الاجتهاد: دائرة المعارف الحسينية هي أعظم موسوعة عرفها التاريخ، فقد قاربت أجزائها الستمائة مجلد، كل مجلد لا تقل صفحاته عن 400 صفحة. أما مؤلفها فهو الفقيه المحقق الدكتور محمد صادق الكرباسي.
تعد شخصية الإمام الحسين (عليه السلام) بداية التوهج الإنساني العظيم لتفردها بالوقوف الأسطوري يوم الطف الخالد .. اليوم الذي أنتج الكثير من الدلالات والمعاني ورسَّخ في ذاكرة ثقافات الأجيال كلها معنى الثورة على الظلم ووجوبية مقالة الحق في أقسى الظروف، وقد استطاعت المدرسة الحسينية أن تكون مرجعا للكثير من المفكرين والباحثين من المسلمين وغير المسلمين.
ولكي يصل التوهج الحسيني الى كل البقاع ولكي يبقى التراث الحسيني مصدراً للأجيال كان لابد من وجود موصلات وروافد ومنابع تتبنى ذلك، فجاءت دائرة المعارف الحسينية لتحتضن عبر موسوعتها كل ما يرتبط بتراث الثورة الحسينية من فكر وأدب، ولمعرفة تفاصيل أكثر عن هذه الدائرة كان لنا هذا اللقاء مع الأستاذ هاشم الطرفي نائب مدير دائرة المعارف الحسينية فرع العراق والذي يتخذ من كربلاء مقرا له.
متى تأسست دائرة المعارف الحسينية؟
بدأت النواة الأولى لتأسيس دائرة المعارف الحسينية منذ ليلة الحادي عشر من شهر محرم الحرام عام 1408 هـ (5/9/1987 م)، حيث واصل المؤلف الليل بالنهار ولازال إلى يومنا هذا في تجميع مادة الموسوعة المتوزعة على ستين بابا في أكثر من ستمائة مجلد والتحقيق فيها،
وبعد ست سنوات من العمل المضني صدر عام 1993 م تعريف عام لدائرة المعارف الحسينية من إعداد الإعلامي والأكاديمي العراقي الدكتور نضير رشيد الخزرجي بعنوان: (دائرة المعارف الحسينية في خمسمائة مجلد للكرباسي: تعرف عام)، وحينها كانت أعداد الموسوعة المخطوطة والمطبوعة قد بلغت 300 مائة مجلد وكان في منظور المؤلف أن تصل الى خمسمائة مجلد، وكان “ديوان القرن الأول” الذي صدر عام 1414 هـ (1944 م) هو باكورة الموسوعة الحسينية،
وبعد سبع سنوات بلغت الموسوعة بالمخطوط منها والمطبوع نحو خمسمائة مجلد فصدر عام 1421 هـ (2000 م) تعريف جديد من إعداد الإعلامي العراقي الأستاذ علاء جبار الزيدي بعنوان: (معالم دائرة المعارف الحسينية للكرباسي)، وبعد عشر سنوات تعدت الموسوعة الستمائة مجلد.
والمفيد ذكره أن أجزاء دائرة المعارف الحسينية تصدر تباعا عن المركز الحسيني للدراسات بلندن الذي تأسس رسميا سنة 1414 هـ (1993 م)، وله مقر عام في لندن افتتح بشكل رسمي سنة 1424 هـ (2003 م) يضم مكتبة عامة مؤلفة من نحو 22 ألف كتاب في أبواب متفرقة ولغات مختلفة، إلى جانب المخطوطات، والأقراص المدمجة فضلا عن صفحة خاصة في الشبكة البينية الدولية.
هل هناك تعاون مع المؤلف يشمل الرفد بالمعلومات أو الدعم المالي؟
في الواقع أن من عادة المؤلف أن يطرق الأبواب كلها وشغله الشاغل الحفاظ على تراث النهضة الحسينية وتصنيف موادها والبحث فيها وتدقيقها وتخليصها من الشوائب والزوائد التي علقت بها خلال أربعة عشر قرناً، ولذلك يرى أن من أهم خصال المؤلف والموسوعي هو التواضع للعلم، ومن تواضعه أن يُذيِّل كل مجلد بنداء يطلب فيه تزويده بكل معلومة حسينية صغيرة كانت أو كبيرة لاسعاف الموسوعة الحسينية، ومن تواضعه أن يختم كل مجلد بطلب من كل صاحب قلم بنقد الموسوعة وأجزائها، لأن ديدن المؤلف التوثيق لا التجميع.
