خاص الاجتهاد: أشار حجة الإسلام أبو القاسم كريمي إلى ابتكارات الشهيد السيد مصطفى الخميني في مبحث ولاية الفقيه، موضحاً: في بحث ولاية الفقيه، هو من أوائل الفقهاء الذين استدلوا بآيات القرآن، حيث استند في هذا الصدد إلى خمس آيات من الذكر الحكيم.
جاء ذلك في الجلسة العلمية التي عُقدت مؤخراً في معهد الإمام الرضا (ع) العالي للدراسات الحوزوية، لمراجعة وتقييم كتاب ولایت و حکمرانی فقیه (ولاية وحاكمية الفقيه)، وهو ترجمة لرسالة الشهيد السيد مصطفى الخميني حول ولاية الفقية.
وفي بداية الجلسة، قدم حجة الإسلام والمسلمين أبو القاسم كريمي، مترجم الكتاب، شروحات حول العمل، وقال: كانت هذه الرسالة جزءاً من كتاب “البيع” للحاج السيد مصطفى الخميني. وعندما قارنا عمله هذا مع الأعمال والرسائل التي كُتبت قبلها وبعدها عن ولاية الفقيه، رأينا أن امتيازاته وإبداعه وعبقريته تتضح بامتياز. وأوضح أن الكتاب يشتمل على تمهيد ومقدمتين. وفي التمهيد الأول، يتناول الشهيد السيد الخميني مبحث تأسيس الحكومة كواجب ووظيفة للأنبياء. فالكثير من الشبهات التي طُرِحت لاحقاً من قبل المرحوم بازرگان وغيره، كان الشهيد السيد مصطفى الخميني قد طرحها في ذلك الوقت في رسالته.
وأضاف حجة الإسلام كريمي: في الجهة الأولى التي يتناول فيها الأدلة اللفظية على ولاية الفقيه، يعد الشهيد مصطفى الخميني من أوائل الفقهاء الذين استندوا إلى آيات القرآن الكريم، حيث استدل في هذا الصدد بخمس آيات قرآنية. وقد شكل الحاج السيد مصطفى الخميني سابقة (خطّاً رائداً) هنا في استدلاله المستقل بآيات القرآن في موضوع ولاية الفقيه. ثم طرح في رسالته اثنين وعشرين رواية، وهي نقطة تعد في حد ذاتها من امتيازات رسالته. ففي الجهة الأولى، كان مبادراً في الاستدلال بالآيات، كما كان مبتكراً في دراسة سند الروايات ودلالتها.
أما في الجهة الثانية، فتناول الشهيد الإجماعات، واستعرض سوابق بحث ولاية الفقيه في التراث الشيعي.
وفي الجهة الثالثة، تناول الموارد المالية للحكومة الإسلامية.
وفي الجهة الرابعة، طرح أقسام الولاية الاعتبارية.
وفي الجهة الخامسة، قام بتقييم علمي ودراسة سندية ودلالية للروايات التي تشير إلى حصر البيعة والحكم بالأئمة (عليهم السلام)، وهي الروايات التي تدل على أن تشكيل الحكومة في عصر الغيبة ممنوع. ويُعد الاهتمام بهذه الروايات بشكل مستقل من مبتكراته التي قلّما حظيت بالاهتمام في الأعمال التي سبقته.
واستمر قائلا: لقد بيّن الشهيد السيد مصطفى الخميني في الجهة السادسة شروط الحاكم الإسلامي. ففي حين كان الفقهاء قبله يشيرون إلى شرطي الفقاهة والعدالة، أضاف هو الوعي بأمور الزمان كشرط ثالث للولي الفقيه. كما أولى اهتماماً في مباحثه لصفة الإدارة وتنظيم شؤون المجتمع.
وتتعلق الجهة السابعة بالمسائل التي يوجد تردد وشك في كونها تحت اختصاص الولي الفقيه.
أما الجهة الثامنة، وهي أيضاً من مبتكراته، فقد تناول فيها شروط تولي الزعامة أو التصدي للحكم. وهذا الشرط ينظر إلى موضوع: متى تكون لدينا وظيفة شرعية بتشكيل الحكومة؟
وتنظر الجهة التاسعة إلى موضوع التزاحم بين الفقهاء والولي الفقيه الحاكم، وقد درس هذا المبحث بعناية فائقة.
