المدرسة الفيضية

ذكرى فاجعة المدرسة الفيضية

الاجتهاد: في 22 من مارس عام 1963 / الخامس والعشرين من شوال 1382هـ ق داهمت القوات الخاصة لشاه ايران المدرسة الفيضية في مدينة قم المقدسة وارتكبت جريمة كبرى اسفرت عن استشهاد وجرح عدد كبير من طلبة العلوم الدينية، حيث عرفت هذه القضية فيما بعد بفاجعة المدرسة الفيضية.

بادرت قوات الشاه بالضرب وتوجيه السب والشتائم لطلبة العلوم الدينية المقيمين بمدرسة الفيضية، وكان ذلك في المجلس الذي أقامه آية الله كلبايكاني في تلك المدرسة الموافق لاستشهاد الإمام الصادق (ع) في 22 من مارس عام 1963 حيث عرفت هذه القضية فيما بعد بفاجعة المدرسة الفيضية.

إستاء محمدرضا شاه بهلوي من معارضة الإمام الخميني أشد الإستياء وقرّر مواجهة رجال الدين بشكل مباشر ليرعبهم ويرغمهم على السكوت.

و في يوم الجمعة الموافق لـ 22 مارس من عام 1963 الميلادي و هو يوم ذكرى استشهاد الإمام جعفر الصادق عليه السلام،كان الإمام الخميني قد أقام مجلس العزاء في بيته و عادتاً في تلك المناسبة يتناول فيها الدعاة و الخطباء أحاديث الإمام و مسيرته العلمية و الجهادية.

دخلت مجموعة من القوات الخاصة الملكية (الشهيرة بالقوات الخالدة) مدينة قم مستخدمين حافلات خاصة بهم ومتنكرين بزي مدني آتين من طهران وشاركوا بمجلس العزاء الذي أقامه الإمام الخميني في بيته وحاولوا تشويش الجلسة وإيجاد الهرج والمرج بتصرفات غيرلائقة.

و عندما رأى الإمام الخميني تلك المؤامرة أمر أحد تلامذته و هو الشيخ صادق خلخالي ليبلّغ من في المجلس: من أنّه إذا قام أحدهم بمثل هكذا تصرفات فإنّ الإمام سوف يخرج إلى حرم السيدة فاطمة بنت الإمام موسى الكاظم عليه السلام ويتحدث مع الناس مباشرة و يخبرهم عن ممارسات النظام و أفعاله.

وكان تهديد الإمام مؤثّراً وسبّب فشل مؤامرة جلاوزة الشاه. من جانب آخر فقد انتقلوا عصر ذلك اليوم إلى المجلس الذي أقامه آية الله كلبايكاني في مدرسة الفيضية وقاموا بإثارة الفوضى هناك أيضاً و بعد تعطيل المجلس قاموا بالضرب و توجيه السب والشتائم لطلبة العلوم الدينية المقيمين بالمدرسة. وكانت ردة الفعل من جانب الطلبة هو الدفاع عن النفس بالعصى ورمي الحجارة نحو اولئك المندسين.

و بسبب ذلك قامت القوات المسلحة باقتحام ساحة المدرسة بعد محاصرتهم لها مسبقاً فقد كانوا يرتقبون تلك اللحظة و كأنّ ذلك الهجوم كان مخطط له من قبل. فساعدوا القوات الكماندوز الخاصة الملكية في ضرب الطلبة و جرحهم بشكل مبرح و وجهوا الكلمات النائية و الشتائم لعلماء الدين و المراجع و المقدسات الإسلامية. بعد الإنتهاء من هجومهم قاموا في طوابير عسكرية منتظمة و رفعوا الشعار الخاص بهم: (الخلود للملك).

استمرت تلك المعركة إلى الساعة السابعة مساء من ذلك اليوم و في نهاية المطاف أحرق جلاوزة الشاه ملابس و كتب و أمتعة الطلبة بعد ما أخرجوها من غرفهم الخاصة بهم و جمعوها في وسط ساحة المدرسة.

فور معرفة الإمام الخميني بوقوع تلك الجريمة قرّر الإنطلاق نحو المدرسة، لكن الطلبة الحاضرون في بيته منعوه عن ذلك و أقسموا عليه ألّا يترك البيت خشية تعرّضه للخطر و آخرون أغلقوا أبواب البيت توقعّاً منهم من أنّ تلك القوات قد تقتحم البيت.

