خاص الاجتهاد: افتتحت رسميًا “حلقة فقه الأسرة” في مركز الأخوند الخراساني التخصصي، بحضور وكلمة كل من الأستاذ المشارك في المعهد العالي للثقافة والعلوم الإسلامية سماحة الحجة الشيخ فرج الله هدایت نيا، وأستاذ البحث الخارج في الفقه والأصول في حوزة مشهد العلمية سماحة الحجة الشيخ مجتبي الهي الخراساني، وذلك في جمع من الباحثين لهذه الحلقة في مركز طوبى التخصصي.
وأشار حجة الإسلام والمسلمين فرج الله هدایت نيا في هذه الجلسة إلى أهمية فقه الأسرة والتحديات التي تواجه هذا المجال، وقال: إن قضايا الأسرة في عصرنا أصبحت أكثر تعقيدًا ومتشابكة، وهي من موضوعات متعددة التخصصات. وأضاف أن الطبيعة المتعددة التخصصات لقضايا الأسرة تستوجب علينا الابتعاد عن النظرات أحادية الجانب. وأكد على أهمية قضايا الأسرة مقارنة بما كانت عليه في الماضي، مشيرًا إلى أن تعقيد المشكلات وتشابكها يتطلب تضافر جهود مختلف التخصصات، فلا يمكن للعلماء الاجتماعيين أو النفسانيين وحدهم أن يقدموا حلولًا فعالة، وكذلك فإن الحلول الفقهية والقانونية يجب أن تأخذ في الاعتبار جميع الجوانب.
وأضاف عضو هيئة التدريس في المعهد العالي للثقافة والعلوم الإسلامية أن من الأمور الهامة جداً ضرورة تطوير فهمنا لفقه الأسرة وتجاوز النظرة التقليدية التي قدمتها لنا المصادر الفقهية. فإذا نظرنا إلى أبواب فقه الأسرة في الكتب الفقهية – لا المصادر- والتي غالباً ما تتبع هيكل “الشرائع” للمحقق الحلي، نلاحظ أن هذه الأبواب، والتي تتضمن الطلاق والنكاح والخلع والمباراة والإيلاء واللعان والظهار، تركز بشكل أساسي على العلاقات الداخلية للأسرة، كعلاقات الزوجين والوالدين والأبناء، واليوم ومع الأدبيات القانونية، يمكن القول أن الحقوق الخاصة للأسرة قد تم الاهتمام بها في تلك المصادر… إلا أن هناك جانباً هاماً آخر تم تجاهله في النصوص الفقهية، ألا وهو علاقة الدولة بالأسرة. فهناك مجال آخر من فقه الأسرة لا يتعلق بالحقوق الخاصة، بل بالعلاقة بين الدولة والأسرة، ويمكن تسميته بفقه الدولة أو فقه الحوكمة أو الفقه الاجتماعي أو الفقه السياسي. وهناك العديد من المسائل التي تتناول هذه العلاقة في المصادر الفقهية، ولكنها لم تُدرج بشكل منهجي في النصوص الفقهية.
وأشار هذا الأستاذ الجامعي إلى أن الفقهاء قد تطرقوا في مباحث الطلاق إلى موضوع الطلاق الحاكم الذي يتعلق بالعلاقة بين الدولة والأسرة. كما تناولوا الجوانب الجزائية لترك النفقة. وأضاف أن من الأمور التي يجب على الدولة أن تتولّاها حماية الأسرة وتوفير الاحتياجات الأساسية لها، مثل التعليم والإرشاد الأسري والدعم المادي والأمن والحماية من العنف الأسري، بما في ذلك العنف ضد الأطفال والنساء وكبار السن. كما يجب النظر في قضايا مثل السكان والأسرة. وهناك جانب آخر يتعلق بتدخل الدولة في شؤون الأسرة، وهو جانب لم يتم تناوله بشكل كافٍ في الفقه الإسلامي أو تناوله استطراداً، وهذا النقص يستوجب فتح باب جديد في فقه الأسرة، يتم فيه دراسة علاقة الدولة بالأسرة، والتي تتضمن جوانب داعمة وجوانب تدخلية.
