تناولنا في الحلقة السابقة الحكم الشرعي للعمليات الفورية والبيع على المكشوف وبينا كافة الاتجاهات الفقهية المتعلقة بهما، والأسانيد الشرعية التي يستند إليها الفقهاء في الحكم على مشروعية أو عدم مشروعية مثل هذه المعاملات. وفي هذه الحلقة سوف نتناول رأي الفقه الإسلامي في التعامل بالهامش وكذلك الحكم الشرعي للعمليات الآجلة في البورصة والبدائل الشرعية لها.
الاجتهاد: العمليات الفورية تتم داخل البورصة بتسليم كامل الثمن واستلام السلعة في مجلس العقد، وهذا يندرج تصنيفه في الفقه الإسلامي تحت عقد البيع، والبيع يقع صحيحاً عند توفر أركانه من صيغة للعقد وعاقدين ومعقود عليه عند جمهور الفقهاء.
أما البيع على المكشوف فهو بيع لأوراق مالية غير مملوكة للبائع عند إصدار أمر، ثم اقتراضها من السمسار يوم التنفيذ، وتسليمها للمشتري واحتفاظ السمسار بالثمن لديه على أمل أن تنخفض أسعار الورقة فيشتريها السمسار لحساب العميل ويعيدها إلى مالكها الأصلي، ويحصل المضارب على الفرق بين سعر البيع وسعر الشراء، كما يحصل السمسار على العمولة وعلى فائدة القرض.
وقد تناولنا في الحلقة السابقة الحكم الشرعي لهذه التعاملات وبينا كافة الاتجاهات الفقهية المتعلقة بهما، والأسانيد الشرعية التي يستند إليها الفقهاء في الحكم على مشروعية أو عدم مشروعية مثل هذه المعاملات.
وفي هذه الحلقة سوف نتناول رأي الفقه الإسلامي في التعامل بالهامش وكذلك الحكم الشرعي للعمليات الآجلة في البورصة والبدائل الشرعية لها.
التعامل بالهامش
التعامل بالهامش في الفقه الوضعي
(الشراء بجزء من الثمن)
معنى التعامل بالهامش:
يقصد بالتعامل بالهامش في البورصة دفع المشتري جزءاً من الثمن واقتراض جزء آخر من السمسار الذي يتعامل معه مقابل فائدة شهرية عليه؛ لشراء كمية أكبر من الأوراق المالية، ثم رهن هذه الأوراق المشتراة لدى السمسار كضمان للقرض(1).
ويحصل المشتري على القرض إما من السمسار الذي يتعامل معه أو من أحد المصارف، وإذا أخذه من أحد بيوت السمسرة يقوم بيت السمسرة بإقراضه جزءاً من الثمن للأسهم التي يريد شراءها، وتسجل الأسهم المشتراة باسم بيت السمسرة، وليس المشتري بهدف تمكين بيت السمسرة من الاقتراض من أحد المصارف مقابل رهن الأسهم التي عنده، ويكون ذلك بنسبة أقل من الفائدة التي يقرضها للمشتري بفائدة أعلى(2).
والملاحظ أن التعامل بالهامش يشبه كثيراً البيع على المكشوف في قيام كل منهما على القرض، لكن يختلفان في نوعية القرض، إذ إن المضارب في التعامل بالهامش يقترض ليشتري مزيداً من الأوراق المالية يصعب عليه شراؤها إلا بهذا القرض، بينما في البيع على المكشوف يقوم المضارب باقتراض الأوراق المالية (الأسهم والسندات)(3).
أنواع التعامل بالهامش:
يوجد نوعان للتعامل بالهامش؛ أحدهما: الهامش الابتدائي، وهو يستخدم عادة في المضاربات السريعة، ويتعلق بشراء الأسهم في اليوم الواحد فقط. والثاني: يسمى الهامش الاستمراري، وهو ما يتعلق بالقرض بعد اليوم الأول(4).
طبيعة التعامل بالهامش:
التعامل في البورصة واستثمار الأموال فيها لابد أن يكون عن طريق أحد بيوت السمسرة، وتبدأ بتوجه المستثمر إلى أحد هذه البيوت طالباً استثمار أمواله فيخيره بين استثمار أمواله بما يملكه من أموال فقط، وبين استثمار أمواله مختلطاً بالمضاربة، حيث يمكنه باختيار طريق المضاربة أن يشتري أوراقاً مالية ضعف ما يمكنه شراؤه نقداً، فيدفع 50% من الأوراق التي يريد شراءها، ويقوم السمسار بإقراضه باقي القيمة بمعدل الفائدة المتعامل به(5).
وتختلف النسبة المدفوعة في التعامل بالهامش حسب القواعد والنظم في البورصات، وعادة ما تكون بين 40% و60% من قيمة الورقة السوقية عند الشراء، وهذا ما يطلق عليه الهامش المبدئي، ويشترط ألا يقل عن 25% من قيمتها، وهذا ما يسمى بهامش الأمان(6).
ويتخذ البنك المركزي من التعامل بالهامش وسيلة للتحكم في أنشطة السوق، سواء بتخفيض أو رفع نسبة الهامش، فإذا وجد ارتفاع مستويات الأسعار بشكل غير طبيعي نتيجة ارتفاع المضاربات يقوم برفع نسبة الهامش؛ وهذا يؤدي إلى انخفاض الطلب على القروض المستخدمة في تمويل التعامل بالهامش، وإذا كان الأمر عكس ذلك بسبب قلة الإقبال على الشراء في البورصة قام بتخفيض نسبة الهامش بغرض تحصيل القروض اللازمة للمتعاملين لتمويل تعاملاتهم، مما ينتج عنه زيادة نشاط السوق والإقبال على شراء الأسهم(7)، وغالب لجوء المضارب للتعامل بالهامش حين يتوقع انتعاش السعر للورقة المالية يقدم على شرائها في المستقبل حيث يضمن عند جني الأرباح بعد قيامه بسداد القرض؛ مضافاً إليه نسبة الفائدة، وإذا خاب ظنه حينها يخسر كل شيء، وتحل الكارثة المالية عليه(8).