و عند توجّه الإمام نحو الباب عاتبهم و قال لهم متسائلاً: (من سمح لكم بغلق الأبواب؟)

و بدأ بإلقاء محاضرة في ظلّ تلك الظروف المرعبة ليفضح فيها هوية الكيان الشاهنشاهي المجرم، و في نفس الوقت يطمئن الحاضرين بتلك الكلمات الشجاعة :

(لا تقلقوا ولا تضطربوا، ولاتخافوا، فأنتم اتباع ائمة صبروا واستقاموا في النكبات والمصائب، وما نعانيه اليوم لايقاس الى ما عانوه! لقد عاش ائمتنا العظام أحداثاً مثل يوم عاشوراء وليلة الحادي عشر من محرم، وتحملوا اشد المصائب في سبيل دين الله.

فماذا تقولون انتم اليوم؟ ومم تخافون؟ ولأي شئ مضطربون؟ فمن يدّعي أنه من اتباع الامام امير المؤمنين والامام الحسين، يعاب عليه أن تتلاشى نفسه أمام ممارسات وفضائح النظام الحاكم هذا.

لقد فضح هذا النظام نفسه بارتكابه هذه الجريمة، وكشف عن حقيقته الهمجية، كما أن النظام الطاغي دق اسفين سقوطه بارتكابه هذه الفاجعة، وانتصرنا نحن، فقد كنا نتمنى أن يكشف النظام عن حقيقته هذه وأن يفضح نفسه.

قُتِلَ عظماء الاسلام في سبيل حفظ الاسلام واحكام القرآن الكريم، ودخلوا السجن، وضحوا بأنفسهم حتى استطاعوا أن يحافظوا على الاسلام، ويوصلوه إلينا. فعلينا اليوم أن نستعد لكل الملمات في مواجهة الاخطار التي تستهدف الاسلام والمسلمين، حتى نستطيع قطع أيدي الخائنين للاسلام، ونحول دون اهدافهم ومطامعهم…» (صحيفة الإمام(ترجمة عربية)، ج‏1، ص: 172-173)

و في اليوم التالي التقى الإمام الخميني بمجموعة ممن اجتمعوا في بيته و طلب منهم أن يزوروا مدرسة الفيضية ليشاهدوا تلك الجريمة اللاإنسانية للسلطة الحاكمة عن كثبٍ و كذلك يعودوا الجرحى من الطلبة في المسشتفيات و ليدركوا ماارتكبته و جنته تلك السلطة الجائرة بحق رجال الدين.

محمدرضا شاه بهلوي كان يتوهم أنّ ارتكاب مثل تلك الجريمة تجاه المراجع و الفقهاء و على رأسهم الإمام الخميني سوف يبعث الرعب في قلوب رجال الدين و أساتذة الحوزات العلمية و من أنّهم قد يتخلون عن ساحة السياسة، أو من أنّه قادر على تهميش عدد كبير من العلماء و رجال الدين و بثّ الفرقة بينهم.

و لمزيد من بثّ الرعب و منعاً من حدوث أيّ ردة فعل أو صرخة اعتراض لماجرى في المدرسة الفيضية، بعث الشاه رئيس شرطة مدينة قم إلى مراجع الدين و هدّدهم بالقتل و هدم البيوت و اغتصاب أعراضهم إذا ماقاموا بأي اعتراض، لكنّ الإمام الخميني رفض اللقاء به و لم يخش تلك التهديدات و الهمجية بل استمرّ في الكفاح ضد النظام الشاهنشاهي بكلّ الثقة و الإيمان بأحقيّة مسيرته النضالية ممّا نجم عنه إنسجام و وفاق أكثر بين رجال الدين.

إنّ كلمات الإمام القارعة و الجرئية في يوم الفاجعة و غداته كسرت طلاسم الرعب في القلوب المضطربة.