ومن واقع العمل، فإن ما يرده من معلومات أقل مما هو متوقع، ولكن همّة المؤلف وبحثه وتدقيقه لم توقفه عن تسقط المعلومة الحسينية أينما كانت حتى وإن قرّت فوق قمم جبال هملايا.
وفيما يتعلق بالرفد المادي للموسوعة، فإن المؤلف في بداية الأمر صرف ما عنده في وضع اللبنات الأولى لإرساء قواعد الموسوعة، ومن ثم انفتح على الآخرين لتولى طباعة أجزاء الموسوعة، ومع أن البعض لم يبخل في طريق الحسين (ع) من وجهاء ومؤسسات دينية، لكن العطاء لا يوازي البذل المعرفي، فلو كانت الإمكانية المادية متوفرة لشهدنا صدور عشرات أخرى من أجزاء دائرة المعارف الحسينية،
ولكن ما يميز الفقيه الكرباسي، أنه لا يربط كتابته طرديا بما يصدر، ولا ينتظر الصدور، فهو يكتب ويحفظ ما يكتب على أمل أن يجد متبرعا ليخرج المخطوط إلى حيز الوجود ويجد مكانه الطبيعي في المكتبات، وبالطبع فإن الدعم المالي في معظم الأحيان يكتفل الطباعة وحدها دون غيرها من مصروفات الموسوعة.
ولا بأس بالإشارة هنا، أن بعض أجزاء الموسوعة تبرع بطباعتها ورثة ميت وجدوا من المناسب التبرع باسم فقيدهم ليخلد اسمه في الكتاب حيث يفرد المؤلف صفحة كاملة لذلك، ويحصل على أجر الكتاب في الوقت نفسه، وهذا اسلوب أرى من المفيد أن يلجأ اليه الورثة المتمولون فهو مجد للفقيد وعز لهم ولأحفادهم.
عدد المجلدات المطبوعة 62 من أصل 600 مجلد، هل ستطبع كل الأجزاء وما هي المعوقات التي تحول دون طباعة أجزاء الموسوعة؟
ابتداءاً لابد من الإقرار بأن هذه الموسوعة يقوم أعباؤها على ظهر مؤلف واحد، على خلاف الموسوعات الأخرى التي تصرف لها الملايين مع كادر بالعشرات كحد أدنى وبالمئات ربما أكثر في بعض الموسوعات العالمية، وهناك بعض المتعاونين المباشرين مع المؤلف وهم أقل من أصابع اليدين، ولكن المؤلف هو كإبراهيم عليه السلام الذي كان أمة واحدة رغم فرديته،
فقد استطاع أن يطبع خلال عقدين 62 مجلدا إلى جانب الأجزاء المخطوطة، ناهيك عن إهتماماته الأخرى في أبواب الفقه والشعر والعروض والتفسير، حيث نظم دواوين عدة، وصدر له في البحور والعروض والتفسير، وكتب في الشريعة نحو 304 عناوين بعضها مطبوع ومعظمها مصفوف، وهي من أصل ألف عنوان، وغيرها من المؤلفات، هذا غير مواصلته اليومية مع العالم الخارجي حيث يجيب على استفسارات واستفتاءات الناس ويحل مشاكلهم عائلية كانت أو شخصية ويستقبل أرباب العلم والقلم ووجهاء المجتمع من جنسيات مختلفة، فهو طاقة متوقدة، نأمل أن تبقى إلى ما شاء الله.
وفي تقديري لو أن المؤلف استطاع أن يحصل على منافد مالية مرصودة لمثل هذا العمل الموسوعي المتفرد في عالم الموسوعات الإسلامية وغير الإسلامية، فإننا قد نشهد صدور أجزاء الموسوعة تباعا لاسيما وأنها مخطوطة وليست منظورة في الذهن، رغم أن الموسوعة بحد ذاتها بحر عميق غوره، لكن همّته تعجز دونها همّة صيادي اللؤلؤ في قاع البحار.
هل سيكون للموسوعة مكاتب في العالم مضافا الى مكاتب بيروت ولندن وكربلاء والكويت؟
طموح المؤلف لا تتوقف عند أبواب هذه العواصم والمدن، فالإمام الحسين (ع) كجده محمد (ص) رسالته عالمية إلى كل البشر، ولذلك فلابد من أن تكون للموسوعة موطئ قدم في الحواضر العلمية والثقافية في أنحاء العالم، ولكن هذا مرهون بمدى عطاء أصحاب الأيادي البيضاء وآخضرار أقدامهم.