التعامل بالهامش ترتفع فيه درجة المخاطر وهو يمثل أحد أهم أسباب انهيار الأسواق المالية
والتعامل بالهامش ترتفع فيه درجة المخاطر، حيث كان أحد أهم الأسباب التي أدت إلى انهيار أسواق البورصة العالمية سنة 1929م؛ إذ تم التوسع في الشراء بجزء من الثمن، لذلك اتخذت الولايات المتحدة إجراءات مشددة على الهامش الابتدائي المستخدم في المضاربة السريعة؛ حيث يظهر تأثيره السلبي عندما تهبط الأسعار فتقوم بيوت السمسرة بمطالبة العملاء بسداد الفروق من أجل المحافظة على نسبة الحدود، وعند عجزهم عن الوفاء يقوم السماسرة ببيع الأوراق الموجودة عندهم كضمان، وعندئذ تتعرض الأسعار لمزيد من الهبوط حيث يقل الشراء مقابل ازدياد البيع في السوق(9).
حكم التعامل بالهامش في الفقه الإسلامي
اتفق الفقهاء المعاصرون الذين تعرضوا لهذه المسألة على عدم جوازها شرعاً؛ وإن اختلف تعليل كل منهم لهذه الحرمة، غير أنه يمكن جمع هذه الأمور وتقديم خلاصتها في الآتي:
1- وجود القرض بفائدة في هذه المعاملة وهو عين الربا المحرم.
2- وجود بيع وشرط في هذه المعاملة، وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن سلف وبيع، كما جاء في حديث عبدالله بن عمرو «لا يحل سلف وبيع…» الذي ذكرناه سالفاً.
3- اجتماع عناصر ربا الديون الثلاثة وهي وجود دين مستغرق في الذمة لطرف على آخر، والأجل، والزيادة المشروطة مقابل الأجل، وكل ذلك متفق على حرمته(10).
وقد جاء ذلك متفقاً مع ما أوصت به ندوة سوق الأوراق المالية في البند السابع منها»
«(أ) لا يجوز شراء السهم بقرض ربوي يقدمه السمسار للمشتري لقاء رهن السهم؛ لما في ذلك من المراباة وتوثيقها بالرهن وهما من الأعمال المحرمة بالنص على لعن آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه.
(ب) لا يجوز أيضاً بيع سهم لا يملكه البائع وإنما يتلقى وعداً من السمسار بإقراضه السهم في موعد التسليم، لأنه من بيع ما لا يملك البائع، ويتأكد المنع إذا اشترط إقباض الثمن للسمسار لينتفع به بإيداعه بفائدة على مقابل الإقراض»(11).
العمليات الآجلة
أولاً – العمليات الآجلة الباتة
1- العمليات الآجلة الباتة في الفقه الوضعي:
معناها:
هي تلك العمليات التي يتم تنفيذها بموعد ثابت يسمى يوم التصفية، يلتزم المتعاقدان فيه بدفع الثمن وتسلم الأوراق المالية موضوع التصفية، وتسمى الباتة لأن العاقدين ليس لهما حق الرجوع في تنفيذ العملية، إلا أن لهما حق الرجوع في تأجيل موعد التصفية إلى موعد آخر(12)، وتجرى التصفية في كل شهر، حيث تسوى الصفقات نهائياً، وعندها يتم دفع الثمن وتسلم الأوراق المالية في غضون أيام قليلة من وقت التصفية(13).
اتفق الفقهاء المعاصرون على عدم جواز البيع بالهامش لاجتماع عناصر ربا الديون الثلاثة فيه
طبيعتها:
من خلال التعريف السابق يمكن القول بوجود موعد ثابت لتنفيذ العمليات الآجلة؛ ويسمى يوم التصفية أو يوم التسوية، ويترتب على البيع ترتب آثاره؛ من التزام البائع بتسليم المبيع والتزام المشتري بتسليم الثمن، كما يمتنع على كليهما فسخ العقد أو إلغاؤه، ولكن يمكن أن يلجأ أي من المتعاقدين إلى تصفية مركزه؛ حيث يبيع بالنقد ما اشتراه آجلاً؛ ويكون له أو عليه الفارق بين السعرين – يوم التعاقد ويوم التصفية – وإن كان بائعاً يشتري عاجلاً ما باعه آجلاً ويكون له أو عليه الفارق بين السعرين – يوم التعاقد ويوم التصفية – كما يمكن لأي من المتعاقدين تأجيل التصفية إلى موعد لاحق يحدد بالتصفية المقبلة، وينقل مركزه إلى غيره مقابل سداد فائدة أو بدل عن التأجيل يسمى بدل التأجيل(14).
مميزاتها:
تتميز هذه العملية بالمخاطرة من قبل المتعاقدين، إذ يهدف كل منهما من وراء هذه العملية إلى الحصول على الربح المتمثل في الفرق بين السعر يوم التعاقد ويوم التصفية، ولا يمكن أن يربح الطرفان معاً، فلابد من رابح وخاسر إذا تحرك السعر هبوطاً وصعوداً من يوم التعاقد إلى يوم التصفية، وتتجنب الخسارة بينهما إذا كان سعر يوم التعاقد مساوياً لسعر يوم التصفية، وإن كان هذا نادر الحدوث(15)، فبغية كل من البائع والمشتري متعارضة، إذ يتوقع البائع من وراء هذه المعاملة هبوط الأسعار فهو حينئذ يضارب على الهبوط، بينما المشتري عكس ذلك؛ إذ يرجو ارتفاع السعر حتى يجني ربحاً من جراء السعر الذي تعاقد به والسعر يوم التصفية؛ فهو مضارب على صعود السعر، ويتضح ذلك من خلال المثال؛ فلو فرضنا أن بائعاً ومشترياً تعاقدا على بيع وشراء 1000 سهم لشركة إعمار بسعر مائة درهم إماراتي لكل سهم، وتم هذا التعاقد بتاريخ 1/11 على أن تسلم الصفقة يوم 25/11، فلهذه العملية ثلاثة افتراضات:
الافتراض الأول: أن تظل قيمة السهم يوم التصفية مساوية لقيمتها يوم التعاقد – وهو نادر الحدوث – ونتيجة ذلك أنه ليس بينهما رابح أو خاسر لعدم اختلاف القيمة يوم التصفية عن يوم التعاقد.
الافتراض الثاني: إذا هبطت قيمة السهم من 100 درهم إلى 80 درهم وهنا يكون الربح للبائع الذي يضارب على هبوط السعر، وقيمة الربح تساوي الفارق بين القيمة يوم التعاقد تساوي 1000 سهم مضروبة في 100 درهم تساوي 100000 درهم، وقيمة يوم التصفية تساوي 1000سهم مضروبة في80 درهم تساوي 80000 درهم، وقيمة الربح الفارق بين السعرين وهي تساوي 20000 درهم.