التسلسل التاريخي لدراسة ولاية الفقيه في مؤلفات الفقهاء
واستعرض أستاذ الحوزة العلمية حجة الإسلام والمسلمين ذبيح الله نعيميّان، تطور دراسة ولاية الفقيه، موضحاً: فيما يتعلق بأهمية هذا الكتاب (رسالة الشهيد السيد مصطفى الخميني)، أقدم مقدمة لتوضيح مكانة هذه الرسالة. في الماضي، كانت مسألة ولاية الفقيه تُناقش في مؤلفات الفقهاء باختصار شديد، غالباً في حدود سطر واحد، وكانت تقتصر على جُمل إفتائية مفردة.
وأضاف: لم يكن لدينا فقيه يفتح باباً مستقلاً لبحث ولاية الفقيه حتى قام المرحوم النرّاقي بمناقشة هذا الموضوع بالتفصيل. وقد تزامن هذا الحدث مع فترة كان فيها الفقهاء يمارسون الولاية بالفعل. أسس النراقي في هذا الصدد قاعدتين فقهيتين، شكلتا المحور والمنطلق لمباحث العلماء اللاحقين، فكتب عدة أشخاص رسائل متتالية حول ولاية الفقيه.
واختتم قائلاً: وفي النهاية، أولى الشيخ الأنصاري، الذي كان تلميذاً للنراقي، اهتماماً لهذا المبحث. فأنشأ الشيخ الأنصاري ازدواجية بين الولاية الاستقلالية للفقيه والولاية غير الاستقلالية. وقد جعل العلماء الذين كتبوا حواشي على كتاب “المكاسب” هذه الأقسام محوراً لمناقشاتهم، لكن الحاج السيد مصطفى الخميني لم يُقحم نفسه في تفاصيل التمييز بين هذه الأقسام، بل طرح مطالبه الخاصة بشكل مباشر ومستقل.
تزاحم رأي الولي الفقيه مع سائر الفقهاء
وأشار حجة الإسلام نعيميان إلى أن آية الله البروجردي كان قد طرح وأثبت موضوع ولاية الفقيه ضمن مبحث صلاة الجمعة، وأضاف: بعد ذلك بثلاث سنوات، طرح الإمام الخميني بحث ولاية الفقيه. وبعد ثلاث سنوات أخرى، قام آية الله الكلبايكاني بتدريس ولاية الفقيه. وعندما انتقل الإمام إلى النجف، طرح بحث ولاية الفقيه مرة أخرى استمراراً لمباحث المكاسب لديه. كان الحاج السيد مصطفى الخميني موجوداً في هذا الأجواء.
في ذلك الوقت، نُشرت كتابات ومسودات الإمام الخميني، وطُرحت إشكالات وتساؤلات، من ضمنها مبحث التزاحم بين رأي الولي الفقيه وسائر الفقهاء. إن قيام الحاج السيد مصطفى بطرح بحث التزاحم يُعد عملاً مهماً. والنقطة الأهم هي نظرة الشهيد مصطفى للمسألة، حيث كانت نظرة عملياتية تطبيقية بالكامل؛ إذ كان يسعى إلى تأسيس الحكومة، وكان لتشكيل الحكومة حضور دائم في طيات مباحثه.
الميراث التاريخي وضرورة تأسيس الحكم
وصرح حجة الإسلام نعيميان: أردت بهذه التوضيحات أن أُبين أن الخلفيات العلمية السابقة تؤثر على المسائل التي يتابعها الفقيه. وفي مبحث ولاية الفقيه أيضاً، طُرحت تساؤلات كبيرة بناءً على الميراث التاريخي، ولهذا تطرق إليها الشهيد السيد مصطفى الخميني. لقد سعى الشهيد، من ناحية التسلسل التاريخي، إلى تبيان أي الاستدلالات يمتلك قوة وأيُها لا يمتلكها، فقام بنقدها ومراجعتها جميعاً.
وأضاف: لقد حاول الشهيد السيد مصطفى الخميني إبراز الدليل العقلي، وتشبث في هذا الصدد بمبحث مقدمة الواجب. وهو يؤمن من الناحية المنهجية بالضم والجمع؛ حيث يضع بعض الأدلة إلى جانب بعضها كمقدمات ليثبت وجوب تشكيل الحكومة.
وهناك مبحث آخر في غاية الأهمية في مباحثه وهو التفريق بين الأمور العامة والأمور الخاصة، والذي ذكر له مقدمات جيدة يمكن الاستفادة منها في مجالي فلسفة الحقوق والفلسفة السياسية.
المصدر: وكالة إيكنا بالفارسية