إنّ الجريمة التي ارتكبها جلاوزة الشاه في ذكرى استشهاد الإمام جعفر الصادق عليه السلام، أثارت موجة استياء كبيرة بين الجماهير المتدينة في مدن عدّة مثل قم و مشهد و حتّى في طهران العاصمة. و بسبب الواقعة امتنع ائمة المساجد من إقامة صلاة الجماعة لمدة أسبوع في طهران و عدة مدن أخرى إعتراضاً على تلك الجريمة،

كما بعث بعض الفقهاء و مراجع الدين و جميعة العلماء المناضلين في طهران و بقية الحوزات العلمية في المدن الأخرى ببرقيات التضامن مع مراجع الدين في قم لاسيما الإمام الخميني و استنكروا بشدّة العدوان على المدرسة الفيضية و حمّلوا النظام الشاهنشاهي المسؤولية المباشرة و الأصلية لتلك الجريمة و أعلن آية الله الخوئي صراحتاً أنّ الشاه هو المسؤول المباشر عن تلك الفاجعة.

و كذلك آية الله الحكيم أرسل برقية إلى 32 من المراجع و العلماء في إيران و بعد إظهار تأسّفه الشديد لما حدث في قم و طلب منهم الهجرة الجماعية إلى العراق و ممارسة الضغط على نظام بهلوي من خلال ذلك، لكن مراجع الدين في قم و ردّاً على مقترح آية الله الحكيم لم يكونوا يروا مصلحة في تلك الهجرة العلمائية و صرّحوا بأنّ ذلك سوف يؤدّي إلى سقوط الحوزات العلمية و بالتالي افتقاد البلد استقلاليته .

فاجعة الفيضية أظهرت الصرامة الثورية للإمام الخميني و أثبتت عدم تسامحه قبال تجاوزات النظام الشاهنشاهي. حاول النظام جاهداً إخفاء ضلوعه في تلك الجريمة فسارع إلى إعلان أنّما حصل كان نزاعاً بين مجموعة من المزارعين المؤيدين للإصلاحات الزراعية و مجموعة من الطلبة المخالفين للاصلاحات و من أنّ ذلك النزاع أدّى إلى وفاة أحد اولئك المزارعين!

و رغم كلّ محاولات السلطة فإنّ التقارير التي نشرت فيما بعد عن جهاز الإستخبارات، دلّت و بقوّة على أنّ تلك الواقعة زادت من شعبية الإمام الخميني بين رجال الدين و بقية طبقات المجتمع الإيراني. و رغم الرقابة المشددة من قبل الاستخبارات و جهاز الشرطة، إلّا أنّ بيانات الإمام انتشرت في العديد من المدن و القرى الإيرانية.

و عشرات آلاف من صور الإمام ألصقت وراء نوافذ الحافلات و شبابيك المحلات التجارية في طهران و المدن الأخرى، كما زار عدد كبير من الوجهاء و الشخصيات البارزة من مختلف الطبقات الاجتماعية الإمام الخميني و أعلنوا بيعتهم و وفاءهم لمسيرته النضالية و كانت من بين تلك المجموعة قوات من الجيش، رغم احتمالٍ كبيرٍ لتعرّضهم للتصفية الجسدية أو عزلهم من عملهم.

و لمزيد من المواجهة و تحقير رجال الدين، أمر محمدرضا الشاه أن يأخذوا طلبة العلوم الدينية للخدمة العسكرية و ينزعوا عنهم ملابس رجال الدين و يلبسونهم الزي العسكري، لكنّ الإمام الخميني بعث خطاباً إلى اولئك الطلبة في المعسكرات و طلب منهم أن لايفقدوا ثقتهم و اعتبرهم من جنود الإمام المهدي و حمّل على عاتقهم مسؤولية توعية القيادات و الجنود في الجيش ليعرّفوا ظلم الشاه لهم، كما طلب منهم أيضاً أن يستفيدوا من تلك الفرصة لتقوية المبادئ الروحية والطاقات الجسدية واستيعاب التعليمات العسكرية.

وبعد مضي أربعين يوماً من تلك الفاجعة الأليمة، أصدر الإمام الخميني بياناً شديد اللهجة ليحوّل المناسبة الأربعينية لمواجهة مباشرة مع شخص الشاه. صراحة الإمام و شجاعته المنقطعة النظير و مواقفه الثورية سبّبت ازدياداً شعبياً للإمام في المجتمع و أدّى إلى أنّ العديد من المجموعات و الطبقات الاجتماعية في ايران اعتبرته قائداً دينياً و سياسياً.

 

المصدر: وكالة أنباء الحوزة في ايران

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Slider by webdesign

Clicky