لا يجوز شراء السهم بقرض ربوي يقدمه السمسار للمشتري لقاء رهن السهم
والمشتري الذي خابت توقعاته أمام أحد خيارات ثلاثة:
الخيار الأول: يقوم المشتري باستلام الأسهم فعلياً وتسليم ثمنها – المائة ألف درهم – ويتملك الأسهم، ويتحمل الخسارة (عشرين ألف درهم) ويحتفظ بالأسهم حتى صعودها رغبة في استثمار طويل الأجل.
الخيار الثاني: قيام المشتري بتصفية مركزه فيبيع بالنقد ما اشتراه آجلاً ويتحمل الخسارة بقيمة الـ(عشرين ألف درهم) فارق ما بين السعرين، وهذه الخطوة يقدم عليها المشتري إذا وجد أن الأسعار ستهبط أكثر من ذلك، أو كانت الخسارة طفيفة.
والخيار الثالث: أن يتوقع تحسن الأسعار في الفترة المقبلة وعند ذلك يقوم بتأجيل تصفية مركزه المالي إلى التصفية التي تليها، ويصدر أمره إلى السمسار بذلك في مقابل مبلغ مالي يسمى ببدل التأجيل، وعند موافقة البائع تنتقل التصفية في هذه العملية إلى التصفية التي تليها، وعند رفض البائع يقوم السمسار بالبحث عن ممول يحل محل المشتري إلى يوم التصفية القادمة، ويحصل على المقابل المسمى ببدل التأجيل.
الافتراض الثالث: عكس الثاني؛ حيث يكون الربح في اتجاه المشتري وتتبدل الأماكن بينه وبين البائع لما قلناه بالفرض الثاني.
لكن الواضح من هذه العملية أنها تمت بين شخصين لا يملكان شيئاً إلا المخاطرة والتنبؤ بالمستقبل، فالبائع لا يملك أوراقاً مالية والمشتري لا يملك الثمن، وكلاهما دخل إلى الصفقة يمني نفسه بالربح الناتج عن حسن التوقع لفارق السعرين بين ما باع به وما اشترى دون وجود أصول مالية لهما(16)، ومن الممكن أن يشترط المشتري فقط لنفسه خيار التنازل عن حق الأجل حين يلاحظ اتجاه الأسعار نحو الهبوط؛ فيستخدم هذا الشرط لإيقاف هبوط السعر؛ حيث بإمكانه أن يطلب من البائع هذه الأوراق من السوق بالسعر العاجل؛ فيرتفع السعر نتيجة زيادة الطلب عليه؛ فتتوقف حركة هبوط السعر، أو تتجه نحو الصعود نتيجة الطلب المتزايد، وعندئذ يحق للمشتري بيعها قبل موعد التصفية عن طريق أحد الوسطاء، ويسجل رصيد العملية إذا اقترنت بربح في رصيد دائن(17).
2- حكم العمليات الآجلة الباتة في الفقه الإسلامي:
من خلال ما سبق عن العمليات الآجلة الباتة تبين أنها تحوي مسائل فقهية ينبغي الوقوف على حكمها وهي، البيع مع تأجيل البدلين (الثمن والمثمن)، والبيع قبل القبض، ودفع مقابل لبدل التأجيل، وقد اختلف الفقه المعاصر في حكم العمليات الآجلة الباتة إلى اتجاهين:
الاتجاه الأول: يرى عدم جواز هذه العمليات، وهم أغلب الفقهاء المعاصرين(18)، وقد استند هذا الفريق إلى ما ذهب إليه بالأدلة الآتية:
أولاً – بناء هذه العملية على جملة من المنهيات المحرمة؛ حيث يوجد فيها المقامرة والمخاطرة لأن كلاً من البائع والمشتري لا يربح إلا على حساب خسارة الآخر، وقد دخل كل منهما متمنياً الربح على حساب صاحبه وهو عين القمار، كما يحرم هذه المعاملة عدم تسليم البدلين أو أحدهما عند التعاقد، كما يحرمها أيضاً بيع ما ليس موجوداً عند البائع وبيع ما لم يقبض.
ثانياً – اختلاف هذه العملية عن بيع السلم من حيث عدم قبض الثمن في مجلس العقد، فالعمليات الباتة لا يتم فيها تسليم ولا تسلم أي من البدلين بل الشبه فيها ببيع الدين بالدين المنهي عنه في الحديث الشريف «نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الكالئ بالكالئ»(19)، وإن قال المالكية بجواز تأخير القبض إلى ثلاثة أيام؛ إلا أن التأجيل هنا إلى يوم التصفية فخرج عنه، ويختلف عن السلم في عدم جواز بيع المبيع قبل قبضه، ولكن الواقع في العمليات الآجلة الباتة يقول إن المشتري قد يقوم ببيع السلعة وهي في ذمة البائع الأول بيوعاً متعددة.
جُل الفقهاء ذهب إلى القول بتحريم العمليات الباتة الآجلة لما فيها من مخالفات شرعية
ثالثاً – عدم ترتب آثار العقد اللازم على هذه المعاملات يفسدها؛ فمن شأن عقود البيع عدم تعليقها أو إضافتها إلى المستقبل بل يترتب عليها التمليك والتملك في الحال، وهذا يتنافى مع العمليات الباتة التي تضيف التسليم والتسلم إلى أجل.
رابعاً – تحقق الربا المحرم في هذه المعاملة حين يقوم المشتري بتأجيل التصفية إلى التصفية اللاحقة مقابل التزامه بدفع ما يسمى ببدل التأجيل هو من قبيل الربا المحرم لأنه التزام زيادة في مقابل الأجل.
خامساً – دخول الغرر المفيد للجهالة والمفسد للعقود لهذه المعاملة، ولا يحتج بأن الوقت الذي سيتم فيه التسليم محدد لأنه يمكن لأي من المتعاقدين تأخير موعد التصفية إلى التصفية التي تليها مما يجعل الأجل مجهولاً فيفسد العقد(20).
