السيّد علي فضل الله

فضل الله في اللّقاء التّكريميّ للعلّامة العلايلي : كان تجديديّاً ويتطلَّع إلى الشَّريعة بعين العصر

كانت نظرة الشيخ العلايلي إلى الدّين نظرةً حضاريةً، بنيت على قواعد متينةٍ، وهي أنّ الإسلام رسالة إصلاحٍ لا تقليد، رسالة إنسانيةٍ لا طائفيةٍ.. رسالة الحاضر والمستقبل، لا رسالة الاستغراق في الماضي. وقد آمن الشيخ العلايلي بأنّ الدين جاء لخدمة الإنسان، لا أنّ الإنسان جاء لخدمة الدين. ولذلك، دعا إلى أنسنة الدين، ورفض الفتاوى التي تسيء إلى إنسانيّة الدين.

موقع الاجتهاد: نظّم ملتقى الأديان والثقافات للحوار والتنمية، وكلية الدراسات الإسلامية في جامعة المقاصد، لقاءً تكريمياً حاشداً للعلامة الشيخ عبدالله العلايلي، تحت عنوان “رائد التجديد والحوار والتقريب”.

وقد أقيم اللقاء في قصر الأونيسكو في بيروت، بحضور شخصيات سياسية وعلمائية وثقافية وأدبية واجتماعية، تقدمها النائب ياسين جابر ممثلاً رئيس مجلس النواب نبيه بري، والنائب محمد قباني ممثلاً رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري.

وقد ألقى سماحة العلامة السيّد علي فضل الله، رئيس ملتقى الأديان والثقافات للحوار والتنمية، كلمةً شكر في بدايتها الحضور على مشاركتهم في تكريم “واحد من الرموز التي مرّت على هذا الوطن، وخاضت مغامرة التجديد، لا لنعيد تاريخاً غالباً ما نستعيده لنغطي به عيوب حاضرنا، بل لنثبت حاضراً ومستقبلاً يتطلّع إلى تجاوز هذا المأزق التاريخي الذي يمرّ به الوطن والأمة”.

وتوقّف عند القضايا الّتي خاض الشيخ العلايلي غمارها، من قضايا لغوية وفكرية وفقهية واجتماعية وسياسيّة، كان يجمعها كلّها رغبته في التجديد، لا ليلغي ما قام به السابقون أو يهدمه، بل ليعيد إظهاره بالصورة التي تجعله صالحاً لمواكبة تطورات العصر وحاجاته.

وأضاف سماحته: “كان يريد أن تبدو اللغة معاصرةً، وأن لا تبقى لغة الماضي، وأن يحكم العقل المستنير بالنصّ قضايا الفقه والفكر والسياسة والاجتماع.. ولذلك، تراه لم يخلد للمتعارف والسائد والمشهور، ولما يجري عليه الناس، بحيث يقال فيه: أبقى ما كان على ما كان.. كانت له جرأة أن يقول “لا” لما يراه مجافياً للحقيقة أو للمنطق، حتى لو وقف الناس جميعاً في مواجهته، وكثيراً ما كان يردّ على الذين ينتقدونه، حين كان يواجه أولئك الَّذين يحملون الألقاب الكبيرة والمواقع العليا، قائلين: “ومن هو ليردّ كلامهم؟”، فكان يقول لهم: “هم رجالٌ ونحن رجالٌ، ليست عقولهم من ذهبٍ وعقولنا من تنكٍ”.

وتابع السيّد علي فضل الله: “وهو لذلك لم يسلم من ألسنة الرافضين لمنطقه، ممن استكانوا للحال الذي هم عليها، من الاستغراق في تراث السابقين، لا لأنّ فيه عناصر قابلةً لتعيش في الحاضر، فهناك في تراثنا ما يخدم حاضرنا ومستقبلنا، ولكن لأنه التراث.. وللأسف، فهؤلاء لم يواجهوا الشيخ العلايلي بالدليل والحجة والمنطق، بل بالتّشكيك والتضليل والتكفير، وحتى بالإخراج من الدين”.

وقال سماحته: “ولم يقف التجديد عند هذا الحدّ، بل برز بشكلٍ واضحٍ وجليّ في وعيه وفهمه للدين وللفقه والشريعة، كون الدين الأساس في تكوين شخصية الشيخ العلايلي، باعتباره عالماً دينياً أزهرياً، فقد كان تجديدياً رغم معرفته صعوبة انتهاج هذا الطريق، لأنّ المسّ بما له صلةٌ بالدين، ولو كان فهماً أو اجتهاداً، يعتبر مسّاً بالمقدَّس، ولذا تكون ردود الفعل عليه كبيرةً”.