نلاحظ أن كتب الشعر أكثر من بقية الكتب المطبوعة؟
تشكل مجلدات الشعر القريض والشعر الدارج من أبوذية والسريع نحو نصف المطبوع، وهي لم تطبع تباعاً، لأن المؤلف يكتب في آن واحد في أبواب عدة، ولذلك في كل مرة يصدر من المطبعة مجلدان أو ثلاثة وربما أكثر وفي أبواب متفرقة، غير أن المؤلف بدأ أولاً بالشعر القريض،
وهذا تطلب منه متابعة كل الشعر الذي قيل في الإمام الحسين (ع) على نحو اربعة عشر قرناً، والمتابعة تتطلب المواصلة إلى النفس الأخير هذا من جانب، ومن جانب آخر فإن بعض المجلدات التي صدرت هي في أبواب جديدة وهذا يتطلب جهدا وبحثا وتدقيقا وزمنا، مثل باب :الحسين والتشريع الإسلامي” الذي صدر منه حتى الآن أربعة أجزاء، و”تاريخ المراقد” الذي صدر منه ستة أجزءا حتى الآن، و”السيرة الحسينية” في جزئين حتى الآن وغيرها من الأبواب الستين، بخاصة وأن المقدمة تشكل تقعيدا وتأصيلا للباب وعلمه، من قبيل باب: الإمام الحسين في الشعر القريض، حيث جاءت مقدمة دواوين القرون لوحدها في جزئين بعنوان: “المدخل الى الشعر الحسيني”، فالمحقق الكرباسي لا يأنس بعدد المطبوع بقدر أنسه بالكتاب المحقق، فشعاره التحقيق وإن طال الزمن أو بعدت المعلومة مكاناً.
البحوث المطبوعة هل تشمل كل الباحثين من مختلف الجنسيات؟
هناك نوعان من البحوث ذات العلاقة بالموسوعة الحسينية.
أولا: البحوث المستلّة من الموسوعة نفسها.
ثانيا: المقدمات الأجنبية المكتوبة عن أجزاء الموسوعة.
في الحقل الأول صدرت بحوث عدة لمؤلفين من جنسيات ومذاهب مختلفة محورها جزء من أجزاء الموسوعة أو فصل منه، حيث يقوم الباحث باستلال فصل من احد أجزاء الموسوعة ويعلق عليه ويصدر في كتاب مستقل، أو أن يقوم الباحث أو الباحثة باستلال مقدمة باب من أبواب الموسوعة وتنضيده في كتاب مستقل مع التعليق عليه،
ومن ذلك على سبيل المثال كتاب: (الظواهر التربوية في أشعار دائرة المعارف الحسينية) من إعداد الأكاديمي العراقي الدكتور عبد الحسين مهدي عواد، كتاب: (الأدلة القرآنية في الشعر الحسيني) من إعداد الأديب الأردني محمود عبده فريحات، كتاب: (التشريع الإسلامي في مناهله) من إعداد الأكاديمي الفلسطيني الدكتور خالد أحمد السنداوي، وكتاب: (نظرة المستشرقين والرحالة الى الروضة الحسينية) من إعداد المؤرخ العراقي الدكتور جليل إبراهيم العطية، وغيرها من الكتب المطبوعة الأخرى.
في الحقل الثاني، فإن في آخر كل مجلد توجد مقدمة لعلم من أعلام البشرية من جنسيات وأديان ومذاهب ولغات مختلفة، يقدم فيها الباحث رأيه في النهضة الحسينية وفي دائرة المعارف الحسينية وقراءة موضوعية للجزء الذي بين يديه، حيث يحرص الفقيه الدكتور محمد صادق الكرباسي على إشراك الآخرين في الكتابة عن النهضة الحسينية وتراثها،
وقد صدر حديثا للإعلامي والأكاديمي العراقي الدكتور نضير الخزرجي كتاب “نزهة القلم.. قراءة نقدية في الموسوعة الحسينية” ضم عشرين مقدمة لعشرين عالما وعالمة في حقول مختلفة كتبوا مقدمات لأجزاء دائرة المعارف الحسينية فيهم الآشوري والكاثوليكي والهندوسي والسيخي وفيهم المسلم الإمامي والمسلم السني والمسلم الزيدي، وفيهم الروسي والبريطاني والفرنسي والسويدي والنمساوي والباكستاني والعراقي والكندي والسويسري والكاميروني والهندي وغيرهم. جريدة “الإعلام العراقي” الصادرة في كربلاء المقدسة، العدد 200.
المصدر: المركز الحسيني للدراسات- لندن
حاوره: سلام محمد البناي/ كربلاء