الاتجاه الثاني: يرى جواز العمليات الباتة إذا تمت على أوراق مالية يملكها البائع ويملك المشتري الثمن، وكلا البدلين يجوز فيه النَّسَاء والتفرق قبل التقابض، ويكون قياسها على عقد بيع أجل فيه تسليم كل من البدلين(21)، كما يقول بهذا القول من الفقهاء القدامى ابن تيمية وابن القيم؛ حيث ورد عنهما ما يؤيد جواز بيع المعدوم، يقول ابن تيمية في ذلك: «ليس في كتاب الله وسنة رسوله بل ولا عن أحد من الصحابة أن بيع المعدوم لا يجوز لا بلفظ عام ولا بمعنى عام، وإنما فيه النهي عن بعض الأشياء التي هي معدومة، وليست العلة في المنع لا الوجود ولا العدم، بل الذي ثبت في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الغرر، والغرر ما لا يقدر على تسليمه سواء كان موجوداً أو معدوماً كالعبد الآبق والبعير الشارد ونحو ذلك مما لا يقدر على تسليمه، وهكذا المعدوم الذي هو غرر نهي عنه لكونه غرر لا لكونه معدوماً»(22) وهذا المعنى نص عليه ابن القيم أيضاً(23).
وقد رجح بعض المعاصرين هذا الرأي بتخريج العمليات الآجلة عليه؛ حيث نص على ذلك بقوله:« ونحن نميل كل الميل إلى جواز أن يكون المعدوم موضوعاً للعقد قياساً لا استحساناً كما هو رأي ابن تيمية وابن القيم مادام لا غرر فيه ولا جهالة تؤديان إلى النزاع أو المخاطرة أو القمار… وليس هذا الذي نقوله مما يبعد كثيراً عن أقوال الفقهاء الذين نعتقد أنهم لو رأوا البيع في البورصة على هذا النحو لقالوا صراحة بما نذهب إليه، وذلك تيسيراً على الناس في معاملاتهم بما لا ضرر فيه، والإسلام دين اليسر لا العسر(24).
وقد رد على هذا التخريج بعدم صحته على رأي ابن تيمية وابن القيم؛ فبيع الإنسان مالا يملك لا يجوز إما لأنه غرر عند من يمنعون بيع الغرر وهم جميع الفقهاء ومنهم ابن تيمية وابن القيم، وإما لأنه معدوم عند من لا يجوز بيع المعدوم، وقد أيَّد هذا القول الدكتور وهبة الزحيلي، حيث نقل اتفاق المذاهب الثمانية وجميع الفقهاء بمن فيهم ابن تيمية وابن القيم على أن بيع الإنسان ما لا يملك لا يجوز ومنه العمليات الباتة القطعية إما لأنه معدوم أثناء العقد عند غالب الفقهاء، وإما للغرر عند الحنابلة(25).
وقد استند المجيزون للعمليات الباتة الآجلة إلى الأدلة التالية:
أولاً – جواز اشتراط تأجيل الحق إلى مدة معينة – كما يقول بذلك المالكية والحنابلة، مستندين في ذلك إلى حديث جابر بن عبدالله عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان يسير على جمل قد أعيا فمر النبي صلى الله عليه وسلم فضربه فسار سيراً ليس يسير مثله ثم قال: بِعْنِيه، فبعته فاستثنيت حملانه إلى أهلي، فلما قدمنا أتيته بالجمل ونقدني ثمنه ثم انصرفت فأرسل على أثري قال: ما كنت لآخذ جملك، فخذ جملك ذلك فهو مالك(26).
جمهور الفقهاء: يجب أن يكون المسلّم فيه شيئاً موصوفاً في الذمة وأن يكون معلوم القدر
ويناقش هذا الدليل بأنه يوجد فارق بين ما ذكرتم وبين العمليات الباتة الآجلة القائمة على عدم ملكية أي من البدلين، والمذكور في الحديث أن أحد البدلين موجود مشاهد والثمن معلوم فاختلفا، وهذا الذي ذكرناه هو ما قال به الإمام ابن حجر – رحمه الله – حيث قال بعد ذكر روايات الحديث: «وإنما تحصل من مجموع الروايات أنه باعه البعير بثمن معلوم وزاده عند الوفاء زيادة معلومة، ولا يضر عدم العلم بتحقيق ذلك… وفي الحديث جواز المساومة لمن يعرض سلعته بالبيع والمماكسة في البيع قبل استقرار العقد وابتداء المشتري بذكر الثمن، وأن القبض ليس شرطاً في صحة البيع(27)، كما أن المالكية قالوا بأنه لا يجوز بيع المعدوم إلا إذا كان الثمن نقداً، وأما تأخير رأس مال السلم عندهم ثلاثة أيام فقد جوز للحاجة واشتراط الحنابلة قبض الثمن في المجلس(28).
ثانياً – استدل المجيزون بأن هذه الأوراق عبارة عن ديون لا تتعين إلا بالتعيين، ولكن تحدد بالجنس والنوع كالأسهم من شركة كذا – ويسميها(29).
ويرد على هذا الدليل بأن هذه الديون ليست كذلك وإنما هي معتبرة بما تماثله من أصول الشركة فهي حصص مشاعة من موجودات الشركة ومعتبرة بها عيناً وديناً(30).
الترجيح:
بعد سوق آراء الفريقين وأدلتهم ومناقشة أدلة من أجازوا العمليات الباتة يترجح عندي القول بالمنع لما ساقه أصحاب هذا القول من أدلة ثابتة؛ فالمقامرة والمخاطرة لا تحتاج إلى دليل في هذه العملية؛ التصرف بالبيع والشراء دون ملك وتأجيل قبض البدلين ودفع مقابل بدل التأجيل – الذي يعد من الربا – واختلاف صورة هذه العملية عن عقد السلم الجائز شرعاً – وإن كان السلم مستثنى من بيع المعدوم – فلا يجوز القياس على المستثنى، ومع ذلك هناك فوارق بين هذه العمليات وبين السلم، وكذلك عدم ترتب آثار العقد عليه بعد عقده مباشرة، كما أن من أجاز اشتراط أن تتم هذه العمليات على أوراق مالية يملكها البائع ويملك المشتري الثمن، ومعطيات هذه العمليات تقول بعدم ملك البدلين من أيهما، كما أن اشتراط هذه الشروط عند المجيزين لهذه العمليات وتحقق العلم بعدمها يؤيد وجهة نظرنا في المنع.