وأردف فضل الله قائلاً: “لذا كانت نظرة الشيخ العلايلي إلى الدّين نظرةً حضاريةً، بنيت على قواعد متينةٍ، وهي أنّ الإسلام رسالة إصلاحٍ لا تقليد، رسالة إنسانيةٍ لا طائفيةٍ.. رسالة الحاضر والمستقبل، لا رسالة الاستغراق في الماضي. وقد آمن الشيخ العلايلي بأنّ الدين جاء لخدمة الإنسان، لا أنّ الإنسان جاء لخدمة الدين. ولذلك، دعا إلى أنسنة الدين، ورفض الفتاوى التي تسيء إلى إنسانيّة الدين. وآمن بقداسة النّصوص الدينيّة، ولكنّه ما كان يرى أنّ فهمنا للدّين مقدَّس. ولذلك، لم يقف عند أيّ حاجزٍ يمنعه من التجديد في فهمه للنّصوص الَّتي انطلق منها ولم يحد عنها، وكان يتطلَّع إلى الشَّريعة بعين العصر؛ العين السَّليمة المنفتحة على آفاق الزمان والمكان.

ومهما كانت وجهات النظر مختلفةً بشأن أفكاره وآرائه، إلا أنه كان المجتهد والفقيه في زمنٍ بات يطلق هذا المصطلح على عواهنه، فالمجتهد ليس هو الحافظ لنتاج الآخرين، ولا الذي يقتات على موائد السابقين، بل هو الذي يستثمر فكرهم ليتجاوزهم… فالمجتهد في التّعريف، هو المبدع الَّذي يمتلك الرؤية والبصيرة والمنهج والمعايير التي يحتكم إليها في فهمه للدّين، وفي استنباط الأحكام الشّرعيّة، والتي يحاكم بها الأفكار والمفاهيم والفتاوى الدينية في ضوء الأصول العلمية والمقاصد الدينيّة الإنسانيّة، والمجتهد هو الّذي يمتلك القدرة على اكتشاف ما لم يكتشف من دلالاتٍ في النّصوص”.

وأضاف: “كان يرى أنّ السياسيّ ينبغي أن يستعير من الدين منظومته الأخلاقية والروحية، ويطبعه بطابعه الرحب والمتسامح والمحكوم بالفضائل الإنسانية. لم يقبل العلايلي أن يتقوقع في زاويةٍ من زوايا صومعته، بعيداً من مشكلات إنسانه ومجتمعه، بل أراد، ومن موقع معرفته وأخلاقه، أن يخدم المجتمع والإنسان والوطن والإنسانية، لا عرقاً أو طائفةً أو جماعةً أو حزباً، كما نعيش اليوم، في ظلّ هذا التناحر الطائفيّ والمذهبيّ والحزبي، حيث يريد كلّ طرفٍ الغنيمة لنفسه، ولو على حساب استقرار الوطن ووحدته”.

وخلص سماحة السيّد علي فضل الله إلى القول: “في يوم تكريم سماحة الشيخ عبد العلايلي، لا بدّ من أن أستحضر أخيراً تلك العلاقة الوطيدة التي ربطته بسماحة السيد الوالد محمد حسين فضل الله، والاحترام المتبادل بينهما، حين تلاقيا على فهم الدين بشكله المنفتح على الحياة والعصر وكل آفاق التطوّر، وعلى أن لا قداسة إلا للمقدَّس. وكم نحن بحاجةٍ اليوم في مرحلتنا الراهنة، إلى مثل هؤلاء العلماء الكبار، الذين، وإن اختلف الناس حول بعض أفكارهم، إلا أنّهم من دون شكٍّ، حاولوا أن يشرّعوا لنا الكثير من الأبواب التي تفتح لنا أكثر من طريقٍ لمستقبلٍ أفضل، ولإسلامٍ مشرقٍ يبدّد ظلام حاضرنا الدامس، ويخرجنا من الزنازين الطائفية والفكرية والاجتماعية، فلا خلاص لنا إلا بحياةٍ نرتقي بها في عقولنا وقلوبنا ووجداننا في أيّ أرضٍ نكون عليها!”.

وتخلّل اللقاء كلمات لكلّ من الوزير السابق بشارة مرهج، والقاضي الشيخ محمد أبو زيد، والدكتور خنجر حمية، والدكتورة نايلة أبي نادر، والدكتور محمد أمين فرشوخ، وسماحة الشيخ حسين شحادة. وقدَّم اللقاء وأداره الدكتور عبدالله فضل الله.

المصدر: بينات

وُلد العلايلي في 20 تشرين الثاني 1914 في أسرة قديمة العهد ببيروت، ترقى إلى القرن الحادي عشر الهجري، وشغلت في الأوساط التجارية، على ما سلك أهل السنّة دوماً. في العام 1924 توجه إلى الجامع الأزهر في بلاد الكنانة برفقة شقيقه، وظّل يتابع الدراسة في هذا الجامع حتى العام 1935.

وتشمل اجتهادات العلايلي الكثير من الآراء التي تحاول أن تواكب التحديات المعاصرة في ميادين عملية عدة ومفاهيم نظرية: مفهوم الثروة، الرؤية العلمية للقمر الرمضاني، الربا، توزيع الأضاحي، الصورة، والسينما. كان قد نشر هذه القضايا في كتابه “أين الخطأ”؟ الذي صدر في طبعته الأولى العام 1978، واضطر تحت الضغط إلى سحبه من التداول وأعيدت طباعته العام 1992.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Slider by webdesign

Clicky