بجانبه، أشار سماحة الحجة الشيخ مجتبی الهي الخراساني في افتتاح حلقة فقه الأسرة إلى ضرورة تبني منهج متعدد التخصصات في دراسة قضايا الأسرة، مؤكدا على أن المباحث الفقهية وحدها لا تكفي لحل قضايا فقع الأسرة. وأضاف سماحته أن النظر إلى هذه القضايا من زاوية ضيقة لا يتناسب مع متطلبات العصر، بل يجب توسيع الرؤية لتشمل جوانب اقتصادية واجتماعية وسياسية وقانونية.
وأضاف أستاذ السطوح العالية في حوزة مشهد العلمية أنه ما دامت أبحاثنا أحادية التخصص، فلن يكون هناك منهجية واضحة. ففي الفقه، نعتمد على الكتاب والسنة والعقل كمصدر أساسي، وبالتالي تسود منهجية ذلك الفرع. ولكن عندما يتداخل تخصص آخر مثل القانون أو الاقتصاد أو الدراسات الاجماعية النسوية أو علم النفس، يطرح سؤال: ما هي المنهجية التي سنتبعها؟ هل يمكننا إجراء بحث فقهي نفسي مع الالتزام الكامل بمنهجية الفقه في المنهجية و المباني المعرفية؟ هذه مسألة تستحق المزيد من التفكير.
وقدّم الأستاذ إلهي الخراساني اقتراحين حول البحوث متعددة التخصصات: اقترح أن يكون الفقه حجر الزاوية في البحث المتعدد التخصصات، بمعنى أن نعتمد على المبادئ المعرفية الفقهية كأساس لبناء الإطار العام للبحث، وبالتالي تكون النتيجة النهائية مستندة إلى منهجية فقهية. ومع ذلك، يمكننا الاستفادة من منهجيات العلوم الأخرى في تحديد الموضوعات، وابتكار الفرضيات، واستخدام النظريات الغربية، وتبني منظور نقدي تجاه التراث الفقهي والقانوني والنفسي، شريطة أن يتم ذلك ضمن حدود كل علم على حدة.
وأضاف فضيلته: هناك نهج آخر يتمثل في المقارنة الموازية بين مختلف التخصصات، حتى في مرحلة الاستنتاج. فالمقارنة لا تعني مجرد التصويت على رأي واحد، بل تقدم لنا صورة شاملة عن مختلف التخصصات، مما يتيح لنا الاطلاع على نتائج العلوم الأخرى بشكل واعٍ والاستفادة منها. ومن شأن هذه الأبحاث الموازية أن تؤدي إلى نقاط التقاء، مثل تبني الفقهاء للمعلومات الطبية. وبعد ذلك، تتحول هذه الأبحاث إلى أبحاث متعددة التخصصات. وقد يؤدي هذا النوع من الأبحاث، مع مرور الوقت، إلى تكوين مزيج متكامل بين التخصصات، يشبه التفاعل الكيميائي، حيث يتم الجمع بين مختلف المصادر في جمع البيانات، وصياغة الفرضيات، وبناء النظريات، وحتى في عملية الاستنتاج. فعلى سبيل المثال، يمكن اتخاذ قرار فقهي في المرحلة الأولى، ثم اللجوء إلى القواعد القانونية في المرحلة الثانية.
وقام عضو الهيئة العلمية في مركز الأخوند الخراساني التخصصي إلى دراسة التحديات والمعوقات التي تواجه البحوث متعددة التخصصات و قال: هناك مشكلتين رئيسيتين تواجه هذا المجال: التضييق والتعجل. يؤدي التضييق، سواءً في صياغة الفرضيات أو في منهجية البحث، إلى تقييد الإبداع وتحويل الأبحاث إلى نماذج مكررة وغير مبتكرة. أما التعجل فيؤدي إلى نقص في عمق البحث، سواء من حيث جمع البيانات أو دقة المنهجية أو قوة التحليل. يجب أن نولي الوقت الكافي للأبحاث لضمان جودتها، ولا يجب أن نكتفي بأعمال متوسطة. فالدنيا مليئة بالعلوم الزائفة، والمجلات العلمية مليئة بها، وقد عانت العديد من الدول من تبعات تطبيق هذه العلوم الزائفة في قوانينها ومؤسساتها.