3- البدائل الشرعية للعمليات الباتة:
بعد ذكر آراء الفقهاء في العمليات الباتة الآجلة، رأينا أن جُلّ الفقهاء قد ذهب إلى القول بتحريمها لما فيها من مخالفات شرعية، ولأن الشريعة الإسلامية هي الشريعة الخاتمة وفيها من القواعد العامة ما يسمح بتطورها مع الحوادث والمستجدات في كل عصر فلا يمكن أن تحرم شيئاً دون أن تجد البديل الحلال، والبدائل الشرعية المقترحة في هذا المجال هي السلم والاستصناع وبيع التقسيط، وسنتناولها هنا، لا على وجه الشرح والتفصيل، وإنما في إطار أنها مخرج من الوقوع في المعاملات المحرمة فأذكرها بالقدر الذي يؤدي الغرض، وإلا فلها من التفصيلات ما يجعل لكل واحد منها بحثاً مستقلاً.
أولاً – عقد السلم:
السلم في اللغة مأخوذ من الفعل أسلم، ويطلق على السلف، يقال: أسلم وسلم، وسلف وأسلف، وسمي بذلك لتسليم رأس المال في المجلس(31).
والسلم في اصطلاح الفقهاء تعدد لفظه عندهم واتحد معناه، فقد اتفقت المعاني على أنه عقد يقدم فيه الثمن وتؤجل فيه السلعة إلى أجل معلوم بأوصاف معلومة محددة, ونختار من هذه التعريفات أنه «بيع شيء موصوف في الذمة ببدل يجب تعجيله بمجلس البيع بلفظ السلم أو السلف»(32).
وقد ثبتت مشروعية السلم بقول الله تعالى )يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوه) البقرة 282، والسلم من قبيل هذا الدين، إذ قُدِّم الثمن وأجلت السلعة أو ما يسمى بالمسلم فيه، وكذلك بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم «من أسلف فليسلف في كيل معلوم ووزن معلوم إلى أجل معلوم»(33).
أجمعت الأمة على جواز البيع بالتقسيط لأنه يقاس على السلَم حيث يؤجل أحد البدلين ويعجل الآخر
شروط السلم:
حتى يتم عقد السلم صحيحاً لابد فيه من الشروط العامة بالبيع كشروط الصيغة ومنها موافقة القبول للإيجاب، وأن تكون الصيغة بلفظ الماضي وتكون بلفظ أسلمتك أو أسلفتك، وألا يفصل بين الإيجاب والقبول بفاصل يشعر بالإعراض عن القبول، وشروط العاقدين منها البلوغ والعقل وعدم الإكراه، وشروط المبيع أو المسلم فيه وقد تقدم ذكرها عند الكلام عن شروط المبيع، ويضاف إلى هذه الشروط ما يختص بعقد السلم وهي:
1- تسليم رأس المال في مجلس العقد قبل تفرق العاقدين بأبدانهما(34)، ويدل عليه حديث ابن عباس:« من أسلف فليسلف في كيل معلوم ووزن معلوم إلى أجل معلوم»(35)، ووجهة الدلالة أن السلف هو تقديم رأس المال – المسلَم- مقابل السلعة المؤجلة القبض، وقد أجاز المالكية تأخير تسليم رأس المال حتى ثلاثة أيام(36).
2- أن يكون المسلم فيه مضبوطاً بالوصف(37) ويتسامح في التفاوت اليسير، والوصف المعتبر هنا هو الذي تختلف القيمة والمنفعة به، وليس المراد استقصاء كل وصف بحيث يعز وجود الموصوف ويندر، وينبغي معرفة الصفة لغير المتعاقدين حتى يمكن الرجوع إليهم عند اختلاف المتبايعين وتنازعهما، وهذا الشرط فيه من الإنصاف ما فيه؛ إذ يمنع أكل أموال الناس بالباطل.
3- أن يكون المسلم فيه ديناً، أي شيئاً موصوفاً في الذمة، وهذا الشرط عند جمهور الفقهاء(38)، بخلاف الحنفية الذين اشترطوا في المسلم فيه أن يكون موجوداً من وقت العقد إلى حلول الأجل(39).
4- أن يكون المسلّم فيه معلوم القدر، وهذا الشرط اتفق عليه جمهور الفقهاء(40) ومعرفة القدر تكون بالكيل في المكيل والوزن في الموزون والذرع في المذروع، بينما يرى الظاهرية اقتصار السلم على المكيل والموزون أخذاً بظاهر النص على طريقتهم(41).
5- خلو السلم عن شرط الخيار للمتعاقدين وهو ما عليه جمهور الفقهاء الحنفية والشافعية والحنابلة(42) بينما خالف المالكية(43) في ذلك فأجازوا خيار الشرط إلى ثلاثة أيام وهي المدة التي يجوز فيها تأخير الثمن عندهم عن مجلس العقد.
أما عن تطبيق السلم كبديل شرعي للعمليات الآجلة فيظهر في مجال الاستثمار الزراعي والصناعي؛ حيث إنه تمويل قصير الأجل بحسب الموسم الزراعي الذي لا يستغرق وقتاً طويلاً، وغالباً لا يتعدى العام، وهنا يمكن للمؤسسات الاستثمارية شراء المحصول من المزارعين على وصف وصفة معينة، وتقديم الثمن الذي يكون منخفضاً بعض الشيء ثم تقوم بعد الحصاد ببيعه بعد الحصول على الربح الذي تراه مناسباً، ويستفيد المزارع من وجود المال الذي يمكن أن يوفر به احتياجاته لزراعة ناجحة ويبعده عن الاقتراض بالفائدة، ويستخدم أيضاً في المجال الصناعي كتمويل للمشروعات متوسطة الأجل؛ حيث تحصل المؤسسات الاستثمارية على جزء من الإنتاج بسعر مناسب يسمح لها بهامش ربح عند البيع ويوفر للصانع المال اللازم لتوفير احتياجاته من المواد اللازمة لصناعته(44)، بل إن البعض يرى إمكانية استخدام عقد السلم لتمويل المشروعات طويلة الأجل بدلاً عن التأجير التمويلي؛ حيث يمكن للمؤسسات الاستثمارية – واعتماداً على مذهب المالكية الذي يرى أن أقصى مدة للسلم يمكن أن تمتد إلى عشر سنين – القيام بإحلال وتجديد المصانع في مقابل الحصول على حصة ثابتة من إنتاجية هذه المصانع للمدة السابقة الذكر مما يوفر لها المنتج على المستوى البعيد، ويضمن للصناع دوام الجودة وقوة المنافسة في الأسواق لما تقوم به من تحديث وتطوير لمنتجاتها(45).
