك الفترة.
وأكد مدير حوزة خراسان العلمية على أن التعليم في العصور الوسطى في الغرب كان يتركز بشكل أساسي في الأديرة والجامعات، وكانت دراسة النصوص الدينية والمناظرات الفلسفية ودراسة النصوص الكلاسيكية تمثل أهم أساليب التعليم. وأضاف قائلاً: إن ظهور الإسلام في القرن السابع الميلادي واهتمامه الكبير بالعلم والتعليم قد أدى إلى تحول كبير في هذا المجال، ووصل هذا التحول إلى ذروته في القرنين الثامن والثاني عشر الميلاديين تزامناً مع العصر الذهبي للإسلام، حيث ظهر علماء مسلمون كبار في مجالات الفلسفة والرياضيات والطب والفلك والكيمياء وغيرها، كما أنشئت النظمية ودار الحكمة والمرصدات والمكتبات الضخمة، وعمل آلاف الباحثين المسلمين، مما يعتبر من سمات هذا العصر العلمية والتعليمية
وأوضح أن الفترات التي تلت العصر الذهبي للإسلام، مثل عصر النهضة الذي شهد اهتماماً كبيراً بالعلوم التجريبية والأساليب العلمية القائمة على التجربة والملاحظة، والقرنين التاسع عشر والعشرين اللذين شهدا ظهور نظريات تعليمية مثل السلوكية والإدراكية والبنائية، قد شهدت تطورات جوهرية في أساليب التعليم والطرق العلمية. ومع ذلك، فقد شهد القرن الحادي والعشرون والعصر الحديث، مع ظهور وتطور تكنولوجيا المعلومات والتعليم الإلكتروني والتعلم عبر الإنترنت واستخدام الأدوات الرقمية مثل الذكاء الاصطناعي والبرامج التعليمية، تحولاً جذرياً في أساليب التعليم والتعلم
وأكد حجة الإسلام والمسلمين خياط على أن استعراض تاريخ أساليب التعلم يبرز تطوراً مستمراً وتغيرات في المنهجيات والنظرية التربوية، مما يعكس التحول في عملية التعلم عبر الزمن. وأشار إلى أن هناك نظريات تعليمية هامة في العلوم التربوية والتعليمية، حيث يركز كل منها على جانب معين من عملية التعليم، ويمكن أن يساهم في فهم أفضل للطرق التعليمية وتحسين تجربة التعلم. و بشكل عام، تنقسم هذه النظريات إلى تجريبية وعقلانية، ولكل منهما أسس علمية وطرق تعليمية خاصة بها.
وأكد عضو المجلس الأعلى لحوزة خراسان العلمية على أن المسلمين يعتقدون أن أساليب وأدوات التعليم قد تطورت وتغيرت، وأن نظريات تعليمية متعددة قد ظهرت، إلا أن الروح الحاكمة لمسألة التعليم والتدريس والتعلم، كما جاء في الإسلام، ثابتة لا تتغير بمرور الزمن وظهور نظريات جديدة.
وأكد على أن الإسلام يولي أهمية بالغة لمسألة التعليم والتعلم، مشيراً إلى أن أولى الوحيات التي نزلت على النبي صلى الله عليه وآله وسلم كانت مرتبطة بالعلم والمعرفة. كما أن القرآن الكريم قد ذكر العلم والتعلم في أكثر من ٧٥٠ آية، مما يدل على الأهمية البالغة التي يوليها الإسلام لهذا الأمر. وعلى عكس الحضارات القديمة مثل إيران وروما التي كانت تقتصر فيها المعرفة على طبقة معينة، فإن الإسلام يشجع جميع أفراد المجتمع، رجالا ونساء، على طلب العلم، ويعتبر ذلك واجباً، كما يجعل الدولة مسؤولة عن توفير التعليم للجميع.
وأضاف أن الإسلام لا يقتصر على التأكيد على أهمية العلم في الحياة الدنيا، بل يربط بين طلب العلم والثواب الأُخروي، حيث يعتبر تعلم جزء من علم أفضل من ألف ركعة نفل، ويعتبر الجلوس عند العلماء وتعلم العلم أفضل من تشييع ألف جنازة، وعيادة ألف مريض، وعبادة ألف ليلة، وصيام ألف يوم، وإعطاء ألف درهم صدقة، وحج ألف فريضة.
أوضح مدير حوزة خراسان العلمية أن هذه الآثار والخصائص لا تنطبق على أي نوع من العلم، بل إن الإسلام يضع معايير وشروطًا محددة للعلم المطلوب. وبيّن أن العلم المطلوب من وجهة نظر الإسلام هو العلم الذي يقود الإنسان إلى الإيمان بوجود الخالق، فكلما تعمق الإنسان في العلوم المختلفة، زاد يقينه بأن هذا الكون المنظم لا يمكن أن يكون إلا مخلوقًا لحكيم. كما أن الخالق قد بعث الأنبياء ليعلموا الناس الطريقة الصحيحة للحياة، وعلى الإنسان أن يتعلم هذه الطريقة ويتبعها. مؤكدا على أن من أهم صفات العلم النافع من وجهة نظر الإسلام هو أن يكون مفيدًا وعمليًا، مشيرًا إلى أن الكثير من العلوم لا تحمل أي منفعة أو ضرر للإنسان. وقد جاء في المصادر الإسلامية أنه يجب تعليم الشباب ما يحتاجونه في المستقبل، وذلك لأن دائرة العلم واسعة، وحياة الإنسان قصيرة لا تسمح بتعلم كل العلوم، ولذلك يجب التركيز على العلوم النافعة.
وأوضح حجة الإسلام والمسلمين خياط على أن الإسلام يشترط أن يكون العلم في خدمة الإنسانية والعدل والحقيقة، وأن يستخدم في التنمية الفردية والاجتماعية بطريقة بناءة وإيجابية. ولهذا السبب، حرم الإسلام تعلم بعض العلوم.
وقد ذكر أن من العلوم المحرمة في الإسلام تلك التي تتناقض مباشرة مع تعاليم الإسلام، وتلك المبنية على معلومات خاطئة أو زائفة، وكذلك العلوم التي تؤدي إلى إنتاج أو استخدام أدوات تسبب الفساد أو التدمير أو الأذى للبشر أو البيئة، بالإضافة إلى العلوم التي تنتهك حقوق الإنسان أو الظلم أو الاستغلال، وتروج للسلوكيات غير الأخلاقية أو السلوكيات الخاطئة مثل الفحشاء واللامبالاة والعنف.
وأشار مدير حوزة خراسان العلمية الى أن الإسلام حدد المرحلة العمرية المثلى لطلب العلم، واعتبر فترة الشباب هي أفضل فترة لذلك، داعيًا إلى أن يكون الإنسان في شبابه إما معلماً أو متعلمًا، مستشهد بحديث شريف آخر للنبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول فيه: “مَثَلُ الَّذي يَتَعلَّمُ في صِغَرِهِ كَالنَّقشِ فِي الحَجَرِ، ومَثَلُ الَّذي يَتَعلَّمُ في كِبَرِهِ كَالَّذي يَكتُبُ عَلَى الماءِ. وأضاف قائلًا: إن الإسلام يرى أن فترة الشباب فرصة قصيرة، وإذا لم يستغل الإنسان هذه الفرصة في اكتساب العلم والمهارات، فإنه يفوته الكثير.
المصدر: الاجتهاد نقلا عن وكالة أنباء حوزة خراسان العلمية بالفارسية
مدير الحوزات العلمية في إيران يلتقي البابا فرنسيس في الفاتيكان