ثانياً – عقد الاستصناع:
معناه في اللغة: طلب الصنعة…واصطنع شيئاً: أمر أن يصنع له(46).
أما المعنى الاصطلاحي فهو: طلب شخص من الصانع أن يصنع له شيئاً بثمن معلوم(47)، وصورته أن يطلب شخص من الصانع صناعة شئ معين تكون مادته الخام من الصانع؛ فإن كان من طالب الصنعة فإن العقد يكون إجارة لا استصناعاً، وتتحدد مادة الصناعة بالصفات تحديداً دقيقاً بالقدر والصفة النافيين للجهالة(48)، ويشبه هذا العقد عقد السلم إلا أنه يفترق عنه في أنه يمكن دفع الثمن فيه على أقساط وليس معجلاً، وليس شرطاً بيان المدة التي يسلم فيها الشئ المستصنع.
ويستدل لجوازه من المعقول لحاجة الناس إليه ولو لم يجز لوقع الناس في حرج شديد، ولأنه إن جاز السلم فهو أبعد جوازاً منه – كما يقول الكاساني – لأن السلم فيه تحتمله الذمة لأنه دين حقيقة والمستصنع عين توجد في وقت تالٍ والأعيان لا تحتملها الذمة، فكان هذا العقد أبعد عن القياس من السلم(49)، وقد فصَّل الحنفية القول فيه وجعلوه عقداً قائماً بذاته بخلاف المالكية والشافعية والحنابلة الذين اعتبروه تابعاً لعقد السلم بشروطه(50)، ومما يميز هذا العقد – بخلاف شروط البيع السابقة – بيان الشيء المستصنع وصفته وقدره بما ينفي النزاع عنه وقت التسليم، وجريان التعامل بين الناس عادة في الشيء المستصنع وعدم تضمنه أجلاً محدداً وإلا صار بذلك سلماً(51).
ويمكن أن يفيد عقد الاستصناع في العمليات الآجلة، إذ إنه يصنف في القوانين الوضعية مع إجارة الأشخاص في باب واحد، فهو يقترب كثيراً من عقد المقاولة في القوانين الوضعية، ويمكن أن يستخدم في المشروعات الكبرى في القوانين البحرية كعقد بناء السفن(52).
ثالثاً – بيع التقسيط:
يقصد بالقسط: الحصة أو النصيب، ويقصد به العدل من أقسَط الرجل فهو مُقسط(53)، وهو ذلك البيع الذي يتم فيه تسليم المثمن وتأخير الثمن(54)، فالمقصود بالتقسيط ليس هو المبيع بل طريقة البيع أو بالأحرى طريقة سداد الثمن(55). ولا يثور نزاع إن كان الثمن الذي تباع به السلعة نقداً هو عين الثمن الذي تباع به مؤجلاً، لكن الخلاف بين الفقهاء في زيادة الثمن في المؤجل عنه في المعجل، وقد اختلف الفقهاء فيه إلى اتجاهين:
الاتجاه الأول: وهو جواز البيع بالتقسيط، وذهب إليه جمهور الفقهاء من الصحابة ابن عباس ولفيف من التابعين وأئمة المذاهب الأربعة، والفقهاء المعاصرون(56).
وقد استدلوا له بعموم آيات البيع؛ لأن الأصل فيه الإباحة، حيث لم يرد ما يستثني هذا البيع فيكون على أصل الإباحة، واستدلوا بما ورد أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر عبدالله بن عمرو بن العاص أن يجهز جيشاً فنفذت الإبل فأمره أن يأخذ في قلاص الصدقة فكان يأخذ البعير بالبعيرين إلى إبل الصدقة(57)، وفي الحديث دلالة على جواز أخذ الزيادة على الثمن في مقابل الأجل، واستدلوا أيضاً بأن النبي صلى الله عليه وسلم اشترى من يهودي طعاماً إلى أجل ورهنه درعه(58) وأجمعت الأمة على جواز هذه المعاملة(59)، ويقاس على السلم؛ حيث إنه في كليهما يؤجل أحد البدلين ويعجل الآخر، فإن جاز في السلم فهو في بيع التقسيط أولى للحاجة الماسة إليه، ويستدل له من المعقول بأن للأجل حصة من الثمن حيث يحدد البائع الثمن للحال والثمن للمؤجل واختار المشتري أحد الثمنين، فالبيع صحيح شرعاً وتضاف الزيادة على المؤجل مقابل الأجل(60).
الاتجاه الثاني: يرى عدم جواز بيع التقسيط وهم الظاهرية وبعض المعاصرين(61).
وقد استدلوا على ما ذهبوا إليه بما روى ابن مسعود أنه صلى الله عليه وسلم نهى عن صفقتين في صفقة واحدة(62)، وما رواه أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من باع بيعتين في بيعة فله أوكسهما أو الربا»(63)، وحديث علي قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع المضطر وبيع الغرر وبيع الثمرة قبل أن تدرك(64)، كما استدلوا بالقياس على فساد بيع التقسيط بأنه لا فارق بينه وبين أن نقول سدد الدين أو تزد نظير الأجل، كما أن زيادة الثمن مقابل الأجل لا يقابلها إلا المدة فتتناولها أدلة تحريم الربا(65).
الرأي الراجح: ساق كل فريق ما اطمأن إليه من الأدلة، لكن رأي الجمهور أولى بالقبول لعدة أسباب؛ أهمها تلك الفروق الجوهرية بين بيع التقسيط والربا، حيث إن الزيادة في الربا على أحد المتساويين بخلاف بيع التقسيط؛ الذي تكون فيه الزيادة بين الثمن المعجل الأقل أو الثمن المؤجل الأكثر، ويضاف إليه أن الثمن في البيع لا تحدث فيه الزيادة حتى عند مماطلة المشتري في السداد يخالف الربا؛ لأنه في الربا كلما تأخر في السداد كلما زادت القيمة(66)، ويضيف ابن القيم إلى ذلك «أن النهي عن البيع بخمسين حالة أو مائة مؤجلة ليس قماراً ولا جهالة ولاغرر ولا شيئاً من المفاسد، فإن البائع خيَّر المشتري بين أي من الثمنين شاء، وليس هذا بأبعد من تخييره بعد البيع بين الأخذ والإمضاء ثلاثة أيام(67).
ومن خلال ما سبق يمكن طرح الحلول من خلال البدائل المذكورة، فمن خلال السلم يمكن حل المشكلات الناتجة عن السلع غير المتوفرة والموجودة والثمن فيها معجل أو إلى غاية ثلاثة أيام، وبيع التقسيط يقدم الحلول للسلع المتوفرة والثمن غير موجود، وعقد الاستصناع يحل المشكلة بأكثر من ذلك؛ حيث إنه غير مشترط فيها مدة ولا تعجيل الثمن أو مقابله.
المراجع
(1) د. أحمد محيي الدين، أسواق الأوراق المالية وآثارها الإنمائية في الاقتصاد، ص425، سلسة صالح كامل للرسائل الجامعية في الاقتصاد الإسلامي، ط. أولى 1995م، د. سمير رضوان، مرجع سابق ص 328.
(2) د. منير هندي، مرجع سابق ص136، د. خالد الراوي، الاستثمار, مرجع سابق ص102 وما بعدها.
(3) د. خورشيد إقبال، مرجع سابق ص386 في نفس المعنى.
(4) د. شعبان البرواري، مرجع سابق ص187.
(5) د. أحمد محيي الدين، مرجع سابق ص426، د. سمير رضوان، مرجع سابق ص330، د. شعبان البرواري، مرجع سابق ص188.
(6) د. سمير رضوان، مرجع سابق ص328. د. محمد عبدالحليم عمر، التفسير الإسلامي لأزمة البورصات العالمية ص71.
(7) د. منير هندي، مرجع سابق ص137. د. محمد صالح جابر، الاستثمار بالأوراق المالية ص275، ط. شركة المطابع النموذجية 1989م، د. مبارك بن سليمان، مرجع سابق ص688 وما بعدها.
(8) د. محمد عبدالحليم عمر، مرجع سابق ص71. د. معبد الجارحي، الشركات في ضوء الإسلام «الإدارة المالية في الإسلام» 1/137.
(9) د. خورشيد إقبال، مرجع سابق ص387 وما بعدها. د. سمير رضوان، مرجع سابق ص328.
(10) د. محمد عبدالحليم عمر، مرجع سابق ص119، د. سمير رضوان، مرجع سابق ص 330، د. محمد صبري هارون، مرجع سابق ص271، د. عطية فياض، بورصة الأوراق المالية، مرجع سابق ص254 وما بعدها.
(11) د . عطية فياض، مرجع سابق ص255، د. خورشيد إقبال، مرجع سابق ص389.
(12) د . أحمد محيي الدين، مرجع سابق ص429، د. محمد عبدالغفار الشريف، مرجع سابق ص89، د. هشام البساط، الأسواق المالية الدولية وبورصات الأوراق المالية ص45 وما بعدها ط. اتحاد المصارف العربية.
(13) بحوث في الاقتصاد الإسلامي، مرجع سابق، ص117.
(14) د.سمير رضوان، في نفس المعنى؛ أسواق الأوراق المالية ص334.
(15) يراجع في نفس المعنى د. شعبان البرواري، مرجع سابق ص204، د. خورشيد إقبال، مرجع سابق ص396 وما بعدها.
(16) د. خورشيد إقبال، المرجع السابق ص398.
(17) راجع في ذلك: د. محمد عبدالغفار الشريف، بحوث فقهية معاصرة ص90، د. عطية فياض، سوق الأوراق المالية ص399.
(18) د. أحمد يوسف سليمان، رأي التشريع الإسلامي في مسائل البورصة موسوعة البنوك الإسلامية 5/426، د. أحمد محيي الدين، أسواق الأوراق المالية ص429 وما بعدها.
(19) الحاكم، المستدرك على الصحيحين 2/65، كتاب البيوع، رقم الحديث 2342، وقال: صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه، والحديث عن موسى بن عقبة عن نافع عن ابن عمر، ط. دار الكتب العلمية، أولى 1990م. الطحاوي، شرح معاني الآثار4/21، كتاب البيوع، باب بيع المصراة، رقم الحديث 5554 ط. عالم الكتب، أولى 1994م.
(20) المراجع السابقة.
(21) د. عطية فياض، بورصة الأوراق المالية، مرجع سابق 265. د. محمد عبدالغفار الشريف، بحوث فقهية معاصرة، مرجع سابق ص90.
(22) ابن تيمية الحراني، مجموع الفتاوى 20/543، ط. مجمع الملك فهد 1995م/1416هـ.
(23) ابن القيم، إعلام الموقعين 2/7، فصل بيع المعدوم في القياس، تحقيق محمد عبدالسلام إبراهيم، ط. دار الكتب العلمية، أولى 1991م/1411هـ.
(24) د. محمد يوسف موسى، الإسلام ومشكلاتنا المعاصرة ص49، ط. المكتب الفني للنشر بالقاهرة، بدون تاريخ.
(25) د. أحمد يوسف سليمان، رأي التشريع الإسلامي في مسائل البورصة، مطبوع بموسوعة البنوك الإسلامية 5/406 وما بعدها، د. وهبة الزحيلي، الفقه الإسلامي وأدلته 7/5037، ط. دار الفكر، دمشق.
(26) صحيح البخاري 3/189 كتاب الشروط، باب إذا اشترط البائع ظهر الدابة إلى مكان مسمى جاز، رقم الحديث 2718، ط. دار طوق النجاة، أولى 1422هـ. مسند الإمام أحمد بن حنبل 22/109.
(27) راجع: ابن حجر العسقلاني، فتح الباري شرح صحيح البخاري5/321 وما بعدها، ط. دار المعرفة، لبنان 1379هـ.
(28) حاشية الدسوقي على الشرح الكبير3/63. البهوتي، كشاف القناع 3/190.
(29) د. محمد عبدالغفار الشريف، مرجع سابق ص96.
(30) د. خورشيد إقبال، مرجع سابق، ص402. د. شعبان البرواري، مرجع سابق ص211.
(31) ابن منظور، لسان العرب 6/345 وما بعدها. المقري الفيومي، المصباح المنير 1/286.
(32) يراجع في تعريف السلم: السرخسي 12/124 وما بعدها. الزيلعي، تبيين الحقائق 4/110. ابن عرفة الدسوقي، حاشية الدسوقي 3/195. النووي، روضة الطالبين 3/296، ط. المكتب الإسلامي، دمشق. ابن قدامة، المغني 4/542، ط. دار الغد العربي.
(33) الحديث عن ابن عباس، الترمذي 3/594، أبواب البيوع، باب ما جاء في السلف في الطعام والتمر، رقم الحديث 1311. الإمام الشافعي، المسند 1/139 باب ومن كتاب البيوع، ط. المطبعة الأميرية، بولاق، نشر عالم الكتب 1400هـ، رواه البخاري ومسلم وغيرهما.
(34) راجع: السرخسي، المبسوط 12/124. النووي، الروضة 3/296. الشيخ سليمان الجمل، حاشية الجمل على شرح المنهج 3/229، ط. دار الفكر، بيروت. البهوتي، كشاف القناع 3/304. ابن حزم، المحلى 9/109، ط. دار التراث، تحقيق أحمد شاكر.
(35) الحديث تقدم تخريجه.
(36) الدردير، الشرح الصغير 3/607. حاشية الصاوي على الشرح الصغير 3/607.
(37) النفراوي، الفواكه الدواني 2/98. ط. دار الفكر. الغزالي، الوسيط في المذهب 3/431، ط. دار السلام، القاهرة، أولى 1997م.
(38) الشيخ عليش، منح الجليل 5/370، ط. دار الفكر، بيروت، ثانية 1398هـ. الدردير، مرجع سابق 3/622.
(39) مُلا خسرو، درر الحكام شرح غرر الأحكام 2/159، ط. دار إحياء الكتب العربية.
(40) الكاساني، البدائع 5/207. الباجي، المنتقى شرح الموطأ 4/296. يحيى بن أبي الخير العمراني اليمني.
(41) ابن حزم الظاهري، المحلى 9/109 وما بعدها.
(42) البابرتي، العناية على الهداية 5/334. الشيخ سليمان الجمل، حاشية الجمل 3/229. البهوتي، كشاف القناع 3/304.
(43) الدردير، الشرح الصغير، مرجع سابق 3/607.
(44) د. مصطفى الخن و د. مصطفى البغا في نفس المعنى، الفقه المنهجي 3/46، ط. دار القلم، دمشق، ط. عاشرة 2009م. د. خورشيد إقبال، السابق ص438.
(45) ابن عرفة الدسوقي، حاشية الدسوقي على الشرح الكبير 3/205، وقال «وقد تمتد إلى عشرين سنة مع الكراهة». ويراجع في نفس المعنى د. محمد عبدالحليم عمر، الإطار الشرعي والاقتصادي والمحاسبي لبيع السلم ص67 وما بعدها، ط. المعهد الإسلامي للبحوث والتدريب التابع للبنك الإسلامي للتنمية، جدة 1412هـ/1992م.
(46) راجع: الفيروز آبادي، القاموس المحيط 3/530، ط. دار الحديث، القاهرة.
(47) راجع: الزيلعي، تبيين الحقائق 2/56 وما بعدها.
(48) الكاساني، مرجع سابق 5/2. علاء الدين السمرقندي، تحفة الفقهاء 1/362 وما بعدها.
(49) المرجعين السابقين.
(50) بحوث في الاقتصاد الإسلامي، مرجع سابق، ص122.
(51) راجع: الكاساني، مرجع سابق 5/3. منير القاضي، شرح مجلة الأحكام العدلية 1/207، ط. مطبعة العاني، بغداد 1949م.
(52) راجع: د. كيلاني المهدي، قضايا فقهية معاصرة ، مرجع سابق ص367 و369.
(53) المقري الفيومي، المصباح المنير 2/503.
(54) د. خورشيد إقبال، مرجع سابق ص439.
(55) د. رفيق يونس المصري، بيع التقسيط ص12، ط. دار القلم، دمشق 1418هـ /1997م.
(56) السرخسي، مرجع سابق 13/28. الكاسانيمرجع سابق 5/158، علاء الدين السمرقندي، تحفة الفقهاء 2/46. ابن عرفة الدسوقي، الحاشية 3/58. الشيرازي، المهذب 1/267، البهوتي، كشاف القناع 3/173، ابن القيم، إعلام الموقعين 3/131 وما بعدها.
(57) سنن أبي داود 3/250 كتاب البيوع، باب في الرخصة في الحيوان بالحيوان نسيئة، رقم الحديث 3357. الحاكم في المستدرك على الصحيحين 2/56 كتاب البيوع، قال الحاكم: صحيح على شرط مسلم.
(58) صحيح البخاري مع الفتح 3/56 كتاب البيوع، باب شراء النبي صلى الله عليه وسلم بالنسيئة، رقم الحديث 2068.
(59) ابن المنذر، الإجماع ص55. ابن تيمية، مجموع الفتاوى 29/499.
(60) د. رفيق يونس المصري، مرجع سابق ص39.
(61) ابن حزم، المحلى بالآثار 9/15. أبو زهرة، بحوث في الربا ص37، ط. دار الفكر العربي 1986م.
(62) صحيح ابن حبان، رقم الحديث 1111، 1112. رواه أحمد والعقيلي والبزار والطبراني في الأوسط من حديث ابن مسعود وأخرجه أبو عبيدة وابن حبان والطبراني والعقيلي عن ابن مسعود موقوفاً، قال العقيلي وهو أصح. راجع: ابن حجر العسقلاني، الدراية في تخريج أحاديث الهداية 2/152، كتاب البيوع، باب خيار الرؤية والبيع الفاسد، رقم الحديث 779، ط. دار المعرفة، بيروت.
(63) أبو داود، السنن 5/329 كتاب البيوع، باب فيمن باع بيعتين في بيعة، رقم الحديث 3461. صحيح ابن حبان 11/348 باب المبيع المنهي عنه، ذكر البيان بأن المشتري إذا اشترى بيعتين في بيعة، رقم الحديث 4974، ط. مؤسسة الرسالة، بيروت، أولى 1988م. الحاكم، المستدرك على الصحيحين 2/52 كتاب البيوع، وأما حديث أبي هريرة، رقم الحديث 2292 وقال: صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه، ط. دار الكتب العلمية، أولى 1990م.
(64) البيهقي، السنن الكبرى 6/29، جماع أبواب بيوع الكلاب وغيرها مما لا يحل، باب ما جاء في بيع المضطر وبيع المكره، رقم الحديث 11076، ط. دار الكتب العلمية، ثالثة 2002م.
(65) أبو زهرة، مرجع سابق ص37.
(66) د. خورشيد إقبال، مرجع سابق ص446 وما بعدها.
(67) ابن القيم، إعلام الموقعين 2/132.
* أستاذ الفقه المشارك / كلية الشريعة والقانون جامعة الأزهر